رغم كل شئ: لا بديل عن السلام العادل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شاهدت منذ أسبوعين فيلم (الحرب والسلام) المأخوذ عن رواية الأديب الروسى (ليو تولستوى) والفيلم بطولة الجميلة (أودرى هيبورن) و(هنرى فوندا). والفيلم يستعرض تاريخ روسيا القيصرية أيام غزو نابليون لها، وبطل الفيلم هو كاتب محب للسلام ورفض الإشتراك فى الحرب رغم توبيخ العديد من الناس له، وإختار السلام عن الحرب، ولكن فى نهاية الفيلم تغير موقفه بعدما رأى التدمير الذى أحدثه جيش نابليون فى بلده روسيا، وقررالإشتراك فى المجهود الحربى الروسى رغم أن سنه قد تجاوز سن الإنخراط فى الجندية، المهم أن إشتراكه فى الحرب أفزعه بشدة وكان محيرا بين ضميره الإنسانى الذى يحرم قتل أو إيذاء الآخرين وبين ضميره وواجبه الوطنى والذى يفرض عليه المشاركة فى الدفاع عن وطنه حتى لو أدى هذا إلى قتل أرواح إنسانية، وكان خيار الحرب هو خيارا قاسيا بالنسبة له، وفى النهاية تم القبض عليه من قبل قوات نابليون وكان على وشك أن ينفذ فيه حكم الإعدام ولكنه تمكن من الهرب بعد تدهور أحوال جيش نابليون فى نهاية الحرب.
....
وأخذت أفكر فى موقف "بيير بيزوخوف" بطل الرواية والذى لعب دوره بإقتدار هنرى فوندا والذى كان يفضل السلام عن الحرب، وكذلك موقف "ناتشا روستوف" والتى لعبت دورها الفتاة الحالمة (أودرى هيبورن) تلك الفتاة التى لم تكن تفهم الحرب، بل هى محبة للحياة بطبيعتها حتى فى أقصى لحظات الألم وبعد أن طردوا من قصرهم فى موسكو إلا أن محبتها للحياة لم تتغير، وظلت متفائلة حتى النهاية، بينما إزداد إكتئاب (بيير بيزوخوف) من حقارة الطبيعة الإنسانية وكيف أن الإنسان يمجد الحروب والقتل، ورواية الحرب السلام تعتبر من أجمل إبداعات الأدب الإنسانى لأنها إنحازت إلى السلام وإلى الحياة، وتجعلك تكره الحرب والموت.
...
وبالأمس طلبت أخى الأكبر فى القاهرة (والذى لا يوافقنى عن معظم ما أكتب) ، وبدأت بالسؤال عن صحته، وقبل أن يجاوب بدأ على الفور بالقول:"عاجبك كده إللى بيعملوه أصحابك الأمريكان إللى أثبتوا إنهم إسرائيليين أكثر من الإسرائيليين نفسهم"، فقلت له على الفور:" لأ طبعا مش عاجبنى، والموقف الأمريكى والإسرائيلى هو أسوأ موقف فى تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية، وموقف يتسم بالغباء والعناد الشديد والإستهانه بأراوح الأبرياء، وسيجلب هذا الموقف المزيد من الأعمال الإرهابية وسيقوى موقف كل فقهاء الإرهاب، وسيضعف موقف دعاة السلام ودعاة الحرية والديموقراطية، وسيزداد التطرف بدرجة لم تعرفها المنطقة من قبل". وأردفت قائلا :"وإذا كانت إسرائيل تعرف دبة النملة فيما حولها من بلدان الجوار، وتستطيع إطلاق صاروخ بدقة متناهية من طائرة حربية على سيارة متحركة فى غزة تحمل أحد قادة حماس، هل جيش بتلك الكفاءة يعجز عن معرفة إن كانت المبنى المضروب فى "قانا" مأوى لمقاتلى حزب الله أم ملجأ لأطفال ونساء هربوا من القصف الإسرائيلى، أى عقل يستوعب هذا؟" المهم أن أخى أرتاح لأن آرائى بدت متوافقة مع آرائه.
....
وقد يقول قائل بعد أن يقرأ عنوان مقالى هذا " بالذمة ده وقت تتكلم فيه عن السلام، ولسه إمبارح إسرائيل قتلت أكثر من 40 طفل فى غارة واحدة"، ولهذا القارئ كل العذر فى غضبه وشعوره بالرغبة فى الإنتقام والتدمير، ولكن تعالوا نفكر بهدوء قد لا يحتمله الموقف الحالى :
هناك عدة حقائق يجب على الجميع الإعتراف بها قبل بدأ أى حوار:
أولا: لن يستطيع أحد إلغاء إسرائيل من على الخريطة أو إلقاء اليهود فى البحر، كل هذه مجرد إمنيات ترجع إلى عهد الأربعينيات من القرن الماضى.
ثانيا: لن تستطيع إسرائيل أو أمريكا إلغاء فلسطين من على الخريطة أو إلقاء عرب فلسطين فى الصحراء، وأ يضا هذه مجرد أمنيات للمتطرفين اليهود والأمريكان. العرب لم ولن يكونوا الهنود الحمر.
ثالثا: لن تستطيع إسرائيل مهما أوتيت من قوة أن تقضى على حماس أو حزب الله، والتاريخ أثبت أن حرب العصابات لا يمكن أن يكسبها أى جيش نظامى مهما بلغت قوته، وتاريخ أمريكا نفسه يثبت فشل أمريكا فى الإنتصار على الفيت كونج فى فيتنام، وفشل أمريكا والحكومة العراقية فى القضاء على التمرد فى العراق، والذى أخذ يأخذ شكل الحرب الأهلية. وأى جيش نظامى يعرف جيدا عندما يحارب قوات ميليشيا بأنه يحارب عدو وهمى لايوجد فى أى مكان وفى نفس الوقت هو موجود فى كل مكان.
رابعا: إذا كانت إسرائيل حقا تريد العيش فى سلام فى المنطقة فيجب عليها أن تعرف عددا من الحقائق:
- أنها دولة دخيلة على المنطقة وعمرها أقل من ستين عاما، لها لغة مختلفة عن جيرانها، ديانة مختلفة، وثقافة مختلفة، لذذلك يجب عليها أن تحمد ربنا وتبوس إيديها وش وظهر إذا قبلها جيرانها.
- أنها دولة لن تستطيع أن تعيش فى حماية السلاح إلى الأبد، لأن ضعيف اليوم يمكن أن يكون قويا غدا.
- أنها من المفروض نظريا أن تكون أكثر حرصا على السلام من جيرانها، لذلك يجب عليها أن تكون الطرف الذى يقوم بتقديم التنازلا ت المؤلمة أو غير المؤلمة
- ليس لدى العرب ما يتنازلوا عنه بعد الآن، فقد تنازلوا عن كل شئ، وأكبر تنازل هو خسارتهم أكثر من نصف أرض فلسطين، وإعترافهم بالأمر الواقع وقبولهم إسرائيل.
- العرب (تاريخيا) لم يضطهدوا اليهود بالشكل الذى حدث فى أسبانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من دول أوروبا، بالعكس اليهود كانوا يهربون من الإضطهاد فى أوروبا إلى المغرب وتركيا ولبنان ومصر ( يبقى ده جزاتنا)!
- إسرائيل لن تستطيع فرض سلاما معينا على العرب، لأن العرب أكثر عنادا من اليهود ولن يقبلوا الإستسلام.
- السلام العادل هو ما قد يقبله العرب، وتعريف السلام العادل بسيط وتوجد العديد من قرارات الأمم المتحدة المعطلة والتى تعرف السلام العادل.
ومن جهة أخرى على العرب أن يقبلوا عددا من الحقائق:
- السلام العادل، لا يعنى الهدنه تمهيدا للحرب، ولكن السلام معناه نهاية الحروب وبداية العلاقات الطبيعية. ولكن لا يمكن فرض علاقات طبيعية على هذا الجيل، ربما بعد جيلين من الزمان والسلام ممكن أن نشاهد علاقات طبيعية.
- وجود القضية الفلسطينية الإسرائيلية يعرقل كل أنشطة التنمية، لذلك فإن الإسراع فى حلها هو الأفضل، مهما كانت الصعوبات.
- التفاوض المباشر مع إسرائيل هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق السلام، بطلوا بقى شحاتة السلام من أمريكا أو أوروبا أو الأمم المتحدة.
فهل هناك من عقلاء يرتفعون فوق الكراهية والإنتقام والأحقاد والأنقاض لمواجهة خيار السلام، وإتخاذ التنازلات المؤلمة من الجانب الإسرائيلى، والقرارات الغير جماهيرية من الجانب العربى.
...
أنا لن أتصرف مثل "بيير بيزوخوف" بطل رواية الحرب والسلام وأنضم إلى جانب الحرب، فلقد إشتركت فى حرب أكتوبر عام 1973 وما زالت فى أنفى رائحة جلود زملائى الجنود المحترقة على الجبهة، ومازالت أشلاء الجنود فى ذاكرتى وكأنها حدثت بالأمس، إن الحرب ليست فيلما سينمائيا تشاهده على قناة لهلوبة الفضائية، ولكنه عمل من أحط الأعمال الإنسانية، ومن المفروض أن يكون الإستثناء فى حياة الإنسان وليس "القاعدة"، لذلك وبالرغم من كل شئ فإننى أنضم إلى جانب بطلة الحرب والسلام "ناتاشا روستوف" المحبة للحياة والسلام، الحياة جميلة جديرة أن نحياها فى سلام.
ومن أجل أطفال وشهداء "قانا" تعالوا (عربا وإسرائيليين) نعمل سويا للعمل بجد لتحقيق سلام عادل.
samybehiri@aol.com