النقاط السبع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هناك سبع نقاط تقدم بهم الرئيس السنيورة رئيس حكومة لبنان فى إطار مؤتمر روما عند بدايات الحرب اللبنانية الإسرائيلية، مطالبًا من خلالها بإنهاء العدوان الإسرائيلى على لبنان.. وأتقدم فى هذا المقال للقارئ العزيز بنقاطى السبع، معلنــًا أولا أنها لا ترتبط من قريب أو بعيد بنقاط السيد السنيورة الشهيرة، فيما عدا أنها ـ مصادفة ـ سبعة أيضـًا.. وأنها يمكن أن تكون داعمة لجهود وقف الإقتتال اللبنانى الإسرائيلى الذى دام مايقرب من الشهر الآن، والذى ـ فى رأيى ـ أوقع بالخسائر الفادحة بالجانبين المتصارعين فى حين وقف أصحاب النزال الحقيقيون، يصفقون من وراء الكواليس دعمًا كل لفريقه مشجعين إياه للمضى فى قتال مدمر يحصد المئات من الأبرياء، ولا تظهر لأفقه نهاية واضحة.. ولا يتكبد هؤلاء المتخاصمون من المشاق سوى جهد التصفيق، أوالتصديح من خلف الميكروفونات بأحلام التغيير والديموقراطية من جهة، أو نعرة الكرامة وعزة الصمود من الجهة الأخرى.. مما حذا بى يا عزيزى القارئ للتقدم إليك بنقاطى السبع من أجل حل المشكلة حلا ً جذريًا..
النقطة الأولى
وقف إطلاق النار بين مفهوم الغالب والمغلوب؛ هناك نزاع بين الطرفين ليثبت كلاهما لمؤيديه من الشعبين الإسرائيلى من جهة، واللبنانى والعربى ـ والفارسى ـ من جهة أخرى بأن جيشه قد إنتصر.. وفى حقيقة الأمر تقول لنا صفحات التاريخ بأن المنتصر والمهزوم بعد أى حرب هو مجرد نتيجة حسابية محدودة مبنية على معلومات وقيم رقمية لاتعبر عن النصر أو الهزيمة على المدى الأطول.. وهنا لا يمكن تجاهل تعاظم نسبة الخسارة وفداحتها على الجانب اللبنانى من جهة الكم والنوع، مما دفعه للصراخ داعيًا لوقف إطلاق النيران الفورى منذ الأسبوع الأول للحرب، مما يجعل إدعاء الإنتصار لحزب الله ومقاتليه نوعًا من المكابرة والمغالاة المغلوطة، التى تدفع بالإسرائيليين إلى المضى فى العمليات العسكرية لإحداث المزيد من التخريب والقتل بهدف ترسيخ مبدأ إنتصارهم غير المشكوك فيه.. ولكن دعونا ننظر نتائج الحرب العالمية الثانية ـ مثلا ًـ التى إنتهت بفوز الحلفاء، إنجلترا وفرنسا وروسيا وأمريكا، على ألمانيا واليابان وإيطاليا.. ترى من إنتصر فى تلك الحرب على المدى الطويل ومن كان الخاسر؟ ألمانيا واليابان أم روسيا وإنجلترا؟
النقطة الثانية
اللبنانيون والعرب والإعلام؛ منذ بداية الحرب تسمرت أنا، ومعى الملايين من البشر، حول قنوات الأخبار المختلفة، وإخترت أنا التنقل بين المحطات الأمريكية والأوروبية، وبين الفضائيات العربية، راغبًا فى صورة أشمل لما يحدث فوق أرض الواقع.. وأقول أننى كنت أندهش للجرأة التى تحدًَت بها بعض الأصوات اللبنانية النغمة العروبية ـ ومؤخرًا الإسلامية ـ المعهودة، حين هاجمت إقدام حزب الله مستقلا ً وبدون إستشارة السلطات الحاكمة أو مؤازرة الجيش النظامى اللبنانى، على مبادأة العدو الإسرائيلى بالعنف والقتل والأسر، وبتخطيه الخط الأزرق بين البلدين لتحقيق ذلك.. ثم تعالت بعض الأصوات أيضًا فاضحة الأيادى المستترة، الإيرانية