هل إسرائيل بحاجة إلى حماس وحزب الله؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"لبنان الذي كنا نحلم به صغارا وفيما بعد كبارا، لبنان الوديع المثقف الجميل نحلم بعودته إلى بهائه ودوره الثقافي -الفكري الهام في المنطقة، لكن بعد زوال الاحتلال والعدوان والدمار، وإيجاد حل لمشاكله الداخلية من خلال سيادة القانون وبسط سيطرة السلطة المركزية".
يبدو للبعض، خصوصا، من الكتاب والمثقفين العرب من الذين نسمعهم أو نقرأ بعض كتاباتهم، أن الحرب الدائرة الآن في لبنان، ومثيلتها على المحور الفلسطيني، إنما هي حرب بين إسرائيل -"الديمقراطية المتحضرة" وحزب الله -"الإرهابي التابع لإيران"، وبين الأولى وحركة حماس -"المتطرفة الإرهابية" المتأثرة بالفكر الوهابي وبالسلفية الإسلامية المتزمتة. وكأن الأمر لا يتعلق بمجمل القضية المحورية للصراع في الشرق الأوسط، وأقصد القضية الفلسطينية، واحتلال الأراضي العربية بقوة الحديد والنار. من السهل إطلاق الأحكام جزافا ومن ثم تعميمها، ومن السهل كتابة مواضيع إنشائية وانفعالية، لأن ذلك من شأنه أن يتضمن عبارات مثيرة ملفتة للنظر في صياغتها لا غير. التأمل في جوهر المعضلة يقود بلا شك إلى صلب الموضوع المتمثل بالعدوان والغطرسة والنظر للآخرين بدونية واحتقار، تلكم الممارسة التي تنتهجها القيادات الإسرائلية منذ نشوء دولة إسرائيل حتى يومنا هذا. هذه السياسة المبنية على القوة وقلب الحقائق قد أضرت بالمصالح العليا للمعتدلين اليهود والعرب على السواء: على اليهود فيما يتعلق بمستقبلهم وسمعتهم، وبالعرب فيما يتعلق بحقوقهم المشروعة وسمعتهم أيضا، خصوصا على الصعيد الدولي. بحيث أخذ العرب ينظرون لليهود قاطبة بمبالغة يحسدون عليها، على أنهم سيئون ومحترفون للقتل والعدوان، وبالمقابل، على أن العرب والمسلمين قاطبة متطرفون وسفاحون ومتخلفون. وبما أن سطوة إسرائيل الإعلامية لا تقاس من حيث التأثير والفاعلية نرى أن سمعة العربي، والمسلم خصوصا، قد وصلت إلى الحضيض في أوساط الرأي العام الإسرائيلي والعالمي. هذه المعادلة بقيت متأرجحة منذ نشوب النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، مع بعض الرجحان لصالح إسرائيل. ساهم في ذلك بالطبع تصرف العرب أنفسهم؛ تهورهم وغباؤهم السياسي والإعلامي، وعدم تمكنهم من طرح قضاياهم بشكل معقول ومنصف من جهة، وتشتت قرارهم السياسي من جهة ثانية. كانت السياسة الإسرائيلية مبنية أساسا على عنصرين أساسيين: القوة العسكرية والحفاظ على تفوقها، والغطاء العالمي، تدعمهما ماكنة إعلامية ودبلوماسية ماكرة وذكية، مستندة إلى آيدولوجية أخلاقية تتمثل بالمظلومية التي تعرض لها اليهود في أوروبا وممثلة بالهولوكاوست. مع ملاحظة تبدل مراكز الدعم العالمي لإسرائيل: من الإتحاد السوفياتي والغرب الأوروبي بداية وصولا إلى الدعم الأميركي اللامحدود في الأربعين سنة الأخيرة. كانت الدعاية الإسرائلية قد حصرت الحق العربي في زاوية ضيقة للغاية، بأن جعلت العرب مشتتين وخائفين، منشغلين بمشاكلهم الداخلية، (مع سعي الحكام الحميم وبكافة الوسائل المتاحة للحفاظ على السلطة)، وعديمي الثقة بأنفسهم من جهة وبأنظمتهم من جهة أخرى. على الصعيد الآخر صورت الدوائر الإسرائيلية إسرائيل على أنها نموذجا فريدا متحضرا للديمقراطية في المنطقة، وهذه كلمة حق يراد بها باطل، صحيح ألعرب يفتقرون إلى الديمقراطية والحرية وسيادة القانون، لكن الديمقراطية الإسرائيلية تبقى مبنية على كره الآخر واحتقاره وإلغاء حقوقه المشروعة من جهة، وعلى العنف وإلحاق أكبر قدر من الدمار بالخصم من جهة أخرى، تحت ذرائع شتى، منها ما يتعلق بالدفاع عن إسرائيل"المهددة بمحيطها العربي الذي يكرهها" و"بالتخلف العربي وكرهه للحضارة الغربية الذي تعتبر إسرائيل امتدادا لها" من جهة أخرى.
قامت السياسة العربية الرسمية لسنوات على أساس مقاومة المطامع الإسرائلية، لكنها استندت على أسس فاشلة، بعضها قريب الشبه ببعض الفقرات الواردة في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، وأعني بذلك تأليب الرأي العام على كره الدولة العبرية ورفض كل ما من شأنه الإعتراف بها، وتسوية النزاع بطريقة مشروعة أو بأخرى. لقد فوتت الأنظمة العربية المتعاقبة، بسبب قصر نظرها وارتجالية سياساتها الداخلية والخارجية، الفرصة على نفسها وشعوبها في إيجاد حل معقول للصراع الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. مما أدى إلى استنزاف الطاقات العربية بشريا وماديا. على أن اليد الواحدة لا تصفق، لأن السياسة الرسمية الإسرائلية هي الأخرى قد تمادت في جبروتها ومطالبها المتزايدة وتصديرها لمبدأ القوة.
لقد أوصلت السياستان الرسميتان (هذا فيما لو افترضنا وجود سياسة عربية واحدة): العربية والإسرائيلية الصراع إلى مداه الأبعد. فلا العرب بقادرين على إرجاع حقوقهم سلما أو حربا، ولا إسرائيل بقادرة على مواصلة فرض سياسة القوة كالسابق وحسم الصراع. لأنها أصبحت تواجه مدا لا رسميا مسلحا ومعبئا ضدها أيويولوجيا. والدليل على ذلك أن السياسة الإسرائيلية قد أصبحت عاجزة إلى حد بعيد عن حل مسألة المنظمات الفلسطينية المسلحة التي ساهم تطرفها إلى حد كبير على خلقها، وفي فرض إرادتها على حزب الله. إسرائيل التي لم تبحث عن سبيل آخر غير القوة المفرطة والعدوان لحل مشاكلها مع جيرانها، تشبه إلى حد ما موقف قسم من الأنظمة العربية والعرب إلى وقت قريب القاضي "بمحق إسرائيل". لقد صنعت سياسة الطرفين المتخاصمين( بغض النظر عمن هو المسبب الرئيس) ميكانيزما أوصل المنطقة إلى مفترق طرق: إما مواصلة السياسة الخاطئة القائمة على مبدأ فرض الأمر الواقع عن طريق القوة والغطرسة ومواجهة ردود الفعل المنفعلة والمتطرفة من الطرف الآخر، وإما اللجوء إلى الحلول السياسية التي لامحيد عنها في المحصلة النهائية لحل النزاع بشكل عادل. لقد نجم عن السياسة العربية الرسمية تشرذم وخنوع ونزيف مفتوح على كافة الاحتمالات والأصعدة، مصحوبا بلعنة وعدم ثقة الشعوب العربية بأنظمتها التي باتت معزولة عن مواطنيها وهدفا لسخريتهم. ونجم عن السياسة الإسرائيلية المبنية على القوة والاغتصاب واحتقار الخصم، قيام حركات وأحزاب متطرفة، بعضها مسلح، تستند إلى العامل الديني وأحقية الدفاع عن النفس من خلال خوض"حرب لا هوادة فيها ضد الدولة العبرية المغتصبة" كما نقرأ في بيانات تلك المنظمات والأحزاب الدينية.
فلو نظرنا إلى نشوء كل من حركتي"حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني لوجدنا صلة نفعية متبادلة تعتمد على مفارقة تاريخية غريبة لا تصدق، قائمة ما بين اليمين الإسرائيلي المتطرف والحركات الأصولية الإسلامية المتشددة المذكورة. تطرف مقابل تطرف. يحاول كل منهما أن يفلسف ويبررأساليبه في مواجهة الخصم. سيفقد اليمين الإسرائيلي المتطرف مبرر وجوده في حالة استقرار الأوضاع، وبالمقابل ستفقد الحركات الإسلامية المتطرفة مبرر حملها للسلاح. لقد أصبحنا شهودا على تطبيق حي لفكرة "التطرف يولد التطرف"، رغم الاختلافات البينة في شرعية هذا الطرف وعدم شرعية ذاك. لا يعني ذلك أن يلتقي اليسار الإسرائيلي باليسار العربي، كما ولا يعني تنازل أحدهما للآخر، ولا أن تتطابق رؤى الأحزاب من الطرفين، لكن الأمر المؤكد هو أن النزاع لا يمكن حله بدون التخلي عن فكرة القوة والهيمنة والعدوان. لابد من ملاحظة أن نشوء حركة حماس يرقى إلى مطلع الثمانينيات (في خضم الحرب العراقية -الإيرانية، وفي أعقاب الحرب الأهلية في لبنان ومن ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان)، أي بعد تشكيل "حركة الجهاد"(1981)، و"مجموعة الشيخ أحمد ياسين"(في 1983). لم تتبلور فكرة إنشاء حركة حماس في 1987 إلا بعد سلسلة من المواجهات الدامية مع قوات الاحتلال وشعور بعض القوى الفلسطينية بعجز القيادة الفلسطينية الرسمية آنذاك عن المواجهة. لقد شكل الدعم الخفي والسري من قبل أطراف عربية خارجية عاملا آخر في بلورة مشروع الحركة. نلاحظ بأن الحركة قد أصدرت بيانها الأول الداعي إلى تشديد المقاومة ضد الاحتلال، في 15 كانون الأول/ديسمبر1987، زادها إصرارا اعتقال مؤسسها الشيخ أحمد ياسين في أيار 1989. لقد جاء الإعلان الرسمي لحماس على تأسيس "كتائب عز الدين القسام" - الذراع العسكري، في نهاية 1991، إيذانا بتصاعد وتيرة العنف والعنف المضاد في المنطقة. حتى أن الجريمة النكراء التي قام بها المتطرف الإرهابي الإسرائيلي(باروخ غولدشتاين) في شباط/فبراير 1994 في المسجد الإبراهيمي في الخليل والتي راح ضحيتها حوالي 130 فلسطينيا بين قتيل وجريح، قد صبت الزيت على النار وأعطت مبررا إضافيا لمواصلة أساليب المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. إن حماس هي التي ابتكرت فكرة"خطف الجنود الإسرائيليين" كرد فعل على خطف الناشطين الفلسطينيين، وهي التي قادت المواجهات بالسلاح الأبيض مع جنود الاحتلال، لم تكن المواجهة متكافئة ولم تؤد في المحصلة النهائية إلى استعادة الحقوق، إذا ما استثنينا مواصلة آلية الصراع. لكن مغزى حركة حماس يقوم على جملة من الأفكار التي ترقى بالنسبة لها إلى مبادي تكاد تكون ثابتة، منها تصورها للصراع مع إسرائيل على "أنه مصيري ويمكن إنهاؤه بإزالة الاستيطان، لأنه امتداد لحركة الاستعمار"، وعلى هذا الأساس فهي لا تجيز الاعتراف بشرعية الاحتلال. أما العمل العسكري فيشكل بالنسبة لها وسيلة تكتيكية واستراتيجية "لضمان استمرارية الصراع بهدف إيقاف المد الاستيطاني من جهة ومواجهة المشروع الصهيوني من جهة أخرى"، ومن هنا فلا بد "لجذوة الصراع" أن تتواصل عبر التحريض والمقاومة المسلحة. كان اليمين الإسرائيلي المتطرف يعطي للحركة قوة إضافية على المقاومة مضافا إلى العامل الديني التي تستند إليه الحركة. خاصة وأنه يستند أيضا إلى "إذكاء الصراع وتأجيجه ومواصلته".
لا يختلف حزب الله في نشوئه كثيرا عن نشوء حركة حماس، إلا بالمرجعية السيا- دينية التي يستند إليها، وبالمكان الذي ينطلق منه. فهو نتاج للحرب اللبنانية ، ولنجاح الثورة الإسلامية التي قادها الخميني في إيران في العام 1979، والاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 والمجازر التي قام بها في لبنان عموما، وجنوبه على وجه الخصوص. لقد اكتسب حزب الله وجوده وهويته وسمعته من خلال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان. والدليل على ذلك أنه لم يتم الإعلان عن تشكيل الحزب إلا في 1985. الملاجظ أنه قد وقع تحت تأثير أفكار محمد باقر الصدر و"حزب الدعوة الإسلامي" الذي أنشأه في العراق. إن صمود حزب الله يمكن أن نوعزه إلى الفكر الديني -السياسي المبني على الجهادية والانضباط العالي الذي يؤمن به بلا حدود أعضاؤه ومناصروه من جهة، وإلى دعم الشارع له، والمبررات الأخلاقية التي تعطيها له السياسة الإسرائيلية القائمة على العدوان والهيمنة وفرض الأمر الواقع والتمسك باحتلالها لجزء من الأراضي اللبنانية. حتى باتت "مزارع شبعا" بمثابة قميص عثمان. لكننا نرى أن تخاذل وجبن وعجز النظام العربي الرسمي عن اتخاذ مواقف واضحة وجريئة في النزاع الدائر قد أطال هو الآخر من عمر الصراع من جهة وساهم بنشوء الحركات المسلحة والمتطرفة من جهة ثانية. لذا فالنظام العربي هو أحد المسؤولين أيضاعن نشوء حركة حماس وحزب الله. حتى أن الرأي العام العربي بات يرى في تلك الحركات وحزب الله على الخصوص نموذجا يحتذى به في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. وما موقف الأنظمة العربية الأخيرالسلبي من العدوان الإسرائيلي في لبنان سوى محاولة منها لخلق مسافة بينها وبين حزب الله الذي بات يحرجها ويعريها بقدر ما هو إحراج وفضح لمبدأ استخدام القوة بحق شعب ودولة صغيرة، لم تلعب يوما من الأيام دورا عسكريا ذا شأن في الصراع القائم، باستثناء ما قامت وتقوم به "حركة المقاومة" اللبنانية. بقي ثمة أمر لابد من وضعه في موقعه الصحيح، يتعلق بتسليط الضوء على علاقات حزب الله الخارجية. لا ينكر حزب الله إطلاقا، علاقاته مع إيران وسوريا، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ألم يشكل كل من العجز العربي الرسمي في مواجهة الأحداث، ومن ثم موقفه السلبي من حزب الله أحد الأسباب التي دفعت الأخير للبحث عن حلفاء بعيدين جغرافيا؟ ثم ألا تستند إسرائيل وبعض الأنظمة العربية في وجودها على علاقاتها مع العامل الخارجي المتمثل بالدعم اللامحدود من قبل بعض الدول الكبرى؟ ثم هل يحق لنا، فعلا، أن نضع في نفس السلة كلا من حزب الله والمقاومة اللبنانية وحماس وتنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي جلب الويلات على العرب والمسلمين، ناهيك عن بقية شعوب العالم؟ وهل أن قضية هذا الطرف أو ذاك إرهابي أم لا، لها نفس الأهمية والقدر الذي يتمتع به مصير بلد صغير مثل لبنان؟ وهل أن أسر جنديين، وهو أمر شائع في ظل الصراع القائم في المنطقة، يبرر شن حرب مدمرة على بلد لا يمكنه الدفاع عن نفسه إطلاقا؟ ثم ما هي حدود العقل ومساحة التهور والبلطجة؟
لست سياسيا ولا عسكريا لكي أجزم بصواب أو عدم صواب ما فعله حزب الله في أسره للجنديين الإسرائليين، غير أنني مقتنع بأنه كانت هناك خطة مبيتة لدى إسرائيل مسنودة بموافقة مسبقة ودعم أمريكيين مباشرين بخلق وضع جديد في لبنان، بالاستناد إلى نزع سلاح حزب الله بالقوة، وتحييد لبنان، ثم التوجه لسوريا وإيران، تطمينا للأهداف الإسرائيلية الستراتيجية ومساهمة في تحقيق فكرة الإدارة الأمريكية الحالية "الشرق الأوسط الجديد" التي، تشير المعطيات، إلى أنها لن تتحقق طالما بقيت قضية الشرق الوسط المركزية معلقة بدون حل عادل. أرجو ألا يفهم من طرحي هذا أي موقف "مع" أو "ضد" هذا الطرف أو ذاك. لكن الذي يقلقني حقا، ويدعوني للشعور بخيبة مضاعفة، هو أن ردود أفعال بعض الأطراف، وعلى رأسها بعض الأنظمة العربية من العداون السافر على لبنان وشعبه هو تصوير الصراع على أنه صراع ما بين حزب الله"الشيعي الذي يجب سحقه لأسياب مختلفة!" وبين إسرائيل التي ردت على تحرش حزب الله! هذا الموقف يذكرنا اليوم بدعاة التفرقة الطائفية في العراق، وبوهم "تحرير القدس" عبر البوابة الشرقية في الثمانينيات!! إن الذاكرة العربية مثقوبة شأنها شأن العقل العربي.
ما يبدو لنا أقرب للواقع العملي، أن العرب هم الخاسر الأول والأخير في الصراع الدائر حول الملف الإيراني، فلا هم الكاسب لود الغرب البعيد الذي يحتقرهم ويسخر منهم، ولا ود إيران الجارة التي تسخر منهم هي الأخرى. لكن، لا إيران ولا الغرب بإمكانهما أن يواصلا المواجهة حتى النهاية بدون موقف عربي داعم أو مبارك لهذا الطرف على حساب الآخر. الطرف العربي الرسمي عادة ما يتخذ مواقف وجهود بدون أي مقابل! وهذه هي المفارقة الكبرى التي تجعل كلا الطرفين المتصارعين يسخر من الغباء العربي، شأنهما شأن إسرائيل كذلك!
علينا أن نتذكر ما قاله الصحافي الإسرائيلي (أوري شمحوني) في صحيفة "معاريف" في 1997، وهو رأي يتماهى والرأي العام السائد في إسرائيل: من أن "إيران دولة إقليمية ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها... وأن التهديد الجاثم على إيران لا يأتيها من جانبنا، بل من جانب الدول العربية المجاورة، "فإسرائيل لم تكن أبدا ولن تكون عدوا لإيران". كما وأننا لا ننسى ما تم تصديره لإيران من خبرات فنية ومواد كيمياوية من قبل بعض رجال الأعمال الإسرائليين، حتى أن الموساد نفسه كان متورطا في ذلك. الآن يصور للعرب أن إيران هي مصدر الخطر القادم الماحق! أنظر، أيها العربي الأحمق بعيدا لا قريبا، كنْ حملا وديعا، وصديقا لذئاب العالم.
صحيح أن السياسة متغيرة، لكن ما الذي فعلته الأنظمة العربية في ضوء هذه المتغيرات؟ وإذا كانت السياسة العربية قد فشلت في كسب بعض حقوقها المفصلية، فما هي مصلحتها في فتح صراع جديد لا ناقة لها فيه ولا جمل مع دول أخرى؟! وإلى متى ستبقى السياسة العربية الرسمية تلف وتدور بخجل، مبتعدة عن مواجهة جوهر الصراع في المنطقة ومحاولة إيجاد حل معقول وعادل تصر على الوصول إليه بشجاعة باستخدام أساليب بلا عنف أو تنطع؟
إن ممارسات اليمين الإسرائيلي المتطرف وعقلية الاحتكام لمبدأ القوة وممارسة العدوان التي تهيمن على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية (رغم الاختلاف الكبير،البين، بين الأطراف المتصارعة، في الأهداف الخفية والمعلنة ودرجة المسؤولية عن العنف القائم )، تجد مبررا لممارساتها في التطرف العربي، مثلما يجد الأخير مبررا لنشوئه وديمومته في الأساس، في التطرف الإسرائيلي. وإذا كانت الجريمة تبحث عن مبرر لها في نزع سلاح حزب الله، فإن تيارات متطرفة جديدة أخرى ستنشأ، باعتقادنا، وستكون أعتى وأكثر تطرفا من تلك التي نعرفها اليوم طالما بقيت القضية الأساسية -الفلسطينية بدون حل عادل، وطالما بقي العنف هو السائد في الساحة، وعندها، ربما، سنترحم على حزب الله وأمثاله!
يرى عالم الاجتماع الأمريكي اليهودي الأصل (عمانوئيل فالرشتاين) صاحب نظرية"النظام العالمي"، بأن إسرائيل ارتكبت خطأ فادحا بمهاجمتها لبنان مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وأن إسرائيل تتجه نحو نهاية مهينة لها في النزاع الحالي مع حزب الله. لكن ما يلفت النظر فعلا هو رأيه القائل: بأن"حكومة تل أبيب لا تدرك قضية، أنه لا حماس ولا حزب الله بحاجة إلى إسرائيل. إنما إسرائيل هي التي تحتاجهما، وبصورة ملحة. إذا لم ترد إسرائيل ان تصير مثل مملكة القدس التي أسسها الصليبيون في القرون الوسطى، والتي عاجلا أم آجلا ستدمر، فإن حماس وحزب الله فقط بإمكانهما مساعدة إسرائيل على البقاء. فعندما يتفاهم مع هذين الطرفين المتجذرين في الواقع الفلسطيني والعربي بإمكانه العيش بسلام". السؤال الذي نوجهه لأنفسنا بعد كل هذا هو: ما هو مصيرنا نحن المتنورين العرب يا ترى؟ وأين حدودهم وحدودنا؟ فلنؤجل مثل هذه التساؤلات، كما علينا أن نؤجل مساءلة حزب الله وحماس وسواهما حاليا، حتى تنقشع الغمة، لأن مصير لبنان حاليا هو الأهم.