فرصة أمام لبنان ...فرصة أمام العرب!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كان أجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت مفيدا نظراً ألى أنه أتاح فرصة ليقول العرب كلمتهم بعد هذ الغياب الطويل عن الأحداث اللبنانية التي لم تعد تهدد مستقبل البلد الصغير فحسب، بل الأمن والسلام في المنطقة كلّها أيضاً. وفي حال وضعنا جانباً كلمة الرئيس فؤاد السنيورة المؤثرة التي عبّرت عما يدور في وجدان كلّ عربي صادق، يرفض الوقوع في أفخاخ المزايدين، يمكن القول أن أرسال وفد ألى عربي ألى الأمم المتحدة كان خطوة أيجابية أخرجت العرب من وضع المتفرّج الذي يكتفي بدعم لبنان عبر البيانات أو التظاهرات الشعبية التي لا تقدّم أو تؤخّر.
ما يبعث على بعض التفاؤل بعد أجتماع وزراء الخارجية العرب، أنّ الوفد الذي توجّه ألى نيويورك يضم النائب الأوّل لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وهو رجل عملي وواقعي في آن. وما يستطيع أن يقدّمه الشيخ حمد للبنان ولقضية السلام فيه وفي المنطقة يصعب على غيره تقديمه وذلك ليس بسبب المزايا الشخصية التي يتمتع بها فحسب، بل بسبب الوضع الذي أوجدته قطر لنفسها هي التي تمثّل المجموعة العربية في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة أيضاً.
قبل كلّ شيء، ترتبط الدوحة بعلاقات مع كلّ المعنيين بالحرب اللبنانية من قريب أو بعيد. وبكلام أوضح، يتفهّم النائب الأوّل لرئيس الوزراء القطري الموقف السوري أكثر من غيره في ضوء الأتصالات المستمرة بين الدوحة ودمشق والتنسيق بين العاصمتين. كذلك هناك فهم قطري للموقف الأيراني بأبعاده المختلفة، يجعل الدوحة قادرة على التعاطي بأسلوب عملي مع النظام الذي يُعتبر الداعم الأوّل ل"حزب الله" والراعي الحقيقي له. ولا شك أن الموقف القطري الذي تميّز بتفادي توجيه اللوم ألى "حزب الله" بسبب عملية خطف الجنديين الأسرائيليين في الثاني عشر من الشهر الماضي، يجعل الدوحة قادرة على التعاطي بشكل مختلف مع طهران. أكثر من ذلك، تستطيع قطر التي لا عقد لديها في ما يخص العلاقة مع أسرائيل التعامل مع الدولة اليهودية في حال دعت الحاجة ألى ذلك. تتعامل معها بشفافية من فوق الطاولة وليس من تحتها كما يفعل كثيرون. وألى أشعار آخر، لا يمكن تجاهل أن أسرائيل هي الطرف الأساسي في الحرب التي تُشنّ على لبنان، فيما الطرف الآخر "حزب الله" الذي قراره في طهران ، وألى حدّما في دمشق.
في ضوء هذه المعطيات، ليس هناك أفضل، بالنسبة ألى لبنان، من أن يكون الشيخ حمد المسؤول الأرفع من ناحية المستوى في الوفد العربي الموجود في نيويورك. وألأكيد أن الوفد العربي سيكون قادراً بفضل الحضور القطري من تأدية دور يتجاوز الأخذ والرد والكلام الفارغ الذي ميّز المواقف العربية حتى الآن، خصوصاً مواقف جامعة الدول العربية التي لا تعرف غير العويل والصياح وكأن الصوت المرتفع يمكن أن يعوّض عن فراغ العبارات التي لا معنى لها.
يساعدد القرار الشجاع الذي أتخذته الحكومة اللبنانية بأرسال الجيش ألى الجنوب في دعم الموقف اللبناني في مجلس الأمن ولدى كل الدول النافذة من أجل التوصل ألى أتفاق فوري لوقف النار يسمح بأستعادة لبنان كلّ أراضيه التي احتلّتها أسرائيل في عدوانها الأخير. وما قد يكون أهمّ من ذلك بالنسبة ألى لبنان، أن يعود النازحون ألى أرضهم في أسرع وقت ممكن من دون شروط تطرحها أسرائيل، ذلك أن لكلّ لبناني الحقّ في العودة ألى بيته في أيّ بقعة من لبنان أكان من "حزب الله" أو من غير "حزب الله". هذه النقطة أساسية بالنسبة ألى لبنان وألى مستقبل البلد الذي بات على المحكّ منذ بدء العدوان الأسرائيلي الأخير الذي تسببت به الحسابات الخاطئة ل"حزب الله" أو الذين يوجّهونه من خارج غير آبهين بما يحلّ بلبنان.
مع توجّه الوفد العربي ألى مقرّ الأمم المتحدة، هناك مسؤوليات كبيرة يمكن تعدادها، في حال كان لبنان همّاً عربياً بالفعل. تشمل هذه المسؤوليات التعويض عن التقصير المستمر تجاه لبنان، وهو تقصير أستغلّته أيران التي عرفت كيف تستثمر فيه منذ نحو خمس وعشرين سنة في كلّ المجالات. أستثمرت أيران في لبنان طائفياً ومذهبياً وتربوياً وأجتماعياً وعسكرياً وأمنياً وأقتصادياً من أجل الوصول ألى ما وصلت أليه حالياً، أي أن تكون على تماس مع أسرائيل عبر الجبهة اللبنانية، الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع العدو الأسرائيلي.
كان الأستثمار الأيراني في لبنان مربحاً ألى درجة صار في أستطاعة النظام الأيراني خوض حرب مع اسرائيل بمشاركة سورية حتى آخر نقطة دم لبنانية وحتى آخر حجر من البنية التحتية اللبنانية وحتى آخر عمود في منزل يقع في أفقر قرية لبنانية أكانت في أقصى الشمال أو في أقصى الجنوب. حصل ذلك فيما العرب يتفرّجون وكأنّهم غير معنيين بما يشهده لبنان من أختراق أيراني بدأ بالنجاح في أخذ طائفة بكاملها رهينة وأنتهى بأخذ البلد كلّه رهينة.
كان مهمّاً أن يقفز العرب ألى "الساحة" اللبنانية وأن يسعوا ألى عمل شيء من أجل الأخ الصغير المهدد في كيانه ووجوده الذي هو في النهاية من وجودهم. ولا شك أن الدور الذي يمكن أن تضطلّع به قطر في أطار الوفد العربي المنبثق عن أجتماع بيروت، في غاية الأهمية نظراً ألى أن أي تعديل يمكن أدخاله على نصّ مشروع القرار الفرنسي - الأميركي، سيأخذ في الأعتبار حساسيات أقليمية تستطيع قطر وحدها التعاطي معها وأستيعابها وحتّى والتخفيف منها في ما يصبّ في مصلحة لبنان وبما لا يسيء ألى أي طرف عربي أو أقليمي بما في ذلك سوريا وأيران.
لن يساعد أحدٌ لبنان في حال لم يساعد نفسه أوّلاً. لقد أقدم على خطوة أولى في هذا الأتجاه عبر أتخاذ مجلس الوزراء القرار القاضي بأرسال الجيش ألى الجنوب، بعدما كان مثل هذا القرار ألى ما قبل فترة قريبة بمثابة خيانة وطنية، أقلّه بالنسبة ألى أدوات سورية مثل رئيس الجمهورية الممددة ولايته قسراً. الأمل الآن في أن يمهد قرار مجلس الأمن الجديد لبدء سلسلة من التحركات العربية والدولية تعيد لبنان ألى وضع طبيعي أبعد ما يكون عن وضع "الساحة" التي يستفيد منها كثيرون في المنطقة بدءاً بأيران وأنتهاء بأسرائيل مروراً بسوريا. مثل هذا الوضع الطبيعي يفيد العرب بمقدار ما يفيد لبنان واللبنانيين. أنّه مساهمة في الأستقرار الأقليمي ومنطلق لمباشرة البحث في ما هو أبعد من لبنان أي في سلام شامل يعالج قضية الأحتلال الأسرائيلي للضفة الغربية والجولان والمسائل الأخرى المرتبطة به... بما في ذلك التطرف الديني في المنطقة وعلاقته بالأرهاب!
هناك بكلّ بساطة فرصة أمام لبنان الذي آن له أن يتمتع ببعض الهدوء وأن يعيش مثله مثل الدول الأخرى في المنطقة. وهناك فرصة أمام العرب للعودة ألى لبنان في حال تخليّهم عن الحساسيت المتبادلة. ليس ضرورياً أن يكون ذلك على حساب الدور الأيراني، وأنّما عبر تأكيد اللبنانيين جميع اللبنانيين ألى أي طائفة أنتموا أن لا شيء يحميهم أكثر من أنتمائهم ألى وطنهم وولائهم له ولعمقه العربي الأصيل.