كتَّاب إيلاف

موجة المستقبل: السفر عارياً

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يبدو أن الإنجاز الأبرز لعلميات تنظيم "القاعدة" سيكون تشجيع وترويج تصاميم "فيكتوريا سيكرتز" وضمور حصة محلات الأزياء الكاملة أو المحتشمة، مع أن المنطق أن الطرفين خصمان لايلتقيان، وأن الحرب على فيكتوريا تجيء في المرتبة الثانية بعد الحرب على البيت الأبيض. وتبعاً لهوس "القاعدة" بكل عمل إرهابي مرتبط بالطيران، ومستخدماً للطائرات، ثم استطاعت القيام بعمليات جديدة مدارها الحركة الجوية فإن "فيكتوريا سكرتز" ستكون دار الأزياء الوحيدة المنتعشة، ولن تحتاج، مستقبلا، إلى عارضات أو صالات عرض فالمطارات ستكون ميدانها، والمسافرون عارضيها!
منذ الحادي عشر من سبتمبر والمسافر جواً يلحظ تراجعاً متزايداً في عدد الأشياء التي يحملها كأنما يتعرض لسرقات متوالية، أو هو منقطع السبيل في الصحراء فيتخفف من حاجياته وملابسه حتى يتعرى كليا أو يكون شديد القرب من ذلك طلبا للحياة وطمعا في النجاة.
كان المسافر يحمل حقيبة يدوية يضمنها معظم حاجياته الأساسية التي تحميه من الضياع، مؤقتا، في حال ضياع حقائبه الكبيرة أو تأخر وصولها، بل إن هذه الحقيبة هي إحدى ضرورياته وأكثر مبهجاته؛ فيها الوثائق الخاصة، وموازنة الرحلة، وكاميرا الصور، والكتاب الحميم أو دفتر اليوميات وغير ذلك. وهي للنساء أكثر أهمية وضرورة بحكم أن الأنثى تسكن حقيبة يدها، وإذا ما فقدتها أو أبعدت عنها أضحت المرأة سجينة أو مشلولة، وفقدت نضارتها، وتضاءل جمالها، واستحالت متعة السفر إلى كراهية له، وتوتر في المزاج.
أول حالات العدوان كانت استلاب الأجهزة الحادة من مقصات وملاقط ودبابيس ما ألزم الرجال باللجوء إلى الحلاقين قبل السفر مباشرة، وولد صعوبات جمالية حقيقية أمام النساء. ولعل الرابح الوحيد هم بائعو هذه الأدوات التي ارتفع استهلاكها بشكل حاد نتيجة تسارع دورة الاستهلاك!
أحدث إنجازات "القاعدة" هو حرمان المسافر كلياً من حقيبته اليدوية، وهي ممارسة قد تصبح نظاماً عالميا في القريب العاجل مايولد نسقاً ثقافياً جديدا يصبح إحدى العلامات الفارقة في العولمة، لكن هذا النزوع المتنامي لتعرية المسافر سينصب "فيكتوريا سيكرتز" سيدة الأزياء، أما منافعه فهي السلامة من المتكرشين، والراحة من رؤية المتكرمشات مالم تسعى عيادات التجميل للانضمام
إلى قائمة المستفيدين من الإرهاب!
قد يأتي يوم يكون المرء فيه أمام خيار صعب: إما السفر عارياً، أو مقاطعة السفر كليا حينها سينتصر المحافظون المطالبين، أصلا، بعدم السفر لأن الخارج كله ضرر وانحراف، وبذلك ينجح الإرهاب في قطع الصلة الحضارية، ويدفع بعض المجتمعات إلى عزلة حقيقة. في كل الأحوال فإن ملابس القبائل الإفريقية المنعزلة بسماتها العارية ستصبح الجذر المشترك لكل تصميم حديث مثل ماكانت موسيقاهم الفطرية ملهم معظم إيقاعات الموسيقى الحديثة!
Jasser87@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف