السجال السياسي بين البؤس الفكري والتدهور الأخلاقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مرة أخرى وأخرى يكشف الجدال حول المغامرة الإيرانية التي قام بها حزب الله عن بؤس السجال السياسي العربي، ولا سيما لدى لفيف من الكتبة العراقيين، الذين امتهنوا القذف والتحامل بدل المناقشة الهادئة ورد الحجة بالحجة. وسبق أن نشرنا في الحياة وإيلاف عدة مقالات عنوانها "بؤس السجال العراقي - العراقي". كما نشر غيرنا كالدكتور علاء الدين الظاهر مقالات بنفس العنوان.
إن هذا البؤس يتمثل في التهرب من الحقائق، وغياب المنطق، والعداء للرأي الآخر وحامله؛ وبدلا من ذلك يستقون من مستنقع الفرية، والتشهير الشخصي، والتلاعب بالكلمات، واللعب على العواطف.
إن المقالات عن موضوع السيد نصر الله التي نشرها عدد منا، كالدكتور عبد الخالق حسين وآخرين منهم كاتب هذه السطور تتفق في التحليل العام مع تحليلات كتاب خليجيين أحرار ومنهم الراشد وطارق الحميد. وقد استشهدت في مقالي الأخير بمقالة رائعة للحميد يناقش ادعاء السيد أن قراره باقتحام الحدود والقتل والخطف جاء عن "وعي سماوي"، كما ورد في مقال الحميد، والمقصود أن الله وهبه وعي وحكمة وبعد نظر مغامرته الإيرانية وبمباركة من النظام السوري. ولكن، وكما قال الأستاذ الحميد، فإن المنطقة العربية لا يسود فيها الوعي السياسي، حيث دائما ما نرى اللامنطقي يُمنطق، فإن أفعال نصر الله ومن يدعمونه تجعل المتحدث بلغة العقل، يبدو وكأنه يدافع عن عدوانية إسرائيل وجرائمها، فنلغي المنطق، ونلغي الدولة، ونرتهن للجماعات والميليشيلت! ودائما ما يقال إن [حجرا يرميه مجنون يزهق مائة عاقل]."
بعض الذين احترفوا شتم عدد من كتابنا العراقيين الأحرار لا يجرئون على مهاجمة مقالات الكتاب الخليجيين الأحرار، لأن هؤلاء يعرفون من كانوا يرتزقون على الموائد الخليجية ويرهنون الأقلام والأفكار!!!! ومن المؤسف أن ثمة محاولات جديدة لتحويل منبر إيلافنا لساحة مهاترة وتشاتم رخيصين.
نعود للقضية الأساسية التي عالجها كتابنا العراقيون الأحرار، ومنهم الدكتور عبد الخالق في مقاله الأخير، عن الموضوع، لنقول إن الحقائق التي يتعمد بعضهم تناسيها منها التالية:
1 ـ هل استشار السيد حكومة لبنان والبرلمان قبل المغامرة؟ ولمَ لم يفعل؟
2 ـ كيف يدحض البعض كل الحقائق والشهادات عن أن "الوحي الإيراني" كان وراء القرار؟
3 ـ لماذا يواصل مقاتلو السيد الاحتماء بالمدنيين وجعلهم رهائن لتأتي القذائف الإسرائيلية فاتكة بالأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ؟ لو كان حزب الله حريصا على أرواح أهل الجنوب لطلب منهم النزوح مادامت إسرائيل قد أنذرت بالقصف مبكرا. فلم لم يفعللوا ذلك بل على العكس استخدموا المدنيين دروعا بشرية؟
4 ـ البعض الذي يتبجح بمعارضة صدام ويناصر المغامرة ويشتم المنتقدين يتناسون فتاوى ونداءات السيد بالوقوف مع النظام السابق سواء قبل الحرب أو خلالها. فلماذا؟
5 ـ الحريصون حقا على أرواح العراقيين وخصوصا الشيعة لا يمكن إلا أن يصدموا بالدعم القاعدة للسيد وقبوله له. كما يصدمون ويدهشون عندما يصف بعض قادة حزب الله المجرم الجلاد الزرقاوي بكونه "شيخ المجاهدين". إذن لماذا يتعمد بعض الكتبة تجاهل هذه الحقيقة؟ ونضيف أن حزب الله ينتهك الأراضي العراقية بإرسال مقاتليه للتدرب في الجنوب على أيدي خبراء عسكريين إيرانيين، وهذا من ذاك كما يقال!
