كتَّاب إيلاف

مأزق الديموقراطية العربية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حسب تصنيف "فريدوم هاوس" كان هناك حوالي 20 دولة ديموقراطية في العالم عام 1950 ضمن 80 دولة كانت مستقلة وقتها ، أرتفع هذا العدد إلى 40 دولة عام 1973 من دول العالم المائة والخمسين آنذاك، والآن هناك أكثر من 120 دولة يمكن وصفها "بدول ديموقراطية" حسب المعايير التي تتبعها المنظمة ضمن 193 دولة هي عدد دول العالم حاليا.
إذا استبعدنا ال 55 دولة التي تصنف نفسها بأنها دول إسلامية وأغلبها غير ديموقراطية أو تعيش ديموقراطية منقوصة، فإن معظم دول العالم الباقية هي دول ديموقراطية.
وقد مرت حالة الديموقراطية في العالم بموجات تزايدات فيها وتيرة التحول الديموقراطي بعد عام 1974 وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1989 وبعد سبتمبر 2001.
وفي الموجة الأخيرة تزايد الأمل لدي الكثيرين في الشرق الأوسط بأن هذه الموجة من المفروض أن تقترب من العالم العربي والذي فأتته كل الموجات السابقة، وبدا بعض الحراك الديموقراطي مما رفع سقف موجة الأمل والتفاؤل حتى اطلق البعض فى الغرب عليه "الربيع العربي" ،ولكن في الشهور الأخيرة تراجع حجم التفاؤل مرة أخرى.
والغريب أن الأصوات التي كانت تهجو الولايات المتحدة ليلا نهارا محتجة ضد الديموقراطية المفروضة من أمريكا على حد قولهم، هي نفس الأقلام والأصوات التي تهجو أمريكا مرة أخرى وتنعتها بأنها خانت الشعوب العربية وتخلت عنها في منتصف الطريق. ونفس الأقلام التي كانت تصرخ وتقول أن أمريكا لم تفعل شيئا وإنما التحول الديموقراطي هو نتيجة حراك شعبي هي نفس الأصوات التي تصرخ مولولة إنها لا تستطيع أن تكمل طريق الديموقراطية في مواجهة الاستبداد القاسي بعد تخلي الغرب عنهم كما يقولون.. وفي النهاية وكالمعتاد وجد المثقفون العرب وشعوبهم مشجب يعلقون عليه فشلهم واحباطاتهم وهو الغرب والولايات المتحدة.
وبعد إندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله تحول الحديث عن مستقبل الديموقراطية إلى الحديث عن الراديكالية الإسلامية وما تخبئه من مفأجات تخريبية لهذه المنطقة المنكوبة.
يقول أمير طاهري " ما حدث في أفغانستان والعراق لم يكن فرضا للديموقراطية بالقوة. كان ذلك استخداما للقوة من آجل إزالة العوائق التي تقف في طريق الديموقراطية".
والسؤال هل الاستبداد هو العائق الوحيد الذي يقف في طريق الديموقراطية العربية أم أن هناك عوامل أخرى كثيرة؟ ولماذا فشلت الولايات المتحدة في إزالة العوائق في الدول العربية؟ وهل تجربة العراق يمكن القياس عليها كنموذج لدولة ديموقراطية أم أن العوامل الكامنة في المجتمعات العربية تعمل على الإطاحة بالتجربة العراقية الوليدة؟
هناك العديد من العوامل التي أثرت في تراجع وإجهاض حلم الديموقراطية العربية منها:-

أولا: عدم الاتفاق على مفهوم الديموقراطية
القوي الرئيسية على الساحة السياسية العربية هي الأنظمة القائمة والقوى الإسلامية التي تعارضها، بالإضافة إلى بعض المجموعات الصغيرة من الإصلاحيين، والواقع يقول أن كل من الأنظمة القائمة والمعارضة الرئيسية لها من الإسلاميين لا يؤمنون لا بالديموقراطية ولا بالحريات، فالديموقراطية في تعريفها المختصر هي انتخابات منتظمة حرة ونزيهة وتنافسية، وقائمة على مبدأين هما المساءلة وتداول السلطة. أما الديموقراطية الليبرالية فتتعدي مفهوم الانتخابات النزيهة وتمتد لتشمل حرية الدين والتجمع والتعبير وحرية الصحافة وحرية التفكير وتقوم على سيادة القانون واحترام السلطات واستقلاليتها، فالحريات لا تتجزأ ولا توجد ديموقراطية حقيقية بدون حريات أساسية لا تخضع لأهواء أحد سواء من دكتاتوريين أو حركات دينية أشد فاشية.
ومع هذا فحتى الديموقراطية الانتخابية لا تؤمن بها الأنظمة القائمة ولا المعارضة الإسلامية، فكلاهما لا يؤمنان بالنزاهة ولا بالتنافسية بمعناها الحقيقي وكلاهما لا يؤمنان بمبدأ انتظام الانتخابات وحق الشعوب في إبداء رأيها. وقد رأينا حماس وهي ترفض رأي الشعب في وثيقة الأسرى، وهناك شك كبير في قبول الإسلاميين لتداول السلطة وانتظامية الانتخابات، كل ما يسعوا إليه هو القفز على السلطة في لحظة ضغوط دولية عبر انتخابات مسلوقة ، وقد قال عضو قيادي في حماس للكاتب توماس فريدمان نحن نشكر بوش فقط لأنه مكننا من صناديق الانتخابات. النظم القائمة والمعارضة الإسلامية وجهان لعملة فاشية واحدة، كلاهما شوه مفهوم الديموقراطية ،كلاهما يؤمن بخصوصية الديموقراطية العربية كما يرددون، كلاهما يضع تحفظا على مواثيق حقوق الإنسان الدولية بعدم مخالفتها للشريعة، ووصل الأمر أن كليهما يعتبر مقاييس القصاص والتعذيب نسبية وتختلف باختلاف الثقافات كما ذكرت مؤخرا ليببراسيون الفرنسية.

