القرار 1701 وانتصارات نصر الله!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وأخيراً أصدر مجلس الأمن الدولي قراره المرقم 1701 في 11/8/2006، بعد مداولات مضنية استغرقت أكثر من أسبوع، يدعو إلى "وقف كامل للأعمال الحربية يرتكز خصوصا على وقف فوري من قبل حزب الله لكل هجماته ووقف فوري من جانب إسرائيل لكل هجماتها العسكرية". كما وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان موافقة لبنان وإسرائيل على وقف القتال في الساعة 0500 بتوقيت غرينتش يوم الإثنين الموافق الرابع عشر من أغسطس/ آب.
ويبدو أن إسرائيل مصممة على الاستفادة القصوى مما تبقى من الوقت لتدمير مليشيات حزب الله وإخراج ما تبقى منها من المنطقة الجنوبية بعمق 30 كيلومتر الممتدة من النهر الليطاني شمالاً إلى الشريط الأزرق الحدودي مع إسرائيل جنوباً. إذ تفيد الأنباء عن توغل القوات الإسرائيلية في هذه المنطقة وبأعداد كبيرة نحو 30 ألف جندي، أي بحملة لم تقم بها إسرائيل منذ 30 عاماً. ومن المحتمل أن لا تنسحب منها قبل مرور عشرة أيام على وقف القتال حيث تتمكن القوات اللبنانية والدولية (يونيفيل) أن تحل محلها.
وبعد أن تضع الحرب أوزارها، نتوقع خطاباً مدوياً من السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، ليعلن فيه على الملأ انتصار المقاومة وتمريغ رأس إسرائيل في الوحل تلحق بها الهزيمة النكراء! كما نتوقع من الشارع العربي المسيَّر بالإعلام المضلل أن يطبل لهذا "النصر المؤزر" والويل لمن يتنكر لهذا النصر المبين!! إذ ظهرت فعلاً اليوم عناوين من هذا القبيل من جوقة المشجعين للحروب العبثية، نقرأ مثلاً: "انتصار لبنان.."، وآخر "نعم مجرد المقاومة: انتصار!" إلى آخره.. ولا بد أن الجماهير العربية من خارج لبنان وكعادتها في هذه الحالات، ستواصل هوايتها المعهودة في تأليه السيد حسن نصر الله، كما فعلوا مع غيره من قبل.
هل حقاً انتصر نصر الله على إسرائيل؟
مرة أخرى، تطالبنا الذهنية العربية السائدة أن نعطي إجازة مفتوحة لعقولنا ونركب الموجة ونساير مزاجية الشارع العربي الذي تسيِّره العواطف فقط، والمصفق لمغامرات نصرالله وانتصاراته الوهمية، وإلا فأي مراجعة موضوعية للأحداث الدامية وتحليل عقلاني للمأساة اللبنانية سيعرض الكاتب إلى تهمة الوقوف إلى جانب العدو، وترديد الفكر الأمريكي-الصهيوني!!
فالحقيقة المرة تفيد أن الماكنة الحربية الإسرائيلية قد واصلت عملها في نشر الدمار الشامل في لبنان خلال أكثر من شهر، وكان حصاد هذه الحرب الجنونية لحد كتابة هذه السطور في 13/8/2006، أكثر من ألف قتيل لبناني (1061) معظمهم من المدنيين وثلثهم من الأطفال، وأكثر من ألفي جريح ومليون نازح وخسائر مادية تقدر بأكثر من عشرة مليار دولار. أما الخسائر على الجانب الإسرائيلي فبحدود 131 قتيلاً معظمهم من العسكريين، وخسائرهم المادية تكاد لا تذكر. لقد تم كل ذلك بعد أن قام حزب الله باختطاف جنديين إسرائيليين يوم 12 تموز لمقايضتهما مع أسير لبناني واحد لدى إسرائيل، ودون استشارة الحكومة اللبنانية أو البرلمان اللبناني. والجدير بالذكر أن حزب الله أدعي باستمرار أنه قام بهذا العمل من أجل مصلحة لبنان، وأنه يحقق انتصارات باهرة على إسرائيل، وسيهدي هذا النصر إلى كل لبنان، ووصف الذين لا يوافقونه على هذا الرأي بأنهم انهزاميون يريدون تثبيط العزائم وأن ينكروا على حزب الله النصر الذي يحققه على إسرائيل لأول مرة في الحروب العربية-الإسرائيلية. والحقيقة الدامغة تفيد أن حزب الله زج بلبنان في معركة غير متكافئة، لا ناقة له فيها ولا جمل، وليس لمصلحة لبنان بل لمصلحة إيران وسوريا، أعداء لبنان.
جامع الأضداد
والسؤال الذي يطرح نفسه هو، ما الذي جعل حتى السلفيين بمن فيهم حماس، يؤيدون حزب الله اللبناني الشيعي "الرافضي"؟ فالمعروف عن السلفية أنها تكفر الشيعة وتجعل من قتلهم مفتاحاً للدخول في الجنة، كما يعمل الإرهاب السلفي في العراق الآن. الجواب واضح وسهل، وهو أن الحزبين (حماس وحزب الله) يجمعهما الآن عدو مشترك وهو إسرائيل، ولكن بينهما خلافات عقائدية شديدة العمق لا يمكن المساومة عليها أو التقارب بينهما في ظروف السلم. وهذا يعني أن تحالف حزب الله مع حماس هو مؤقت. فما أن ينتهي الصراع مع إسرائيل، حتى تعود حليمة إلى عادتها القديمة، وسوف تتغلب الصراعات العقائدية الطائفية ويبدؤون تكفير بعضهما البعض، كما هو جار في العراق. فشيعة العراق هم مازالوا كفرة في نظر السلفيين، يجب قتلهم لأنهم تعاونوا مع "الاحتلال الأمريكي- الصهيوني!!" وهناك سند فقهي عند السلفية من فقيههم شيخ الإسلام، ابن تيمية الذي يقول عن الشيعة "إن مجرد الشك في كفرهم هو كفر". فالخلافات العقائدية الحادة بين حماس السلفي وحزب الله الشيعي هي القاعدة وأي شيء يجمعهما هو طارئ ومؤقت. كذلك لا ننسى دور سوريا وإيران في السيطرة على هذين الحزبين واستخدامهما في الحرب بالوكالة ضد أمريكا، كما هو جار في العراق، حيث جيش المهدي الموالي لإيران، وفلول البعث والقاعدة.
من هم مؤيدو حزب الله؟
يمكن تصنيف مؤيدي حزب الله في العالم العربي حسب اختلاف الدوافع وراء هذا التأييد. فهناك الشارع العربي الذي يضم حتى بعض غلاة السنة السلفية، كما ذكرنا آنفاً، أعلنوا تأييدهم لحزب الله الشيعي "الرافضي" وأمعنوا في تأليه زعيمه، وكذلك الإعلام العربي، لذا يمكن تقسيم هؤلاء إلى ثلاثة أصناف كالتالي:
الصنف الأول، وهو الجمهور العربي الواسع من المحيط إلى الخليج، حيث تسيِّره العواطف والعفوية والنوايا الطيبة والرغبة الصادقة في تحقيق النصر على إسرائيل، فهؤلاء دائماً يبحثون عن البطل المنقذ!، فقد ألَّهوا من قبل عبدالناصر وصدام حسين خلال وبعد حروبهما العبثية التي انتهت بالكوارث. وربما سيكون نصرالله هو آخر من انخدعت به الجماهير العربية المغيَّب وعيها في هذا المجال، لأن لا بد لهذه الجماهير أن تستفيق من غفوتها العميقة التي دامت طويلاً بعد هذه الصدمة الشديدة المدوية. راجع مقالنا (العرب والعلاج بالصدمة).
الصنف الثاني من المؤيدين لمغامرة نصر الله، يضم مجموعة من الانتهازيين وبدافع الرغبة في مسايرة الشارع والتيار الصاخب وذلك طلباً للسلامة وتجنبا للاتهامات بعدم مناصرة القضية العربية المركزية في الصراع العربي-الإسرائيلي، رغم إدراكهم بخطأ مغامرة نصر الله وخسارته المؤكدة.
الصنف الثالث فهو من النوع الذي يضمر الشر والعداء لحزب الله، ولكنهم وجدوا في هذه المغامرة فرصة ذهبية لتشجيعه على السير قدماً في مغامرته غير المحسوبة العواقب، ليلقى نهايته الأكيدة على يد إسرائيل. فوجود هذا الحزب ومليشياته القوية، يعتبر امتداداً لإيران في قلب المنطقة العربية، والذراع الضاربة لها ولسوريا حليفة إيران، في حروبهما بالوكالة ضد أمريكا. فحزب الله يلعب دوراً كبيراً في عدم استقرار المنطقة وتهديد أمن واستقرار لبنان وسيادته، لذلك فإن الجهة الوحيدة القادرة على سحق هذا الحزب هو إسرائيل فقط، لخلاص لبنان من تجاوزاته. لذلك أعلن هذا الصنف تأييده بحماس شديد لحزب الله لدفعه نحو الهاوية حتى ولو كان على حساب الشعب اللبناني.
رد فعل الشعب اللبناني بعد الصدمة
لا شك أن الشعب اللبناني كغيره من الشعوب يسعى للعيش بسلام. فقد عانى هذا الشعب المسالم بما فيها الكفاية من ويلات الحروب والمليشيات المسلحة وجرائم الاغتيالات، منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 إلى انسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان عام 2000. ونتيجة لهذه المآسي، فالشعب اللبناني هو الشعب الوحيد الذي معظمه هاجر قسراً ليقيم في الشتات، إذ هناك معلومات تفيد أن تعداد الشعب اللبناني في الداخل نحو 3.8 نسمة، بينما اللبنانيون المقيمون في الخارج يبلغ عشرة ملايين نسمة.
وخلال العشر سنوات الأخيرة نجح الشعب اللبناني بقياداته السياسية ودعم الأشقاء العرب وخاصة في الدول الخليجية، وبجهود غير عادية من زعيمه العصامي الراحل الشهيد رفيق الحريري مستخدماً ماله الخاص، في إعادة بناء لبنان وتضميد جراحه، وقد تحقق الكثير في هذا المضمار. ولكن أعداء لبنان استغلوا طيبة هذا الشعب واتخذوا من بلاده ساحة لحروبهم العبثية مع إسرائيل. فالكل يعرف، بمن فيهم السيد حسن نصر الله، أنه زج بهذا الشعب دورن إرادته في حرب غير متكافئة مع إسرائيل ودون أن يكون مستعداً لمواجهة عواقبها. ورغم ما تحمله هذا الشعب من آلام بصمت وأعلن وحدته أمام العالم في مواجهة الكارثة، فالحزن هو الذي وحدهم، وتركوا الحساب مع الذين أوقعوهم في هذه الورطة إلى أن تضع الحرب أوزارها ولليوم التالي.
لذلك وبعد أن تسكت دوي المدافع وعربدة الطائرات الإسرائيلية التي حولت هذا البلد الجميل إلى خرائب وأنقاض وشردت ثلث أهله، وبعد أن ينقشع غبار المعارك ويعود النازحون إلى ديارهم ليرو بيوتهم مهدمة وقد فقدوا أكثر من ألف شهيد وآلاف الجرحى من أعزائهم، وخراب الديار، فلا بد لهؤلاء أن يسألوا حسن نصر الله، أهذا هو النصر الذي وعدتنا به وتريد إهداءه إلى لبنان؟ لا بد وأن يوجه هؤلاء الأبرياء السؤال الكبير، لماذا عملتها بنا يا سيد حسن؟ ولا بد أن هناك بركان تحت السطح في طور التكوين وأنه سينفجر يوماً ما، بوجه حزب الله وزعيمه نصر الله عاجلاً وليس آجلاً.
وبمقارنة بسيطة بين لبنان قبل 12 تموز/يوليو، حيث كان جنوبه خارج سيطرة إسرائيل، عدا مزارع شبعا التي تدعي سوريا بملكيتها أيضاً، ولبنان ما بعد إيقاف الحرب، حيث احتلت إسرائيل هذه المنطقة وبعمق 30 كم إلى النهر الليطاني، إضافة إلى الخسائر الهائلة في الأرواح والممتلكات التي لا تقدر.. لذا بودنا أن نوجه هذا السؤال المؤلم إلى الذين يدعون النصر على إسرائيل، وهو: أي لبنان أفضل، لبنان قبل 12 تموز أم لبنان ما بعد إيقاف الحرب يوم 14 آب/أغسطس؟ وهل هناك أي معنى أو طعم لهذا الانتصار الذي تتشدقون به؟ أرجو أن لا يكون جوابكم ترديد ذات العبارات الببغاوية المكررة والمملة عن الانتصارات الوهمية مثل، معارك من أجل العزة والكرامة وغيرها من العبارات الفضفاضة التي لا تعني أي شيء للذين خسروا كل شيء.
مقالة ذات علاقة بالموضوع:
د. عبدالخالق حسين: العرب والعلاج بالصدمة