6 ـ كما كررنا مرارا، فإن إسرائيل ليست ملاكا ووحشية ردوها معروفة. ولكن لماذا نعطيها الحجة دوما للقصف والاحتلال وإزهاق الأرواح؟ إن مزايدات القيادات العربية والفلسطينية والشارع السائر وراءهم عامي 1947 و1948 والحرب التي شنوها لم تؤد إلا إلى اقتطاع إسرائيل حوالي نصف ما خصص للفلسطينيين بموجب قرار التقسيم، حرب النظامين المصري والسوري في حزيران 1967 أدت لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية واحتلال أراض دول عربية أخرى. كما أن عرفات في أواخر التسعينات رفض التسوية التي عرضت عليه في الولايات المتحدة زمن كلنتون، والتي كانت سترجع غالبية الأراضي الفلسطينية المحتلة وإيجاد حلول عملية مرنة لموضوع اللاجئين. هذا الرفض الذي أملته المزايدات وضغوط حماس لم يخدم القضية، بل عادت القيادات الفلسطينية تطالب بأقل من نصف ما عرض عليهم عهدئذ.
ليست القضية قضية إخلاص أو عدم إخلاص للقضية الفلسطينية؛ فقد ضحت الشعوب العربية كثيرا من أجل القضية وعانى من عانوا من جراء الدعم المطلق ورفع شعارات "الحرب الشعبية" و" إزالة إسرائيل."
لقد دفعت الشعوب العربية أثمانا باهظة لسيرها وراء شعارات المزايدة التي تتلاعب بحماس الجماهير وتدغدغ مشاعرهم. والسيد دام ظله يعود لتسويق نفس المغامرات غير المحسوبة والكارثية النتائج لأن العدو الإسرائيلي لن يتراجع أمام أية خسائر في أرواح المدنيين الإسرائيليين والممتلكات، بل يرد الصاع بعشرات الأضعاف عنفا وشراسة.
أخيرا، فإن الحقائق تدل على كون حزب الله لا يفكر لا في مصلحة لبنان ولا في تحرير فلسطين بل لديه أجندته، أو بالأحرى الأجندة الإيرانية والسورية.
يقول الكاتب الحر الأستاذ عبد الرحمن الراشد منذ أيام في الشرق الأوسط:
" ومن المفجع أن يقف أي زعيم فيركل بقدمه عرضا فيه إنقاذ لبلده مهما كانت المبررات. وهذا يؤكد ما ينسب إلى قيادات داخل حزب الله بأن الحزب لن يتخلى عن سلاحه حتى لو حررت فلسطين، وأن هناك مطالب أخرى تعجيزية سيفاجئون بها الجميع من بينها فتح الحديث عن سبع قري جديدة، غير شبعا على إسرائيل وضمها إلى لبنان! وأن هناك معارك داخلية منتظرة سيبقى السلاح محمولا لها مع خصوم حزب الله مع قوى مسيحية وسنية."
أجل، إن البرنامج النووي الإيراني، والرغبة السورية في العودة للبنان، ونزوع حزب الله لبسط السيطرة والهيمنة على مقدرات لبنان وتصفية الخصوم، هي عماد خطوات السيد ومغامراته. وكان الله في عون لبنان من أعدائه الخارجيين والداخليين ومن مغامرات المغامرين!