كتَّاب إيلاف

الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لا يمكن أوّلاً ألاّ أدانة المجزرة التي أرتكبتها أسرائيل في قانا. هذه المجزرة تدلّ على الرغبة في تدمير لبنان لا أكثر ولا أقل بدل البحث الجدّي في المشكلة التي أسمها "حزب الله" وهي ليست مشكلة لبنانية تُعالج في أطار لبناني في أيّ شكل من الأشكال. أن المجزرة التي أرتكبتها أسرائيل عن سابق تصوّر وتصميم والتي لم يذهب ضحيتها سوى الأبرياء من نساء وأطفال ورجال لا علاقة لهم بالحرب ، لا تحول دون أبداء ملاحظات على خطاب السيّد حسن نصرالله الأمين العام ل"حزب الله" السبت الماضي. لقد دعا السيّد نصرالله في خطابه اللبنانين ألى خوض المعركة التي قرر خوضها مع أسرائيل على أرض لبنان وعلى حساب شعب لبنان من دون أنّ يتوقّف ولو لحظة للتساؤل لماذا أصرّ على أعطاء الذريعة للعدو من أجل أن يمارس هوايته المفضلة. تلك الهواية التي تتلخص باللجوء ألى لعبة السلاح. من يلجأ ألى لعبة السلاح، أنّما يلجأ ألى اللعبة الأسرائيلية التي لا ضوابط دولية لها. لا حدود للهمجية والوحشية الأسرائيليتين ولا حدود للدعم العالمي لهذه الوحشية والهمجية...وهذا الأمر ظهر بكلّ وضوح بعد مجزرة قانا.

سيبقى لبنان وسيتجاوز اللبنانيون المحنة الأصعب التي مرواّ فيها بسبب القرار الذي أتخذه "حزب الله" الذي أعتبر نفسه صاحب قرار الحرب والسلم في لبنان فيما هناك حكومة لبنانية تمثّل الأكثرية الحقيقية في البلد تطالب بـأن يكون هناك تشاور بين اللبنانيين عندما يتعلّق الأمر بأتخاذ موقف مصيري من نوع قرار خطف جنديين أسرائيليين من منطقة غير متنازع عليها. يفترض في "حزب الله" في حال كان حزباً لبنانياً يسعى ألى الدفاع عن مصالح لبنان الأنضواء تحت لواء الدولة اللبنانية، ذلك أن لبنان لا يمكن أن يظلّ أستثناء عالمياً، أي أن يكون دولة لا تمتلك السيادة على أراضيها ولا تستطيع الوقوف في وجه حزب مسلّح يبرر وضعه غير الطبيعي عن طريق القول أنه "مقاومة".
قبل كلّ شيء، ليس صحيحاً أن اللبنانيين يقبلون بالأمر الواقع الذي يسعى "حزب الله" ألى فرضه عليهم وذلك عى الرغم من الأجماع على أدانة مجزرة قانا وكلّ الأعمال الوحشية الأسرائيلية الأخرى. الصحيح هو أن اللبنانيين وقفوا صفّاً واحداً في مواجهة العدوان الأسرائيلي وهم على يقين أن أسرائيل عدو للبنان. هذا شيء، لكن الموافقة على ما يقوله الأمين العام ل"حزب الله" شيء آخر، حتى عندما يؤكد أنّه سيهدي أنتصار الحزب ألى اللبنانيين. الكلام شيء والأفعال شيء آخر مختلف تماماً. من يريد اهداء أنتصار الحزب ألى اللبنانيين يتصرّف بطريقة مختلفة كلّياً. من يريد أهداء الأنتصار ألى اللبنانيين يبدأ بالأعتراف بأن ما حلّ بلبنان واللبنانيين نكبة حقيقية وأن الشعب اللبناني أُذلّ لا أكثرولا أقلّ. ما هذا الأنتصار الذي يجعل كل لبناني عاقل يشعر بالذلّ ولا شيء آخر غير الذل؟ ما هذا الأنتصار الذي يؤدي ألى نزوح ما يزيد على ثماني مئة ألف لبناني عن بيوتهم وعن قراهم ومناطقهم؟ ما هذا الأنتصار الذي يصبح فيه اللبناني لاجئاً عند اللاجئين، أي عندما يضطر أبن الجنوب الذي عانى ما عاناه جراء التجوزات والتصرفات الفلسطينية التي أستمرّت حتى العام 1982 ألى اللجوء ألى المخيّمات الفلسطينية في جنوب لبنان وألى مدارس وكالة الأونروا(وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة) التي أقيمت من اجل مساعة اللاجئين في مخيّماتهم أثر نكبة 1948؟ لقد أستقبل الأخوة الفلسطينيون اللبنانيين مشكورين، ولكن ما الذي يبرر ما حصل؟ هل يبرره أصرار "حزب الله" على تحرير أسيرين أو ثلاثة أسرى في وقت ينتظر لبنان مليوناً ونصف مليون سائح من الأشقاء العرب؟ اليس في أستطاعة الأسرى اللبنانيين الأنتظار، أقله من أجل اطفال قانا؟
ليس هناك لبناني صادق يمكن أن يشكّ ببطولات مقاتلي "حزب الله" وتضحياتهم، ولكن ليس في أستطاعة لبناني أن يصدّق ان ما قام به "حزب الله" غير مرتبط بأجندة غير لبنانية، أي بأجندة سورية وأيرانية تحديداً. هل في أستطاعة السيّد حسن نصرالله أعطاء دليل على أن هذا الكلام ليس صحيحاً؟ الجواب أن في أستطاعته ذلك حين يؤكد أن الحزب الذي يتزعمّه لا يعتبر الأنتصار على لبنان بديلاً من الأنتصار على أسرائيل. كيف ذلك؟ الأمر في غاية البساطة. هناك تحرّك دولي يستهدف تمكين الحكومة اللبنانية من بسط سلطتها على كلّ الأراضي اللبنانية بدعم من قوة دولية جديدة في جنوب لبنان تنتشر على طول "الخط الأزرق" مع أسرائيل. أذا وافق "حزب الله" على الصفقة المقترحة والتي تشمل أنتشار الجيش والقوة الدولية وصيغة لأستعادة لبنان مزارع شبعا، يكون بالفعل صاحب أجندة لبنانية حقيقية هدفها تحرير لبنان وأيجاد آلية تحول دون أستمرار الأعتداءات ألأسرائيلية، آلية يسمّيها الحزب سياسة دفاعية. في حال لم تصدر مثل هذه الموافقة التي تدخل في السياق الطبيعي لقبول وزيري الحزب النقاط التي قدّمها رئيس مجلس الوزراء السيّد فؤاد السنيورة ألى مؤتمر روما، سيتحمّل الحزب مسؤولية جولة جديدة من القتال. مثل هذه الجولة ستجلب مزيداً من الدمار والخراب والبؤس على لبنان واللبنانين ولن تُفضي سوى ألى تكريس لبنان "ساحة" لصراعات الآخرين على أرضه.

كان الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله وجدانياً. كا الخطاب أكثر من جيّد شكلاً. لكنّ ذلك ليس كافياً. على الأمين العام ل"حزب الله" عندما أجاب على سؤال الزعيم الوطني والعربي السيّد وليد جنبلاط قائلاً أنّه سيهدي أنتصاره ألى اللبنانيين أن يقرن القول بالفعل. عليه الأعتراف بأن أي معركة جديدة مع أسرائيل لا تصبّ في خدمة لبنان وأن كلّ صواريخ "حزب الله" ليست سوى مبررات لأرتكاب مزيد من المجازر في حق اللبنانيين وتدمير مزيد من القرى والبلدات اللبنانية في الجنوب وغير الجنوب. أن لبنان في حاجة ألى الحياة وليس ألى الموت. من يسعى ألى الموت يضع نفسه في خدمة أسرائيل وفي خدمة أعداء لبنان من عرب وغير عرب. هل يختار السيّد حسن نصرالله أن يكون ألى جانب لبنان الذي يستحق التنعم ببعض الهدوء على غرار ما هو حاصل في الجانب الذي تسيطر عليه سوريا من الجولان المحتلّ... أم يصرّ على أتباع نهج المدرسة السياسية السورية التي تعتبر الأنتصار على لبنان بديلاً من الأنتصار على أسرائيل؟ أنّها مدرسة تمتلك ما يكفي من قصر النظر للأعتقاد أن خراب لبنان يمكن أن يصبّ في مصلحة سوريا وأنّ سوريا تستفيد من تهديم بيروت التي هي قلب لبنان.

في النهاية، أن اللبنانيين ليسوا بسذاجة ميشال عون الذي أستطاع الأمين العام ل"حزب الله" أستخدامه في مرحلة معيّنة. أن اللبنانيين ليسوا مستعدين لبيع كلّ شيء لديهم كما فعل "الجنرال" الحالم بالرئاسة الذي تحالف يوماً مع غبيّ أسمه صدّام حسين من أجل البقاء في قصر بعبدا. اللبنانيون يدركون ما يدور في بلدهم وما يدور حوله. أنّهم يدركون خصوصاً أن من يدعم بطريقة أو بأخرى الأحتلال الأميركي للعراق لأسباب مذهبية لا يحقّ له الأعتراض على السياسة الأميركية في لبنان، سيّما أن هذه السياسة التي يمكن وصفها بالظالمة والمنحازة ألى أسرائيل في فلسطين لا تتعارض بالضرورة مع أيجاد حدّ أدنى من الأستقرار في لبنان، أقلّه في هذه الأيام العصيبة. لا يمكن الدفاع عن السياسة الأميركية في شكل عام ولكن لماذا لا نستفيد منها عندما يكون هناك مجال للأستفادة تماماً كما فعل النظام الأيراني الذي تفرّد، بين دول المنطقة، بدعم الحرب الأميركية على العراق وأيّد الأحتلال الأميركي للعراق وكلّ القرارات التي أتخذها الأحتلال الأميركي في العراق. هل أستفادة النظام الأيراني، وقبله النظام السوري، من السياسة الأميركية حلال وأحتمال أستفادة لبنان من هذه السياسة، نعم مجرّد أحتمال أستفادته منها، حرام وخيانة؟ أنّه سؤال آخر برسم الأمين العام ل"حزب الله".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف