إنتصارُ الظلامية والإستبداد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الظلامية والإستبداد؛ إنها ثنائية متواشجة، غير منفصمة العرى، تتجلى اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، وفي أكثر من مكان متفجر من منطقتنا، كالعراق وفلسطين ولبنان. في هذه الإخيرة، يبدو مثالنا المعنيّ أمضّ وضوحاً وأمرّ عِبْرة ً: فهاهنا بلدٌ هاديء، آمنٌ، مسالمٌ، كان في مستهلّ صيفٍ رائع، واعدٍ بموسم سياحيّ مزدهر؛ هوَ الفردوس الساحر، الذي تختصر وصفه أنشودة وديع الصافي، المعروفة، بقولها: " لبنان، يا قطعة سماء على الأرض ". ثمّ وعلى حين فجأةٍ، تكفهرّ السماءُ وترعد وتبرق قصفاً وحمماً وناراً جحيمية، منهمرة على أرض الأرز فتصليها حرقاً وتدميراً وهلاكاً. يُدبر السائحون في كلّ وادٍ، هرباً من الموت المخيّم، ولا يلبث أهلُ البلد، بدورهم، ان يواجهوا المصير نفسه، ليضحوا ثانية وثالثة وعاشرة ضحايا النزوح في بقاع اخرى من موطنهم، أو محشورين أمام نقاط الحدود المؤدية إلى أمان جارتهم العربية الوحيدة؛ سورية الأسد. هذه الجارة المستبدة، التي حققتْ بعض أغراضها من تحريض صنيعتها على إشعال أتون الحرب: بتدمير لبنان على رؤوس ساكنيه، كما وعدتْ زعمائه الإستقلاليين؛ وتدفيعه ثمناً باهظاً للدمار وإعادة الإعمار، مقتطعة من ميزانيته ودخله الوطني، الشحيحيْن أصلاً؛ والمطالبة دونما حياء بلجنة تحقيق دولية للكشف عن ما أسمته " جرائم العدو الصهيوني في لبنان "، تغطية ً منها على وجود لجنة تحقيق دولية بجرائمها هيَ بحق لبنان، وخاصة ً إغتيال الرئيس الحريري.
حينما يدعي السيّد حسن نصر الله، في آخر خطابٍ له على فضائيته، أنّ حربه على الكيان الصهيوني إن هي إلا ردة فعل على فعل ذلك الكيان؛ فهذا الإدعاء، المبتذل في تهافته، يحتاج في واقع الحال والأفعال، إلى عكسه ليصير جملة سليمة، أخلاقياً على الأقل. أما أن يعتبر سيّد المقاومة هذا، أنّ الجماهير العربية هي مجرد قطيع من الغنم يسيّرها هوَ وأسياده في سلطتيْ الإستبداد السورية والإيرانية، وبالتالي يسهل خداعها بمثل تلك الأكذوبة الفاقعة؛ فهذا شأنه لوحده. إذ من منا لايدرك حقيقة كون " مبتدأ " المعمعة الجهادية، قد تمثلتْ بخطف الجنديين الإسرائيليين، لتنتهي بـ " خبرها " المتجسّد في ما شهدناه طوال الأسابيع الخمسة، المنصرمة، من الإجتياح الماحق لآلة حرب الدولة العبرية، التي ردمتِ الحجرَ على البشر وكادت تجعل جنة الأرز أطلالاً ينعبُ على خرائبها بومٌ على شاكلة نصر الله وحماته؟ وهل ثمة حقيقة أكثر عرياً، من كون " حزب الله " دولة داخل الدولة اللبنانية، بل وأقوى منها بما لايقاس عسكرياً؛ فضلاً عن أنّ قرار الحرب والسلم بيد سيّد الحزب نفسه لا بيد رئيس الوزارة أو رئيس الدولة؛ وهوَ نفسه، وليسَ أياً منهما، من يحقّ له الظهور بعمامته السوداء ولحيته الشمطاء ورايته الصفراء، على شاشات الفضائيات العربية والعالمية، مزبداً مرعداً ومهدداً متوعداً؟؟ وهوَ نفسه، كظلاميّ مذهبيّ ضيّق الرؤية والتفكير، من يعتقد بأنّ طائفته، المقاومة، هي من بين جميع الطوائف اللبنانية، المتعددة، من تمتلك شيَم الحسّ الوطني والغيرة القومية بما يؤهلها للعب دور المحرر هنا وهناك، في أرض العروبة والإسلام؛ حتى أن الحمية أخذتْ بمشعوذي إعلامه درجة التبشير بقرب إنهيار " الكيان الصهيوني " بالكامل !
تضعُ اليومَ الحربُ أوزارها، وكأنما شيئاً لم يحصلَ. يعودُ النازحون إلى قراهم في الجنوب أو إلى أحيائهم في الضاحية الجنوبية، مرافقين بكاميرات الفضائيات العربية وأغنية زاعقة، مرددة في آذانهم وآذاننا: " يا جنوب، يا جنوب ! ". أمام ركام وأنقاض تلك المناطق المنكوبة، نفسها، ترتفع أيادي سكانها، من نازحي الأمس، بإشارات النصر وبأدعية النصر لحسن نصر الله. سيّد المقاومة هذا، يعلن في خطابه الأخير، المتلفز، قبوله قرار مجلس الأمن " مع بعض التحفظات ". ولا يلبث وزيره في الحكومة أن يفضي، وبلا مواربة، بكنه تلك التحفظات: إنها بكلمة واحدة، قاطعة، رفض تسليم سلاح حزب الله للحكومة اللبنانية. لا بل إنّ الصفاقة وصلت بمسؤولي وإعلاميي ذلك الحزب، حدّ " تذكير " الأطراف الاخرى، الحكومية، بوجود طاولة الحوار وضرورة العودة إليها. فيما أنّ معظم اللبنانيين لديهم تمام العلم، بمن الذي قلب تلك الطاولة ولصالح من فعلَ ذلك. إن التذكيرَ بطاولة الحوار اللبناني، المقلوبة رأساً على عقب، لا يقل سفاهة ًعن إعادة الحديث، الممجوج، بصدد مزارع شبعا؛ وهيَ التي كانت وما فتئتْ بمثابة " قميص عثمان " في حسابات حزب الله، الداخلية، وحسابات حماته الإيرانيين والسوريين، الإقليمية. فأيّ هراء الآن، هذا الحديث عن تلك المزارع اللبنانية، المزعومة، فيما أنّ جنود الإحتلال الإسرائيلي ما زالوا يسرحون ويمرحون في شمال الجنوب اللبنانيّ وجنوبه؟! وهل على الحكومة اللبنانية، وبقية مواطنيها، أن يكون حالهم مع حزب آيات الله هذا، كحال أهل ذلك الفتى الأرعن الذي يستدرج في كلّ مرة دباً برياً، ضارياً، إلى منزلهم، ولا يلبث من ثم أن يستصرخهم طلباً للعون على طرده وكفّ شره؟!