الموقف السعودي وخريطة التحالفات الجديدة...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
... في المنطقة العربية
الموقف السعودي الذي وصف ما قام به حزب الله بأنه "مغامرة غير مسئولة" وفرق بين "المقاومة الشرعية والمغامرات غير المحسوبة" ، ودعا إلى أن "تتحمل هذه العناصر وحدها المسئولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسئولة ، والتى يقع عليها وحدها عبء هذه الأزمة التي أوجدتها"، وفي نفس الوقت طالب بوقف العدوان الإسرائيلي في مقابل بسط سيادة الدولة اللبنانية والحكومة الشرعية على كافة أرجاء لبنان، هو في الحقيقة موقف شجاع، عقلاني، واقعي، حاسم ومسئول وداعم للحقوق العربية بعيدا عن المزايدات والشعارات والنفاق. وهذا الموقف يتماشي مع رؤية الحكومة الشرعية وزعيم الأغلبية سعد الحريري الذي صرح " بأن المغامرين وضعونا في موقف محرج بسبب مغامراتهم غير المسئولة". الموقف السعودي لا يتماشي فقط مع الموقف الدولي والشرعية اللبنانية، ولكنه وضع النقاط على الحروف بالنسبة للتحالفات والتغيرات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
وجاء الموقف المصري الأردني المتماهي مع الموقف السعودي ليبرز شكل التحالفات وربما المحاور الجديدة في المنطقة.
الموقف السعودى المصرى الأردنى جاء بعد قناعة بأن هجوم حزب الله تم بناء على أوامر غير لبنانية وإنه لا يصب لا فى المصلحة اللبنانية ولا المصلحة العربية التى أرتضت السلام كخيارا أستراتيجيا للحل.فبعد موافقة روسيا والصين على تحويل الملف النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن دعت إيران دول الجوار العراقى للأجتماع فى طهران والقى عليهم الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد خطبة عصماء حول أهمية قيام الدول الإسلامية بإزالة اسرائيل من الوجود، وصرح الرئيس الإيرانى بعد ذلك بأن الهجوم على سوريا هو هجوم على العالم الإسلامى باكمله، وزايد أحمدى نجاد اكثر فصرح يوم 27 يوليو بقوله " إسرائيل ضغطت على زر فنائها منذ اللحظة الأولى التى اعتدت فيها على لبنان!!!" . وفى يوم 25 يوليو صرح محسن رضائى أمين مجمع تشخيص النظام الإيرانى "أن امن لبنان بشوارعه وأزقته بيد حزب الله، وأن لا أحد يجرؤ على نزع سلاحه".
و يوم الأحد 17 يوليو 2006 صرح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد على خامنئي بأن حزب الله لن يلقي سلاحه، وعلاوة على تحدي هذه التصريحات للحكومة الشرعية والتى ترى عكس ذلك وللقرارات الدولية ومنها القرار 1559 فإنه ايضا يجعل لبنان رهينة إيرانية في أيدي حزب الله، ويستبدل الوصاية السورية بوصاية إيرانية بعد أن أصبحت سوريا ذاتها في عهد بشار الأسد تابعا للدولة الإيرانية تدور في فلكها وتحتمي بها وتنفذ أجندتها، وقد وقعت سوريا وإيران بالفعل معاهدة تعاون عسكرى وإتفاقية دفاع مشترك فى 16 يونيه 2006
لقد تذكرت إيران فجأة عبر مسئوليها وعملائها فى لبنان أن تحرير القدس يمر ببيروت وعلى جثث اللبنانيين الأبرياء والذين لم يستشرهم أحد وأنما أختطف بلدهم عنوة. والجديد أن الكثير من الأصوات اللبنانية نفضت حاجز الخوف وبدأت تنتقد حزب الله صراحة على كافة المستويات من السنيورة والحريرى وجنبلاط إلى هيفاء وهبى والتى قالت لإيلاف بتاريخ 28 يوليو 2006 " لا أعتقد أن أحد أهتم بأخذ راينا قبل أن يخوض هذه الحرب.لماذا علينا دوما أن نحل مشاكلنا بالعنف؟".بالمناسبة قال لى مرجع شيعى مرموق وينتمى إلى آل البيت ،عندما التقيته فى واشنطن على عشاء مع مسئول من وزارة الخارجية الأمريكية، ان هيفاء وهبى شيعية وتنتمى إلى آل البيت، وبالنسبة لى شخصيا هيفاء أفضل من حسن نصر الله حيث تعرف حدودها وتتصرف فى حدود جسدها أما حسن نصر الله فأختطف لبنان لصالح دولا لا تريد للبنان أى خير.
