أنا الملايين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فيما تقلب شاشات التلفاز بحثًا عن خبر أو تحليل جديد، تسمع صوت "جوليا" في أغنيتها الرائعة، "وين الملايين." تضرب الفرامل وتعود إلى المحطة. تعيدك الأغنية بالذاكرة إلى عشر سنوات خلت، إلى قانا الأولى، وصرخة جوليا آنذاك، "وين الملايين، الدم العربي وين، الشرف العربي وين." وتنتبه إلى أن السؤال الذي بقي بدون إجابة آنذاك، لم يزل بدون إجابة اليوم.
نحن في الجولة الثانية والعشرين من معركة غير متكافئة والمقاومة ما تزال واقفة على رجليها بعد أن ظن العديد أنها ستنتهي بالضربة القاضية في الجولة الأولى، أو الثانية في أبعد تقدير. مباراة الملاكمة تنتهي في خمس عشرة جولة - والمقاومة ليس فقط لم تخسر بالضربة القاضية، بل إنَّها في حساب العديد من المراقبين قد فازت بالنقاط. لهذا قرر منظمو اللعبة دعوة الحكم لإطالة أمدها أولاً، ثم تكرارًا، ثم نراهم يسمحوا لمدربي الملاكم الإسرائيلي بشحنه بجميع المقويات والمنشطات الممنوعة، ويقومون بحملة تعمية بحيث يسمحون للاعبهم أن يستعمل شتى الضربات غير القانونية، عله يسجل انتصارًا ما، عبثًا. المقاومة واقفة على رجليها وتسجل النقاط.
الجمهور حائر. إنه من جهة غير مصدق أن هذا اللاعب صغير الحجم قد استطاع الصمود، بل وأنه قد أدمى أنف "بطل العالم" وربما كسر بعض أضلاعه. ومن جهة ثانية نراه يتأفف من تحيز الحَكَم ومنظمي الدورة لا سيما بعد الأذى الكبير الذي ألحقته الضربات الممنوعة بالبطل الشاب. مشكلة الجمهور أنه لم يعرف بعد كيف يوجه غضبه المتصاعد. فهو ما يزال يطلب العدالة من الحَكَم، والنزاهة من منظمي اللعبة. لعله ما يزال يجهل أن الحَكَم منحاز وأن اللعبة مغشوشة من أساسها، وليس هدفها المنافسة الرياضية، بل المال والرهان مضبوط الجوانب بحيث يُقَرَّرُ من سيربح المباريات سلفًا ويتم قبول الرهانات على أساس ذلك. لم يعرف الجمهور بعد أن عليه أن ينزل إلى حلبة الملاكمة ويذيق الحكم والمنظمين والمروجين وسماسرة المال وغيرهم من "أسياد اللعبة" طعم غضبهم.
لم تكن الهوة بين الشباب العربي وقادة دوله، ولن نقول قادته، أوسع منها اليوم. معظم القادة في خريف العمر، ومعظمهم يحكم بلاده منذ ربع قرن إن لم يكن أكثر، وهم إن لم يرثوا حكمًا عن قريب وارث، اغتصبوه من مغتصب سابق، ومعظمهم يدين باستمرار حكمه للقوة العظمى. بعضهم يدين بالمال، وبعضهم بالحماية وبعضهم بالاثنين معًا. إنهم مثل مساعدي "العراب" الكبير، لكلٍّ وظيفته ولكلٍّ سعره، ولكن قرارهم دائمًا في يده.
أما الشباب العربي، الذي اعتاد طعم الهزيمة يلقمه إياه قادته وجبة بعد وجبة منذ مطلع القرن الفائت، فإنه لأول مرة يرى أمامه بطلاً جديدًا عنيدًا مؤمنًا مقاومًا، يسجل الانتصارات حيث كان يجب أن يكون بين الأقدام، فلا يصدق عينيه. إنه يرى الحَكَم يمد الخصم بالمنشطات، ويرى المنظمين ينهالون على هذا اللاعب الجديد بالضرب فيغضب من لا عدالة اللعبة عوضًا عن النزول إلى الحلبة لتنظيفها ومساعدة البطل الذي استحق إعجابه.
نحن في الجولة الثانية والعشرين والمقاومة تسجل الانتصارات العسكرية - وحيدة - ولبنان يُدمَّر - وحيدًا - وجوليا تنتظر الملايين، والملايين ينتظرون الملايين، ولكن إلى أن يعرف كل واحد من الملايين أنه هو الملايين، وأن لصوته قيمة ولفعله جدوى، وأن "حياته وقفة عز تتغير فيها الأقدار"، فسيطول الانتظار.