كتَّاب إيلاف

من شوارع عادل كمال الخلفية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كركوك: مقدمة موسيقية لحفل التطبيع

"عليمن يا كَـلب تعتب عليمن"

الاشاعة - هل هي اشاعة حقا؟ - تقول:"إن الصليب الاحمر الدولي يتولى خطة" تساعد "على هجرة العراقيين الراغبين بالتنازل عن جنسيتهم العراقية، وبالتالي "نصيبهم" من النفط العراقي، مقابل منحهم الجنسية السويدية - أو الهولندية، أو الاسترالية، أو الانكليزية، أو.. - وتوفير السكن لهم، اضافة الى فرص العمل.." مايهمني في هذه الاشاعة ليس ردود الافعال عليها فقط، لأنها - أي الاشاعة - تحيل الى ما قيل سابقا - تحديدا في 24/ 6/ 2003 وعن راديو سوا - " في أن الوسيلة التي تتبعها الولايات المتحدة في ولاية الاسكا، يمكن أن تكون نموذجا لآلية ملائمة لإقتسام ثروة النفط في العراق، حيث أن بعض الارباح الناجمة عن مبيعات النفط، يمكن أن يوزع على العراقيين كحصص ". وهناك - بعد مراجعة ارشيفي من الصحف التي تلت سقوط النظام الفاشي في العراق - عدة اشارات لدراسات غريبة حول نقل النموذج النرويجي او الفنزويلي الى العراق، ربما سنعود اليها ان تطورت الاشاعة اعلاه، وتحولت الى واقع، فقد اتصلت، من جانبي، بأصدقاء وصديقات، يمثلون شبكة تدفق معلوماتي التي تهتم بها هذه التقارير، من الشوارع الخلفية، ولم أجد من لديه خبرا عن ذلك خارج كركوك، لذلك تعاملت مع الاشاعة بحيادية لاتخلو من التقصي عن ردود الافعال الناجمة عنها، والتي وجدت انها متفاوتة بين القبول والرفض، مع ملاحظة ان نسبة القبول بهكذا فكرة اكبر من نسبة رفضها، والاسباب معروفة طبعا، خاصة وان هناك نسبة كبيرة من العراقيين تعيش، منذ زمن طويل، في بلاد الاخرين، آمنة ومستقرة، وهناك نسبة اضافية التحقت بها بعد ان خسر العراقيون، داخل البلد، فرصة العيش بأمان واستقرار، رغم كل العمليات الجراحية التي اجريت لإعادة الأمان والعافية الى الجسد العراقي، محليا وأمريكيا، بل أن هناك عراقيون يرفضون العودة الى بلادهم مالم... وقائمة شروطهم طويلة.

ههههه.. لنتفاوض: عودة غير مشروطة، ولئلا اتهم بالارهاب - أنا الاخر - سأعلن الحرب على الغبار الذي تثيره عجلات المحتلين: على الغبار لاغير، فهو غبار بلادي وأنا حر في التعامل معه: مـَن ينضم معي الى هذه الحرب، بدلا من مشروع الهجرة الذي تتناقله اشاعة بائسة، قد تتحول الى واقع يومي، فليس ثمة امر عجيب في زماننا الاغبر هذا، خاصة عندما أجد أن المتعاطفين مع فكرة الهجرة قد أخذوا يسرحون بقطعان من احلام اليقظة المحلقة فوق الغيوم المكتظة بزهيق الارواح: ولكن.. مادهاني، اليس من حق الناس أن تحلم؟ ولو خيـّرتُ بين البقاء وبين الهجرة، هل كنت سأبقى؟ أعتقد - جازما- انني في صدد الهجرة، وليكن بعدها مايكون..

ثمة أمر محيـّر حقا: لـِمَ كركوك بالذات؟ فقد أشاع قادمون من سوريا أن سفارات خمس دول تمنح اللجوء لطالبيه من كركوك فقط، وهناك الان، على الارض، افواج من العوائل تحاول السفر الى سوريا لاستطلاع الامر جديا: هل نحن، إذن، بصدد اشاعة ام خبر مؤكد؟ يصبح التساؤل ملحا عندما نعرف ان احد برامج القناة الفضائية التركمانية قد وجـّه نفس السؤال الى الاستاذ محمد خليل، عضو الكتلة العربية، في مجلس المحافظة، فأجاب هذا الاخير بما معناه أن من حق العراقيين الذين لاتستقبلهم بلادهم أن يهاجروا، ملمحا - على مايبدو - الى اجراءات ادارة المحافظة بخصوص العوائل المهجرة والمهاجرة من مدن اخرى الى كركوك، نتيجة احداث العنف، وتتلخص تلك الاجراءات بمنع دخول تلك العوائل الى المدينة، ربما خشية ان يحدث ذلك تغييرا ديموغرافيا فيها، وهو أمر مضحك فعلا..

