كتَّاب إيلاف

هل حقاً صار حزب الله قوة عظمى؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محنة العرب اليوم ناجمة عن الانحطاط الحضاري الذي بدأ بالغزو المغولي عام 1258. ومنذ ذلك التاريخ غاص العرب في ظلام الجهل والتخلف وحكم الأجنبي. والانحطاط الحضاري عادة يصحبه انحطاط فكري وأخلاقي إضافة إلى تسلط العاطفة والغريزة والمزاجية المتقلبة واللاعقلانية على سلوك الجماهير. ونتيجة لهذا الانحطاط المركب صار العرب في حالة انفصام شبه كامل عن الواقع المزري المرفوض، بل وحتى عن العالم. فبدلاً من أن يروا الواقع كما هو، أصروا على رؤيته كما يتمنون ويشتهون ووفق رغباتهم وشهواتهم وما ورثوه من تراث عن السلف. فالواقع مرير ومتخلف ومخزي إلى أبعد الحدود. لذلك فالعقلية السائدة على الشارع العربي يعكس هذا الواقع المتخلف.

فمن نافلة القول، أن على أي إنسان عاقل، وخاصة الصحفي والكاتب السياسي الذي يحترم نفسه ويحترم قراءه، أن يتجنب المبالغة في أقواله وكتاباته، ويكون موضوعياً قدر الإمكان وصادقاً مع نفسه أولاً ومع قرائه ثانياً، لكي لا يفقد المصداقية، وحتى أدواته اللغوية. فإذا أطلق الكاتب مثلاً، صفة (القوة العظمى) على مليشيات لا يتجاوز عدد منتسبيها العشرين ألفاً وتجهيزاتها القتالية لا تزيد عن تجهيزات بسيطة وفق معايير اليوم، أو حتى تجهيزات فرقة عسكرية واحدة من الجيش النظامي لأية دولة، فماذا يبقي عنده من مفردات لغوية ليصف بها قوة عظمى حقيقية تمتلك وسائل الدمار الشامل وصواريخ نووية عابرة القارات، وطائرات الشبح غير المرئية من الرادارات، مثل الجيش الأمريكي أو جيوش الدول الكبرى في العالم؟

مناسبة هذه المقدمة، هي ما أسمعه هذه الأيام من بعض وسائل الإعلام العربي، وحتى من كتاب يدعون الموضوعية، إطلاق صفة "القوة العظمى" على حزب الله اللبناني الذي قام بمغامرة غير محسوبة العواقب وورط لبنان وشعبه في حرب غير متكافئة مع الوحش الإسرائيلي ودون أن يكون مهيئاً لمواجهة هذا الوحش. هذه الحرب التي كلفت لبنان خسائر بشرية ومادية فوق طاقته يدمى من هولها قلب كل إنسان صاحب وعي وضمير. ولا ندري متى وأين ستتوقف هذه الحرب التي ربما ستشمل المنطقة كلها.

أجل، راح البعض يطلق صفة "القوة العظمى" على مليشيات نصرالله، لا لشيء إلا لأنها تخوض حرباً ضد أقوى جيش في الشرق الأوسط، ألا وهو الجيش الإسرائيلي الذي ألحق الهزائم بأقوى الجيوش العربية الكلاسيكية مجتمعة في جميع حروبه السابقة منذ عام 1948. وسبب إطلاقهم هذه الصفة على حزب الله هو أن الجيش الإسرائيلي لحد الآن لم يلحق الهزيمة بمليشيات الحزب رغم أن الحرب قد دخلت أسبوعها الثالث. كما إنهم يستشهدون بمقولات من جنرالات أمريكيين وإسرائيليين، يصفون بها حزب الله بأنه قوة عظمى. وإذا ما خالفتهم في الرأي وعارضتهم على أقوالهم هذه، ثاروا عليك صارخين: "وهل أنت أعرف من هؤلاء الخبراء العسكريين والجنرالات الأمريكيين والإسرائيليين؟".

