كتَّاب إيلاف

عن أي مستضعفين يتحدث الظواهري؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كما كان متوقعا، ظهر قبل أيام الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري فأدلى بدلوه، مستفيدا من الحرب الهمجية الإسرائيلية الدائرة على الأراضي اللبنانية. ولكن الظواهري أطلق، هذه المرة، أسمج نكتة سمعها الناس، عندما تحدث عن إقامة "تحالف للمستضعفين في الأرض". فقد ظهر الظواهري وكأنه يجاري فرانز فانون في "المعذبون في الأرض"، أو باكونين في مطالبته بفيدرالية أممية لمتمردي العالم، أو ماركس وأنجلز وهما يناشدان عمال العالم أن يتحدوا.
وكعادتها، استخرجت بعض الفضائيات العربية كل ما في ترسانتها الإعلامية من أسلحة، واستنفرت كل إمكانياتها للتعليق على ما ورد في حديث الظواهري، فعمدت إلى استضافة زبائنها الدائميين. وراح هولاء يتحدثون، هذه المرة، عن "الانعطافة الإستراتيجية الجديدة" في تفكير الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، المتمثلة، ليس فقط في "تساميه" على الخلافات المذهبية بين المسلمين وإنما، أيضا، في دعوته "للمسيحيين والبوذيين والعلمانيين"، ليقيموا جميعا "تحالفا" بوجه "المستكبرين"، كما ذكر بعضهم في النص.
لكن هولاء المعلقين فاتهم، وهم في غمرة حماسهم للحديث عن هذا التحول "الخطير" في فكر الظواهري، أن يثيروا القضايا التالية:
لماذا لم يطر الظواهري "الجديد"، المتسامي على الخلافات المذهبية، على زعيم حزب الله، السيد حسن نصر الله، شخصيا، فيصفه، كما وصف تلميذه الروحي الزرقاوي بأنه "جندي من جنود الأمة الإسلامية وبطل من أبطالها وإماما من أئمتها"، أو على الأقل يخاطبه قائلا، على سبيل المثال: "إلى أخي المجاهد سماحة السيد حسن نصر الله، ورفاقه المجاهدين في حزب الله"؟ لماذا لم يذكر الظواهري، حتى ولو بمجرد أشارة، اسم حزب الله؟
لماذا لم يعتذر الظواهري، بنسخته الحديثة، عن تلك الشتائم المذهبية الشنيعة التي كان تلميذه الزرقاوي يكيلها ضد حزب الله؟
لماذا لم يعتذر الظواهري "الجديد" عن أفعال تنظيم القاعدة الذي يتزعمه، بحق المسلمين الشيعة في العراق؟ ودعونا نتفق مع الظواهري بأن المسلمين الشيعة الذين يحكمون العراق هم، "خونة" ويجب "اقتلاعهم". فماذا عن عمال البناء الذين حصد رؤوسهم تنظيم القاعدة في العراق، ولم يوجد في صررهم التي يحملونها غير رغيف خبز ورأس بصل، يتقوتون به؟ هل هولاء من المستكبرين؟ وماذا عن أئمة المساجد السنة في محافظة الأنبار، الذين تمت تصفيتهم الواحد بعد الآخر بسيوف تنظيم القاعدة، ليس لأي سبب آخر سوى أنهم أرادوا أن يحقنوا دماء الناس؟ هل هولاء، أيضا، "خونة"، وعملاء؟
لماذا لم يبد الظواهري، بطبعته الأممية الجديدة، أسفا وندما، على ضعاف البوذيين الذين فصل تنظيم القاعدة وحلفائه في العراق، رؤوسهم عن أجسادهم، حتى أن حشرجاتهم سمعت، وهم يذبحون من الوريد إلى الوريد، على شاشات التلفزيون؟
لماذا لم يبد الظواهري، بنسخته الإنسانية المنقحة، أي اعتذار لأهالي الضحايا الذين مزق تنظيم القاعدة، أجسادهم في برجي التجارة وفي إنفاق القطارات في لندن ومدريد؟ ألا يوجد بين هولاء "مستضعف" واحد، نعم واحد، من "ضحايا الحضارة الغربية"؟

هذه الأسئلة، ومثلها بالعشرات، لم يطرحها ولم يناقشها السادة المعلقون الذين "بشرونا" بالانقلاب الاستراتيجي في تفكير الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، بل أن هولاء السادة المعلقين لم يوضحوا لنا كيف يتم التوفيق بين "حلف المستضعفين" ألأممي الذي يطالب الظواهري بإقامته، وبين "الأمارة الإسلامية المجاهدة" الموعودة. إن كان الظواهري قد تحول، كما يقول زبائن الفضائيات، إلى مناضل أممي، لا يفرق بين البشر إلا على مقدار "الظلم الطبقي" الذي يرزحون تحت وطئته، فلماذا هذه "الإمارة الإسلامية"، التي يريد الظواهري أن يجعل منها نقطة انطلاق لتحرير الأندلس؟
أوليس هذا ضربا من العبث، وهروبا إلى الأمام، وتحللا من المسؤولية، وبيعا للسراب، حتى لا نقول هذيانا أيدلوجيا صافيا؟
إن المرء قد يرفض بالكامل، أفكار حزب الله اللبناني، لكنه لا يستطيع أن يصف رؤيته بأنها رؤية نهلستية عدمية وعبثية، تحرم كل شيء، وتكفر الجميع. فقد أرتضى حزب الله العملية السياسية الجارية في لبنان، وشارك في الانتخابات، ودخل الحكومة. وفيما يخص الساحة التي يتحرك داخلها هذا الحزب، والأهداف، على الأقل المعلنة، التي يعمل من اجل تحقيقها، فأنها ساحة لبنانية وأهداف لبنانية.
