ثقافة المقاومة / ثقافة الموت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لو أنه، لا قدّر الله، أقلعت الطائرات البريطانية، كما قدّر الإرهابيون، وتمّ تفجيرها في الجوّ فوق المحيط الأطلنطي، فما هي ردة الفعل التي ستكونها عند هذه الأمة، الغافية بين المحيط الأطلنطي، ذاته ، والخليج العربي؛ الأمة المقاومة، التي لا تصحو عادة ً إلا على أخبار الموت وصوره؟ ربما ليسَ مهماً التكهن بالأجوبة المحتملة؛ وهيَ كثيرة بطبيعة الحال. على أنه من المفيد، برأيي المتواضع، أن نعودَ إلى ذاكرتنا، لنستعيد ما تيسّر من قبسات " نظرية المؤامرة "، التي أعقبت مباشرة ً تفجيرات الحادي عشر من أيلول سنة 2001. إذ إنبرى آنذاك طائفة ٌ من المحللين الإستراتيجيين، العرب، وعبْرَ قناة المقاومة، القطرية، إياها، مزبدين ومرعدين، متهمين الصهيونية العالمية بتدبير تلك الهجمات. وهل ينسى المرءُ، كيف أخذتِ الحمية أحد أولئك المحللين ، فراحَ يعرضُ ما دعاه بـ " الوثائق الدامغة "، الزاعمة غياب جميع الموظفين اليهود، العاملين في برجيْ نيويورك ، المنحوسَيْن ، في ذلك اليوم الأسود ، نفسه ! ثمّ كانَ ما كانَ من تبني تنظيم " القاعدة "، الإرهابيّ، لتلك العملية الشيطانية، وعلى لسان زعيمها إبن لادن، مع تفصيلاتٍ وافية عن الخطط المرسومة لها، وعن أولئك الشبان، المغرر بهم، الذين قادوا طائراتها نحو الموت. وهيَ العملية التي أعلن ذلك الزعيم، من خلالها، عن جهاده المقدس ضد الصليبيين الغربيين، تضامناً مع " المقاومة الإسلامية " في محاربتها لليهود المغتصبين فلسطين.
بالرغم من تبني " القاعدة "، نهاراً جهاراً، لتلك الغزوة الجهادية، فلم تكترث الفضائية القطرية، العتيدة، بإحترام نفسها أو مشاهديها ، وهيَ تعودُ المرة تلوَ الاخرى لإستضافة أولئك الإستراتيجيين الخطرين، أو أشباههم، بمناسبة حرب أفغانستان وما تلاها من حروب وأعمال إرهابية هنا وهناك. لا بل إنّ هذه اللا أخلاقية الموصوفة ، على مستوى الإعلام العربي، قد إنسحبت أيضاً على المقامات الروحية، المفترض سيرها على هدى أهم ما أوصى به نبيّ الأمة: " وما بُعثتُ إلا لأتمم مكارم الأخلاق ". فعلى سبيل التمثيل، وجدنا رقابة " الأزهر الشريف " تمنع في هذا العام كتاباً لمؤلف مصريّ ، يتحدث فيه عن هجمات نيويورك ، وبحجةٍ مستغربة؛ أنّ الكتابَ " يتهمُ " تنظيم القاعدة بتدبير تلك الهجمات: " مما يسيء لسمعة المسلمين ". أيْ أنه بحسب حجة العلماء الأفاضل، الأزهريين، فليسَ فعل الإرهاب هوَ المُسيء لسمعتنا، بل الإعلان كتابة ً أنّ فئة ضالة من هذه الأمة، هيَ المسؤولة عن ذلك الفعل المستهجن !
عطفاً على إشارتنا ، سالفة الذكر، عن تسييس الدين وتوجيهه لأغراض مسيئةٍ لمعتنقيه؛ نقولُ أنّ كلاماً يُعاد ويكرر على مدار الساعة، عن مفهوم " المقاومة " وإختلافه شرعاً، أو إعتباطاً، عن مفهوم " الإرهاب ". لن نتوقف هنا عند مسألةٍ شائكة، سبق أن عرضها كثيرون، عن الإرهاصات التي هيأت لنشوء ما صار يُعرف بالمقاومة الإسلامية؛ وإنما سنحاول مناقشة أولئك المسوقين للمفهوم، بإعتباره شكلاً مشروعاً للكفاح المسلح، من حق الشعوب المحتلة أراضيها أن تمارسه. إذ يُعتمَد هنا بإلحاح تلك " المأثرة " المرتبطة بالمقاومة الإسلامية؛ وهيَ حصر أعمالها القتالية داخل أوطانها، وإستنكافها إستهداف دول اخرى، خارج حدودها. إنه توصيفٌ صحيحٌ، كما يبدو ظاهراً حسب. ولكنّ جوهر الفعل يعطينا الصفة الحقيقية، الخفية، لواحدة من أهم الأسباب الداعية لإستفحال ظاهرة الإرهاب ، عالمياً. فرفض الحركات الراديكالية، المرتبطة بالإسلام السياسي ، لأي شكل سلميّ من حلّ الصراعات الناشبة في هذه الدولة أو تلك، هوَ المؤدي بالضرورة إلى إطالة أمد الصراعات وتأزيمها وإنتهائها إلى الحرب المفتوحة؛ كما نشهده اليوم، خصوصاً ، في لبنان وفلسطين. في هذه الأخيرة، تمكنت حركة المقاومة الإسلامية، " حماس "، من تقويض الجهود الدولية الرامية لإيجاد حلّ دائم هناك، متحدد بقيام دولة فلسطينية مستقلة متعايشة جنباً لجنب، بسلام وتفاهم وتعاون، مع الدولة العبرية. ثمة حجة معروفة، تساق رداً على ما أسلفنا من تخريب حماس ذاك؛ وهيَ أن إسرائيل بالذات من شنّ الحرب على السلطة الفلسطينية، التي كانت وقتئذٍ برئاسة الزعيم الراحل ياسر عرفات. هكذا حجة، تحيل دوماً برأينا إلى تلك الديماغوجية المتحكمة بإصرار في العقلية العربية، الإعلامية: إذ يتم دوماً تناسي الحقيقة الناصعة في وضوحها، المشيرة بإصبع الإتهام لحماس وغيرها من الحركات الراديكالية، في قيامها عند كل مفصل تفاوضيّ بتنفيذ عمليات إنتحارية مستهدِفة، تحديداً وحصراً، المدنيين الإسرائيليين؛ مما كان يخلق ردّ فعل مباشر عند الدولة العبرية، فتصعّد عسكرياً بالتدمير والقتل والإعتقال، علاوة على توقيفها المفاوضات متهمة السلطة الفلسطينية بالعجز وحتى بالتواطؤ في التعامل مع تلك الحركات.
ربّ سائل عن علاقة ما سبق لنا عرضه، مع إرهاب تنظيم القاعدة. وإجابتنا هنا متناهية في سياق عرضنا ذاته؛ هذا العرض المبنيّ على سببية جدلية، محضة. فإذا كانت " مقاومة " حماس وغيرها، قد أدتْ كفعل إلى ردّ فعل إسرائيليّ ، محسوب سلفاً بضراوته وعنجهيته وهمجيته؛ فهاهنا رأي عام إسلاميّ يهتز غضباً على المعتدين؛ وهاهنا، من ثمّ، ظهورٌ عتيّ لإبن لادن، أو رفيقه الظواهري، على الشاشة الفضائية ، المجاهدة، مهدداً متوعداً الغرب الصليبي، حامي الكيان اليهودي؛ وهاهنا، أخيراً، طائراتُ الإرهابيين تهوي على الأبراج، أو في البحر المحيط.. الخ. غنيّ عن التأكيد، بأنّ تلك السببية، الموسومة، متطابقة أيضاً مع الحرب اللبنانية، الجديدة، التي أشعلتها المقاومة الإسلامية، " حزب الله "، عبْرَ مغامرته / مقامرته بوطن الأرز خدمة ً لحسابات إقليمية تصبّ في سياسة نظاميّ الإستبداد، الإيراني والسوري. وفقا لما سلف ، لا يمكن إلا أن نلاحظ ذلك اللبْس في مفهوم " المقاومة الإسلامية "، كأحد أوجه الإرهاب الذي يُشنّ من لدن جماعاتٍ متطرفة ، لا تمثل بالتأكيد مصالح شعوبها، وإنما مصالح مستعبدي تلك الشعوب؛ من نظاميْ طالبان وصدام ، البائديْن، إلى نظاميْ نجاد والأسد ، المستمريْن في الغيّ والجبروت والفتن.