المطلوب معهد عربي للتكنولوجيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نداء للوليد بن طلال وباقي الأثرياء
أحد أهم الفوارق بين اقتصاد المعرفة - الجديد - و"التقدم الاقتصادي" الذي عرفته البشرية منذ بداية الثورة الصناعية، هو أن التعليم اليوم لم يعد يقتصر على تلقين معلومات يتم تطبيقها في المصانع، بل يتطلب جيلا من الباحثين القادرين على ابتكار وتطوير طرق إنتاج متجددة، بحكم المنافسة العالمية، التي تحكم على كل ما أصبح "تقليديا" بالتراجع. ويتطلب هذا مؤسسات تعليمية متطورة مرتبطة بمراكز البحوث العالمية المرموقة. وهنا اخفق العرب مقارنة حتى مع دولة متخلفة وبائسة مثل الهند.
لرفع التحدي، يجب إنشاء سلسلة من المعاهد العربية للتكنولوجيا بناء على نموذج المعاهد المماثلة والمعروفة عالميا، مما يتطلب شراكة من نوع جديد بين الحكومات وأثرياء العرب من جهة، وأرقى المعاهد والجامعات التكنولوجية في العالم، من جهة أخرى. أفضل نموذج في هذا المجال هو نموذج "معهد ماساشيوستس للتكنولوجيا" (آم آي تي) بمدينة بوسطن الأمريكية و "معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا"، حيث يقيم العالم المصري أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء.
تأسس معهد "آم آي تي" في 1865 على يد عالم الأحياء "ويليام باتون روجرز" الذي هدف من وراء مشروعة الجديد إنشاء "مؤسسة تعليمية مستقلة تعود بالفائدة على التنمية الصناعية بأمريكا". وقامت الفكرة أساسا على إنشاء علاقة جديدة تربط بين التعليم والبحث من جهة وعالم الصناعة من جهة أخرى. ويعني هذا من الناحية العملية التواجد المكثف لقادة الصناعة بمجلس إدارة المعهد وعديد اللجان الأخرى التي تسهر على إدارته، والقيام بمجهود كبير لجمع الأموال (بالإضافة للرسوم التي يدفعها الطلبة، بمعدل 30000 دولار في السنة للطالب الواحد، حاليا). لهذا الغرض، تم إنشاء وقف برأس مال 6.7 مليار دولار يتم استعمال مداخليه السنوية، بالإضافة للأموال الجديدة التي يتم جمعها من التبرعات والهبات للأفراد والشركات والمؤسسات الخيرية التي جلبت في العام الدراسي 2004 - 2005 حوالي 217 مليون دولار (للمزيد يمكن الرجوع لموقع المعهد : http://web.mit.edu).
تمثل هذه الموارد المالية الضخمة والعلاقة العضوية مع عالم الصناعة الركيزة الأساسية للقفزة الأمريكية في مجال البحوث العلمية في التقنيات الحديثة، مما خلق هوة يحاول الأوروبيون اليوم سدها. من هنا جاء مشروع "المعهد الأوروبي للتكنولوجيا" بهدف محاكاة معهد "آم آي تي" والذي رصد له رأس مال يقارب 2.5 مليار دولار، والذي يمثل احد عناصر بيان برشلونة الهادف إلى بناء اقتصاد أوروبي تنافسي على المستوى الدولي. مع التنويه بأن هذا الشعور بالفجوة هو أساس برنامج إصلاح الجامعات البريطانية الذي أطلقته حكومة توني بلير، وأساس برنامج المستشار الألماني السابق الذي وعد بإنشاء عشرة جامعات من طراز "هارفارد" الأمريكية في بلاده.
أما على مستوى العالم الثالث، فمن المهم التنويه بسلسلة المعاهد الهندية للتكنولوجيا السبعة التي تم تأسيسها منذ 1963، بناء على دعوة جواهرلال نهرو بتطوير التعليم، وهي المعاهد التي وصفها رئيس مؤسسة ميكروسوفت "بيل جايتس" بالمعجزة العلمية. وهي المعاهد التي وضعت الحجر الأساس للنهضة الهندية في برمجيات الكمبيوتر الموجهة إلى التصدير. وخريجو هذه المعاهد النموذجية هم الذين مثلوا رأس الحربة في "غزوة السيليكون" بكاليفورنيا الشمالية، معهد صناعة الكمبيوتر والتقنيات الحديثة بصفة عامة، حيث نجحوا في إنشاء عديد الشركات.
إفريقيا جنوب الصحراء وعت هي الأخرى بأهمية المشروع، مما أدى بأهل الخير فيها إلى إنشاء "مؤسسة نيلسون مانديلا لتطوير المعرفة وتقدم العلم والتكنولوجيا" (موقع : www.nmiscience.org) ، و من أهدافها تأسيس "المعهد الإفريقي للعلوم والتكنولوجيا" الذي سيحتوى على مراكز في أهم مدن القارة تبلغ طاقة إنتاجها السنوية 5 آلاف باحث ومهندس إفريقي، من الطراز العالمي. وقد بدأ العمل لإنشاء وقف يتم استثماره واستعمال عائداته السنوية كما هو معمول به في اكبر المؤسسات الجامعية الأمريكية.
أما في الدول العربية، فلا حياة لمن تنادى، بالرغم من الضعف الفادح على هذه المستوى، حيث لا يتجاوز عدد العلماء والمهندسين في ميدان البحث والتطوير (من كل مليون ساكن) حوالي 493 في مصر، ورقم مماثل في الدول الأخرى، مقابل معدل 778 بالدول متوسطة الدخل و2319 في كوريا الجنوبية (المصدر : تقرير التنافسية العربية - 2003، المعهد العربي للتخطيط - الكويت، موقع :
http://www.arab-api.org). كل هذا في الوقت الذي بقيت فيه الجامعات العربية أشبه بالجوامع و الكتاتيب ذات المناهج و طرق التعليم المتخلفة و نفس الشيء بالنسبة للقائمين عليها. لذلك فلا عجب انه من بين أول 500 جامعة في العالم بناء على مستوى البحوث المنشورة، لا توجد جامعة عربية واحدة بينما تم اختيار 7 جامعات إسرائيلية.
بناء على ما سبق، ونظرا للضعف الكبير للدراسات التكنولوجية في العالم العربي، يمثل إنشاء سلسة معاهد تكنولوجية بناء على نموذجي "آم آي طي" والمعاهد الهندية أحد أهم التحديات. ولن يكون بالإمكان أن يحصل هذا إلا بمبادرة من رجال الأعمال والأثرياء العرب. وأملنا أن يجد هذا النداء آذانا صاغية لدى الوليد بن طلال وباقي الأثرياء، كي لا يفوت العرب على أنفسهم النصف الأول من القرن الواحد والعشرين كما سبق وأن فوتوا على أنفسهم النصف الثاني من القرن العشرين.
باحث أكاديمي في اقتصاديات التنمية وخبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.