هوامش لغويّة للحرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وردت في الأمثال العربيّة مقولة "أمر مبكياتك، لا أمر مضحكاتك". ليتنا أعملنا فكرنا قليلاً في هذه المقولة. إذ أنّها تعني أنّ النّقد الّذي قد يبدو ظاهرًا أنّه باعث على البكاء في صراحته، لا يأتي إلاّ بهدف العلاج والتّرشيد والخير كلّ الخير للبشر في نهاية المطاف. بينما المُضحكات الّتي تُدغدغ المشاعر والعواطف تُطيل مدّة المرض في النّفس والعقل والجسد.
(1) الحرب الإسرائيليّة على لبنان:
هذه الصّيغة قد تبدو واضحة وجليّة لأوّل وهلة، إذ حلّ الخراب والموت والدّمار بلبنان. غير أنّ هذه الصّيغة ليست سوى هذا الوجه السّافر لهذا الاستخدام اللّغوي. أمّا الوجه المظلم لهذا الاستخدام، والمستتر من وراء الوجه السّافر فهو أنّ حزب الله قد اختطف لبنان بشرًا وحجرًا، أي أنّ لبنان صار هو حزب الله وحزب الله صار هو لبنان. بل وأبعد من ذلك، فإذا كانت هذه الحرب على لبنان، أين من هذه الحرب الحكومة اللبنانية المنتخبة، وأين من هذه الحرب الجيش اللبناني. بل وأكثر من ذلك أين من هذه الحرب سائر القطاعات والطّوائف اللبنانية؟ إنّ استخدامًا من هذا النّوع يخفي من ورائه أمرًا خطيرًا ذا صلة بماهية لبنان ذاته. إنّه يخفي في ثناياه تخوينًا لكلّ سائر القطاعات والإثنيّات والطّوائف اللبنانية الّتي لا تشارك في "صدّ العدوان" على لبنان. وإذا لم تشارك كلّ تلك القطاعات، وهي الأكثريّة، في صدّ هذا العدوان، فمعنى هذا أنّها لا ترى في ما يجري عدوانًا على لبنان، بل شيئًا آخر مختلفًا تمامًا، واللّبيب من الإشارة يفهم. فقط في الأنظمة والأيديولوجيّات الفاشيّة والاستبداديّة تتّهم الأقليّةُ الأكثريّةَ بالخيانة. النّظام الاستبدادي هو أقليّة حاكمة بإرهاب المواطنين،ولذلك فإنّ أي رأي مخالف، حتّى وإن كان يُعبّر عن رأي الغالبيّة المغلوبة على أمرها، يتمّ إدراجه ضمن خانة "زعزعة الجبهة الدّاخليّة"، لأنّ الجبهة الداخلية في عرف المستبدّ هو بقاؤه في كرسي الاستبداد. وفي الأيديولوجيّات الفاشيّة والاستبداديّة، تبتعد هذه عن الوطن والشعب والدّولة عندما تكون أقليّة وتجنح إلى التّشبُّث بالغيبيّات، دينيّة كانت هذه الغيبيّات أم علمانيّة.
(2) حرب مخطّط لها:
من بين ما ذكره السيّد نصرالله في رسالته المتلفزة، أنّ العمليّات الحربيّة الإسرائيليّة في لبنان هي حرب مُخطّط لها كان من المفروض أن تنشب في الخريف، وأنّ عمليّة قتل وخطف الجنود الإسرائيليين من داخل الحدود الإسرائيليّة جاءت لتقطع الطّريق على التّخطيط الإسرائيلي. لا أدري إن كانت هذه الدّعوى صحيحة أم غير صحيحة، فليس هذا هو المهمّ في هذا السّياق، إنّما المهمّ هو أنّ إطلاق هذه الدّعوى يُخفي أمرين جوهريّين يجدر الإنتباه إليهما. الأمر الأوّل، هو ما يمكن أن يُفهَم وكأنّ مجرّد عمليّة التّخطيط هي نوع من المؤامرات الّتي يُنظَر إليها وكأنّها ناقصة أو عيب. إذا كان الأمر صحيحًا على ما ذهب إليه السيّد نصر الله، فمن الواضح والبديهي أنّ الدّول تضع الخطط لكلّ شاردة وواردة، من خطط اقتصادية، وخطط اجتماعية وتربوية، وخطط سياسية وانتهاءً بخطط عسكرية وحربيّة. هذه هي طبيعة الدّول المنظّمة، وهذه هي وظيفتها تجاه مواطنيها. والأمر الثّاني الّذي يجدر الانتباه إليه، هو أنّه بقدر ما تعكس دعوى السيّد نصر الله هذه تخطيطًا إسرائيليًّا، فإنّها تؤكّد عمق ومدى التّخطيط الّذي قام به حزب الله من وراء عمليّته هذه الّتي أشعلت هذه الحرب، أي بمعنى أنّه هو الآخر خطّط لهذه العمليّة. وإذا كانت دعوى السيّد نصر الله بشأن التّخطيط الإسرائيلي لشنّ حرب على لبنان صحيحة، فإنّه كان الأولى به أن يعرض ذلك على الحكومة اللّبنانيّة، وأن يضع كامل قوّاته وسلاحه تحت إمرة الحكومة اللّبنانيّة الّتي يشارك حزب الله نفسه فيها، وذلك لكي يكون صدّ العدوان الإسرائيلي نابعًا من لبنان على سائر ملله ونحله، حكومة وشعبًا. غير أنّ التّخطيط لهذه الحرب قد جاء بالذّات لقطع الطّريق، ليس على إسرائيل وإنّما على إمكانيّة تسليم سلاح حزب الله للحكومة اللّبنانية وللجيش اللّبناني، إذ كان الحديث جاريًا عن هذا الأمر بالذّات قبل تنفيذ هذه الخطّة -المغامرة- لهدف داخلي وهدف خارجي أيضًا.
(3) ذهنيّة الـ "شامنشائية":
عندما يستخدم شخص ما يدّعي أنّه قائد أو زعيم لقوم أو لشعب مقولة "شاء من شاء وأبى من أبى"، ولنطلق عليها اختصارًا ذهنيّة الـ "شامنشائيّة"، فإنّه يفقد مصداقيته، ويفقد كونه زعيمًا للقوم أو للشعب، ويتحوّل إلى دكتاتور مريض بمرض عضال لا يجلب إلاّ الدّمار على أبناء قومه. وقد يكون هذا الشخص زعيما سياسيًّا أو زعيمًا دينيًّا، لا فرق. فكلا الإثنين "في الهوى سوا"، كما يقال. إنّ ذهنيّة "شاء من شاء وأبى من أبى"، هي جزء من هذا الخواء والهباء العربي.
وعلى فكرة، هل سمع أحدكم مقولة أو صياغة خطابيّة كهذه من زعيم غير عربي في هذا العالم المعاصر؟ بالطبع لا.
(4) أوهى من خيوط العنكبوت:
بعد الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان، خرج السيّد نصر الله بخطبته قائلاً إنّ إسرائيل أوهى من خيوط العنكبوت. صحيح أنّ أحد أهمّ الأسباب للانسحاب الإسرائيلي من لبنان إلى الحدود الدّولية بين البلدين هو الضّربات الموجعة الّتي وجّهتها المقاومة اللّبنانية للجيش الإسرائيلي، غير أنّ السّبب الأهمّ من ذلك، هو أنّ المجتمع الإسرائيلي يهتمّ بحق وحقيق بمصير مواطنيه، وخاصة بمصير جنوده. هكذا هي الحال في المجتمعات والدّول والأنظمة الديمقراطيّة. إنّها تهتمّ بحياة مواطنيها بخلاف الأيديولوجيّات والأنظمة المستبدّة الّتي تنظر إلى مواطنيها وكأنّهم هباء. وللتّدليل على هذا الهباء، انظروا الفرق بين إسرائيل وبين ما حولها من أنظمة وأيديولوجيّات فاسدة. القتلى الإسرائيليّون في هذه الحرب لهم أسماء، لهم أهل وأصحاب وعائلات وقصص وأحلام تعرضها وسائل الإعلام العبريّة. بينما القتلى العرب، في لبنان مثلاً، مثلما هي الحال في غيره، لا أسماء لهم، ولا أهل ولا أصحاب ولا أحلام. أنظروا وسائل الإعلام اللّبنانيّة والعربيّة، لن تجدوا شيئًا من كلّ هذا. الموتى العرب، لا يعرف عددهم أحد، ولا يعرف أحد أسماءهم. إنّهم مجرّد رقم، عدد غير معروف، مجرّد هباء. كذا هي حياة الفرد لدينا، كذا هي قيمته.
(5) النصر العربي:
إنّه مصطلح فضفاض في اللّغة العربيّة، وهو يعني بقاء الزّعيم، القائد الفرد الأحد الصمد، المنزّه عن الأخطاء على قيد الحياة، بينما يذهب الشّعب بقضّه وقضيضه، البشر والحجر، إلى الجحيم. وما من رقيب وما من حسيب يراقب ويحاسب هؤلاء الّذين يجلبون الموت والدّمار على شعوبهم. المهمّ في الموضوع هو البلاغة الخطابيّة البليدة. إنّها الحليب الآسن الّتي ترعرعت عليه الأجيال العربيّة. آن الأوان للفطام من هذا الحليب.
(6) "قصائد عاجلة":
قال القدماء: "الشّعر ديوان العرب". كذا كان في الماضي، وكذا هي الحال في هذا العصر. لذلك انتظروا سيلاً من هذا الدّيوان العربي المفتوح على مصراعيه. لقد بدأ "الفأر يلعب في عبّي" ظنًّا منّي أنّ هذا النّفر من شعراء القبيلة ينتظرون المآسي على أحرّ من الجمر، لكي يُفيضوا علينا ما تجود به قرائحهم البليدة. وهكذا، فإنّ "القصائد العاجلة" آتية لا ريب فيها. وإنّ غدًا لناظره قريب.
(7) أمّة عربية واحدة ذات رسالة خالدة:
هذه مجرّد نكتة بائخة، وغير مضحكة.
أليس كذلك؟
salman.masalha at gmail dot com