والسورية، الدافعة بحزب الله فى ذلك الطريق الذى أدى بالشعب اللبنانى بالخوض فى غمار حرب همجية فتاكة لاشأن له بها، وإنما أقحم فيها وبات عليه أن يتحمل عواقبها.. وبالطبع تناقضت تلك الآراء مع تلك المشيدة بحكمة وبسالة السيد نصرالله التى طالما إنتظرها العرب والمسلمين التى ستؤدب، وللمرة الأولى فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، غطرسة الهيمنة الإسرائيلية المزعومة، والتى ستكون الخطوة الأولى فى طريق القضاء على "الكيان الصهيونى المزعوم".. وبعد أيام قليلة من هذا الإعلام ذو التعددية المبهرة جاء حديث السيد نصرالله عبر قناة الجزيرة داعيًا العرب بالدعم لو شاءوا أو بالصمت لو لم يبتغوا مناصرته.. وكأنه السحر! غابت الآراء المناهضة للسيد وتبدلت بضرورة التمسك بالوحدة الوطنية.. وكأن إغتيال الوحدة الوطنية، بدفع طائفة من النسيج اللبنانى منفردة، بالزج بالشعب اللبنانى كله إلى حرب مقيتة لم يحدث فعلا ً.. وعاد الإعلام العربى لسكون وإستسلام الصوت الواحد والفكر الأوحد ولاصوت يعلو فوق صوت المعركة من وجهة نظر وحيدة، وإن تسللت صراخات مواطنين لبنانيين بين الحين ولآخر معبرة فى مداخلاتها عن إستيائها مما يحدث، وداعية لوقف الحرب.. بل وزايدت أصوات ومناظرات (جوبلية) النزعة مثل اللواء سويلم الذى دمر الجيش الإسرائيلى بتحليلاته العميقة عبر فضائية لبنانية، وعلى غرار اللواء الشاذلى الذى كان قد دمر الجيش الأمريكى فى العراق قبل ثلاث سنوات عبر فضائية عربية أخرى..
النقطة الثالثة
خيار الحرب؛ ضحايا الحرب يصرخون وهم يطلون إلينا من خلال الدماء التى تغطى وجوههم وغلالات الموت وقد إلتفت بأجسادهم.. أكثر من ألف قتيل وثلاث آلاف جريح لبنانى.. وأكثرمن ثلث الشعب اللبنانى نازحًا عن أرضه وعن بيته، وقد تهدمت مساكنهم وتحطمت طرقهم وخربت بنيتهم التحتية وإقتصادهم حتى أن عودتهم للحياة الطبيعية قد يستغرق سنينـًا طوال، لا أعلم مدى تأثيرها الإجتماعى والإقتصادى والسياسى.. وكيف ستكون الظروف الحياتية لهذا الشعب المسكين حتى بعد توقف الحرب حينما تتوقف؟.. كيف سيغفر الناجون لحزب الله ما فعل منفردًا ومستقلا ً عن سيادة الدولة الممثلة لكل اللبنانيين؟.. والصورة لاأزعم أنها أكثر إشراقًا بكثير على الجانب الآخر، فالقتلى والمصابين بالمئات والنازحون بالآلاف، علاوة على الويلات الإجتماعية السياسية التى تعتمل الآن فى جنبات الشارع الإسرائيلى، بعد مقتل العشرات من عرب إسرائيل بفعل قذائف حزب الله، والتى يعزونها لإنعدام وجود الخنادق بأحيائهم ومدنهم.. ولكن العامل الأهم هو تداعى الشعور بالأمان تحت مظلة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، وقد فند مقاتلوا حزب الله بجدارة ذلك الزعم.. ترى هل ترتفع الأصوات ثانية تدعو للحرب من بعد اليوم ردعًا لكل من فشل التهديد وحده فى إجباره على الإنصياع؟
النقطة الرابعة
خيار السلام؛ بعد أن أشعل فتيلة الحرب الأولى، أثبت حزب الله بما لا يدع مجالا ً للشك قدرته على التحدى والقتال والصمود فى وجه الموجة العارمة من رد الفعل الإسرائيلى العنيف المبالغ فى قساوته، بل والمغرق فى وحشيته والغير إنسانى أحيانـًا.. ولكن ألم يحن بعد وقت السلام؟ أهناك بعد رسالة أخرى يبعث بها، أم أنها حقيقة ما تتداوله الأقلام من رغبة إيران فى أن يمتد النزاع إلى آخر شهر أغسطس (آب) الحالى، موعد المهلة التى منحتها الأمم المتحدة لتوقيف التخصيب النووى وإلا... هل هناك بديل لخيار السلام كحل نهائى لهذه الأزمة الحالية؟ هل ترضى لبنان دولة وشعبًا بغير السلام بديلا ً بعد كل ذلك الدمار الذى خلفته معارك أربعة أسابيع فقط؟ وإسرائيل.. هل من مزيد أيها الشعب المحاط بشعوب عربية جلها من الأعداء؟ هل ترضى بحالة الحرب المستمرة على ذلك المنوال، وقد أثبتت المقاومة الإسلامية فى لبنان قدرتها على الصمود فى وجه جحافل جيشكم الذى لا يقهر؟ هل لديكم أدنى شك اليوم فى ذلك العدوان الذى نجح فى الصمود اليوم قد يعاودكم غدًا من جبال سوريا أو إيران أو مدن فلسطين المحتلة؟ هللا توقفتم قليلا ً عند مصداقية نظرية التفوق العسكرى ـ وهو ما لا أشكك فيه ـ الذى يمنحكم غطاءً من الكمان، ويدفع بكم إلى الغطرسة والمماطلة فى إيجاد الحلول الحقيقية المؤدية للسلام العادل والدائم.. ويا أيها الفلسطينون هللا كففتم عن دعوتكم للحرب والمقاومة حتى القضاء على الكيان اليهودى والدولة العبرية المزعومة؟ هل تدركون إستحالة أن تمسكوا يدًا لو إمتدت إليكم بالسلام لو كانت يدٌ "مزعومة"..
النقطة الخامسة
مزارع شبعا ومسمارجحا؛ هل يعرف أحد ماهى المساحة الكلية لمزارع شبعا بالكيلومتر المربع؟ أنا شخصيًا لا أعرف، ومما سمعت وقرأت لا أستطيع أن أجزم أن هناك من يعرف على وجه الإطلاق.. ومع ذلك فلكل صاحب حق حقه فى الحصول عليه كاملا ً ومكملا ً .. ولكن أيعقل أحد أن تستمر حالة الحرب هذه بل وتتصاعد إلى مواجهات مدمرة بهذا المقياس من أجل إسترداد قطعة أرض إختلفت ثلاث دول على مكنون ملكيتها؟ أيقبل اللبنانيون والإسرائيليون أن تبقى قطعة الأرض تلك (مسمار جحا) الذى من أجله ينبغى لحزب الله أن يحتفظ بسلاحه بالرغم من أنف الحكومة اللبنانية، والشعب اللبنانى، والأمم المتحدة وقراراتها؟ ماذا ستخسر إسرائيل، أو ماذا سيجنى لبنان، لو حسمت تلك المسألة فى هذه المرة وإلى الأبد؟ وماذا يكون عذر حزب الله بعدها فى شأن المقاومة؟
النقطة السادسة
شعوب المنطقة بين القومية العربية والقومية الدينية؛ بالأمس غرقت فلسطين ثم مصر وسوريا والأردن فى بحر القومية العربية، ثم لحق بهم لبنان الممزق المحتل ثم العراق البعثى.. ولم ينجو من غمارلجته جيش قوى رادع، أو شعب قادر على القيام بنهضة من أى نوع، باستثناء منطقة الخليج ببترولها السخى و باستغلالها لكبوات الآخرين من حولها، فإمتلأت خزائنها بالبترودولارات.. وما كان منها إلا ووظفتها بدورها نحو نهضة إسلامية غبرمسبوقة، كنوع من الزكاة عن تلك الأموال الطائلة، ولبناء محور إسلامى عربى تتزعمه السعودية يواجه الغرب المنحل من ناحية، والمد الشيوعى الكافرمن ناحية أخرى .. ثم نجت مصر والأردن ثم لبنان وفلسطين والعراق من حالة الغرق المحتوم فى بحر العروبة، والذى لم تبق مثقلة بأمواجه حتى اليوم سوى سوريا.. ولكن سقط الناجون تباعًا فى بحر العسل الإسلامى السنى الوهابى المتنامى من حولهم، فحال ذلك دون الإتيان بحراك تقدمى حقيقى يعوض الزمن الضائع فى تحقيق الحلم العربى المأفون.. ثم، وكنتاج طبيعى لذاك المد السنى، والذى إبتلع الغالبية السنية من شعوب المنطقة بأسرها، نما فى المقابل تيار شيعى إيرانى يحاول إستقطاب الأقلية من شيعة العرب ـ وشيعة العراق الأغلبية المطحونة تحت وطأة الرحى البعثية ـ المسلوبة حقوقهم والمُتمَيز ضدهم من الأغلبية السنية المائلة للوهابية التى تكفرهم.. وظهر حزب الله وحركة أمل فى لبنان، وحركة الصدريون فى العراق، بدعم وتمويل وتسليح إيرانى معلن لا ريبة فيه، متزامنـًا مع طفرة إيرانية فى شراء أسلحة من الصين وكوريا وتطويرها، بالإضافة لمغازلتها للأحلام النووية بمساعدة جارتها الباكستانية، ثم دفعها بتلك الأسلحة لأيدى الشيعة فى لبنان والعراق، ليتنامى وجودها الإستراتيجى فى المنطقة.. والحل الذى أدعو إليه يكمن فى تخطى النزعات الدينية المفرقة، كما تخطينا إعصار القومية العربية الذى إقتلعنا من جذورنا قبلا ً، واستبدالهما بالوحدة الوطنية.. الوحدة الوطنية هى القادرة على القيام بلبنان من سقطتها، وبالعراق من الإحتلال، وبمصر وبفلسطين وبقية دول المنطقة، وحتى بإسرائيل، بالنهوض من غمرة التمييز والفرقة والإقتتال إلى التنمية والنهضة والتقدم..
النقطة السابعة
حكومات المنطقة وغياب الديموقراطية؛ النقطة الموجعة حقــًا، لأن المتتبع للمسألة العربية بوجه عام يجد أن جل المشاكل واستعصاء حلها يرجع إلى غياب الديموقراطية.. تلك المنظومة المتكاملة من الحرية والتنمية والمساواة، وغيابها الذى أبقى بالرئيس لحود فى السلطة مخالفـًا للدستور وإمتثالا ً لسوريا، والذى تمسك بسببه حزب الله بسلاحه عنوة إرضاءًا لإيران وسوريا، كانا السبب على الأقل غير المباشر فى نشوب الحرب الحالية.. وأكاد أسمع أصواتـًا معارضة تقول أن حكومة حماس جاءت للحكم منتخبة من غالبية الشعب الفلسطينى، وهنا أرد بأن الديموقراطية مشروع متكامل وليس مجرد عملية إنتخابية، ويكفى أن ننظر إلى التطاحن بين داعمى حركتى حماس وفتح، والضحايا الساقطون فى ذلك المضمار، لنتيقن من غياب الحرية والمساواة عن تلك العملية الديموقراطية، وما كان انتخاب ممثلى حماس إلا ردة فعل لنقمة الشعب الفلسطينيى إزاء فساد قيادات متتابعة من حركة فتح.. وكلما تحاول الحركات الإسلامية فى فلسطين والعراق ولبنان ومصرأن تتخذ شرعيتها من العملية الإنتخابية الديموقراطية، كلما ينفضح أمرها لأنها حركات أصولية تتنافى مبادئها مع المساواة والعدالة بين الجميع التى هى سمات المنظومة الديموقراطية.. وأخيرًا وبالرغم من خوض إسرائيل أشواطًا فى طريق الديموقراطية، سبقت خلاله كل الدول المحيطة بها، إلا أن نزعتها الدينية ولقبها بالدولة العبرية، كما أن تعالى شعبها وحكامهم على العرب ودولهم، وتمييزها العنصرى ضد مواطنيها العرب، ينزع عنها رداء الديموقراطية النقى الذى ينبغى ألا يميز بين أفراد الأمة بسبب الأصل أوالدين والمعتقد..