حماية الانتصار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كون لبنان انتصر في المواجهة العسكرية مع العدو الإسرائيلي هي حقيقة يعترف بها العدو الإسرائيلي قبل سواه. من لا يصدِّق فليقرأ الصحف الإسرائيلية. إن الإسرائيلي يقف مصعوقًا أمام مشهد جنوده يسعون إلى لبنان راجلين مبتسمين للصور التذكارية، فيعودون على حمالات الإسعاف أو في أكياس الموت. ويقف مذعورًا إذ يرى "ميركافاته" المشهورة تدب إلى لبنان في أرتال نظامية ليراها بعد دقائق تدور على نفسها متخبطة وألسنة اللهب والدخان تتصاعد منها. إنَّه لا يصدِّق رؤية بوارجه تحترق وزوارقه تغرق وحواماته تسقط. إنَّه لا يصدِّق أن الإسرائيليين في الملاجئ من حيفا إلى الحدود. هذا هو مشهد انتصار لبنان العسكري وهزيمة إسرائيل العسكرية.
وكون لبنان قد خسر الآلاف من أبنائه لا سيَّما الأطفال، وتعرض لحملة دمار ممنهج لم يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فهي حقيقة أخرى. ومن شاء أن يصدِّق أنَّ هذه الحملة ما كانت لتحصل لولا "ذريعة" المقاومة منذ نيف وثلاثين يومًا فهذا شأنه. هناك من لم يزل يعتقد أن الأرض مسطحة وأن الشمس تدور حولها.
الحقيقة الأهم أن لبنان بحاجة لحماية انتصاره لكي يتمكن أولاً من الالتفات إلى ضحايا الحرب وبدء تعمير ما دمر، ولكي يضمن عدم تكرار مثل هذا العدوان. حماية الانتصار تكون بحسن تحديد الأولويات. ما ليس أولوية للبنانيين هو "نزع سلاح حزب الله وتفكيكه كدولة ضمن الدولة." هذه هي أولوية إسرائيل وأمريكا. أولويات لبنان يجب أن تكون: انسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية، وتبادل الأسرى والوصول إلى صيغة تتخلى فيها إسرائيل عن مزارع شبعا وتتعهد بوقف انتهاكها لأجواء لبنان ومياهه، وتسحب عملاءها واستخباراتها منه، وتتوقف عن اغتيال مواطنيه. بعد كل هذا، نبحث في كيف يمكن للمقاومة أن تصبح جزءًا رسميًا من المنظومة الدفاعية الرادعة للدولة اللبنانية، وما هي المتغيرات السياسية التي يجب أن ترافق تأسيس هذه المنظومة.
هل لبنان في موقع يستطيع فيه فرض هذه الأولويات؟ نعم، إذا لم ترتفع أصوات لبنانية اليوم، وقد بدأت، تطلب "تجريد حزب الله من سلاحه وتفكيكه"، هكذا، "عالعمياني" كما يقال بالعامية اللبنانية. أمّا لمَن سيسلم لبنان سلاحه، وماذا سيفعل بها، وكيف يحمي لبنان نفسه بدونها وبدون المقاتل المدرب على استعمالها، فهذا "تفاصيل" مملة للمستعجلين! إن هذا النزق في التعامل هو الخطر الذي يجب على لبنان حماية نفسه منه.
ملاحظتان أخيرتان: إن الجوقة المنظمة التي انطلقت في أعقاب طلب وزراء المقاومة تأجيل جلسة مجلس الوزراء كشفت نوايا لم تكن صافية. على ما يبدو فأن بعض من لم يكن لديهم الجرأة للقيام "بما هو مطلوب منهم" بعد أن أخرج لهم الأميركيون السوريين من لبنان، وتوقعوا منهم "إتمام المهمة"، قد شربوا حليب السباع، ليس عن شجاعة، بل لأن ساعة الاستحقاق قد دقَّت لهم. لقد قبضوا ثمن تسليم رأس المقاومة سلفًا، وحان وقت التسديد.
الملاحظة الثانية: قرأنا وسمعنا الكثير من النقد والتسخيف للمقاومة في الأيام الماضية، وما إذا كانت الكرامة والحرية تساوي كل هذا الدمار! صحيح، "الكرامة" لا تشبع جائعًا، ولكن الصحيح أيضًا أن الكثير من الجائعين يرفضون الأكل على حساب كرامتهم. "الحرية" لن تعيد شهيدًا، ولكن الكثيرين "يحبون الحياة لأنهم يحبون الحرية ويفضلون الموت متى كان الموت طريقًا إلى الحياة." الحياة الأفضل مفهوم نسبي عماده الكرامة لبعض الناس وحساب مصرفي متضخم وإن جاء عبر الإذلال والعمالة لبعض آخر. الحياة صراع بين هذين المفهومين.