يا ربّ إحرسْ لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كلّما ضاق هامش المناورة ضاق هامش الخيارات، وهذا من سنّة الحياة. ففي ظروف صعبة عاشتْها بريطانيا خلال الحرب العالميّة الأولى أُنشئت محاكم عسكريّة وجرى على عجل إعدام جنود بريطانيين فارّين من الجبهة. لا وزن هنا للضعف الإنساني الذي قد يؤثِّر سلباً على مجرى الحرب كلّها التي يجب كسبها بأي ثمن.
وفي الخمسينات من القرن الفائت إشتدّ عود الحزب الشيوعي الأسترالي إلى درجة فقدتْ معها الحكومة الأستراليّة "الحرّة" وقارها الديمقراطي ودعتْ لإستفتاء عام يُبنى عليه تجريم أي نشاط شيوعي في البلاد. لكن إذا اتّسع هامش المناورة اتّسع هامش الخيارات، فالفارّ لا يُعدَم بعد، و"الأحمر" يغدو حيِّزاً في فلكلور الديمقراطيّة المظفّرة.
وما سبق يُشير إلى أنّ الحرَج في مرحلة، ذاته يغدو ترفاً في مرحلة أخرى، والعكس صحيح تماماً. والحال فإسرائيل برسوخها العسكري والإقتصادي والرعاية التي تحظى بها من دول المركز في العالم وفي الطليعة الولايات المتّحدة الأميركيّة هي في مجال الترف على الضفّة المقابلة تماماً لمجال الحرج المبتلي به لبنان عسكريّاً وإقتصاديّاً وعزلةً رسميّة عربيّة ودوليّة، ولا حاجة للتفصيل في هذه العجالة، ما يعني أنّ الجدل حتى ولو في جنس الملائكة في إسرائيل حتى وهي تشنّ حرباً دمويّةً على لبنان له متّسع، فيما ولا زاوية ولو لسؤال على هامش موضوع في لبنان الواقع في عين العاصفة، فما البال إذا بعض إعلامه فقدَ إتّجاهه تماماً.
هنا نموذج:
ـ المراسل: "إسرائيل الآن تقصف بلدة القليلة".
ـ الصحافي (محمد سلام) في الأستوديو (اللبنانيّة للإرسال) لمحاوره: "هل لاحظتَ ماذا قال المراسل؟ قال إسرائيل تقصف بلدة القليلة! ولا أظنّ إلاّ أنّ حزب الله يملي عليه ماذا يجب أن يقول! فلربّما إسرائيل تقصف منصّة صواريخ لحزب الله في القليلة"!.
وما البال إذا بعض محلّليه السياسيين صار في حلّ حتى من الذوق.
هنا نموذج:
ـ المحلّل (سجعان قزّي) لمحاوره في الأستديو (اللبنانيّة للإرسال): "إنّهم يدمّرون بيوتهم وقراهم، وغداً بعد الحرب يأتون صارخين أنّهم محرومون"!.
وما البال إذا بعض روحه يغفل عن روحه، هكذا كأنّما لا روح بعد.
هنا نموذج:
ـ محمّد علي فرحات (النهار ـ بيروت 12 آب): "هناك بلد صغير يقوم جزء من مواطنيه بفعل رسالة صعبة جداً، هي أكبر منه ومنهم، رسالة بإسم بشر كثيرين في أنحاء العالم يريدون كسر شوكة إسرائيل ويعلنون ذلك بالتصريحات والتظاهرات ورفع الأعلام والصور، لكن هؤلاء الكثيرين لا يلبثون أن يتنصّلوا ويعود كلّ منهم الى بيته السالم الدافئ فيما يعود حوالى ربع اللبنانيين، إذا عادوا، الى ركام ما كان بيوتا"ً!.
ويكتب: إنّه "فائض الحيوية الذي يدفع فئة من اللبنانيين الى المقامرة بأرضهم التي حرّروها من أجل أهداف هي أقلّ قيمة من الأرض ومن حياة مواطنين في أرضهم المحدّدة، مهما جرى التسويق الإنساني أو الإيديولوجي. من رأى فلاحين يتركون أرضهم، الشجر والزرع وأزهار مدخل البيت؟ لا أحد رأى فلاحين تحت بيوتهم الطين بعد القصف الأعمى. حيوية لبنانية زائدة. يا ربّ إحرسْ لبنان"!.
ولنضربْ صفحاً عن النموذجين الأوّلين، رغم الأسف الشديد، فلا قاع لهذا القاع، ولنبعثْ بكاشف سريع صوب النموذج الثالث:
ـ أشققْتَ قلوبهم يا أخي لتعرف أنّهم "لا يلبثون أن يتنصّلوا ويعود كلّ منهم إلى بيته السالم الدافئ"؟ فقط لو تفسح لهم طريقاً!. وعروش قالتْ بـ "مغامرة" فترتعد وتتراجع ثمّ تقول أنتَ بـ "مقامرة"؟ و"بأرضهم التي حرّروها من أجل أهداف هي أقلّ قيمة..."؟ أوَ أقلّ قيمة أن تكفّ إسرائيل عن إختراق المجالات الجويّة والبحريّة والبريّة للبنان يوميّاً حتى بلغ 10425 إختراقاً في ستّ سنوات؟ أوَ أقلّ قيمة تسليم خرائط الألغام (عودة إلى المراجع لمعرفة عدد ضحاياها موتاً وبتراً للأطراف)؟ أوَ أقلّ قيمة تحرير الأسرى؟ أوَ أقلّ قيمة تحرير الأرض؟ أوَ أقلّ قيمة الكفّ عن الإختطاف (الفرّان) وإغتيال لبنانيين في لبنان ذاته (ديب، العوايلي، مجذوب ..)؟ أوَ أقلّ قيمة أن تعيش في بلدك كريماً عزيزاً سيِّداً منيعاً؟
أجل يا ربّ إحرسْ لبنان.
Shawki46@hotmail.com