حماس أيضا وعبر خالد مشعل، ضيف دمشق والزائر الدائم لطهران، هي جزء من هذا التحالف عبر اتفاقها مع حزب الله عام 2004 لتعميق التحالف العسكري ضد إسرائيل. وقد ظهر ذلك بتعطيل خالد مشعل، بناء على تنسيق مع سوريا وإيران، للجهود التى قامت بها مصر للأفراج عن الجندي الإسرائيلي والتى وافق عليها الداخل الفلسطيني.وإذا اضفنا إلى ذلك التخريب الإيرانى اليومى لجهود بناء الديموقراطية العراقية عبر حلفائها هناك مثل جيش المهدى بقيادة مقتدى الصدر وفيلق بدر بقيادة عبد العزيز الحكيم علاوة على آلاف الجواسيس والعملاء والإرهابيين التى أرسلتهم إيران وسوريا لنشر الفوضى والتخريب والدمار داخل العراق.
نحن إذن أمام محورين
الأول: إيران، سوريا، حزب الله، حماس ، الأخوان المسلمين، جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر وفيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق ومعهم كل الحركات الإسلامية الإرهابية فى المنطقة.
الثانى: السعودية، مصر، الأردن، الكويت، البحرين.
المحور الأول والذي يجسد ابتلاع الراديكالية الإسلامية للراديكالية الثورية والقومية، يعكس أيضا محاولة إدخال المنطقة العربية في حقبة الراديكالية الإسلامية . وهذا المحور في حالة تصادم مع المجتمع الدولي بقيادة إيرانية ،وأهم أداة إعلامية لهذا المحور هي قناة "الجزيرة" الواسعة الأنتشار والتأثير..
المحور الثاني يمثل الدول التي تسعي لإستقرار المنطقة بعيدا عن الصراعات ومنفتحة على المجتمع الدولي ولها علاقات جيدة مع الدول الكبري. وأهم أداة أعلامية لهذا المحور هو الأعلام السعودي الأكثر مهنية وأحترافا وانتشارا في المنطقة العربية.
مما يؤسف له أن المحور الأول يحظي بتأييد القوى الغوغائية عالية الصوت في المنطقة العربية. بالنسبة للسعودية ،المتحالفة مع الغرب، فقد صمدت من قبل في مواجهة مثل هذه الغوغائية الثورية والتي كانت تنطلق من عواصم الشعارات الثورية وفي مقدمتها صوت العرب من القاهرة ، ولذلك دخلت معركتها الجديدة وهي واثقة من نفسها ومن آجل دعم مصالح الدولة السعودية في الأساس ضد المخاطر والأطماع الإيرانية ،وهناك درجة كبيرة من التماهي بين الشارع السعودي وحكومته ولكن للأسف هذا لا يحدث فى الشارع المصري أو الشارع الأردنى المسيطر عليهما من قبل الأخوان والجماعات الإسلامية الأخرى والقوى الغوغائية المتحالفة معها.
الراديكالية الثورية العربية تحالفت من قبل مع القوى الإرهابية الثورية في العالم كله افرادا وجماعات ، والراديكاليةالإسلامية، تجاوزت في إرهابها كل الحدود العقلانية والأخلاقية والإنسانية.
أستغرب من كلام حسن نصر الله أن حزب الله يخوض معركة الأمة، عن أي مقاومة يتحدث؟ وعن أي أمة يتحدث؟. السيد حسن نصر الله أخل بالأتفاق مع القوى اللبنانية الأخرى بالحفاظ على الهدوء على الحدود الجنوبية، ببساطة لأن قراره يأتي من طهران. حسن نصر الله الذي يفضل الموت على الحياة مثل أسامة بن لادن، لم يستشر الضحايا الأبرياء وهم بالتأكيد كانوا يفضلون الحياة ويحبون الحياة، والسيد نصر الله يحتمى في مخبئه المحصن مثل بن لادن وترك الأبرياء يواجهون القنابل في الفضاء العارى.
والغريب أن أحد وزراء حزب الله فى الحكومة اللبنانية يقول أننا حولنا الموسم السياحى إلى موسم بطولة!!!....هل يعقل هذا الكلام الفارغ الأجوف!!!. عن أى بطولة تتحدث أيها الأحمق بعد أن تسببتم فى تدمير لبنان ؟.
حزب الله الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 1982 يمتلك كما تقول واشنطن بوست ونيويورك تايمز حوالي 13 ألف صاروخ من إيران وطائرات بدون طيار، 14 مقعدا في البرلمان اللبناني ويمثله وزيران في الحكومة اللبنانية ويتلقى من 100إلى 200 مليون دولار سنويا من إيران وأضعاف هذا المبلغ من الشيعة المهاجرين في الغرب ويوظف 250 الف لبنانيا ويعتبر ثاني أكبر رب عمل في لبنان بعد الدولة اللبنانية.
إذن حزب الله أبتلع الدولة اللبنانية ولا تستطيع الدولة بقواتها المسلحة الهشة مواجهته أو الاعتراض على أهدافه غير اللبنانية، ولو تعارضت المصالح يمكن لحزب الله إسقاط الحكومة في بيروت والسيطرة الكاملة على الدولة اللبنانية.
هو إذن حزب يعمل بإرادة إيرانية سورية ضد مصالح لبنان وتطلعات شعبه في التنمية والإزدهار والأستقرار بعيدا عن الحروب والأقتتال، وقد ظهر ذلك واضحا بإفساده فرحة اللبنانين بخروج جيش الاحتلال السوري حيث قام بمظاهرة ضخمة تحت شعار " شكرا لسوريا الأسد " لشكر سوريا على أحتلالها وشكر غازي كنعان ورستم غزالة على عربدتهما التي أستمرت عقودا في الدولة اللبنانية!!!.
وفي حين كانت هناك إدانات عالية الصوت وطلب محاكمة لجيش لحود في جنوب لبنان لعمالته لإسرائيل لم يرتفع صوت واحد في لبنان يتهم حزب الله أو يطالب بمحاكمته رغم عمالته الواضحة لإيران وسوريا وذلك نتيجة لإرهابه للقوي اللبنانية حتى أن مجرد انتقاده في برنامج تلفزيوني استوجب إرساله لالته التخريبية الباطشة لكل من يقترب منه بالنقد، ولا ننسي أن حزب الله أول من أدخل التفجير الانتحاري الإسلامي في الحقبة الأخيرة.
حزب الله يسعى إلى أسلمة الدولة اللبنانية بأكملها، والكل يعرف مصير الدولة اللبنانية إذا أستمر هذا الحزب بنفس الزخم. إيران التي فشلت في "تصدير الثورة" بسبب الحرب العراقية الإيرانية والتى أستمرت ثمان سنوات بدعم عربي ودولي ، تسعي لفرض الهيمنة مرة أخرى عبر محورها الجديد مع القوى الراديكالية الإسلامية في المنطقة. وقد وصلت الرسالة بوضوح للعواصم العربية الكبرى مثل القاهرة والرياض، ويأتي سعي إيران الدائب لإمتلاك قوة نووية ليس من آجل مواجهة إسرائيل ولكن لفرض هيمنتها على المنطقة العربية وخاصة منطقة الخليج.
للأسف لبنان الجميل منكوب بالتدخلات العربية والإسلامية في شئونه والتي جلبت له حربا طائفية طاحنة وعداء إسرائيليا، فالتدخل الفلسطيني والسوري والعربي لإسلمة لبنان والقضاء على الوجود المسيحي وجعل لبنان جبهة الفلسطينيين وغيرهم للحرب على إسرائيل أشعل حربا طائفية بغيضة، وكما يقول الشاعر اللبناني الكبيرسعيد عقل لم ينقذ المسيحيين في لبنان سوي التدخل الإسرائيلي عام 1982، ويأتي التدخل الإسرائيلى عام 2006 لإنقاذ المسيحيين والدروز والعلمانيين مرة أخرى من أسلمة الدولة اللبنانية، ولكن هذه المرة بدعم شيعى فارسى، لو استمر حزب الله في وضعه الحالي.. وهكذا شئنا أم أبينا أنقذ التدخل الإسرائيلي أوضاع المسيحيين في لبنان مرتين. وكما طردت إسرائيل عرفات وعصابته إلى تونس عام 1982 نأمل أن ينهي التدخل الإسرائيلي هذه المرة إرهاب حزب الله ويطرد الحرس الثوري المتواجد فى الجنوب إلى إيران مرة أخرى.
السعودية أيضا التي كان لها دور بارز في السلام اللبناني عبر اتفاق الطائف وفي التعمير عبر رجلها القوي رفيق الحريري، تعود مرة أخرى لتضع النقاط فوق الحروف فيما يتعلق بدعم الحكومة الشرعية في لبنان لصالح اللبنانيين بعيدا عن الحروب بالوكالة التي يقودها الطائشون من الراديكاليين في جنوب لبنان.
إنتصار محور الراديكالية الإسلامية بقيادة إيران إذا حدث، لا قدر الله، معناه دخول المنطقة في نفق مظلم لنصف قرن آخر.
وكلي أمل أن تكون مغامرة حزب الله الأخيرة بداية النهاية لهذا المحور التخريبي، عبر تعاون القوى العربية التقليدية الكبيرة مع المجتع الدولي لمحاصرة هذا التخريب والتطرف.
magdi.khalil@yahoo.com