أعود لمرض الانحطاط الفكري والحضاري، فعندما تكون عقلية الجماهير هابطة إلى مستوى الكارثة، ومغيبة الوعي بسبب التخلف والحملة الإعلامية العربية التي أحترفت التضليل، والتي تخاطب الغرائز والعواطف بدلاً من العقول، لتقود الجماهير منذ عهد أحمد سعيد في (صوت العرب) إلى عهد "قناة الجزيرة" نحو الهاوية، نعرف من كل ذلك أن هذه الجماهير، أو ما يسمى بالشارع العربي، تصبح قابلة لتقبل الإيحاءات المضللة وتخضع لها بسهولة suggestible وتصدق بكل ما يقال لها من تضليل. ففي هذه الحالة تنطبق على هذه الجماهير مقولة الأمام علي: "... همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح."
لكن الكارثة هي عندما تسمع هذا الكلام من مثقفين يدعون بالموضوعية، فيطبلون بوصف حزب الله بالقوة العظمى. والويل والثبور وعظائم الأمور لكل من تسول له نفسه ويشكك بهذه الأقوال، فعنئذِنْ، تنزل عليه اللعنات وتهمة العمالة للصهيونية والإمبريالية، والعداء للأمة العربية والإسلام!! ومن هنا تبدأ محنة الكاتب الموضوعي الذي يحاول عدم مسايرة الرعاع بأن يخدم شعبه والإنسانية بالحكمة وقول الحقيقة لتجنيب هذه الشعوب المغلوبة على أمرها من السقوط في الهاوية. ولكن في هذه الحالة يتعرض هكذا كاتب إلى الطعن والتجريح و يعاملون نصائحه كشتائم. فهل نركض مع التيار المخدوع طلباً للسلامة وتفادياً للاتهامات؟ فإذا قبلنا بمسايرة الجماهير المخدوعة، يعني أننا صرنا انتهازيين وساهمنا مع غيرنا في عملية التضليل.

والسؤال المهم هو: إذنْ، ما هي الغاية من تضخيم حزب الله ووصفه بـ"القوة العظمى" من قبل جنرالات أمريكيين وإسرائيليين؟
يبدو أن هؤلاء الجنرالات يراهنون على ضعف ذاكرة الشعوب. فقد سمعنا هذه المواصفات أيام حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت من الغزو البعثي الصدامي، أطلقها هؤلاء الخبراء العسكريون الأمريكيون على جيش صدام حسين وطبلوا لها في وسائل إعلامهم، ونعتوه بالقوة العسكرية الرابعة في العالم! والغاية من ذلك هي إعطاء قيمة لنصرهم على هكذا "قوة عظمى"، والإيحاء لشعوبهم وشعوب العالم مدى عظمة جيوشهم المنتصرة واستعداد جنودهم للتضحية، بحيث أنهم استطاعوا أن يقضوا على جيش صدام حسين "العظيم" بهذه السرعة. ونفس اللعبة تتكرر الآن مع مليشيات حزب الله، فراحوا ينفخون فيها ويضخمون قوتها ويصفونها بالقوة العظمى، من أجل تضخيم قيمة النصر الذي سيحققه الجيش الإسرائيلي على هذه المليشيات. بينما في حقيقة الأمر، هذه المليشيات ما هي إلا مجموعات من المقاتلين تدربوا على حرب العصابات، ونجحت قياداتها الدينية في غسل أدمغتها ودفعها إلى الموت الجماعي الرخيص.

من المسؤول عن هذه المحرقة البشرية؟
لا شك أن القراء الكرام قد سمعوا بتصريحات السيد إيان اغلاند، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان. فالرجل لا يشك في حياديته وقد انتقد بشدة جرائم إسرائيل ضد الشعب اللبناني الأعزل وأدانها على قتل المدنيين وتخريب البنى التحتية بتوجيه ضربات غير متوازنة ولا تتناسب مع ما قام به حزب الله من اختطاف جنديين إسرائيليين. ولكن قبل يومين أيضاً أدان الرجل حزب الله وكشف حقيقة هذا الحزب. فقد صرح السيد إيان اغلاند أن حزب الله هو الذي بدأ عملية إشعال هذه الحرب وذلك بدخول مليشياته في الأراضي الإسرائيلية وقتل ثلاثة جنود وخطف جنديين آخرين، وهو الذي راح يطلق الصواريخ على المدن الإسرائيلية ويقتل المدنين، وأخيراً، راحت مليشياته تختفي بين المدنيين بجبن في الأحياء السكنية المأهولة بالسكان، مما تسببوا في تعريض هؤلاء المدنيين إلى القصف الإسرائيلي الوحشي.
هذا التصريح من رجل نرويجي معروف بحياديته ومسؤول كبير في الأمم المتحدة لا يمكن اتهامه بأنه أطلق هذه التصريحات خدمة لإسرائيل وأنه قال ذلك ليبرر القصف الإسرائيلي على المدنيين اللبنانيين كما يدعي بعض المعلقين العرب. نحن أمام كارثة بشرية، سبّبها حسن نصرالله بمغامرته غير المحسوبة خدمة لأسياده في طهران ودمشق. لا يمكن السكوت عن هذه الجريمة بذريعة (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، لا يمكن السكون عن هذه الكارثة بحجة أن نصرالله لم يكن يتوقع أن يكون رد الفعل الإسرائيلي بهذه الوحشية. فإسرائيل ليست جديدة على المنطقة، ولا حروبها جديدة على الذين تعاملوا معها في السابق. إن الشعب اللبناني المبتلى بحزب الله وزعيمه نصرالله، وإن تحمل الصمت في هذا الوقت العصيب وذلك من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية في ساعة المحنة، ولكن ما أن تهدأ المدافع وينجلي غبار المعارك، أتوقع أن ينفجر هذا الشعب على هذا الحزب الذي جر الشعب المسكين إلى هذه الكارثة، وعندها من الخزي والعار اتهام الثائرين على حزب الله بأنهم عملاء الصهاينة والإمبريالية. فقد بلغ السيل الزبى وتحمل الشعب اللبناني أكثر من طاقته من عملاء إيران وسوريا.

من فمك أدينك
في مقابلة مع القناة البريطانية الرابعة، مساء 27 تموز/يوليو الجاري، صرحت الوزيرة السورية بثينة شعبان، أن سبب فشل مؤتمر روما المنعقد يوم 26 من الشهر ذاته، حول الأزمة اللبنانية هو تغييب اللاعبيَنْ الأساسيَين، وهما سوريا وإيران عن المؤتمر. وأكدت أنه لو كانت هاتان الدولتان ممثلتان في هذا المؤتمر لما حصل الفشل. وهذا اعتراف ضمني من الوزيرة السورية أن إيران وسوريا هما وراء دفع حماس وحزب الله في خلق الأزمة الراهنة. نسوق اعتراف الوزيرة السورية لأولئك الذين يدافعون بحماس منقطع النضير عن هاتين الدولتين ويبرئانهما من أي دور في إشعال الأزمة اللبنانية الراهنة وما يجري من ويلات في غزة. ونؤكد مرة أخرى أن حرب الإرهاب في العراق والحرب الإسرائيلية- اللبنانية، هي من الحروب بالوكالة، بين إيران وسوريا من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى. وهذه رسالة من إيران وسوريا إلى الدول الكبرى، أن بإمكانهما تخريب عملية السلام وحرمان المنطقة من الاستقرار، ما لم يعطيا دوراً أساسياً في هذه العملية والسماح لإيران بتنفيذ برنامجها النووي، ولسوريا بإعادة دورها في السيطرة على لبنان كما كان قبل قرار 1559. وهذا دليل أيضاً على أن هاتين الدولتين تحركان الحزبين الإسلاميين، حماس وحزب الله لمصالحهما وضد مصالح الشعبين الفلسطيني واللبناني.


أخلاقية "المجاهدين"
تلقيت اليوم في بريدي الإلكتروني رسالة، من السيد فواز الصراف، يقول فيها أن خلال الأسبوعين الماضين فاق عدد الضحايا الإرهاب الإسلامي من المدنيين في العراق عدد الضحايا المدنيين في لبنان نتيجة العدوان الإسرائيلي. فإسرائيل تلقي بالمناشير تحذر بها المدنيين اللبنانيين وتخبرهم عن الأماكن التي ستقصفها في الوقت المحدد، لكي يبتعدوا عن مناطق الخطر. بينما الانتحاري الإسلامي المفخخ يندس سراً بين الجماهير في الأماكن المزدحمة، مثل مطاعم ومساجد بغداد، ويفجر نفسه بدون أي إنذار، ليقتل أكبر عدد من الناس المدنيين الأبرياء. والانتحاري في العراق يعتبر بطلاً في الشارع العربي حيث يهللون له ويكبرون. ويضيف السيد الصراف قائلاً: أن قناة (الجزيرة) غيرت مؤخراً موقفها من الشيعة في إحدى افتتاحياتها، حيث قسمت الشيعة إلى قسمين: جيدين وسيئين. فشيعة لبنان جيدون، وشيعة العراق سيئون. بمعنى، أن تطلق صواريخ عشوائية على المدن الإسرائيلية وتقتل المدنيين وتجلب الكوارث على شعبك في لبنان بالقصف الإسرائيلي مسألة جيدة. ولكن أن تعمل على بناء نظام ديمقراطي والازدهار الاقتصادي لشعبك في العراق فهو أمر سيئ. هذه هي رسالة الجزيرة للشعوب العربية. ومن المؤسف أن هذه الرسالة تتلقى صدىً إيجابياً وتأييداً حاراً من قبل شريحة واسعة من شعوب المنطقة، وهذا هو سبب استحالة تحقيق السلام في المنطقة في المستقبل المنظور. هذا هو واقع الحال في الشارع العربي.
وحسن نصر الله هو الآخر له مواقف غير مشرفة من الشعب العراقي. فقد وقف إلى جانب صدام حسين ودعى الشعب العراقي إلى تناسي خلافاته مع صدام حسين والتضامن معه للوقوف ضد أمريكا. كذلك وصف أحد المقربين إلى نصر الله، الزرقاوي بأنه (شيخ المجاهدين)، وهو يعلم ما عمله هذا الإرهابي المجرم ومنظمته الإرهابية بحق الشعب العراقي وبالأخص الشيعة، حيث يصفهم بالروافض الكفار عباد القبور الأنجاس.
لقد بلغ عدد القتلى العراقيين حوالي مائة شهيد يومياً على أيدي "المقاومة الشريفة" التي يدعمها حزب الله وأسياده حكام دمشق وطهران. ليظهر علينا أيمن الظواهري من على شاشة الجزيرة، ويدعو إلى الوحدة بين السنة والشيعة في حربهم على إسرائيل. ولكن لا يدعوا إلى إيقاف ذبح العراقيين الشيعة على أيدي "المجاهدين" في العراق. فهؤلاء روافض وقتلهم واجب ديني وفرض عين على كل مسلم ومسلمة!

ما العمل؟
لقد أكدنا مراراً وتكراراً أنه لا يمكن حل الصراع العربي-الإسرائيلي بالحروب، ومن الانتحار الإصرار على سياسة (كل شيء أو لا شيء) فالذي يصر على هذه السياسة، ينتهي دائماً بلا شيء. والغريب أن بعض الكتاب العرب يصرخون ليل نهار بأن أمريكا غير محايدة فيما يخص الصراع العربي-الإسرائيلي. وكأن هذا كشف جديد. فقد بات من المسلمات أن أمن إسرائيل هو جزء رئيسي من استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولا يمكن للدولة العظمى أن تفرط بإسرائيل في سبيل العرب. وهذه الحقيقة معروفة لدى الجميع، شئنا أم أبينا، وعلى العرب أن يتبنوا سياسة وفق هذا الوقع. والغريب أن الجانب الأقوى (أمريكا وإسرائيل) يطالب بالحل السلمي لهذا الصراع. بينما الجانب الأضعف (الفلسطيني بقيادة حماس وبعض العرب) يرفض الحل السلمي ويصر على شعار عبدالناصر (ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة).
وقد أدرك الراحل أنور السادات هذه الحقيقة بعد هزائم وخيبات، فتبنى الحل السلمي، ولذلك استرجع جميع أراضيه المحتلة. وقال ناطق باسم إسرائيل بعد عقد معاهدة كامب ديفيد، لقد انتصر علينا السادات، فقد أعطانا ورقة واستعاد شبه جزيرة سيناء. فما الذي يمنع تبني هذه السياسية السلمية في حل الصراع الذي يمكن أن يحرق المنطقة كلها لو تركت بأيدي سياسيين مغامرين من أمثال صدام حسين ونصر الله وأحمدي نجاد وبشار الأسد؟
لقد جربتم الحروب أيها السادة وجلبتم الكوارث على شعوبكم وكنتم في الهزيمة كالغزال. فكما قال نزار قباني رحمه الله:
" إذا خسرنا الحرب لا غرابة،
لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة.
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.
لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة..
السر في مأساتنا، صراخنا أضخم من أصواتنا.
وسيفنا..أطول من قاماتنا..
خلاصة القضية توجز في عبارة.
لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية.."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف