الوزارة هي المشكلة وليس سعد بن بريك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سعد بن بريك هو أحد بقايا مرحلة الصحوة التي هيمنت وسيطرت على البلد ومناخاته الثقافية والاجتماعية، ورسمت، بدعم أو تراخٍ من المؤسسات الرسمية وقتها، إطاراً شمولياً قننت من خلاله سبل تعاطي المجتمع بأكمله مع جميع منتجات الحضارة الحديثة وفق تصوري صحوي ذي منابع إخوانية مصرية، وحددت درباً ضيقاً ووحيداً للسير فيه لايخرج عنه إلا هالك.
كانت الفترة من 1987-1994 فترة ذهبية للصحوة ورجالاتها، وفُرغت البلد، خلالها، من طاقاتها التنويرية، وغُلقت الأفواه غير الصحوية ما أدى إلى تفريغ المجتمع بشكل جذري وتدميري من كل الأصوات الحرة.
كانت ثقافة شمولية ذات نزوع سياسي لفرض مايسمى في المقولات الإخوانية التقليدية بالحكومة الإسلامية، ونجحت في صنع منحى تصاعدي مشحون بالقوة والجبروت لولا الخطيئة الكبرى المتمثلة في "مذكرة النصيحة" وما أعقبها من اعتقالات بعض القياديين، ومنع بعضهم من المحاضرات والخطب، وهي خطوة كانت ضرورية وحتمية للسلامة من خلق حالة فوضى عارمة استبقت بعقد من السنين فكرة كونداليزا رايس عن "الفوضى الخلاقة".
استكانت الصحوة وانكمشت على ذاتها إلا أن أمرها لم ينته، والمفارقة أن نجومها بالأمس هم النجوم اليوم، واقتعدوا الكراسي ذاتها بعد تعديلات أجروها على تكتيكهم، بعضها بسيط والآخر جوهري إلى درجة الانقلاب على الأقل ظاهريا.
سعد بن بريك كان ضمن الخطباء الظرفاء وخصص معظم نشاطه قبيل النكسة إلى الشباب الأقل تأهيلاً مثل طلبة المعاهد الفنية والمساجين، وبرع في التقرب منهم عبر استخدام مفرداتهم والتعايش المباشر معهم، أما اليوم فهو يسعى إلى أن يكون المنظر والمرجع بعد انكفاء سفر الحوالي، وانشقاق سلمان العودة، إضافة إلى أن ضمور الانتاج الصحوي من الخطباء الجدد لذا لم تم الالتفاف حوله باعتباره الأقدر على خنق الصوت الليبرالي كما حدث في النصف الثاني من الثمانينات.
البريك نصّب نفسه، حسب ما جاء في موقعه، لمحاربة الغزو الفكري المتمثل في كل صوت وطني لايندرج تحت لواءه، والطريف أنه يتذاكى فيجمع بين الإرهاب والفكر التنويري تحت مسمى "الفكر المنحرف". وسواء كان معتقدا ذلك أم أنه يستدرج مناصريه ويدغدغ مشاعرهم فإن هذا الربط يبرهن على حالة العداء المطلقة لأن الإرهاب، في الأصل والممارسة، هو أحد انفلاتات الصحوة وانشقاقاتها الخطيرة.
الطرفة الأخرى أن البريك مايزال يستخدم تقنية الثمانينات القائمة على التكفير والتخوين والرمي بالعمالة متجاهلا أن الظرف غير الظرف، وأن السطوة لم تعد كما كانت، ويبدو أن فترة اعتزاله الصحوة وانشغاله عنها أضعفت رابطته بمجريات الأمور فبدا وكأنه من أهل الكهف مستخدمالغة انقرضت وإن ظنها غير ذلك فلا بد أن يستدرك على نفسه ويراجع أمره.
قال البريك، بلغة تستحضر ادعاءات سفر الحوالي في كتابه "وعد كسينجر" أن بعض الكتّاب يعملون وفق "تنظيم أو نظام أو رابطة أو علاقة أو مخطط أو استراتيجية" وهذا كلام لاضير فيه فالتنظيم مظهر مدني، ودلالة فاعلية وإن كان غير متوافر، عمليا، لدى التنويريين بأطيافهم، ثم زاد فقال أن هذا العمل "له قيادة وله تمويل وميزانيات" غير أجر الكتابة الصحفية، وأن بعض أعضاء هذا التنظيم "على علاقات واضحة ببعض السفارات ولجهات أخرى.. هذه مسألة جلية".
هذا الجزم في الاتهام، والتقرير القاطع ممارسة صحوية شائعه الهدف منها إقناع المريد بقطيعة المعلومة، ومن ثم إلزامه بالطاعة الكاملة، واتباع توجيهات المشايخ العارفين بحقائق الأمور ماظهر منها ومابطن.
الذين ردوا على البريك من الكتاب حتى الآن سبعة بينهم كاتبة، وهؤلاء لهم الحق في مفاضاة سعد لأن مقولته لاتفسير لها سوى الخيانة الوطنية، كما أنه من اليسير تحديد قائمة أولية بالأعضاء المحتملين عبر مراجعة مقالات وخطب ومحاضرات وأبحاث البريك، الرائعة منها والعادية، وتبعاً للاتهامات التي يسردها سعد فإن القائمة تطال كل الكتاب السعوديين في الصحف المحلية خصوصا "الوطن" و"الجزيرة" وأحيانا "الرياض" مع استثناء ملحق "الرسالة" التابع لجريدة "المدينة".
هذا الاتهام مسألة مصيرية ومن الضروري حسمها لأنه يولد الفتنة، ويفرق المجتمع، وقد يؤدي، تاليا، إلى عمليات استعداء أو حتى تصفية جسدية نتيجة تحمس بعض المريدين ورغبتهم في القضاء على منابع الغزو الفكري.
من الطبيعي أن يتخذ البريك هذا الخط فهذا ديدنه، وطريق استعادة أضواء نجوميته لكن القضية الأخطر هي بث هذه السموم عبر منابر رسمية وقبول ذلك. كان المتوقع أن وزارة الشؤون الإسلامية بعد أن استغل البريك مظلتها، واستعار قوسها الوطني ليضرب به صميم اللحمة الوطنية متنكراً لدعوة المليك، ومحرفاً خط الوزارة المستند إلى مسؤولياتها الرسميةdivide;، كان المتوقع أن تصدر الوزارة بياناً توضيحياً تعتذر فيه عما حدث، وتوضح أن ماقاله البريك لايمثلها ولايعبر عن الهدف من مخيماتها أما أن تلزم الصمت طوال هذه الفترة فإن الأمر يستدعي سؤالاً مباشراً لها لإيضاح موقفها بشكل جلي خاصة أن الكثيرين يظنون أن اتهامات البريك تتمتع بغطاء رسمي، وأن له حق التخوين مرتدياً عباءة الدولة، ومستخدماً منابرها ومدعواً من مسؤوليها.
البريك جاوز الحد إلا أن جوهر المشكلة يكمن في موقف وزارة الشؤون الإسلامية لأن دوام صمتها يشجع الفتنة وينشر بيارقها.
Jasser87@hotmail.com