الهدنة الملغومة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ما أن صدر القرار 1701 حتى انفجرت سلسلة أحداث تهدد بتفجيرها عاجلا. الأول، هو تحدي حزب الله لقرار نزع سلاحه المنصوص عليه بوضوح في القرار 1559، والذي أكد عليه القرار الجديد رغم أنه لم يوضح الكيفية. والمصيبة مجاراة الحكومة اللبنانية ولو مؤقتا لضغط حزب الله بالإعلان بأنه ليس من مهمات الانتشار العسكري اللبناني نزع سلاح الحزب المذكور، علما بأن الحكومة اللبنانية ملزمة بتنفيذ القرارين الصادر أولهما بموجب فصل العقوبات في ميثاق الأمم المتحدة. بموازاة ذلك جاءت تصريحات أحمدي نجاد التي تصرخ بالانتصار الساحق على إسرائيل كصرخات نصر الله ومؤيديه حتى كأنما، وكما قال أمير طاهري، أصبح حزب الله وصنعته إيران قادرين على مسح أمريكا أيضا! وبجنب هذا وذاك، يفجر أسد الشام قنبلته العنترية التي تهدد قوى 14 آذار وتعتبرها "نتاجا إسرائيليا"، مهددة مرعدة. وكان طبيعيا أن يتصدى القادة الوطنيون اللبنانيون في 14 آذار لحملة الأسد الورقي، فاضحين أهدافه ومراميه، لاسيما على لسان الحريري وجنبلاط، علما بأن الموقف السوري انتهاك صريح للقرار 1559 الذي طالب بعدم التدخل في شؤون لبنان. وقد انتقد السيد جنبلاط بشدة حزب الله أيضا وطالبه بتوضيح وتحديد موقفه وخصوصا من اتفاق الطائف الذي يتجاهله. فحزب الله يلعب لعبة مزدوجة فيها الرياء والمكر الإيرانيان، فمن جهة "تضامن" شكلي مع الحكومة، وعمليا ضد تنفيذ القرارين الدوليين والشروع بإخفاء سلاحه واستمرار تواجد مراكز له قريبة من الحدود. ومع ما مر من مواقف وأحداث تأتي مفاجئة فرنسا المعروفة بتذبذبها السياسي الدائم وذلك بالإعلان عن إرسال 200 عسكري فقط مع أنها كانت قد وعدت بما بين 2000 إلى 5000 عسكري. فرنسا تبرر موقفها الجديد بأنها تريد توضيحات للقرار الدولي الجديد حول صلاحية القوة الدولية وقدراته، علما بأنها مع واشنطن أصحاب القرار! وكانت فرنسا قد هددت قبل الاتفاق الأمريكي ـ الفرنسي النهائي بتقديم مشروع قرار منفرد ما لم ينص القرار على وقف فوري للقتال؛ أي هي التي تركت بصمات شيء من الغموض على القرار، وهو الغموض الذي تشتكي منه اليوم. ربما تقصد فرنسا نزع سلاح حزب الله وقوة قادرة على ردع أي عدوان على القوة الدولية، متذكرة تفجير حزب الله عام 1983 للمقر العام للجنود الفرنسيين في بيروت مع التفجيرات ضد الجنود الأمريكان. لو كان هذا ما تقصده فقد كان عليها العمل على نزع الالتباس، إن وجد، عند وضع الصيغة النهائية للقرار. على العكس، ترى المحللة السياسية اللبنانية راغدة درغام أن نزع سلاح حزب الله منصوص عليه في عدة فقرات من القرار الدولي، ومنها الفقرة 15 التي تتحدث بلغة الفصل السابع حين تقول:" مجلس الأمن يقرر أن على جميع الدول اتخاذ التدابير لمنع بيع أو تزويد أي مجموعة أو أفراد في لبنان بأسلحة وما يتصل بها من تجهيزات من كل الأنواع، ولمنع تزويد أي مجموعة بالتدريب وأية مساعدة تقنية، سوى ما تأذن به حكومة لبنان أو قوة الأمم المتحدة." كذلك الفقرتان 11 و14 تؤكدان على ذلك، علما بأن القرار يعيد تأكيده على القرار 1559 الذي نص بكل وضوح وبلا التباس على نزع سلاح حزب الله.
إذا تركنا فرنسا، فإن ألمانيا التي يحكم اليسار نصف حكومتها! قد أعلنت أنها لن ترسل قوة برية عسكرية، في حين أن الحكومة اليسارية في إيطاليا أعلنت بأن مهمات جنودها سيكون إنسانيا فقط، فلا هو رد عدوان على القوة الدولية ولا المساهمة في نزع سلاح حزب الله، الذي هو في زعم وزير الخارجية "حركة سياسية". إن الدول الوحيدة التي أعلنت استعدادها لإرسال قوة عسكرية حقيقية هما دولتان إسلاميتان يهيمن فيهما المتشددون المعادون كليا لإسرائيل، ومن ثم فلا وهم عن حيادية قواتهما إن أرسلت إلى لبنان. هاتان الدولتان هما ماليزيا وإندونيسيا. ولو عرفنا أن القوة اللبنانية نفسها مشكلة من جنود معظمهم من الجنود وللكثيرين منهم أقارب أو من العائلة في ما يدعى "المقاومة"، لاتضحت الصورة أكثر عن مصير تنفيذ القرار 1701.
وهكذا، فمن جهة مواقف حزب الله والنظامين الإيراني والسوري ضد القرار وضد سيادة لبنان، ومن جهة تقاعس دول غربية كبرى كفرنسا وإيطاليا وألمانيا، ومن ناحية ثالثة ضعف حكومة لبنان وانقساماتها برغم الإعلان الجريء لرئيسها بأن لا محل في الجنوب لغير سلاح الجيش وأنه مع دولة لبنانية واحدة ذات قرار واحد.
إن الباحث المتابع أمير طاهري يتحدث بخصوص القرار الدولي بأنه يمثل "أكثر المساومات رياء"، مذكرا بأن الأمم المتحدة تدخلت لوقف سلسلة حروب غير حاسمة، مما أنتج "نزاعات أكبر حجما." وهو يتوقع أنه بسبب ذلك فقد تندلع الحرب في لبنان عاجلا أو آجلا.
سواء كان في القرار إبهام ما، أو لم يكن إبهام، حول صلاحيات القوة الدولية، وخصوصا في موضوع نزع السلاح، فإن الوضع اللبناني القلق، والتدخل السوري ـ الإيراني، وبقاء سلاح حزب الله، سيظل كالقنبلة الموقوتة في يد إيران ما لم تقف الأمم المتحدة وكل الدول الغربية موقفا صريحا وحازما بعيدا عن النفاق والحسابات التجارية بل من منطلق الحرص على لبنان والأمن في المنطقة والعالم.