ماذا لو جوبهت الفيدرالية الشيعية في العراق برفض الدول العربية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
استقبلت المواجهة الدائرة بين إسرائيل وحزب الله، وحال اندلاعها، بانتقادات رسمية شديدة من مصر والسعودية والأردن، ضد حزب الله. ثم، توسع هذا الموقف الانتقادي فشمل النظام العربي الرسمي، ممثلا بالاجتماع الذي عقده، وقتها، وزراء الخارجية العرب، بأشراف جامعة الدول العربية. وقد استندت هذه المواقف في نقدها لحزب الله، على سببين، أولهما يتعلق بقضايا قانونية، سيادية، وتعبوية، ترى أن حزب الله أقدم على "مغامرة غير محسوبة، تتم دون الرجوع إلى السلطة الشرعية".
وهذا التبرير أمر تتفق عليه، كما نظن، كل الدول العربية. فالحرب الدائرة الآن على الأراضي اللبنانية هي، ليست حرب بين إسرائيل والدولة اللبنانية، وإنما هي حرب بين إسرائيل، وبين جهة لبنانية واحدة هي حزب الله. ومهما قال حزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله (وما يقولانه صحيح) بأن هذه الحرب تدور بالنيابة عن العرب والمسلمين، وأن النصر الذي سيحققه حزب الله سيكون، إذا تحقق، نصرا للعرب وللمسلمين، أو أن إسرائيل كانت مصممة على شن الحرب مسبقا، سواء تم أسر الجنديين، أو لم يتم، فأن ذلك لا يغير شيئا من هذه الحقيقة، وهي أن الحزب أقدم على هذه الخطوة دون استشارة الدولة اللبنانية. والجهة التي أسرت الجنديين هي حزب الله، وليست الدولة اللبانية. والقوات العسكرية التي يعتمد عليها حزب الله هي مليشيا، وليست قوات نظامية تابعة للدولة اللبنانية. وهي مليشيات أسسها ويمولها ويصدر إليها الأوامر، حزب الله، وليست الدولة اللبنانية.
هذه حقائق على الأرض لا يغيرها تأييدنا أو رفضنا لحزب الله ولسياسته. وإذا قبلناها وبررنا لحزب الله ما يفعله استنادا على هذه الحقائق، فأن المنطق يقضي أن نبرر نشاط أي مليشيا في أي بلد عربي. ودعونا نتخيل ماذا سيحدث لو أن كل بلد عربي ظهرت على أرضه مليشيا تابعة لهذا الحزب أو ذاك، ثم شنت هذه المليشيات حروبا خارجية بدون تشاور أو تنسيق مع السلطات الشرعية الحكومية القائمة. وهل توافق دولة واحدة في العالم على أوضاع كهذه.
سبب آخر وراء المواقف الانتقادية
لكن، هذا سببا واحدا للانتقادات السعودية المصرية الأردنية. أما السبب الأخر، وهو الجزء الأكثر أهمية، في رأينا، فهو ذاك الذي يتعلق بحرية قرار حزب الله، أو مرهونية هذا القرار من قبل جهات تقف "وراء" حزب الله، حسب البيان السعودي، أو من قبل "أطراف من خارج الوطن العربي" "لا تخدم المصالح العربية" بل تريد "العبث بأمن الدول العربية" مثلما ورد في بيان وزراء الخارجية العرب، وفي البيان المصري الأردني المشترك.
لا نعتقد أن الواحد منا بحاجة إلى ذكاء خارق حتى يستنتج أن "الأطراف" المقصودة هي إيران وليس غيرها. وهنا، لا بد أن يقفز إلى الذهن تعبير "الهلال الشيعي" الذي تحدث عنه قبل يومين السفير الأميركي في بغداد خليل زاد، والذي كانت تسميته قد وردت على لسان العاهل الأردني الملك عبد الله في شهر ديسمبر من عام 2004. وسبق أن عبرنا عن اعتقادنا، في مناسبة سابقة، بأن ما قاله العاهل الأردني لا يعبر عن موقف الأردن فقط، إنما يعبر عن عموم الموقف الرسمي العربي. وكان العاهل الأردني قد قال موضحا، بعد احتجاجات ظهرت ضد تصريحه: " حصل سوء تفاهم بعد كلامي عن الهلال الشيعي. الحقيقة أنني كنت أعبر عن موقف سياسي وليس موقف طائفي أو مذهبي".
