كتَّاب إيلاف

أمـريكائيل في الـيوم السادس من حرب الـ58 عاماً

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هل يسدد الإسرائيليون الفاتورة الأمريكية هذه المرة؟

سيناريو الحرب الإسرائيلية على لبنان لم يكن خافياً على أحد وإنما كان ينتظر ذريعة تبرر بها إسرائيل تنفيذ ماسبق وأعدته، وهذا ما وجدته في أسر جندييها. ربما يكون مبعث دهشة البعض هو قوة ردة الفعل الإسرائيلية على الحدث، إذ أن القاعدة تقول أن لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومضادة له في الاتجاه إلا أن ردة الفعل على أسر جندييها تجاوزت المنطق والعقلانية في قوتها وشراستها التدميرية التي طالت كل شيء وحي في الجنوب وغير الجنوب. عربدة عسكرية مثل هذه لايمكن إلا تبريرها بأن هناك مخطط معد سلفاً، وربما يكون إختيار لبنان تم بناء على محوريته الاقتصادية في المنطقة كمعبر مثالي للاعمال الاقتصادية، وهشاشة بنيته العسكرية، أضف إلى ذلك كونه معقلاً لجيب مقلق امنياً يتمثل في حزب الله، الذي ينتظم في محور إيراني سوري كنظامين لم ينخرطا في أي مشاريع سلام من المشاريع التي دأبت إسرائيل على إجهاضها من جانب واحد.إضافة إلى حركتين مقاومتين ترفضان أي حلول وسط مع إسرائيل، هما حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين.

اهتــــزاز الوهــــم الخرافي
أمريكا في سعيها لإقامة مشروع شرق أوسطها - بعد فشل مشروع الشرق الأوسط الكبير - تلتقي مصلحتها مع إسرائيل في تدمير هذا الحلف، وضرب حلقاتها واحدة بعد الأخرى.
والآن.
إذا كانت حروب إسرائيل العربية السابقة هي بمبادرة منها، وبمباركة أمريكية حيث كان دافع تلك الحروب إسرائيليا بحتاً، حتى ولو سميت حروباً دفاعية مزعومة، ونقول مزعومة لأنها في الواقع كانت حروباً عدائية هجومية، كانت أراضي الدولة العربية هي مسرحها ، ولعل من سخرية القدر أن المرة الأولى التي طالت فيها الحرب الأراضي الإسرائيلية ووصلت فيها النيران إلى داخل المدن الإسرائيلية، كانت حرباً بينها وبين " منظمة " مقاومة لاجيش دولة عسكري!
هنا العقدة الآن.
فإسرائيل التي استطاعت أن تلحق الهزيمة بكل الجيوش العربية التي دخلت في حروب معها لن ترضى بالهزيمة من " فلول " مقاومة شعبية، خاصة وهذا الجيب المقاوم لا يحظى بالإجماع في بلده.
ومثلها قال شيمون بيريز فإن هذه الحرب هي حرب موت أو حياة بالنسبة للإسرائيليين وهذا صحيح طالما أن إسرائيل هي في الأساس دولة لجيش وليست دولة لها جيش.
وهي دولة لجيش لأنها دولة قامت على الاغتصاب.
ولذا فإن الخوف يسيطر على هؤلاء المهاجرين إليها من كل حدب وصوب، وهم محكوم عليم بعدم الإحساس بالأمن لأنهم مغتصبون، استقروا في ارض ليست لهم، تآمراً واغتصاباً.
وقادة إسرائيل الصهاينة يعلمون يقيناً أن مواطني دولتهم.. المصطنعة هذي مثلما هاجروا من أوطانهم - التي لم يشعروا بالانتماء إليها - سيهاجرون من إسرائيل متى ماشعروا بالخوف وعدم الأمان.
وهذه المذابح الوحشية في قانا وغير قانا، وهذا التدمير الحاقد، هو فيآن، يعكس حقداً تاريخياً متأصلاً ضد كل ماهو عربي وإسلامي، كما يعكس رعباً حقيقياً من زوال وهم القوة التي لا تقهر، والذي أقنعت إسرائيل به نفسها والعالم من حولها - فصدقه وصدقته.
وها هو هذا الوهم الخرافي يتهاوى عند أول امتحان حقيقي يدخله الكيان الصهيوني ويتبدد تحت ضربات المقاومة الموجعة.
وما مذبحة قانا الثانية سوى محاولة تؤكد بها القيادة السياسية العسكرية لشعبها المذعور بأنها قادرة على تدمير ما حولها بعد أن فشلت في معركتها العسكرية، وذلك بتدمير المساكن على رؤوس ساكنيها وتمزيق جثث الأطفال والنساء.
وياله من نصر يندى له الجبين خجلاً.


انسداد الشريان الديمغرافي
إسرائيل لن تتوقف في محطة قانا الإجرامية كثيراً، وقد أعلنها اولمرت بعد ساعات ولم يكن بحاجة لذلك.
هي لن تتوقف.
أولاً : لأن مجلس الأمن الذي تسيطر عليه وعلى قراراته امريكا لن يسمح بذلك، وما من قوة دولية أخرى - بالتالي -تستطيع.
ثانياً : لأن هذه التجربة طعنت إسرائيل في كبرياءها كدولة هي الأقوى في المنطقة والقوة العسكرية الرابعة عالميا، وبالتالي فإن توقفها، وموافقتها على وقف إطلاق النار ألان يشكل هزيمة عسكرية لها، كما أن موقعها الجيوبوليتكي الاستراتيجي في حلفها الاوروامريكي سيهتز بقوة ، ويطرح تساؤلات في مراكز القرار بعواصم تلك الدول حول جدوى كل هذا الدعم الذي تحظى به سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إذا كانت قوتها الأسطورية، إعلامياً لا تستطيع تدمير أو تفكيك، أو حتى تحييد جيب مقاوم مثل حزب الله في لبنان.
وهي لا تستطيع التوقف ثالثاً بسبب تأثير الحقائق التي كانت مغطاة وعرتها تماماً صواريخ حزب الله التي تجاوزت حيفا بالفعل في شمال إسرائيل مصدقة لما قاله حسن نصر الله بأن صواريخه يمكن أن تصل لما بعد ما بعد حيفا - في إشارة واضحة إلى تل أبيب -.
تأثير هذه الحقيقي يتجاوز حاضر وراهن واقع إسرائيل ليصل إلى مستقبلها، فإسرائيل التي تتغذى ديمغرافياً من شرايين هجرة اليهود من شتاتاتهم إليها. لن تغلق صواريخ حزب الله شريانها الديمغرافي هذا فحسب، بل ستجبر من استوطن فلسطين منهم على الرحيل، وقد هجر شمال إسرائيل منهم بالفعل الان لأكثر من (350) ألف باتجاه جنوبها فيها عدد منهم يجهزون جوازات سفرهم للعودة من حيث أتوا.
لكل هذه الأسباب مجتمعة لن تستجيب إسرائيل لوقف إطلاق النار، بل على العكس، يجب أن نتوقع العديد من المجازر ضد المدنيين والمزيد من التدمير الذي قد يصل الى بيروت وشمالها، وذلك لسببين.
أولهما عجلة ولهفة إسرائيل لتحقيق ولو نصر رمزي تستعيد به توازنها الذي أخلت به انكساراتها العسكرية في مواجهات الجنوب.
وثانيهما : أن إسرائيل غير مهيأة لحرب طويلة المدى لعدة اعتبارات، وكلها إستراتيجية، اقتصادياً وديمغرافياً ولوجستياً ونفسياً.

