نتائج مستقبلية للجرائم الإسرائيلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المواجهة العسكرية الحالية بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله في لبنان، وحركات المقاومة المسلحة الفلسطينية في قطاع غزة، أنتجت في الساحة العربية العديد من الدروس والعبر التي سوف تترك بصماتها على الحراك السياسي والاجتماعي في المنطقة العربية عموما،وهذه البصمات سوف تبدو واضحة للعيان في المستقبل القريب فارضة على الجميع الاعتراف بها، أيا كان موقع الشخص وموقفه من هذه المواجهة التي تصل إلى حد الحرب الشاملة الحقيقية، أي سواء اعتبرت ما قام به حزب الله مغامرة أم خطة غير مدروسة أم توريط إيراني، فكل هذه التوصيفات تتراجع أمام استعمال جيش الاحتلال كافة قدراته العسكرية، ومنها ما لم يستعمله في حرب أكتوبر مع دول ذات قدرات عسكرية تقترب من قدراته، وهي مصر وسورية اللتان كانتا وما زالتا تصنفان أقوى قوتين عسكريتين عربيتين. من هذه النتائج:
أولا: أيا كان وصف عملية حزب الله التي تمّ فيها خطف جنديين إسرائيليين يوم الثاني عشر من شهر يوليو لعام 2006 ، فحجم رد فعل جيش الاحتلال بهذا الشكل الهمجي، يثبت كما أشارت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن اجتياحه لعموم الأراضي اللبناني لم يكن نتيجة لعملية خطف الجنديين ولكنها عملية مبيتة منذ عام 2001 ، والدليل على ذلك أن دولة الاحتلال الإسرائيلي في سنوات سابقة أجرت صفقات تبادل أسرى مع حزب الله نفسه ومع منظمات فلسطينية قبل ذلك ليس من أجل إطلاق سراح أسرى إسرائيليين، ولكن من أجل استعادة رفات قتلى إسرائيليين، وهذا يعني أن عمليتي حماس وحزب الله كانت مجرد ذريعة لشن هذه الحرب الشاملة بشكلها الهمجي الذي لا يراعي أية أخلاق و مبادىء، فهدفها التدمير والقتل والموت فقط وصولا لأهداف سياسية ضمن مخططات التوسع والهيمنة والإذلال الإسرائيلي.
ثانيا: تعميق جذور العداء الشعبي العربي للوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية، نتيجة أشكال الوحشية الإسرائيلية التي لم يحدث مثيل لها في كافة الحروب والمواجهات العربية الإسرائيلية خاصة بعد مذبحة قانا الثانية، فالاجتياح الحالي رغم أنه غير مبرر إلا أنه أظهر حقدا إسرائيليا على كل ما هو بشر وحجر في المنطقة العربية، فما هو علاقة هذا القتل والتدمير العشوائي بسلاح حزب الله، وجيش الاحتلال يعرف قبل غيره أن حزب الله كمجموعات حرب عصابات لا علاقة لها بمطار بيروت الدولي ولا بكل منشآت البنية التحتية التي جرى تدميرها، بدليل أنه رغم هذا التدمير ما زالت قوة مقاومة وصمود حزب الله تتصاعد موقعة بجيش الاحتلال خسائر لم يكن يتوقعها، تماما كما أعرب حسن نصر الله عن عدم توقعه حجم رد الفعل الإسرائيلي على عملية خطف الجنديين. وبالتالي كيف تتوقع دولة بهذا القدر من الوحشية والحقد أن يتم قبولها بشكل طبيعي في المنطقة بشكلها الحالي أو في الشرق الأوسط الجديد الذي يتم التنظير له؟.
ثالثا: تراجع تأثير أصوات ودعوات السلام والمصالحة في الساحات العربية خاصة في الساحتين الفلسطينية واللبنانية، لأن خصما يقوم بكل هذه الجرائم لا يمكن تصديق دعواته للسلام أو دعوات من يقول بأنه يسعى للسلام معه، تماما كما يقول المثل العربي عن بعض أطراف حالات النزاع العشائري أنه ( ما خلاّ للصلح مطرح )، فقد قدّم الفلسطينيون منذ توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993 من التنازلات ما لا يمكن لأي خائن فلسطيني أن يقدم أكثر منها، فلن يوجد فلسطيني أيا كانت توجهاته أن يوافق على أقل من دولة فلسطينية كاملة السيادة فوق كامل الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 بما فيها القدس وخالية من أية بقع استيطانية إسرائيلية، والاعتقاد الإسرائيلي أن المزيد من الجرائم سينتج عنه المزيد من التنازلات خاطىء تماما، فلن ينتج عنه غير المزيد من التصلب والمقاومة بكافة السبل المتاحة، فالفلسطيني واللبناني ( خدّ تعود على اللطيمة ) بعكس اليهود الذين جاءوا من كافة بقاع العالم إلى واحة أمن وأمان، فإذا هي واحة موت وقتل لم يتوقعوا واحدا بالمئة منه. ومن هؤلاء ما لا يقل عن ربع مليون هاجروا في السنوات التي أعقبت سقوط دول الإتحاد السوفييتي وهم ليسوا يهودا ولا يعرفون شيئا عن أرض الميعاد بالمفهوم اليهودي المضلل ولكنهم مسيحيون جاءوا بحثا عن لقمة الخبز، ومع استمرار الموت والقتل سوف يفرّون في أول مناسبة فالموت جوعا في أقطارهم الأصلية أفضل من الموت خوفا وكمدا، يضاف إلى ذلك النظرة الدونية لهم من فئات المجتمع الإسرائيلي كما هو حاصل بين السفارديم و الإشيكيناز.
رابعا: اتساع هوة عدم الثقة بين الجماهير العربية وأنظمتها الحاكمة، خاصة الأنظمة الثورية التي توهم الجماهير أن قواتها العسكرية جاهزة لتدمير دولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة النظام السوري ، وتقف ساكتة مؤدبة طائعة وكأن ما يجري على حدودها مع لبنان لا يعنيها فهو يجري في قارة أخرى. ومن يسمع التهديدات النظرية البلاغية السورية المصحوبة بالسكوت الكامل، لن يثق في هذا النظام مطلقا، فهو يتخذ تدمير لبنان ورقة للمساومة والتقرب من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والدليل على ذلك تعقيب الوزيرة البعثية ( بثينة شعبان ) على مؤتمر روما، إذ اعتبرت فشله عائد إلى تجاهل اللاعبين الأساسيين: سوريا وإيران. هناك أنظمة عربية تعرف حدود قدراتها، فلا تستعمل إسلوب الجعجعة والكذب لدى النظام السوري ، و تصريح الرئيس المصري حسني مبارك ( لن تدخل مصر حربا ضد إسرائيل من أجل لبنان و حزب الله )، وهو يعبر عن عدم قدرة بلاده على خوض هذه الحرب، يبقى أفضل من مواقف النظام السوري التي توهم العرب جميعا أنها جاهزة لتدمير إسرائيل!!. ولكن متى ؟؟. لا أحد يعرف بما فيهم رموز النظام السوري!!. وبالتالي فإن الصراع العربي الإسرائيلي أيا كانت محدودية مشاركة الجماهير العربية وانعدام مطلق لمشاركة الأنظمة العربية فيه، إلا أن هذه الحرب الهمجية الإسرائيلية قد فتحت أبواب الصراع على مصراعيها، ومهما امتلكت إسرائيل من قدرات عسكرية ونووية إلا أنها ستكون الخاسر في هذا الصراع في المستقبل سواء كان قريبا أم بعيدا.
وفي هذا السياق من المهم ابتعاد إيران عن الملف اللبناني، لأن التدخل الإيراني من خلال البيانات الكلامية والجعجعة الفارغة، لا يعطي مصداقية للموقف الإيراني سوى أنها تريد إشغال العالم عن قضية ملفها النووي، وفي الوقت ذاته يعطي البعض من العرب الأسباب لاعتبار حزب الله مجرد ذراع إيران في المنطقة، لذلك نشرت دراسات عربية في الأيام الأخيرة مستعيدة صفحات ماضية من التاريخ العربي الإسلامي خاصة بحروب الروم والفرس، وتدعو بعض هذه الدراسات الموثقة علنا و صراحة إلى نصرة الروم ( إسرائيل في هذه الحرب )، وعدم الفرح بانتصار و صمود حزب الله ( الفرس)، وهذه الدراسات لا تخدم أي هدف وطني فلسطيني أو عربي في هذه الحرب الدائرة، سوى توسيع رقعة الخلافات الطائفية والمذهبية وتعميقها، وهذا ما لسنا بحاجة إليه في ظل هذا التمزق والتشتت والغطرسة الإسرائيلية التي لا ترحم عربيا أيا كان مذهبه وانتماؤه.
خامسا: البعد الطائفي في المنطقة الذي كان غريبا بروزه بهذا الشكل على أرضية أن حزب الله يمثل الطائفة الشيعية في لبنان،قافزين عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في لبنان وقطاع غزة، فمن يصدق الفتوى الصادرة عن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين التي جاء فيها حرفيا:
( لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين، ونصيحتنا لأهل السنة أن يتبرءوا منهم وأن يخذلوا من ينضمون إليهم وأن يبينوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديما وحديثا على أهل السنة، فإن الرافضة دائما يضمرون العداء لأهل السنة ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنة والطعن فيهم والمكر بهم، وإذا كان كذلك فإن من والاهم دخل في حكمهم لقوله تعالى: ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ). ونص الفتوى موجود في صفحة الشيخ المذكور:
www.ibn-jibreen.com
وقد رفض الشيخ يوسف القرضاوي في واحد من برامجه نص الفتوى دون الإشارة إلى اسم مصدرها، في حين أنه لم نسمع منه ردا على فتوى سابقة للإرهابي الزرقاوي التي أعلن فيها الحرب على شيعة العراق، وهذا يعني أن شيعة العراق يستحقون الموت والقتل أما شيعة لبنان فلا يستحقون ذلك ، وهذا يضيف تقسيمات طائفية جديدة لما هو قائم أساسا. وكان مهما إدانة شيوخ سعوديين مثل محسن العواجي و سلمان العودة، لهذه الفتوى وعدم مباركتهما لها.
وهناك أبعاد جديدة للمسألة الطائفية نأمل أن لا تثار بعد نهاية هذه الحرب بأي شكل من الأشكال، وهي الخاصة بالساحة اللبنانية، فهل سيتم السكوت من قبل حزب الله إزاء القوى الأخرى التي كان لها موقف معارض لموقفه من هذه الحرب؟. خاصة أن بعض هذه القوى السنية والمارونية والدرزية تطرح صراحة ومعها الحق في ذلك: لماذا حزب الله وحده من حقه الاحتفاظ بسلاحه ؟. هذا إلا إذا كان الحل الذي سيوقف هذه الحرب سيعتمد على تطبيق القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الحزب وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على عموم الأراضي اللبنانية، وهذا يتطلب موافقة الحزب كي يتم الأمر بيسر وسهولة دون احتكام للسلاح.
ما الحل؟ ومن يملك الحل؟
الحل ضمن الأطر السلمية التي تجنب كافة الأطراف الموت و الدمار في يد الدولة الإسرائيلية فقط،، من خلال طرح مبادرة سلام إسرائيلية تقوم على الانسحاب الفوري من كافة الأراضي العربية التي تمّ احتلالها عام 1967 بما فيها القدس ومزارع شبعا سواء اعترفت سورية بلبنانيتها أم لا، مع ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وهي مبادرة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وهذا يعطي مصداقية لأطروحات و دعاوي السلام الإسرائيلية، مما يعني احتمال قبولها في المنطقة وفق المبادرات الفلسطينية والعربية، وبدون هذه المبادرة سوف تظل المنطقة مفتوحة الأبواب للموت والقتل والدمار، وهو ما لا تتحمله دولة إسرائيل مهما كانت قدراتها العسكرية. فهل تجرؤ دولة إسرائيل على هذه المبادرة أم أنها محكومة بفكر بعض قادتها مثل ديفيد بن جوريون الذي كان يرى أن الخطر والإحساس بالخطر هو ما يوحد شعب إسرائيل وبالتالي على الحكومات الإسرائيلية أن تشنّ حربا على جيرانها العرب كل عشر سنوات إن لم تفرض عليها تلك الحرب....وهذا يعني أنه لا أمل في صدور هكذا مبادرة من الحكومات الإسرائيلية...وبالتالي فالصراع مفتوح بكل ما يحمله من موت وقتل ودمار!!.وعندئذ لن يكون المستقبل لصالح دولة الاحتلال مهما كانت قدراتها العسكرية.
ahmad64@hotmail.com