كتَّاب إيلاف

الخليجيون الخرفان...حقا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله العتيبي: بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية وتوليها رئاسة الحكومة، سعت الولايات المتحدة لمحاصرتها سياسيا واقتصاديا، فتوجه بعض مسؤوليها الى العواصم العربية، سيما الخليجية، لتوفير الدعم المادي، وقبيل زيارة وزير الخارجية الجديد محمود الزهار الى الكويت، قال أحد نشطاء حماس في الكويت وهو يخاطب زميلا له "ما تخاف، هالخرفان بدهم يدفعوا غصبا عنهم"..في إشارة الى الدول الخليجية!

رغم أن ما قيل مهين في حق الدول الخليجية التي ما انفكت تدعم الدول العربية، وفي مقدمها فلسطين، إلا أن كلام الناشط الحماسي صحيح تماما، وهو يتجلى اليوم حقيقة عبر التبرعات المفتوحة والمباشرة التي تبثها التلفزيونات الخليجية، دعما للبنان في الحرب التي يشنها عليه العدو الصهيوني ردا على أسر جنديين إسرائيليين من قبل ميليشيات "حزب الله"- فرع لبنان.

لا يحتاج المراقب الى كثير من الفطنة ليرى مدى التهافت في هذه المهرجانات التي دشنتها السعودية، تبعتها الكويت والإمارات، بصورة ليست عفوية بالطبع، بل جاءت خضوعا لضغوط "الشارع العربي"..وقياداته الغوغائية، ومآثرهم المعروفة في مناسبات سابقة كرفعهم صور الدكتاتور صدام حسين وسواه، والحملات الإعلامية التي يقودها الإنتهازيون من الصحافيين والكتاب وأدعياء الثقافة، على اعتبار أن السعودية "يجب أن تكفر عن خطيئتها"..بعد تصريحاتها ضد "المغامرات غير المحسوبة" لحزب الله وجر لبنان الى حرب من دون استشارة الحكومة، أو الجانب العربي، آخر من يعلم كالعادة..

خلال أكثر من خمسين عاما، حصل ما يشبه الفرز، وجرى تكريس فكرة أن بعض الدول العربية، وأطلقت على نفسها "دول المواجهة"..هي التي تقود الحرب مع الكيان الصهيوني، في حين أن مهمة دول الخليج العربية "الرجعية والمتخلفة" توفير الدعم المادي، فهذه الأخيرة مجرد دول لا تملك سوى المال، لكنها لا تفهم، وعليها أن تقدمه صاغرة ممنونة لدول "الطوق" كي تحاصر اسرائيل وترميها في البحر..؟

يبدو أن هذه "الفكرة" التي لم تنجح في التطبيق حتى الآن، ظلت تداعياتها النفسية راسخة في ذهنية السلطات الخليجية، التي تروق لها فكرة التبرع وتوزيع الهبات لشراء الذمم والمواقف، تعلم جيدا أن أموال مواطنيها تذهب غالبا لخزائن الحكومات العربية وحدها دون الشعوب، لكنها لا تستطيع الفكاك من هذه العقدة التي تحولت الى "فوبيا" سياسية، وعلى سبيل المثال، فالسعودية لم تكد تطلق تصريحاتها العقلانية والجريئة إزاء مغامرة حزب الله، حتى وجدت نفسها في موقف دفاعي، تحاول تبرير موقفها، في مواجهة الغوغائية العربية، الحالمة شعوبا، والإنتهازية نخبا ثقافية، عدا قلة من العقلانية توسم بالخائنة في الإعلام العربي الذي يبيع الأوهام.

من جهة أخرى، فإن "الفكرة" ذاتها تحولت الى "عقيدة" معصومة عند بعض القيادات العربية، وكلما حدث تطور ما أو تصعيد، فعلى الخليجيين أن يضعون أيديهم في جيوبهم، والأمثلة كثيرة ولا تنتهي، وفي الأزمة الراهنة، قال أحد "الزعماء" من نواب الأمين العام لحزب الله لفضائية عربية، أن تقديم السعودية هبة للبنان بقيمة 500 مليون دولار، ومليار دولار وديعة في مصرف لبنان المركزي " شئ طبيعي، وهو جزء قليل للتكفير عن خطيئتها"؟َ

حزب الله عندما قام بعمليته غير المبررة وخطف الجنديين الإسرائيليين؛ حتى الأسير سمير القنطار لا يقبل أن يكون سببا لتدمير بلاده، لم يستشر أحدا، لكنه يطلب من الآخرين تغطية تداعياتها، ويتصرف كأنه حكومة، مختزلا السلطات اللبنانية، ويحاول تصوير ما حصل بأنه حرب إسرائيلية ضد لبنان، وأنها "مؤامرة" كانت ستحدث على أي حال، متناسيا أنه من خلق المشكلة، وحتى لو كانت هنالك مؤامرة، فهو من قدم الذريعة لتنفيذها، ويشبه حديث "الزعيم" حسن نصر الله ما قاله الرئيس العراقي السابق صدام حسين حين غزا الكويت واحتلها، بأن السفيرة الأميركية ابريل غلاسبي هي من حرضته على غزو الكويت!

النتيجة أن لبنان الجميل دمر بالكامل، ويحتاج الى إعادة بناء طويلة ومكلفة، وينبغي دعمه ماديا ومعنويا، خصوصا أن الشعب اللبناني المسالم تأذى كثيرا ضحية لمغامرات الزعيم الملهم حسن نصر الله..وقياداته الروحية والسياسية والعسكرية في ايران وسوريا، التي تخلط الديني بالسياسي بالقومي لخداع الشعوب المفترى عليها، وستتخلى عنه لا حقا بعدما تستنفذ أغراضها السياسية والنووية!

لا داعي للحديث عن المواقف الإنسانية للشعوب الخليجية، لكن لماذا يدفع المواطن الخليجي ثمن عناد ميليشيا ايرانية تقع في قلب وطنه العربي، ولماذا لا ينزع حزب الله سلاحه ويوكله للأمة التي يتحدث عنها، بالطبع هو لن يفعل، لأنه بسلاحه يبتز المحليين والخارجيين، لأنه فكريا سطحي ويمسك الأرض والناس بقوة هذا السلاح الذي لا يريد أن ينزعه، وبقوته يعدم المدنيين بلا محاكمة بتهم مختلفة أسهلها أنهم جواسيس، فضلا عن أن هذا السلاح ليس ملكه حتى ينزعه، وهو السلاح ذاته الذي يظهر في النجف والبصرة..لأن ذلك بمثابة انتحار سياسي له قبل أن يكون عسكريا، ومن دونه سيتلاشى.

الحال، أن لا وجود لدول محترمة فيها ميليشيات قرارها السياسي بحوزة دول أخرى، كإيران، تعلن صراحة استعدادها للتفاوض بشأن مصير هذه الميليشيات، ولا توجد دولا مستقلة لديها ميليشيات تطلق صواريخ تكتيكية ومتوسطة المدى وتسقط الطائرات وتغرق البوارج، وتملك كل هذه الآلة الإعلامية المستقلة والهيكلية الشاملة كدولة داخل الدولة .

لا أحد يعترض على دعم الشعوب المضطهدة والمحتاجة، الشقيقة وغير الشقيقة، ولا مجال للمزايدة في هذا الموضوع الإنساني، لكن ليس بالحصول عليها ابتزازا أو لتبرير مواقف سياسية ينبغي تأصيلها والدفاع عنها، كالموقف السعودي الإستثنائي في رفض تصرفات حزب الله المفتعلة، وزج الأمة في حروب الآخرين وفي مغامرات غير محسوبة، وكل من يعارض سيوضع في خانة الإتهام والخيانة، لأن مغامرات الميليشيات لن تتوقف ما دامت تغطيها الدول الخليجية ماديا ومعنويا، وما تفعله يشجع على التمادي، ويجعلنا مجرد "حملان" تساق الى مذبح القومية والإسلاموية..المخضب بدماء الشعوب العربية.
* صحافي كويتي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف