صمت تشومسكي عما يحدث في لبنان في بيان لهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فلسطين ولبنان، وإشارة حول بيان لخمسة عشر مثقفاً أجنبياً
لا يستطيع المرء أن يجد تفسيراً لعار الصمت الكوني حيال ما تتعرض له لبنان وفلسطين والعراق - هذا الأخير صار احتلاله و قتل أبنائه خبراً روتينياًً من الدرجة الثالثة في سلّم الفضائيات! صمت لزج كريه لا يقتصر على دوائر القرار السياسي الغربي التي تعودنا نذالتها، وإنما يشمل الدوائر الثقافية الغربية أيضاً والتي لم يصدر عنها حتى الآن سوى شذرات مواقف فردية لم تمنحها الميديا الغربية سوى هوامش وليس بمستطاعها - حتى على المدى البعيد- صنع حركة تؤثر في الرأي العام وسياسات "المركز الغربي". ويبدو أن موجة الحرّ الشديد التي تجتاح أوروبا وموسم عطلة الصيف الذي يراوح بين منتصف تموز ومنتصف آب، لها أثرها على "بطء" حركة الوعي العالمي بفظائع الفاشية الإسرائيلية، في شيء شبيه إلى حد ما بما حصل مع المذابح الإسرائيلية في غزة حين غطّت حمى مونديال كأس العالم عليها، إلى حد كبير؛ حتى لتذهب المخيّلة بالمرء إلى أن الغرب لن "يدرك" ما يحصل إلا حين تقصف الطائرات الإسرائيلية برلين ولندن وباريس وتشتبك دبابات الاحتلال مع المقاومين الإيطاليين في ريف توسكانا!
* * *
منذ أكثر من أسبوع أصدر أربعة مثقفين غربيين مرموقين، من بينهم حائزان لجائزة نوبل في الأدب، بياناً حول "الفصل الأخير" من الجريمة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، حيث يقول بيانهم أن الهدف السياسي لما يجري حالياً "لا يقل عن تصفية الشعب الفلسطيني" وأنه ينبغي كشف هذه الممارسات و"مقاومتها بشكل متواصل ودون أدنى هوادة". ورغم جرأة البيان وخطابه الأخلاقي الذي يستحق بالفعل تقديراً واحتراماً عميقين في سياق حالة شبه الصمت التي تصدر عن دوائر الثقافة الغربية وانحطاط الخطابات الصادرة عن الحكومات الغربية وتغطيتها بذلك لجرائم "إسرائيل"-لا ننسى بالطبع الدور "المشرف" للحكومات العربية البائسة، إلا أن هناك ملاحظة أساسية لن تمنعنا صداقة أكثر هؤلاء المثقفين للشعب الفلسطيني وقضيته من تسجيلها، وهي ملاحظة ليس فيها أدنى انتقاص من قيمة البيان والتقدير لموقف أصحابه، ولكن توقيت نشر هذا البيان يستدعيها.
والملاحظة هي خلو البيان من أية إشارة للعدوان الإسرائيلي الأمريكي على لبنان. وقد يتساءل المرء عن معنى غياب أية إشارة إلى الجريمة الكبيرة والمذابح التي يتعرض لها الشعب اللبناني في بيان جريء و أخلاقي بامتياز بادر إليه أربعة مثقفين كبار، هم: الكاتب والناقد الفني البريطاني جون برجر والكاتب المسرحي البريطاني هارولد بينتر( نوبل 2005) والروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو(نوبل 1998) والمفكّر الأمريكي عالم اللغويات نوعم تشومسكي، ووقّعه في وقت لاحق أحد عشر مثقفاً مرموقاً من بينهم مثقفون من أصول غير غربية ويكتبون بالانجليزية كالمفكر الباكستاني طارق علي والروائية والناشطة الهندية أرونداتي روي، وأسماء أخرى مثل: الكاتب والمؤرخ الأورغواني إدواردو غاليانو، والحقوقي الأمريكي ريتشارد فالك الأستاذ بجامعة برينستون أحد أبرز الحقوقيين في العالم- من الذين أكدوا قبل سنوات مسؤولية "شارون" عن مذابح صبرا وشاتيلا ، والروائي الأمريكي راسل بانكس رئيس "برلمان الكتاب العالمي"- الذي ترأس وفد الكتاب العالميين في زيارتهم التضامنية الهامة لفلسطين في آذار 2002، وأسماء أخرى ليس اهتمامها مستجداً بالقضية الفلسطينية أو بتعرية السياسات الإجرامية للولايات المتحدة و"إسرائيل"، حيث يعثر المتابع في تاريخ معظمهم على جملة مواقف أخلاقية شجاعة في وجه سلطات الظلم الكوني.
* * *
يتبادر إلى الذهن وبشكل سريع تفسيران محتملان لـ"اقتصار" البيان على العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني- كي لا نقول "غياب" الإشارة إلى جرائم "إسرائيل" الفاشية وحلفائها -غير الصامتين هذه المرة- بحق لبنان. الافتراض الأول هو أن البيان قد تم التفُكير به وإعداده قبل بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان وتأخر نشره إلى وقت العدوان؟! وربما أن معدّي البيان تقصدوا قصره على ما يحدث في فلسطين في محاولة لإثارة انتباه العالم لما يحدث، وفي بالهم أن"إسرائيل" أخذت تستفيد من توجه الاهتمام الدولي(غير الفاعل أصلاً) إلى جرائمها في لبنان - أو إلى"أزمة الشرق الأوسط " - بتعبير السي إن إن! - لتنفيذ مخططات تصفية الشعب الفلسطيني على أرضه بـ"حرية" أكبر. أميل شخصياً لهذه التأويلات وليس في نيتي الذهاب نحو فرضيات سلبية بحق مجموعة من أنقى وأشجع الأصوات في الغرب اليوم، والتي يبدو الضمير الغربي- دون أصوات مثلها- دمامل على مؤخرة كونداليسا رايس، هذه الغولة التي لم يخطر لأطفال الجنوب اللبناني في أسوأ كوابيسهم أنها موجودة في الواقع وأنها "ستبتسم بحنان" وهي تفسح الطريق للموت القادم إليهم في أحضان آبائهم وأمهاتهم.
* * *
ربما صعّد من تساؤلاتي هذه، بشأن هذا البيان، الشعور الجمعي الفلسطيني أن ما يحدث على لبنان يحدث علينا ومن الصعب أن نستسيغ في هذا الوقت تضامناً لا يشمل إخوتنا اللبنانيين الذين ليس من قبيل ترديد الشعارات ولا البلاغة العاطفية، القول أن مقاومتهم الآن تدافع عن كرامة ومستقبل شعوب المنطقة العربية كلّها، قدر دفاعها عن لبنان وفلسطين.
* * *
إنه لشيء يثير التقزز، مشهد "الرجل الأبيض" غاطاً في قيلولته الحضارية، بينما تقوم سكرتيرته القحبة المدججة برؤوس نووية "إسرائيل" بشيّ وجوه الأطفال وأيديهم الصغيرة وقلي أكبادهم وقلوبهم بزيت أمريكي حتى تعد للعالم "وجبة سلام مُشْبِعة"، تزعم أن "عرباً" قبل غيرهم سيأكلونها بشهية وعقلانية وبعد نظر.
ويكون المشهد مقززاً أكثر حين يهرول الأعمام المزيفون دون أن يجرؤوا على إزعاج "السكرتيرة" في أعمالها الإنسانية: يصدرون بيانات حكيمة، يدفنون رؤوسهم في دماء القتلى، يرسلون "مساعدات" متلفزة، يحاولون التوسط الخ... ولا شيء يستدعي إزعاج القيلولة الحضارية للرجل الأبيض أو تكدير طائرات السكرتيرة... وعند احتدام الأمور يدفنون رؤوسهم في مؤخرة العقلانية ويلوذون بثرثرة محسوبة أو صمت يفترضون أنه من دواعي السلامة العامة!
نص البيان
بدأ الفصل الأخير في النزاع بين إسرائيل وفلسطين يوم اختطفت قوات الجيش الإسرائيلي طبيباً وأخاه وهما مدنيان فلسطينيان من غزة. هذه الواقعة التي كاد ذكرها أن يغيب تماماً عدا في الصحافة التركية التي أوردت النبأ. وفي اليوم التالي قام الفلسطينيون بأسر جندي إسرائيلي عارضين التفاوض حول تبادل الأسرى القابعين في سجون إسرائيل حيث يوجد فيها ما يقارب عشرة آلاف سجين فلسطيني.
وفي حين اعتبر"اختطاف" الفلسطينيين للجندي الإسرائيلي اعتداءً شائناً؛ استمر اعتبار الاحتلال العسكري للضفة الغربية، ومواصلة الاستيلاء المنتظم على الموارد الطبيعية، وبشكل خاص على المياه، من قبل جيش "الدفاع"( ! ) الإسرائيلي ليس أكثر من قضية مؤسفة وكأنها ليست سوى حقيقة لا بد منها في الحياة. هذا الموقف ذو المعايير المزدوجة هو الموقف النموذجي العام والمتبع على الدوام من قبل الغرب كردٍ على ما حلّ بالفلسطينيين وأراضيهم التي اعترف لهم بها بموجب الاتفاقات الدولية المبرمة خلال السنوات السبعين الماضية.
واليوم يجر الانتهاك انتهاكاً آخر، وتسعى القذائف المصنوعة محلياً لمواجهة الصواريخ المتطورة، التي تستهدف الأمكنة الفقيرة التي يقيم بها المحرومون من حقوقهم، والذين ما زالوا بانتظار ما كان يعرف ذات يوم بـ"العدالة".
صنفا القذائف والصواريخ تمزّق أجساد البشر بشكل مريع- من سوى القوّاد العسكريين يجرؤ على نسيانها؟!
لكل استفزاز من يدافع عنه ومن يعتبره ذريعة استفزاز مضاد، لكن الخلافات في الرأي والاتهامات والإنذارات جميعها لا تخدم غير إلهاء العالم وتحويل اهتمامه بعيداً عما يجري على أرض الواقع من ممارسات عسكرية واقتصادية وجغرافية ذات تداعيات طويلة الأمد؛ هدفها السياسي لا يقل عن تصفية الشعب الفلسطيني.
لذا، لا بد من التصريح عالياً وبكل وضوح: أن الممارسات الجارية حالياً، نصف المعلنة ونصف المقنّعة، التي تستهدف تصفية الشعب الفلسطيني، تتقدم بسرعة هذه الأيام، وفي اعتقادنا، لا بد من تسليط الأضواء عليها ومقاومتها بشكل متواصل ودون أدنى هوادة.
الموقعون:
طارق علي، راسل بانكس، جون برجر، نوعم تشومسكي، ريتشارد فالك، ادواردو غاليانو، تشارلز جلاس ، نعومي كلين، دبليو.جي..تي ميتشيل، هارولد پينتر، أرونداتي روي، خوسيه ساراماغو، جيوليانا سجرينا، جور ڤيدال، هوارد زين.