يقول زعيم حزب الله، السيد حسن نصر الله: "إن أقصى ما يريده اللبنانيون الشيعة هو الشراكة مع بقية اللبنانيين". أما الأب الروحي للحزب، المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، فيقول:" إن اللبنانيين الشيعة وبجميع أطيافهم لا يستبدلون بلبنان أي بلد".
هذه الرؤية الواقعية المحلية، تتعارض مع رؤية الظواهري وتنظيم القاعدة، الخيالية الكونية، وهلوساته الدينية، التي تجعل من هذا الكون الشاسع ميدانا لنشاطها، والتي ترفض كل شيء، لكنها تريد الحصول على كل شيء. فالظواهري لا يعرف في هذه الدنيا إلا منطق القوة، ولا يعترف بأي شرعية ما خلا شرعية البندقية، ولا يوصي المسلمين إلا ب"مواصلة الكفاح المسلح".
خذوا القضية الفلسطينية، مثلا. الظواهري يرفض أي أمكانية سلمية لحلها لأن "فلسطين ليست للمساومة أو المناقصة، وهي كانت دار الإسلام وتحريرها فريضة عينية على كل مسلم قبل 67 وبعد 67 ". أما المشاركة في أي عملية سياسية، حتى لو كانت القوى المشاركة لا تبتعد كثيرا في أفكارها عن تفكير الظواهري، فأنه يرفضها. فقد أعتبر مشاركة حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة "مخالفا لنهج الإسلام".
والحل؟ الحل سيأتي بعد أن تظهر "الإمارة الإسلامية المجاهدة" في العراق، فينطلق منها مجاهدو القاعدة نحو الأردن وسوريا، ليقيموا إمارة إسلامية مماثلة، يزحفون منها نحو فلسطين ليحرروها من البحر إلى النهر، ثم يغذون السير نحو شمال أفريقيا، ويعبرون من هناك البحر باتجاه الأندلس، فتتم استعادتها من أيدي "الصليبيين"، ولتصبح موطئ قدم لهولاء المجاهدين، لينطلقوا من هناك نحو مدينة بواتيه الفرنسية. وبالطبع، نحن نتحدث هنا عن الطموح الأدنى، أما طموح الظواهري الأكبر ، فهو أبعد من ذلك بكثير. إنه يطمح إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في كل شبر من هذه المعمورة، ليس بالإقناع وباللتي هي أحسن، ولكن بقوة السيف.
وحتى الكوارث الطبيعية التي تحدث في ديار الإسلام، كالفيضانات والزلازل والأوبئة، فأن الظواهري يطالب المسلمين بأن يرفضوا المساعدات التي تقدمها لهم الحكومات، في مثل هذه الحالات، ويصر على أن "أبناء الأمة الإسلامية هم الذين يتوجب عليهم تقديم هذه المساعدات"، مثلما طالب في خطابه الذي أذاعه في بداية هذا العام، عندما تعرضت الباكستان إلى زلزال هدم بيوتها.
إما كيف يتجاوز المسلمون أوامر الحكومات التي تحكمهم، والحدود الجغرافية التي تفصلهم، والدول التي يحملون جنسياتها؟ فأن لا أحد يعرف ذلك، إلا الظواهري، فهو وحده الذي أحترف مهنة بيع نصائح اليأس.
يقول الظواهري: "إن الوصول إلى السلطة يجب أن لا يكون غاية في حد ذاته، بل من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية". و"تطبيق الشريعة الإسلامية" على الطريقة التي ينادي بها الظواهري ، وطبقا لتجربة حكومة طالبان، وتجربة الزرقاوي في العراق، يمكن تلخيصها كالآتي: أنت تفكر، إذن أنت كافر.
إذن، أهولاء الذين لا يفكرون هم الذين يسميهم الظواهري "المستضعفين"، ويريد أن يقيم بينهم حلفا، و"يطالبهم بعدم السكوت"، وأن يقفوا في "مواجهة الظلم الذي حرمه ربنا"؟
نعم، هو كذلك. وما علينا إلا أن ننتظر بضعة أيام، وسنشاهد ونسمع كيف سينفذ هولاء "الصم البكم"، الذين لا يحتقرون شيئا أكثر مما يحتقرون العقل، وصايا اليأس الظواهرية، فيرتكبون مجازر بشرية جديدة، تتحول فيها أجساد الأبرياء من البشر،إلى أشلاء متطايرة، دعما للحق، وأملا في إقامة الشريعة الإسلامية، ل"مواجهة الظلم الذي حرمه ربنا".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف