كتَّاب إيلاف

بلا أقنعة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

علي الرز: تغلب الشخصي على العام في خطاب الرئيس بشار الاسد وبدا كأنه يصفي جملة حسابات مع اكثر من طرف.
ففي حديثه المركز والمطول عن المقاومة ودروسها بدا وكأنه يهدي لنفسه الانتصار ويصادر صمود المقاومين على الارض، ويرد على الاصوات اللبنانية والعربية التي طالبت بأن تتحمل الدول العربية كلها نصيبا من المقاومة بدل ان يقتصر هذا النصيب على لبنان وحده، واوحت مطالعته بأنه الركن الاساس في وضع استراتيجية التفاوض السلمي القوي المرتكزعلى خيار المقاومة، رابطا بين حركتها وبين تلازم المسارات السورية واللبنانية والفلسطينية.

وفي حديثه عن دلالات ما جرى، تطرق الاسد الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك متسائلا عن سبب عدم مطالبته بتحقيق دولي في مجزرة قانا مثلما طالب بتحقيق حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مطلقا اكثر من رد على المرحلة التي كان سورية فيها (وما زالت) موضع اتهام في هذه القضية، ومعطيا تفسيرا خاصا به لهذا التساؤل مفاده ان اهالي قانا فقراء بينما الحريري(رحمه الله) كان غنيا!!!.

ثم تطرف اكثر في تصفية الحسابات الشخصية وصولا الى تحليل دماء فريق يمثل سياسيا وشعبيا اكثر من نصف اللبنانيين، لا لشيء الا لانه تجرأ ومارس فعل السيادة والاستقلال. اما الحجة فجاهزة دائما وهي ان هذا الفريق "منتج اسرائيلي" وانه هو من طلب العدوان الاسرائيلي الاخير ليحل ازمته الداخلية، وانه استعان برافعة دولية لتحقيق اهدافه بعدما فشل في الحصول على رافعة وطنية، مكررا ان العدوان الاسرائيلي الاخير لا علاقة له بخطف حزب الله للجنديين بل هو محضر مسبقا وربما كان سينفذ في الخريف الا ان ورطة فريق 14 مارس (الغالبية) عجلت تنفيذه، ورابطا بين ذلك المخطط واغتيال الحريري ليصل الى "ان الامور باتت واضحة"!!!.

وكان لافتا في خطاب الاسد ايضا حالة الطلاق مع العرب او مع بعض الحكام الذين وصفهم بانهم "انصاف رجال"، حين هاجم منطقهم بالنسبة للسلام وتقييمهم ل"المقاومة والمغامرة" طالبا منهم ان يتركوا دول الصمود والممانعة (اي سورية) تمارس قناعاتها بلا دروس من الآخرين، محذرا الحكام من الفجوة التي تكبر بينهم وبين شعوبهم ومن حال عدم الاستقرار التي قد تحصل نتيجة لذلك، مكرسا في الوقت نفسه المنظومة الاقليمية بين طهران ودمشق وصولا الى "حزب الله" والقوى الحليفة لسورية في لبنان.

بدا الخطاب اشبه ب"أمر عمليات" لاطلاق انقلاب سياسي في لبنان يشمل من ضمن ما يشمل "الوجه الآخر لانتصار المقاومة على اسرائيل"، اذ كيف يمكن لقياديين "مجاهدين مقاومين" ان يجلسوا بعد اليوم الى طاولة واحدة مع "حلفاء لاسرائيل" لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بسيادة لبنان واستقراره وعزته ومنعته؟ هناك حل واحد: اما اقصاء هذا الفريق "المتعامل" بقتل رموزه طالما ان الاقصاء بالسياسة لم يتم نظرا الى حصدهم الغالبية النيابية، واما اشعال الجبهة الداخلية لخلق امر واقع على الارض تكون فيه الغلبة لحملة السلاح مدعومين من المنظومة لاقليمية او تكون الغلبة لفرز قاتل الخاسر الاول فيه لبنان.

على العكس من استخدامه في وصف غالبية اللبنانيين وبعض الحكام العرب للكثير من التعابير المتعلقة بالمساحيق والتجميل والاقنعة، فإن عنوان خطاب الاسد واضح، مضمونه واضح، تعابيره واضحة، افكاره واضحة، اهدافه واضحة. خطاب قد يكون الاول من نوعه بلا اقنعة ولا مساحيق تجميلية ولا عبارات منمقة في ما يتعلق بحقيقة الموقف السوري مما جرى ويجري في لبنان والمنطقة وما يتعلق خصوصا بالاهداف الحقيقية لمرحلة ما بعد العدوان.

قال الرئيس السوري ما يريده، اعطى تفسيراته الشخصية لما حدث ورسم خريطة الطريق لما يتوقعه ان يحدث، يبقى ان يواجه اللبنانيون اختلافهم مع الخطاب برجال دولة لا بانصاف او أرباع حلفاء ومزايدين. رجال يتمسكون اكثر بالوحدة الوطنية وبناء دولة المؤسسات العادلة السيدة القادرة. دولة تؤمن فعلا بالعروبة الحضارية والعلاقات الندية المميزة مع سورية والانفتاح الدولي الفاعل. دولة القانون اولا واخيرا لان القانون مزعج فعلا للكثيرين اذا طبق بحذافيره ولم تدخل قضاياه في دهاليز السياسة والتسييس والصفقات الاقليمية والدولية.


aliroz@alraialaam.com
مدير تحرير جريدة "الرأي العام" الكويتية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف