جدران الخزَّان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"لماذا لم تدقوا جدران الخزَّان؟" (نهاية رواية "رجال في الشمس" للشهيد غسان كنفاني)
صور تتقاطع في الذهن نتيجة الواقع الراهن: مئات أو آلاف المصلين يهتفون منددين بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين من داخل جامع الأزهر، لأنه ممنوع عليهم الخروج إلى الشارع؛ عادل إمام وفرقته المسرحية يضيئون شمعة في نهاية عرض لمسرحيتهم؛ وخريطة وزعت إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 تصوِّر لبنان "قبل وبعد". قبل الغزو ملأه "المخربون" الأجانب من سوريين وليبين وإيرانيين وجيش ايرلندي وياباني. وبعده، لبنان نظيفًا منهم. منشور دعائي مثله مثل أي منشور لمسحوق غسيل غير فعال يعلَّب في صندوق جديد.
اليوم، وفي أعقاب الإعلان عن مضمون "الحل السحري" للمسحوق الجديد - التوافق الفرنسي الأميركي على مسوَّدة قرار لمجلس الأمن، الذي يسعى لتحويل الهزيمة الإسرائيلية العسكرية نصرًا سياسيًّا، نرى أن السؤال الذي يجب على العالم كله أن يفكر فيه هو التالي: إلى أي مدى يمكن إبقاء الصمت الذي قطر غضبًا من وجه عادل إمام وهو واقف أمام جمهوره - العالم العربي بأسره - صمتًا فقط! والصراخ الذي انطلق من قاعة الجامع الأزهر ومنع من الخروج إلى الشارع، صراخًا فقط؟ وماذا ستكون التداعيات؟ بكلام آخر، إلى متى سيبقى سجناء الخزَّان يدقون على الجدران من الداخل قبل أن يسعوا لتحطيمها وتحطيم كلِّ من تسبب بسجنهم داخلها.
ولمن لا يعرف رائعة غسان كنفاني، نختصرها بالقول إن ثلاثة فلسطينيين اتفقوا مع صاحب صهريج لتهريبهم إلى الكويت بعد نكبة 1948. على المعبر الحدودي، يطلب منهم السائق أن يدخلوا الخزَّان لكي ينهي معاملات الحدود. ولكن مسؤول الجمارك الكويتي الضجران يطلب من السائق العاجز جنسيًّا أن يعيد على مسامعه قصة مغامرته مع راقصة عراقية. وحين تنتهي القصة ويعبر السائق الحدود، تكون أرواح المساكين الثلاثة قد فاضت اختناقًا في حر الصحراء، فيرميهم المهرّب في أول مزبلة على الطريق متسائلاً: "لماذا لم تدقُّوا جدران الخزَّان؟"
لماذا لا تحطموا جدران الخزَّان؟ أو بالأحرى متى تحطمون جدرَّان الخزان؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على ملايين الشباب العربي الذين يجدون أنفسهم يساقون من مشرقهم إلى مغربهم - عبر حرب الإبادة في لبنان وفلسطين والعراق، إلى داخل خزَّان حديدي واقف في قيظ الصحراء سمَّته كونداليزا رايس "الشرق الأوسط الجديد"، بانتظار انتهاء معاملات "إغلاق" روح المقاومة، آخر منفذ للهواء فيه.
لقد أحسن لبنان برفضه المشروع الأميركي الفرنسي، ويجدر بالعالم العربي كله دعمه في موقفه هذا من باب حفظ النفس ودرء الخطر. إنَّ ما يراد من هذا القرار هو خنق العالم العربي. فإن استكان القادة الجالسون في غرفة القيادة أو على السطح لأنهم يعتقدون أنهم بمنأى عن الاختناق، فإن للموت أكثر من سبب. أما الملايين التي تُزجُّ في الصهريج فإنَّ مصيرها الاختناق.
قدر الشباب العربي ألاَّ يكتفي بالدق على الجدران، فلن يكون هناك من يفتح باب الخزَّان لهم. السؤال المطروح على الملايين منهم لم يعد لماذا لا تدقون على الجدران، بل متى تحطِّمونها؟