داء إسرائيل ومرض حزب الله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ضد إسرائيل المجرمة وضد حزب الله المغامر، ولي أسبابي. ومع شعب لبنان وحكومة لبنان، ولي أسبابي أيضاً. أما كل هذا الهذيان العاطفي الأقرب إلى الزبد، سواء صدر عن نُخب عربية أو عن رعاع، فلا معنى له، ولا قيمة. وبدلاً منه، فليسعَ الجميع، حكومات عربية وشعوباً، إلى دعم لبنان، مادياً وسياسياً، ومادياً على نحو خاص، كي يتعافى لبنان من هول هذه الكارثة. لقد وقفتْ معنا كل الشعوب العربية " الشقيقة "، في دعمها لقضيتنا الفلسطينية، منذ ستة عقود، فماذا كانت النتيجة؟ ها نحن أولاء، عملياً، وقد عدنا إلى نمط من الحياة البدائية، لا نتمناه لصديق ولا حتى لعدو ! تراجعنا في كل شيء، وصرنا متروكين لأقدارنا، مهجورين من قِبل القريب قبل البعيد. بل حدث ما هو أسوأ : ففضلاً عن الجوع والمقت والحصار والقتل اليومي، صار العنف الداخلي، ما بيننا وبين أنفسنا، هو عقيدة اجتماعية، تربو فوق كل العقائد التي تمتّ لثنائية العقل والتفكير. ولماذا ذلك؟ لأننا اخترنا العنف، كوسيلة وكغاية معاً، كخلاص، لا خلاص قبله ولا بعده : خلاص ديني وأيديولوجي، مقابل نزعة إسرائيل المتأصلة، في تدمير عدوها ومحوه نهائياً لو أمكن. ومع أن هذا الخلاص، هو في سياقنا التاريخي الآني، لا يعدو أن يكون ردّ فعل على الفعل الأصلي وهو عنف ودموية دولة الاحتلال، إلا أنه، ثقافياً، أعمق غوراً من ذلك، فهو للأسف مركّب أصيل في الذات العربية، وفي طبقاتها الجيولوجية الأبعد. وعليه، فيمكن القول، بأن هذه المنطقة التعيسة من العالم، كانت وما زالت تتأرجح بين نزعتين لا ثالثة لهما، هما نزعة التدمير الإسرائيلي الماحق للعدو من جانب، ونزعة التدمير الذاتي العربي في الجانب المقابل. وبين هاتين النزعتين، لا مكان ثمة للحياة ولا مكان ثمة للعقل ولا مكان ثمة للمستقبل. منطقة تغوص في أوحالها، وتسوء أوضاعها يوماً بعد يوم، سواء في السياسة أو في الاجتماع أو في الاقتصاد، ومع ذلك، لا تراجع نفسها ولا تسائل مصيرها، بل توغل في الوحل والعتمة، وكأنهما قدرها الوحيد الأوحد. إسرائيل، تمارس سياسة الإجرام الأعمى الشرير، وفي المقابل، يمارس حزب الله لعبة هدهدة الذات الشعبوية المجروحة والمهانة تاريخياً. وما من خطوة أبعد. ما من عقل وما من نُخب وما من مفكرّين عرب، سوى آحاد، يضعون كل هذه الكُتل الهائجة من الجماهير، على طريق الصح والصحيح. بل الكل يوغل في عملية تزييف الوعي العربي، فوق ما هو مزيّف. والكل يمارس لعبة الهدهدة النرجسية، مكتفياً بها، غير متجاوزٍ لحدودها الصبيانية في التحليل الأخير. لبنان، وفلسطين من قبله، يتأبّدان في المحرقة، ولا غوث لهما إلا غوث العواطف فقط، فماذا يجديهما ذلك؟ فلسطين، أو ما تبقى منها، تُركت وحيدةً أمام الوحش الإسرائيلي الحديدي، لتخلعَ شوكها بنفسها، ولبنان متروك الآن، ليواجه مصيره المأسوي وحده، وهذا هو بالضبط ما تريده إسرائيل : الاستفراد بكل طرف على حدة، ومحاولة الإجهاز عليه نهائياً. فأين العرب وأين العالم من كل ما يجري؟ الحق أنني أخجل من ذاتي أولاً حين أطرح هذا السؤال ! فالكل يعرف الإجابة ويا لها من إجابة فيها القدر العظيم من الهوان ! ومع هذا، لا مفرّ من طرح السؤال الذي يكاد يبدو عاطفياً، لا عقلياً، في وهلته الأولى وربما الأخيرة أيضاً. ففي عالم قاس لا تهمّه غير مصالحه، عالم بارد برود الجليد، لا مكان للضحية ولا أذن لسماع شكواها. ومن تحصيل الحاصل، القول كذلك، بألا مكان، للحديث عن المطالب العادلة في التحرر والعيش الكريم. فليس من حق الطرف الضعيف أن يطالب بذلك. عالم قذر حقير متوحش، والأقذر منه، من يزجّ بنا في مواجهته، هذه المواجهة العدمية، فلا يبقى فينا أخضرٌ ولا يابس ! لقد وصلنا كفلسطينيين إلى حافة العدم التاريخي، وكم أتمنى ألا يصل لبنان الصغير إلى ذات المآل. لذا على حزب الله، أن لا يمارس عناده الطفولي، من الآن فصاعداً، وأن يُسلّم كل الأوراق للحكومة اللبنانية المنتخبة، وأن يترك لها مهمة التفاوض العسيرة مع العالم، فلا يحمّلها أكثر مما تطيق. فيكفيها ما تحمّلت من جراء مغامرته العسكرية غير المحسوبة، ويكفيها كل هذا العذاب والخراب اللذين طالا لبنان، أرضاً وشعباً وحكومة، من حيث لم يفكّر ولم يتوقع ولم يحتسب. فإذا كان حزب الله قد اختطف قرار الحرب، فقد آن الأوان، أن يوضع قرار المفاوضات في يد الحكومة اللبنانية المنتخبة، فهذا حقها البدهي، الذي لا مراء فيه ولا شبهة. بل كل الشبهة والمراء، عند من قرر لوحده، ودون مشاورة أي طرف لبناني داخلي، في إشعال هذا الجنون الكبير. ليُترك لبنان الرسمي، للتفاوض، وليُترك له أن يفعل ذلك، بعيداً عن حسابات سوريا وإيران، سوريا وإيران، اللتان لهما حساباتهما ومصالحهما، ولو جاءت على حساب المصالح الوطنية اللبنانية. يجب أن يُطوى هذا العهد للأبد. فلبنان راشد ويعرف أين مصلحته. وكل المطلوب من الدول العربية، أن تقف بجانبه في هذا المسعى، وأن تدعمه، كما قلنا، مادياً وسياسياً، فعسى ولعل يخرج من هذه المحنة، ويتشافى ولو ببطء، من داء إسرائيل الوبيل، ومن مرض حزب الله، قبل أن يصبح مرض هذا الحزب داء يستعصي على محاولات العلاج.