فاتورة واجبة السداد
وفوق هذا وذاك هناك سبب جوهري لا مسناه في بداية حديثنا فيما يختص بطرف العداوات الثاني وهو أمريكا.
فهذه الحرب في أساسها هي حرب أمريكية خالصة، تهدف من ورائها أمريكا الى إرساء قواعد شرق أوسطها الخاص في إطار تثبيت قواعد النظام العالمي الجديد الخاص بها في مرحلتها " الإمبراطورية " أحادية القطب العالمي ومركز يته الأمريكية
أما بالنسبة لإسرائيل فإنها كانت تستطيع أن تعالج قضية جندييها الأسيرين بالأسلوب الذي عالجت به من قبل هذه المسألة بالتفاوض غير المباشر عبر الوسيط الألماني وتحدث المبادلة (ويا دار ما داخلك شر).
ولعل هذا يفسر حماسة أمريكا في تأييدها إسرائيل على هذا النحو المتهافت والمكشوف، وإصرارها على عدم وقف إطلاق النار. على نحو أصبح واضحا لكل مراقب أن أمريكا في هذه المرة تتحدث نيابة عن الحكومة الإسرائيلية التي لم يسمع لها صوت، اللهم إلا هدير الطائرات وإنفجارات القصف الأعمى والمحموم.
في هذه الحرب وضح جلياً أن إسرائيل تجهد لرد الديون الأمريكية عليها منذ نشأتها والى اليوم.
أنه جزء من " الفاتورة " تطالب أمريكا إسرائيل برده في هذه الحرب، ولا تستطيع إسرائيل أن تمانع، فهي تملك المبررات لتخوض الحرب نيابة عن أمريكا.
ولذا فإن مفتاح وقف إطلاق النار بيد أمريكا وحدها.
فهو يخضع لحساباتها هي، وليس لحكومة إسرائيل يد فيه.
صحيح أن صوت الناخب الإسرائيلي واتجاه الرأي فيه يلعب دوراً مؤثراً كآداة ضاغطة على الحكومة، ويمكن أن يحملها على ممانعة الرغبة الأمريكية للتوغل عميقاً في رمال الجنوب المتحركة هذه.
إلا أن الرأي العام الإسرائيلي ٍ وحسب استطلاعات الأسبوع الثاني للحرب، وتحت تأثير الرعب الذي اجتاحه، يؤيد قيادته السياسية في الذهاب إلى ابعد مدى، وأكثر من نصف الاسرائيلين يحبذون إجراءات أكثر في مواجهة اللبنانيين، وتبدو الصحف الإسرائيلية كما لوكانت فصيلاً فاعلاً - لا مسانداً أو مؤيداً فحسب - بل وككتيبة في الجيش الإسرائيلي.

لبنان يقلب الطاولة
أمام هذه الأفق " الامريكائيلي " المغلق، كيف تبدو الصورة على الجانب اللبناني؟.
ليس من خيار أمام لبنان سوى الصمود.
رغم المجازر التي تجاوز عدد قتلاها 800 ضحية، وتدمير البنية التحتية والمنشأت الحيوية والمساكن التي هدمت على رؤوس ساكنيها.. لم يعد أمام لبنان سوى الصمود الى النهاية.
لقد حاول نبيه بري، وبتفويض من حزب الله، أن يوقف هذه المذابح بتبادل الأسرى اللبنانيين والجنديين الإسرائيليين بين الطرفين، فردت إسرائيل على المبادرة بمذبحة قانا، مثلما ردت بها على مبادرة السنيورة التي أيدتها كل الأطرف اللبنانية ووجدت القبول والاستحسان على لسان كوندليزا رايس.
إلا أن هذه الحرب - ولرب ضارة نافعة - نجت فيما فشل فيه قادة الطوائف والأحزاب اللبنانية عبر مفاوضاتهم التي لم تخلُ من التراشق الإعلامي، للوصول الى حد أدنى من الاتفاق فيما بينهم.
إذ أنها كرست وحدة وطنية قوية وإجماعاًُ قلما يتاح لقوى لبنان السياسية في أوقات الذروة من الأزمات الطاحنة، في وقت راهنت فيه قوى العدوان الامريكائيلي على تشرذم هذه القوى وقواعدها الجماهيرية وعلى تتأخرها حين يشتد أوار الحرب.
ولعل ردة الفعل المتوقعة - خطأ ً - كانت لقوى العدوان في آن، في إطار تحقيق إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد.
إلا أن النتيجة التي لم يصنعها من خططوا لهذا العدوان كان توحيد لبنان الرسمي والشعبي بهذه الطريقة التي أحبطت الهدف وأعطيت الوسيلة معاً.
وهذه الوحدة الوطنية - على عكس ما خطط له الامريكائيليون، أصبحت ألان من أمضى وأقوى أسلحة لبنان في هذه المعركة، والمعدل عليها في الصورة النهائية لما ستؤول إليه هذه الحرب.

الجيم من وراء الستار
لعبة عض الأصابع بين لبنان وأمريكائيل مفتوحة على كل الاحتمالات، وهي ليست محسومة مسبقاً بتفوق الترسانة الامريكائيلية كما ظن هؤلاء، وقد أخطاءوا الحساب مثلما أخطأوه مرة في العراق وقبلها في أفغانستان.
ومثل هذه الأخطاء الغبية المتكررة تحتاج إلى دراسة للعقلية التي تنتج مثل هذه القراءات المنحرفة للواقع وبشكل متكرر.
صحيح - وهذا منطقي- أن أمريكائيل لن توقف الحرب في هذه المرحلة وفي ظل الواقع على أرض المعركة، لأن هذا يعتبر هزيمة لها ونصراً للبنان، وليس لحزب الله وحده هذه المرة.
مع تداعيات ذلك وتأثيراته، على المدى القصير والمتوسط، ليس في حدود المنطقة، أنظمة وشعوباً فحسب، بل على مستقبل النظام العالمي الجديد، والذي لم تكتمل ملامحه بعد، ولم تستقر أوضاعه على نحو جديد ثابت وواضح.
إذن ماهي آفاق هذه الحرب المستقبلية، أي خلال الأسابيع القادمة؟
ثمة عامل يقف في خلفية هذه الحرب، ولايبدو أنه هو الذي سيقرر مآلاتها.
وهو الرأي العام في الدول العربية وداخل دولة إسرائيل، في المقام الأول، ثم الرأي العام العالمي وداخل أمريكا وبريطانيا في المقام الاول هناك.
فإذا شعر الناخب الإسرائيلي وترسخت لديه القناعة بأن أمريكا تبتز دولته وإنها تزج بها في هذه الحرب التي ستكرس المزيد من العداء والحقد والكراهية بينه وبين دول وشعوب المنطقة التي هو محكوم - جغرافيا - بالبقاء فيها، وأن هذه الحرب إنما هي حرب أمريكا أولاً وأخيراً، وأنها تستغله على هذا النحو المكلف والقاتل لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، فإنه ولاشك سيتحرك ضد هذه الحرب، ضاغطاً على القيادة السياسية لكبح جِماح العصابة العسكرية المتنفذه والمسيطرة.
وإذا ما استمرت - من ناحية ثانية - احتجاجات الشعوب العربية وإدانتها للأنظمة العربية السلبية، والتي تراوغ لاتخاذ مواقف واضحة، تكون إنعكاساً حقيقياً لشعور المواطن العربي. وإذا ما إستمرت هذه الاحتجاجات في التصاعد كما وتنوعاً في وسائل تعبيرها.
فإن هذه الأنظمة ستجد نفسها - وقد حُشرت في زاوية ضيقة - أمام خيارين لاثالث لهما.
فهي إما أن تواصل استسلامها السلبي لامريكائيل بهذا الشكل المخزي، وتواجه مخاطر هذا التيار الغاضب بين شعوبها وما يحمله من إحتملات قد تتجاوز مخاطرها كراسي الحكم.
وإما أن تستجيب لنبض شعوبها وتغامر باعتماد سياسات تفتتح بها صفحة جديدة، تتناقض تماماً وسياساتها التي ظلت تمارسها حتى الساعة.
والخيار الثاني ليس أكثر سهولة من الأول، لأن هذه الأنظمة ستضطر -إذا أخذت به - إلى تغيير كامل فلسفتها ورؤيتها لأسس الحكم وضروراته وميكانيزماته وآلياته، وستغير بالتالي كامل أجندتها التي ظلت تعمل وفقها.
خلاصة الأمر لقد استنفذ السياسيون والعسكر ما في جعبتهم، وألان ستؤول الكلمة إلى الشعوب، فربما تحسم هي هذه المجازر والمذابح، وتفتح طريقاً للسلام في المنطقة.

أكاديمي وكاتب سعودي
dr_binsabaan@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف