لماذا كان الكتكوت آخر من سيدخل قفص السلام؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
-1-
عندما كنت أسمع في ماضي الأيام تصريحات بعض الزعماء اللبنانيين من مختلف الطوائف والملل، أن لبنان سيكون آخر العرب الذين سيوقعون معاهدة سلام مع اسرائيل، كنت أضحك من كل قلبي. ولكني في الوقت ذاته كنت أحزن لهذا البلد الجميل، ولهذا الكتكوت الذهبي (لبنان)، ولهؤلاء الزعماء السياسيين الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً. فمعظم الزعماء اللبنانيين الذين وما زالوا يطلقون مثل هذه التصريحات ما زالوا محكومين - على ما يبدو - لبعبع الخوف العربي سواء المصري السابق أيام عبد الناصر، وأيام أن اقترب منهم عبد الناصر أثناء الوحدة المصرية - السورية، وسواء السوري، منذ دخلت سوريا في لبنان، واحتلته طيلة ثلاثين عاماً تقريباً.
-2-
لماذا يعلن الزعماء اللبنانيون دائماً ، وعلى مختلف أطيافهم السياسية، بأن لبنان سيكون آخر قطر عربي يوقّع معاهدة سلام مع اسرائيل؟
لماذا لم تعلن سوريا هذا الإعلان مثلاً؟
ولماذا لم يعلن العراق في عهد صدام هذا الإعلان؟
ولماذا لم تعلن دول الخليج هذا الإعلان؟
لماذا الكتكوت الذهبي اللبناني فقط، هو صاحب هذا الإعلان ؟
فهل كان ذلك خوفاً من البعبع الناصري، ثم من البعبع السوري ؟
وهل أضرَّ هذا الإعلان بمستقبل لبنان أم لا، وأدى إلى دماره كما هو حاصل الآن ؟
وهل كان لبنان أقوى من مصر "أم الدنيا"، و "أم العرب" لكي يعلن هذا الإعلان؟
لقد أعلن لبنان هذا الإعلان لأنه وما زال - بفضل زعمائه - أضعف بلدان العالم العربي، وأكثر بلدان العالم العربي خوفاً من السلام.
فالسلام لا يقدر عليه إلا الأقوياء. والسلام يتطلب شجاعة وقوة وصلابة، أكثر مما تتطلبها الحرب.
-3-
تخيّلوا معي، لو أن لبنان لم يُبلَ في بداية السبعينات بمنظمة التحرير الفلسطينية التي استوطنت لبنان، واقامت فيه جمهورية الفكهاني، إلى تم اخراجها منه عام 1983؟
تخيّلوا معي، لو أن الحرب الأهلية اللبنانية لم تشتعل عام 1975 ، نتيجة لاختلاف الطوائف اللبنانية حول الوجود الفلسطيني فيها؟
تخيّلوا معي، لو أن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 لم يتم، نتيجة لتوقيع لبنان معاهدة سلام سابقة مع اسرائيل؟
تخيّلوا معي، لو أن الجيش السوري لم يكن في لبنان منذ عام 1976، ووقّع لبنان معاهدة سلام مع اسرائيل مباشرة بعد معاهدة كامب ديفيد 1979 المصرية - الإسرائيلية؟
تخيّلوا معي، كيف سيكون وضع لبنان السياسي والاقتصادي والسياحي والثقافي الآن ، لو أنه وقّع معاهدة سلام مع اسرائيل مباشرة بعد 1979؟
ولكن كيف للبنان أن يُقدم على خطوة خطيرة ومصيرية وشجاعة مثل هذه، ومعظم زعمائه إما أنهم كانوا مرتهنين للناصرية، أو لحزب البعث، أو لأنظمة مجاورة، أو لأحزاب قومجية (الحزب القومي السوري، وحركة القوميين العرب) ودينية (حركة أمل، ولم يكن حزب الله قد ظهر بعد) تُحذِّر وتُنذر؟
وما زال معظم زعماء لبنان مرتهنين لسوريا وإيران ، وغير سوريا وإيران.
فمن قال أن لبنان بلدٌ حرٌ مستقل؟
-4-
لو كان لبنان بلداً حراً مستقلاً لاتخذ قراره الصائب والشجاع في السلام، كما فعلت مصر في 1979 ، وكما فعل الأردن في 1994.
فهل كان لبنان أكثر حرصاً على القضية الفلسطينية من مصر، أو من الإردن؟
وهل كان لبنان أقوى عدةً وعدداً من مصر والأردن، لكي يُصرَّ على أن يكون آخر الموقعين على معاهدة سلام مع اسرائيل، كما يقول معظم زعمائه ؟
لقد كان لبنان بسبب ضعفه، وبسبب جُبن معظم زعمائه، أكثر الجبهات العربية اشتعالاً ونكبة مع اسرائيل، وبسبب اسرائيل. وما خسره لبنان منذ 1948 حتى الآن، نتيجة للقضية الفلسطينية وتعقيداتها أضعاف ما خسرته مصر وأضعاف ما خسره الأردن كذلك، نسبة لعدد سكانه، ومساحته، وطول حدوده مع اسرائيل.. الخ. وكان هذا كله بسبب بعض الزعامات اللبنانية التي أخذت تبيع وتشتري بلبنان باسم القضية الفلسطينية، التي كانت كالجارية في سوق النخاسة السياسية اللبنانية والعربية.
وهذه الزعامات اللبنانية التي تدعي الحرص على القضية الفلسطينية، هي التي قتلت من الفلسطينيين في مخيم صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ومخيمات الجنوب، أضعاف أضعاف ما قتلته اسرائيل من الفلسطينيين في فلسطين في عام واحد.
-5-
لو كان لبنان حراً مستقلاً فعلاً ، لما سمح لياسر عرفات بإقامة جمهورية الفكهاني في بيروت، ولما سمح لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تكون دولة داخل دولة طيلة أكثر من عشر سنوات (1969-1983) بعد أن خرجت من الأردن، حين أرادت أن تقيم دولة في الأردن داخل الدولة الأردنية. لقد كان ياسر عرفات في ذلك الوقت يفاخر بأنه هو الحاكم الفعلي في لبنان، وهو شرطي بيروت، يخطف من يشاء، ويقتل من يشاء، ويسجن من يشاء، وينهب ما يشاء، ويفرض الأتاوة على من يشاء.
ولو كان لبنان حراً مستقلاً فعلاً ، لما سمح لـ"حركة أمل " وغيرها من المليشيات المسيحية كحزب الكتائب وبالتعاون مع اسرائيل بقتل أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني في مخيمي صبرا وشاتيلا وفي مخيم برج البراجنة ومخيمات الجنوب في عام 1982وفي 1985 وما بعدها، كما قرأنا في كتاب (أمل والمخيمات الفلسطينية) للدكتور عبد الله محمد الغريب (ص89-109) ، وفي مجازر لم يشهدها العالم في العصر الحديث حتى ذلك الوقت، مما ساهم في زيادة البؤس الفلسطيني. وافتحوا ملفات "لجنة كاهان"، لتقرأوا العجب العُجاب، وبأن لا دولة في لبنان كانت حاضرة في ذلك الوقت .
لو كان لبنان حراً مستقلاً فعلاً ، لما سمح بقيام حزب الله في لبنان عام 1982 ، ليحلَّ محلَّ منظمة التحرير الفلسطينية في تكوين دولة داخل دولة، لها نظامها الداخلي، وقيادتها الخاصة، وعلمها الخاص، وإذاعتها، وتلفزيونها، وجيشها، وسلاحها، ومرجعيتها الدينية والسياسية في طهران، وترفع صور الخميني وعلي خامئني بدلاً من صور أبطال الاستقلال اللبناني ، ولا تمتّ إلى لبنان إلا بلهجة عناصرها المسلحة وغير المسلحة. وبحيث أصبح السيد حسن نصر الله زعيم هذا الحزب هو الدولة اللبنانية والدولة هو، كما قال لويس السادس عشر (أنا الدولة والدولة أنا). وهو الذي يعلن الحرب والسلام، متى شاء، وأينما شاء، وكيفما شاء. وهو الذي وقف وما زال كالشوكة في حلق السلام اللبناني - الإسرائيلي، مما اضطر معظم الزعماء اللبنانيين إلى أن يعلنوا بين وقت وآخر خوفاً من بطشه وسلاحه، بأن لبنان سيكون آخر دولة عربية توقّع معاهدة سلام مع اسرائيل، رغم انسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000، ورغم عدم وجود أرض لبنانية محتلة من قبل اسرائيل (مزارع شبعا ليست لبنانية في عُرف الأمم المتحدة لإدعاء سوريا بملكيتها، وعدم ترسيم حدودها، والتنازل عنها رسمياً للبنان).
-6-
فماذا بقي للدولة اللبنانية في بعبدا، وفي السراي، وفي مجلس النواب بعد ذلك، غير دولة من الشمع؟!
وإلى متى سيظل لبنان - هذا الكتكوت الذهبي - مشاعاً للعرب والعجم، يأخذونه إلى أين شاءوا، ويبيعون ويشترون به، وأهله وشبابه مشتتين في أنحاء العالم؟
فهل آن الأوان لكي يحقق لبنان استقلاله الفعلي، ويتخذ قراره الوطني في السلام والاستقرار، كما فعلت "أم العرب" مصر، و "بوابة العرب" الشرقية، الأردن من قبل كذلك؟
السلام عليكم.