يروي أحد الذين نثق بهم، وهو تركماني: أن عائلة شقيقته اضطرت للهجرة من بغداد الى كركوك، نتيجة لتدهور الوضع الأمني هناك، لكن سيطرة قضاء طوز خورماتو، الواقعة بين بغداد وكركوك، منعت العائلة من التخطي ابعد، وأجبرتها على الرجوع الى بغداد، بعد ان عرفت من العائلة انها تروم السكن في كركوك بعد أن زهقت روحها مما يجري في بغداد: الأمر محير، فرب العائلة من كركوك، كما تقول بطاقته الشخصية، وكذلك زوجته، سوى انه قرر في التسعينات من القرن الماضي ان يعيش في بغداد، وهاهو الان حر في تغيير مكان سكناه، ويريد العودة الى مسقط رأسه: كان عذر القوات الحكومية التي تشرف على سيطرة المرور تلك مضحكا: إنها تخشى من هجرة تساهم في تغيير ديموغرافية المدينة !! ولن اعقب اكثر من أن اقول: انني اضع هذا الحلم / الكابوس / الاجراء بموازاة مشروع المصالحة، ليس من أجل المشاكسة فقط، وانما من أجل احداث الرّجة المطلوبة في العقل السياسي العراقي الذي يدير عملية المصالحة بخطاب براغماتي مرة، تحت شعار " الإمام المايشور محد يزوره "، ومرات كثيرة بخطاب " التفضل " على المواطن البائس بـ " تحريره " من نظام ظالم، من دون ايجاد النظام العادل الذي ينهي بؤسه، ولو بدرجة ادنى قليلا:

اسمعوا: مليون مهاجر عراقي الان في الاردن، ومئات الالاف في سوريا، ومثلهم في ايران، و.. كل ذلك بعد سقوط نظام صدام، فهل يأتي اليوم الذي لايبقى فيه من العراق سوى الغبار الذي تثيره عجلات المحتلين؟ دعوني اعلن الحرب على الغبار اذن، فهو الشيء الوحيد الذي امكنني حصده، بعد عمر طويل من التنقل بين تيجان الاحلام المقتصدة، كقصائد رينيه شار المضغوطة جدا: انه الحل الذي يناسبني كشخص مسالم، وإلا فإن الاخبار هنا، هي الاخرى، لاترقى الى مستوى حصتي من الغبار. فمن تلك الاخبار أن هناك متسولين من الكرد الايرانيين والترك يجوبون طرقات المدينة، خاصة في شارع الاطباء، وبالامكان ايجاد بعضهم في الفنادق الرخيصة القريبة من رأس الجسر، أو اصطياد انفاسهم في مايشبه البيوت التي هي هياكل متروكة، من عمليات بناء لم تتم، منتشرة على طريق ناحية ليلان، وطريق قضاء الدبس، وهو امر ملفت للنظر، فإما أن يكون هؤلاء المتسولين متسللين من بلادهم أو مهاجرين بطرق رسمية، وفي الحالتين ليست كركوك مكانا مناسبا للتسول، أمام دعة العيش في اقليم كردستان، ولامكانا آمنا للسكن كبلادهم التي جاءوا منها.. ثم اننا لسنا بحاجة الى متسولين: اعتقد ان لدينا مايكفي من المتسولين، إضافة الى أن حجم ماكنتي الفاقة والفقر عندنا كبير جدا، وهو يكفي لانتاج اعداد مضاعفة من هؤلاء الصنف لو استمر ايقاع حياتنا على هذا الشكل، لمدة عام واحد اضافي فقط: اراهن ان الموظف سيعود الى ممارسة العمل، بعد الدوام، في سيارة اجرة، إن لم يلتحق بمافيا الوقود، التي ستضمن له اجرا يوميا قدره 50 الف دينار.. لو استمر وزراء حكومة المالكي، في تعصيب عيونهم، عن صرف حقوق الموظفين المنصوص عليها في قانون الوظيفة: مخصصات الزوجية، الاولاد، النقل، الخطورة، بدل العدوى، المناطق النائية.. الخ، ولو أصر - من جانب آخر - المحتلون على صرف عائدات النفط في تمويل مشروع تحويل العراقيين الى مخبرين على بعضهم البعض، كأحد مشاريعهم الكبرى في اعادة تأهيل البنية التحية للبلد.. والله العظيم اميركا تصلح لأن تكون اكبر نكتة كونية في تاريخ البشرية. هنا ملاحظة هامة: عمليا - وليس نظريا - هل لازلنا نعمل وفق قوانين العمل الاشتراكي، ام انتقلنا الى قوانين العمل الرأسمالي؟

آه، بمناسبة ذكر " ملائكتنا" المحتلين نسيت ان اقول: إن " شياطين" الشوارع الخلفية لديهم " تصوّر " عن الخطط في تغيير ديموغرافية المدينة، وعلى سبيل المثال - لا الحصر - تحويل المناطق المتاخمة للقاعدة الاميركية، وصولا الى المنطقة التي تقوم عليها بناية المحافظة الان، الى منطقة صناعية خاصة بالشركات الاميركية، التي ستثتثمر حقول النفط في كركوك، ولذلك يبدو سؤالنا التالي في غاية الخبث: هل ان العد التنازلي لمشروع التغيير الديموغرافي الاميركي قد بدأ، بخطوة تسهيل هجرة سكنة كركوك حصرا،عبر طلب اللجوء، أو عبر اسقاط الجنسية العراقية برغبتهم؟

لست مع أو ضد - ما الفائدة؟ ولأن دماغي لايتحمل اي اجابة دعوني اعود الى موضوع المتسولين القادمين من ايران وتركيا، كمقدمة موسيقية لحفل تطبيع الاوضاع في كركوك: في مرة سابقة، قبل عامين تقريبا، ردّ أحد الاخوة المثقفين الكرد على أحد التقارير الخاصة بكركوك، من على ايلاف، متهما اياي بصفات لا تخصني، ولم ازعل منه، لأنه - في نفس الرد - نبـّهني الى ضرورة ان افرق بين الشعب الكردي، وبين القوى السياسية الكردية، لئلا اقع في شرك الخلط بين الاوراق، وقد فهمت من كلامه ان هناك فرق بين الممارسات التي تقوم بها بعض القوى الكردية، وبين حقوق كردية اصلا في كركوك. في الحقيقة ان هذه نقطة هامة بالنسبة للباحث والمؤرخ في هوية مدينة كركوك، فيما انا بصدد واقع الحال: أي ماهو موجود على الارض في هذه اللحظة. بكلام اخر مسألة الحق التاريخي في هذه المدينة، او تلك البلاد، ليست مهمتي، فلست مطمئنا الى مبدا استعادة الحقوق وفق هذا المنطق، لأن خارطة العالم عندئذ ستنقلب، لوطبقنا هذا المبدأ، الذي لايختلف عن منطلق صدام في غزو الكويت، وسيزداد الامر تعقيدا وسوءا لو أخذنا به، لذلك اترك هذه المهمة لمن له قناعة صلبة بهذا المبدأ، الا ان هناك امر محير حقا: مادامت كركوك مدينة كردية، من الناحية التاريخية، فهل يعني هذا أنها ليست عراقية، فإذا كانت الإجابة بنعم هي عراقية، فعلام إذن كل هذا التغيير الديموغرافي الذي يجري فيها؟ ثم.. أليس من حق الانسان، كماجاء في لائحة حقوق الانسان، أن يسكن أين مايشاء؟ لماذا يقول اصحابنا، في الشوارع الخلفية: إن هناك أكثر من 480 عائلة كردية مهاجرة الى كركوك بصورة غير شرعية؟ لماذا تزعم بعض الاحزاب والقوى السياسية ان هناك كرد غير عراقيين في كركوك؟ هل هم للسياحة، للتجارة، للـ.....؟ لماذا تصادفني حالات غيرمفهومة: أن اصعد في سيارة اجرة قاصدا المكان الفلاني من المدينة، فيسألني السائق الكردي إن كنت اعرف الطريق جيدا، لأنه لايعرفه: من اين جاء هذا الرجل، وكيف يعمل سائق اجرة في مدينة لايعرف معظم أحيائها؟ وما قضية المتسولين الاغراب عن المدينة؟ لماذا كل هذا.. والقضية برمتها معروضة للتصويت، حسب الدستور، الذي شارك في صياغته الاكراد انفسهم؟

لا نريد اجوبة، تحن أولاد الخائبات، لأن اسئلتنا تتضمن اجابات عميقة عن انحسار تدفق المياه في الحنفيات، الا في اوقات معدودة، تماما كحال تدفق التيار الكهربائي، وكل ذلك ناجم عن التوسع الذي حصل في خارطة المدينة، عبر بناء احياء جديدة: شقق، وعمارات، لمرحلين حقيقيين واخرين مزيفين، يمارس بعضهم التسول، والبعض الاخر يعمل - سائق اجرة، مثلا - ولايعرف خارطة المدينة. رجاءا: لاتأخذوا الامور بحساسية: انني اكتب ما أرى، وليست عندي عقدة ما من أحد، وأسئلتي اعرف اجاباتها، لكني ابحث عمن يسأل مثلي، بكلام أدق: عمن يزيد قائمة الاسئلة وصولا الى الحقيقة: هل ثمة خطة عراقية لتطبيع الاوضاع في كركوك على الارض فعلا، أم أن هناك خطة الاحزاب الكردية فقط، أم أن الامر لايزال في طور التداول؟ أسأل ذلك رغم اني اعرف ان هناك هيئة رسمية لتطبيع الاوضاع يرأسها الدكتور برهم صالح، وتضم في عضويتها عرّاب ملف الحدود العراقية الكويتية: حسن السنيد، العضو البارز في حزب الدعوة الاسلامية، واحد مستشاري رئيس الوزراء نوري المالكي. اقول: اعرف ذلك على الورقة، لكن على ارض الواقع: هل تجري الممارسات اعلاه باشراف هيئة التطبيع هذه؟ هل ثمة تطبيع، في الافق، أم لا؟ وهل أن هجرة العراقيين - من سكنة كركوك حصرا - جزء من خطة التطبيع؟

wrakwrac@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف