إنها المصالح وليست الأخلاق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كتب الأديب اليمني المعروف عبدالعزيز المقالح في مقال له في جريدة الإتحاد الظبيانية في 4-8-2006 بأن الإدارة الأمريكية الحالية " ترغب في إقامة امبراطورية النار والحديد والموت، متحدية بذلك كل المبادئ والأخلاقيات والمشاعر، وهو وضع غير مسبوق داخل الإدارة الأمريكية التي عرفتها الولايات المتحدة وعرفها العالم، إذ لم يحدث في تاريخ البيت الأبيض أن سيطرت مجموعة متعصبة على القرار وحاولت بغباء أن تضع شعبها والعالم على حافة هاوية من النزاعات والحروب المجانية."
لو عدنا لتاريخ أمريكا الحديث لوجدنا تشابها يكاد يكون متطابقا بين كل عقد وآخر، فكل إدارة أمريكية، منذ وودرو ويلسون (صاحب المبدأ الشهير في حق الأوطان في "تقرير المصير") والذي قادهم الى مشاركتهم الأولى في حرب خارج أمريكا، وحتى جورج بوش الإبن، قد حضيت كل منها بنصيبها من الحروب في أركان الكرة الأرضية.
لقد كان ولوج أمريكا الرسمي الأول في الصراعت العالمية ما بين عامي 1917-1918، على يد الرئيس ويلسون، وبالتحديد في الحرب العالمية الأولى، وهي مشاركة قلبت الموازين لصالح الحلفاء وأدت إلى تلقي المانيا هزيمة نكراء. وفي الأربعينات من القرن ذاته دخلت أمريكا مرة أخرى الأراضي الأوروبية في الحرب العالمية الثانية، بقيادة رئيسها فرانكلين روزفيلت، ضد المانيا هتلر وحليفتها إيطاليا موسوليني على الجبهة الأوروبية، وفي جبهة أخرى ضد اليابان في المحيط الهادي. خرجت أيضا أمريكا منتصرة وبشكل حاسم وطد قبضتها في الساحة الدولية. وبعد الحرب العالمية الثانية بخمس سنوات دخلت أمريكا في الحرب الأهلية الكورية بقيادة هاري ترومان، وتحت غطاء من الأمم المتحدة. انتهت الحرب الكورية بعد ثلاث سنوات، وكان دوايت آيزنهاور قد أصبح خلال تلك الفترة رئيسا لأمريكا. خسر الأمريكان في تلك الحرب الآلاف من القتلى وتم تقسيم شبه جزيرة كوريا الصغيرة إلى دولتين. وبعد عقد من الزمان بدأت بوادر التدخل الأمريكي في فيتنام في عصر الرئيس كينيدي، وقبلها بسنتين كادت أن تصطدم أمريكا نوويا مع السوفيت في خليج الخنازير في كوبا، على بعد مرمى حجر من الحدود الأمريكية. وخرجت أمريكا من فيتنام في منتصف السبعينات وهي تعاني من هزيمة تركت أثرا عميقا في الوجدان الوطني لبلاد العم سام- وقد مر على حرب فيتنام الرؤساء الأمريكيون ليندون جونسون وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. وبعد فيتنام بسنوات، في عصر كارتر، دخلت أمريكا في صراع سياسي-عسكري مباشر وغير مباشر مع الخميني وثورته، ومع القذافي وثورياته، على يد ريغان، والذي كان أيضا قد غزى جزيرة غرينادا لفرض حكم فئة مؤيدة لأمريكا ضد فئة معادية. كما غزت أمريكا في عهد بوش الأب بنما وخطفت رئيسها آنذاك نورييغا واودعته في سجونها حيث مايزال. وفي نهاية العقد قاد بوش الأب ايضا حربا مدمرة لطرد صدام حسين من الكويت، ثم تدخلت امريكا في عهد كلينتون مؤقتا في الحرب الأهلية الصومالية بعد ذلك بعامين، وانخرطت بشكل أكبر في حرب البوسنة حيث انتهى بها الأمر في نهاية ذلك العقد إلى الهجوم على صربيا، وأخيرا (ولن تكون الأخيرة) غزت العراق وأفغانستان بقيادة بوش الأبن. وبين كل تلك الحروب، كان لها دوما مشاركتها من خلف الكواليس في حروب إسرائيل مع العرب، ومع قوى مؤيدة لها هنا وهناك.
المسألة إذا ليست مرتبطة بإدارة بعينها ولا بمحافظين جدد أو قدماء، المسألة مرتبطة بمصالحها، كما تراها أمريكا نفسها، وعبر سياسييها وخبرائها ومن خلال مؤسساتها، وليس بناء على نزوات شخصية لرئيس أو وزير.
عندما كان من مصلحتها الإستراتيجية تحرير الكويت العربية المسلمة ضد طاغية عربية فعلت ذلك. وعندما كان من مصلحتها القتال الى جانب المسلمين البوسنة ضد المسيحيين الصرب فعلت ذلك، بل وأحرقت الأخضر واليابس في بلاد الصرب وفرضت نظام حكم يعطي المسلمين، الذين هم أصلا من بقايا الاحتلال العثماني للمنطقة قبل قرون، حقوقا لم يحلموا بها. ووقفت في خندق واحد مع حكمتيار وخالص ومسعود وغيرهم من القيادات الأفغانية ضد السوفييت لأن ذلك كان من مصلحتها. ولم تتدخل في مجازر بوروندي في أفريقيا التي قتل فيها مئات الآلاف لأن لا مصلحة لها هناك. وهاهي أمريكا تنام في سرير واحد مع القوى الشيعية في العراق لأن مصلحتها تقول لا بأس في ذلك، بينما حزب الله الشيعي اللبناني عدو لدود لأمريكا لإرتباطه الوثيق بإيران. وعلى ذكر حسن نصرالله وحزبه، فهم أيضا (نصرالله وحزبه)، ومن مبدأ المصلحة، يؤيدون بقوة الغزو الأمريكي للعراق، لأنه أسقط عدو الشيعة صدام حسين، ولأن هذا الغزو مكن الشيعة في العراق سياسيا بعد ان كانوا مهمشين، بل ومقموعين، منذ أن تأسس العراق الحديث قبل حوالي قرن. وبناء على المبدأ نفسه، فإن تنظيم القاعدة يرى مصلحة له في ما يدور في لبنان، حيث أعلنت قيادته عبر أيمن الظواهري مساندتهم لحزب الله "الرافضي" في حربه الحالية.
أمريكا قوة عظمى تمارس سياستها حسب ما تراه مفيدا لها، وإن لم تستطع تحقيق ذلك عبر القنوات الدبلوماسية، فإنها لن تتردد في فرض ما تريد بقوة السلاح إذا تطلب الأمر ذلك. يجب أن نفهم أمريكا على هذا الأساس، وليس على أسس "الأخلاقيات والمشاعر". في الصراعات الدولية القانون هو قانون الغاب الذي عادة ما يختصر في كلمتين: البقاء للأقوى. هكذا يقول التاريخ، وفي كل صرا ع هناك القوي وهناك الضعيف، وعندما تصل الأمور إلى المادة، فلا أخلاق ولا مباديء غير القوة. هكذا طبيعة الإنسان للأسف.
أكاديمي سعودي