يبدو أن هذا التوضيح صحيح. "الهلال الشيعي" الذي ورد على لسان الملك يعني، تحديدا، النفوذ الإيراني السياسي الذي ترى الدول العربية انه بدأ يقوى ويمتد، بعد تصدر أحزاب سياسية دينية شيعية، يرى النظام العربي الرسمي أنها موالية لإيران، للمشهد السياسي في العراق.
لا وجود للهلال الشيعي
فالهلال الشيعي المفترض أن يبدأ "مذهبيا" من إيران ويمر بالعراق ويعبر إلى سوريا وينتهي بجنوب لبنان، لم تثبت رؤيته بعد، ناهيك عن أمكانية تحوله إلى بدر ساطع. والأرجح أن الرؤية لم ولن تثبت، وذلك لأسباب أو حقائق جيوستراتيجية و جيبوليتيكية وأثنية ومذهبية وجغرافية عديدة:
أولا/ إن إيران التي يفترض أن يبدأ منها الهلال، فارسية، والعراقيون الشيعة هم، في غالبيتهم الساحقة، عرب. وما يربط العراقي العربي الشيعي بالإيراني الفارسي الشيعي، ليس أكثر مما يربطه بالتركي الشيعي وبالباكستاني الشيعي أو الأفغاني الشيعي أو الهندي الشيعي: وجهة نظر معينة مشتركة لأحداث التاريخ، وطقوس مذهبية واجتهادات فقهية مشتركة تتعلق بطرق الوضوء والصلاة والآذان وتوزيع الميراث.
وبالمقابل، فأن ما يربط العراقي العربي الشيعي بأي شيعي أو سني عربي داخل البلدان العربية يتعدى الطقوس، ويتعلق بالدم (معظم العشائر العربية في العراق أصلها من الجزيرة العربية، وما تزال لها امتدادات داخل بلدان الخليج، وهناك حالات كثيرة جدا تجد فيها العشيرة الواحدة في العراق منقسمة على نفسها، إلى شيعة وسنة ) واللغة المشتركة، والتاريخ المشترك، والثقافة الأدبية المشتركة. واللغة العربية لم تجد، وعلى امتدادا العصور كلها، من صانها ورعاها وتغنى بها، مثلما فعلت مدينة النجف، وهي كما نعلم عاصمة التشيع في العالم.
ولو كان العربي السني الحجازي فيصل الأول، مؤسس الدولة العراقية الحديثة، شيعيا أفغانيا أو باكستانيا أو فارسيا، لما ارتضاه العراقيون العرب الشيعة، إن لم يكن لأي سبب آخر، فلأنهم لن يفهموا لغته ولن يفهم لغتهم.
ثانيا/ لو أن الهلال الشيعي المفترض، بزغ في إيران فأنه لن يكتمل بدرا. لأنه لو أراد عبور العراق، فأنه لن يستمر شيعيا إلى سوريا، وسيتسنن، بالضرورة، حال اقترابه من منطقة "أبو غريب" غرب بغداد، بل أنه سيتسنن فور مغادرته السماء الإيرانية وتواجده في سماء كوردستان العراقية السنية.
ثالثا/ إن سوريا تكاد أن تكون شبه خالية من الوجود الشيعي، والعلاقة الوثيقة بين سوريا وإيران، منذ حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، هي علاقة سياسية، أولا وأخيرا، وليست علاقة مذهبية. ونحن نعرف أن المذهب، نسبيا، ثابت، لكن السياسية متغيرة، دائما وأبدا. ويقينا، لو أن الذي كان يحكم العراق هو فرع حزب البعث السوري، بدلا من الفرع العراقي "المنشق"، لكانت سوريا البعثية قد وقفت مع العراق ضد إيران أثناء حربهما.
رابعا/ إن اللبنانيين الشيعة غير قادرين، لوحدهم، أن يحكموا لبنان. "وأقصى ما يطمحون إليه هو الشراكة مع بقية اللبنانيين"، على حد تعبير زعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، وأن "اللبنانيين الشيعة، وبجميع أطيافهم لا يستبدلون بلبنان أي بلد" على حد تعبير سماحة السيد محمد حسين فضل الله. وبالإمكان إضافة بينة لهتين البينتين هي، لو أن إيران الحالية هي إيران الشيعية الشاهنشاهية، لما كان هذا التقارب السياسي بينها وبين حزب الله. ولا داعي أن نذكر أن إيران الشاهنشاهية الشيعية كانت قد وقفت، استراتيجيا، مع باكستان وتركيا السنيتين، إثناء حقبة الحرب الباردة، وتحالفاتها العسكرية، بينما وقفت بعد ثورة 14 تموز 1958، ضد عراق عبد الكريم قاسم الشيعي، أو بالأحرى اللاسني. وهكذا نرى أن "الهلال الشيعي" لا يمكن أن يتكون، لا مذهبيا ولا سياسيا.
مواقف سياسية وليست مذهبية
وإذا عدنا إلى الموقف العربي الرسمي الانتقادي لحزب الله. فبالإمكان القول أن هذا الموقف الرسمي هو، ليس موقف مذهبي صرف، وإنما بدوافع سياسية محددة، تعني النظام السياسي الإيراني القائم، وليس الطبيعة المذهبية لهذا النظام. وعلينا أن لا ننسى أن هذه الدول نفسها ما تزال تتصرف "ببرود" مع منظمة حماس الفلسطينية، وهي كما نعرف سنية، وتضيق الخناق على تنظيمات الأخوان المسلمين، رغم أنها تنظيمات سنية وليست شيعية، وتقاتل بضراوة ضد تنظيم القاعدة السني. وإذا كانت هناك دوافع مذهبية يستند عليها أصحابها لانتقاد ما يقوم به حزب الله، فأن هذه الدوافع نجدها، بالأحرى، لدى الرأي العام الشعبي ولدى المجتمعات المدنية في البلدان العربية، وليس في المواقف الرسمية العربية. أي أننا نجدها لدى رجال دين أو هيئات وأحزاب دينية أو منظمات دينية أهلية، تكفر الشيعة، مثلما فعل بعض المشايخ في السعودية. نعم، قد تكون المواقف العربية الرسمية قد صدرت بإيحاء أميركي أو بإملاءات أميركية، لكنها تظل ذات دوافع سياسية.
إذن، أن ما يدفع مصر والسعودية والأردن وجامعة الدول العربية، لانتقاد حزب الله، هو الخشية من تدخل دولة أجنبية، هي إيران بالشؤون العربية، تطبيقا لأجندتها الخاصة بها، والتي يجدها صناع القرار في معظم الدول العربية، تتعارض مع المصالح العربية، سواء فيما يخص أسلوب حل الصراع العربي الإسرائيلي، أو العلاقة مع الولايات المتحدة، أو استمرار احتلال إيران للجزر العربية. وحتى إذا فسرنا الانتقادات العربية بأنها نتيجة لخشية بعض البلدان العربية من أن يساهم انتصار حزب الله في منح دعم معنوي للجماعات الشيعية في بعض البلدان العربية، خصوصا مع تزامن "انتصارات" الشيعة في العراق، وتشجيع هذه الجماعات للمطالبة بحقوق أضافية، فان ذلك يصح على عدد محدود من البلدان العربية، أي التي تتواجد فيها جماعات شيعية، ولا يصح على جميع الدول العربية. فمصر، مثلا، والأردن، ليست لها مخاوف كهذه، لعدم وجود شيعة فيها. ولهذا، فأن المواقف العربية الرسمية من حزب الله هي، كما ذكرنا توا، ذات دوافع سياسية، بالدرجة الأولى، تتعلق بالخوف من استفادة إيران.
حسنا، إذا كانت مصر والسعودية والأردن، وهي أكثر الدول العربية تأثرا بأوضاع العراق، وأكثرها حظوة لدى الولايات المتحدة، قد تصرفت بهذه "الحساسية" إزاء ما تراه انتصارا إيرانيا ينفذه حزب الله، علما بأن الأمر لا يتعلق بتقسيم لبنان أو بإقامة فيدرالية شيعية في جنوبه، وإنما بالصراع العربي الإسرائيلي، فكيف ستكون ردود أفعالها لو نفذت القيادات العراقية السياسية الدينية الشيعية خطوات تعتبرها هذه الدول إنجازات تصب في المصلحة الإستراتيجية الإيرانية، كالفيدرالية الشيعية؟ هل ستعارض قيامها، أو تعرقل تشكلها، أم تقف على الحياد؟
أسئلة لم تحسم بعد
لحد هذه الساعة، اكتفت الدول العربية، أو على الأقل بعضها، بمراقبة يشوبها الحذر والقلق معا، للأوضاع داخل العراق. فهي ما انفكت تصدر التصريح تلو الأخر للتحذير من التدخل الإيراني في الشؤون العراقية، وهي ما تزال "تراقب" أداء قادة الأحزاب السياسية الدينية الشيعية في العراق، لتتأكد أين هم سائرون، وما هي مطالبهم النهائية، وهل يريدون البقاء والعمل داخل عراق تعددي موحد؟ أم يسعون لإقامة دولة شيعية، تبدأ، أولا، بنوع من الفيدرالية أو الأقاليم؟ وما هي استفادة إيران من هذه الأوضاع، إذا تحققت على أرض الواقع؟
هذه الأسئلة لم يتم حسمها بعد على أرض الواقع العراقي. وبالتالي، فإن النظام العربي الرسمي ما يزال ينتظر أجوبة حاسمة وواضحة لهذه الأسئلة. وعدم وضوح الأجوبة هو أحد الأسباب الرئيسية الذي يجعل الدول العربية تمتنع من زج كل إمكانياتها لدعم العملية السياسية الجارية، منذ ثلاث سنوات، داخل العراق وتتردد، حتى هذه اللحظة، من إقامة علاقات دبلوماسية وثيقة مع بغداد. ولا نعتقد أن ما يمنع الدول العربية من توثيق علاقاتها وتكثيف حضورها الدبلوماسي في بغداد، هو الجانب الأمني، ولكن الجانب السياسي. وإلا، فهل من المعقول أن تنجح الكثير من دول الغربية في حماية طواقم ممثلياتها الدبلوماسية في بغداد، ولا تستطيع الدول العربية أن تفعل ذلك؟
موقف شيعي عراقي أم مواقف شيعية؟
ومما يزيد من عدم وضوح الرؤية لدى الدول العربية في قضية الفيدرالية الشيعية، ويجعلها تكتفي بالانتظار هو، عدم وضوح الرؤية لدى الأطراف الشيعية العراقية نفسها، حول هذه القضية نفسها، وغياب موقف واضح وصريح وموحد.
فالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ذو العلاقة الوثيقة مع إيران، هو الطرف الوحيد، من بين أطراف الإتلاف الشيعي الحاكم، الذي يبدي حماسا للفيدرالية الشيعية. وحتى هذه اللحظة فأن الترويج للفيدرالية الشيعية، والمطالبة بتكوينها، يصدر من قادة المجلس، كرئيسه السيد عبد العزيز الحكيم ونجله السيد عمار الحكيم، ومن رئيس منظمة "بدر" التابعة للمجلس، السيد هادي العامري. بينما نجد أن هناك قوى أخرى داخل الإتلاف الشيعي الحاكم لا تشاطر المجلس الأعلى رأيه، "وتفهم الفيدرالية الشيعية على أنها مشروع لتقسيم العراق وتقطيع أوصاله"، وهذا الكلام للسيد فاضل الشرع، مستشار رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي / صحيفة الحياة في 23 تموز 2006 /. ويقر حزب الفضيلة الشيعي بأن هناك " مشاكل تعيق الفيدرالية" ويرى أن "تتم الدعوة إلى تطبيق النظام اللامركزي" وأخر موقف لهذا الحزب حول الفيدرالية هو، الذي عبر عنه الأمين العام للحزب السيد عبد الرحمن الحصيني الذي رأى أن المطالبة بالفيدرالية الآن هو "نوع من المغامرة السياسية" / صحيفة الحياة في 13 أب 2006 /.
وفيما يخص التيار الصدري فأنه "يشدد على ضرورة إيلاء الخيار الوطني والتعاون مع السلطات التنفيذية في بسط سلطة الدولة على كل أجزاء العراق". إما المرجع الأعلى للشيعية في العراق، سماحة السيد علي السيستاني، فلم يصدر منه حتى الآن، لا تلميحا ولا تصريحا، ما يؤيد قيام الفيدرالية الشيعية. وما يزال هدف المرجعية المعلن، ليس أقامة الفيدرالية والأقاليم، بل هو الحفاظ على "وحدة الشعب العراقي وتماسك نسيجه الوطني" وعدم "تفتيت هذا الوطن"، مثلما ورد في آخر تصريح أدلى به السيستاني، في 20 تموز 2006.
إما الطرف العراقي العربي السني، فانه ما يزال يرفض قيام الفيدرالية الشيعية. وكانت مشاركته في الانتخابات الأخيرة مشروطة بتشكيل لجنة برلمانية لمناقشة المادة 115 التي تضمنها الدستور العراقي بشأن "تكوين الأقاليم". وقد نجح الزعماء السنة بتضمين الدستور مادة جديدة هي المادة 142 التي نصت على أن "يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من أعضائه... مهمتها تقديم تقرير إلى مجلس النواب خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن أجراؤها على الدستور" في ما يخص الفيدرالية.
إما فيما يخص الشارع الشيعي العراقي، فأن فكرة الفيدرالية الشيعية ما تزال، لأنها جديدة على تفكيره وثقافته وإرثه السياسي، غير واضحة في أذهان الكثيرين. بالإضافة لذلك، فأن قيام الفيدرالية أو الأقاليم الشيعية، بدأت تقترن في ذهن الشارع الشيعي، بمستقبل مجهول، لا يعرف أحد كيف سيكون، خصوصا في ظل الاجتهادات المتباينة والنزاعات العميقة التي وصلت إلى حد استخدام السلاح، بين الأطراف الشيعية نفسها، للسيطرة والتفرد بحكم المناطق الشيعية. وقد وصلت حدة الخلافات بين الأطراف الشيعية الحاكمة، إلى حد توقع فيه المرجع الشيعي آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي، الزعيم الروحي ومؤسس حزب الفضيلة، وهو أحد مكونات الإتلاف العراقي الشيعي الحاكم، أن "يقوم الشعب العراقي بإيقاف تصدير النفط وحرمان الجهات السارقة لأموال الشعب وأمراء الحروب (يعني المسؤولين الحكوميين والسياسيين الشيعة الذين يختلف معهم ) من هذه الثروة / صحيفة الشرق الأوسط في 27 تموز 2006 /". وكان المرجع الشيعي آية الله بشير النجفي، أحد المراجع الشيعية الأربعة، قد حذر الحكومة الحالية التي تقودها الأكثرية البرلمانية (شيعية)، من اندلاع ثورة شعبية، وقال:"نخاف أن يأتي يوم لا نستطيع فيه كبت ثورة الشعب فيحدث ما لا يحمد عقباه".
وهكذا نرى أن الأوضاع العراقية لم تتبلور بعد، وما تزال جميع الاحتمالات مفتوحة. ولهذا، فنحن لا نستبعد أن تكون المواقف العربية الرسمية التي انتقدت تصرفات حزب الله، بمثابة رسالة إلى قادة الأحزاب السياسية الدينية الشيعة في العراق، أو على الأقل، لبعضهم، مفادها أن أي حل يقدم عليه هولاء القادة سيجابه بنفس الرفض الذي جوبه به حزب الله، إذا لم يحصل على موافقة جميع الفرقاء العراقيين، ويحظى بغطاء عربي، خصوصا إذا فهمت الدول العربية بأنه يصب في خدمة المصالح السياسية الإستراتيجية الإيرانية.
الواقع والنصوص الدستورية
الآن، قد يقول قائل، إن نوع النظام السياسي في العراق هو، شأن داخلي، يقرره العراقيون وحدهم، ولا يحق لأي جهة خارجية، مهما كانت، أن تتدخل فيه، ناهيك عن أن الفيدرالية نص عليها الدستور العراقي الجديد الذي حظي بموافقة أكثرية الناخبين. هذا كلام لا يجادل في صحته اثنان. لكن ما حدث ويحدث في العراق منذ ثلاث سنوات يجعل من هذا الكلام مجرد افتراض نظري. فأحداث السنوات الثلاث الماضيات أثبتت أن ما ينص عليه الدستور شيء، وما ينطق به الواقع على الأرض، شيء آخر. وكثير من التطبيقات التي أقدمت عليها حكومة المالكي الحالية، إنما أملتها استحقاقات "الواقع" العراقي وليست استحقاقات النصوص الدستورية، مثلما أملتها الاتصالات والزيارات الرسمية التي قام بها رئيس الحكومة السيد نوري المالكي لبعض الدول العربية.
وحتى الأزمة "اللبنانية" الأخيرة، فأنها لم تحل "لبنانيا" فقط، إنما بتدخل النظام العربي الرسمي، عن طريق الاجتماع الذي عقده وزراء الخارجية العرب في بيروت. وقد أثبت الواقع أن ما كان يقوله زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله بأن على الحكام العرب "الذين انتقدوا المواجهة الأخيرة مع إسرائيل"، أن "يقفوا على الحياد، وأن "يفكوا عنا"، هو مجرد كلام نظري أذرته رياح المبادرة الرسمية العربية.
وقد يقال، كذلك، أن بالإمكان إعلان الفيدرالية الشيعية في العراق من جانب واحد، ثم دفع الآخرين على التعامل معها كأمر واقع. هذا، أيضا، أمر ممكن الحدوث. لكن في هذه الحال، من يستطيع أن يضمن بأن النظام العربي الرسمي المعارض، لا يجعل هذه الفيدرالية الشيعية مثل الجمهورية القبرصية التركية، التي لم تعترف بها حتى الآن أي دولة غير تركيا، علما بأن العراق، بالنسبة للدول العربية، غير قبرص، والظروف الدولية التي ظهرت فيها الجمهورية القبرصية التركية، غير الأوضاع الدولية الحالية.
الآن، يبقى السؤال الأخير وهو: هل استعد قادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذين أعلنوا قبل أيام، أنهم سيقدمون، خلال الشهرين القادمين، مشروع الفيدرالية للتصديق عليه من قبل البرلمان العراقي، لاختيار نوع الردود، وتحمل مسؤولية ما يحدث، لو جوبهت الفيدرالية الشيعية التي يريدون تكوينها، بإصرار على رفضها من قبل العراقيين العرب السنة، وبمواقف عربية رسمية رافضة؟