ثانيا: من يقود حركة الإصلاح
إذا تكلمنا عن التحول الديموقراطي السلمي في المنطقة العربية من هم الأكفأ لقيادة هذا التحول؟ هل هم النخب أم الغوغاء؟ Elites أو Mobs
في الواقع أن التحولات الديموقراطية فى المنطقة العربية التي تمت في عصر النهضة وما صاحبها من إصلاحات وحريات وإزدهار جاءت عبر تحالف النخب المثقفة المستنيرة المتعلمة في أوربا وحكام مستنيرين استفادوا من طاقات ورؤية هذه النخب، وقبل أن تكتمل الديموقراطيات قفز الغوغاء على الحكم في بداية الخمسينات عبر انقلابات عسكرية في معظم الدول العربية، وخلال عقود تم تقزيم، إن لم يكن القضاء على هذه النخب، لصالح شلل حكم يحيط بها مجموعات من المنافقين الأدني كفاءة.
وفي أجواء الاستبداد والفساد وانعدام الحريات في ظل النظم العسكرية نما تحت الأرض تيار عريض من الرعاع الجدد وهم التيارات الإسلامية بتنوعاتها المختلفة، والمعركة الآن تدور رحاها بين نوعين من الرعاع ولا أمل فى أن تسفر هذه المعركة عن تغيير أو أصلاح أو ديموقراطية حقيقية وإنما عقودا أخرى أشد ظلاما إذا وصل ،لا قدر الله، الرعاع الجدد إلى الحكم.
ومما يؤسف له أن أغلب مثقفي حقبة العسكر والقومية العربية خرجوا يؤيدون ويبايعون هؤلاء الرعاع الجدد بدعوي مساندة الإصلاح، والحقيقة أن كل هؤلاء يعملون بطريق مباشر أو غير مباشر لصالح التيارات الإسلامية التي يراهنون على وصولها للحكم. والقلة التي لا تؤيد التيارات الإسلامية وتعمل بمعزل عنها تسطو هذه التيارات على جهودها الإصلاحية لصالح مشروعها الإسلامي. وقد أدرك الغرب والحكام العرب معا من أن هذه معركة تكسير عظام، وفي هذا المشهد العبثي لا يمكن أن يؤيد الغرب أي من الفريقين وإنما في الشهور الأخيرة وقف يشاهد ويراقب ، لأن تأييد التيارات الإسلامية الشعبية لن يؤدي إلى الفوضي الخلاقة أو البناءة كما كانوا يتوقعون وإنما الفوضي الهدامة والخراب المستدام.
دعاة الديموقراطية والإصلاح الحقيقيون مضطهدون من كل من النظم الحاكمة والمعارضة الإسلامية وهم لا حول لهم ولا قوة، وهم دعاة من آجل تغيير سلمي ديموقراطي، وغير مستعدين للموت في سبيل الديموقراطية.. ففي النهاية ليست هناك جنات ولا حور عين تنتظر شهداء الديموقراطية، ولكن كل هذا متوفر فى مخيلة من يخدعون ويفجرون الفنادق وحولوا أجسادهم إلى قنابل تقتل الأبرياء في كل مكان.
لا أمل في تحول ديموقراطي سلمي في المنطقة العربية إلا بتقوية وتوسيع قاعدة النخب الحقيقية التي تؤمن بالحريات وتعمل من آجل الإصلاح الحقيقي.
الحل يبدأ من أعلى إلى أسفل من النخب المستنيرة .الوضع الآن مقلوب، فالشعبوية ليست هي الحل.مع ملاحظة أن الغالبية العظمى ممن يصنفون أنفسهم كمثقفين ونخب فى المنطقة العربية هم فى الواقع غوغاء ومساندين للغوغائية.

ثالثا: دور الدين
هناك صعوبة شديدة في ظهور ديموقراطية حقيقة في المنطقة العربية في ظل الدور الحالي للدين الإسلامي في السياسة والحياة. ودعاة الإصلاح الديني الإسلامى يغرقوننا في تفسيرات مصطنعة غير مقنعة لا نهاية لها ولكن ليس لها تأثير يذكر على الشارع.
الأديان لا ُتصلح. وكل ما يحدث هو تضييع للوقت والجهد. الإصلاح الوحيد لأي دين هو تحييده، إصلاح المسيحية واليهودية كان عبر تحييد كل من الديانتين وفصلها بشكل كامل عن السياسة، حتى حركة مارتن لوثر لم تكن السبب في النهضة والتقدم الغربي وإنما نتيجة لها. التقدم الحقيقي حدث في الغرب نتيجة تحييد وفصل الدين تماما عن السياسة والدولة ،والوضع معكوس في العالم العربي فهناك اضطهاد وقع على كل نادي بالفصل بين الدين والدولة. فصل الدين عن الدولة ليس إهانة للدين وإنما احتراما له.. وإلى ان يتم ذلك في العالم الإسلامي فستظل حركة الديموقراطية والحريات والتقدم الحقيقي معطوبة ومعطلة.

رابعا: الثقافة العربية
يتصور البعض أن هناك إستعلاءا غربيا تجاه العرب بتصويرهم كائنات لا عقلانية قاصرة لا تستطيع ممارسة الديموقراطية الحقيقية كما كتب أحد الباحثين مؤخرا. والواقع أن هذا غير صحيح فلو كان هناك استعلاء لماذا لم يظهر هذا الاستعلاء الغربي تجاه الافارقة مثلا حيث شقت دولا افريقية كثيرة وفقيرة طريقها نحو الديموقراطية ، كل ما هنالك أن هناك إدراكا غربيا ودوليا بصعوبة نمو ديموقراطية ليبرالية في ظل المعوقات الكثيرة في الثقافة العربية والتراث الديني الإسلامي بوضعه الحالي.
وهذا الإدراك وصل إلى العشرات من المثقفين العرب من القدامي والمعاصرين مثل طه حسين،أحمد لطفى السيد ، وسلامة موسى ، زكي نجيب محمود، حسين فوزي، توفيق الحكيم، لويس عوض... الخ. وهناك العديد من المثقفين المعاصرين المستنيريين وصلوا إلى نفس النتيجة أيضا.

هل لا ترون الخلل الخطير وكل التيارات الإسلامية ترى أن الزرقاوي شهيد الأمة، سواء التي صرحت بذلك أم التي صرحت بالصمت عن إدانتها له خلال السنوات الماضية.هل لا ترون الخلل، وفي آخر استطلاع لمركزبيو رأت الأغلبية في العالم الإسلامي أن فوز حماس سوف يؤدي إلى حل القضية الفلسطينية، وأغلبية في الدول العربية المركزية ينكرون أن القاعدة قامت بأحداث 11 سبتمبر .
وقد كتب حسن نافعة " من الواضح أن هذه المنطقة من العالم تبدو مستعصية على أي تحول سلمي نحو الديموقراطية الحقيقية، ولنا أن نتساءل عما إذا كانت مشكلة الاستبداد العربي تعود إلى نمط القيادة أم طبيعة وثقافة الشعوب العربية، أم إلى الاثنين معا؟" (الحياة 28 يونيو 2006)
وكتب محمد سيد سعيد " السؤال هل يشكل العنف قدرا أغريقيا عربيا، عنف الدولة وعنف القوى الكارهة للديموقراطية وحكم القانون.. نعم لدينا نظم تعليم تغذي الشعور بالبلادة وتطفئ الوهج الإنساني بأكثر مما تغذي الطموح لحساسية إنسانية أعلى او شعور أرقي بالمواطنة" (الاتحاد 31 مايو 2005).
هناك الكثير من العوامل حول مأزق الديموقراطية العربية. ولكن في ظل ضعف الاعتماد الذاتي في مسألة التحول الديموقراطي، نجد خطاب ثقافي وأعلامي موجه للغرب وأمريكا تحديدا يهجوها إذا ضغطت ويهجوها إذا خففت الضغط. يتهمها بأن تدخلها يؤدي إلى أعاقة عملية الدمقرطة بدلا من تسهيلها ويتهمها أيضا أن تخفيف ضغوطها أدي إلى إطلاق يد الحكام لعرقلة المشروع الديموقراطي، وفي كل الأحوال لا توجد وقفة نقدية تبين أوجه قصور الدور المحلي في العملية الديموقراطية ، ففي النهاية لابد من البحث عن شماعة لتتكرر هذه اللعبة العدمية بعيدا عن التعبئة الذاتية للفعل الديموقراطي.
magdi.khalil@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف