كتَّاب إيلاف

الفواتير الأولية لخسائر حرب لبنان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لعلها الشجاعة وحدها هي التي تنقصنا الآن لنواجه سؤالاً قاسياً وحاسماً حول جدوى تلك الحرب الدامية التي دارت رحاها مؤخّرا بين إسرائيل من جهة، وحسن نصر الله و حزبه من جهة أخرى على أرض لبنان، وهي ـ برأيي ـ لم تكن مجرد حرب سيئة ومشبوهة فحسب، بل لعلنا لم نكن أبداً بحاجة إلى هذا الدماء التي أريقت، وذلك الكمّ الهائل من الضحايا والدمار، حتى نعرف، أو بتعبير أدق نتأكّد ممّا نعرفه بالفعل، أنها كانت وبكل المقاييس حرباً عبثية حمقاء، خسرت فيها كل الأطراف تقريباً دون مبالغة.
فبعد ساعات من قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار أعلن الطرفان النصر، أعلن رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت أن الحرب غيرت التوازن الإستراتيجي، وأن اتفاقية الأمم المتحدة قد أنهت حالة "الدولة داخل الدولة" ويقصد بالطبع دولة "حزب الله" داخل دولة لبنان، وأعلن أن إسرائيل أنجزت "انتصاراً تاريخياً" كما يتصور.
من جانبه أعلن حسن نصر الله أمين عام حزب الله النصر لأن قوة إسرائيل لم تستطع أن تقهره ولم تستطع أن تسكت صواريخه، كما يتصور أيضاً.

فاتورة إسرائيل
ففي إسرائيل، وبعيداً عن تقويم كلام أولمرت، ففي داخل إسرائيل هناك شعور بعدم الرضا عن النتائج لعدم تحقيق إسرائيل ذلك النجاح السريع الحاسم، على النحو الذي اعتادته في حروبها السابقة، ففي الكنيست أضطرت الشرطة إلى حمل بعض النواب إلى خارج القاعة، لأنهم تعالوا بالصراخ في محاولات لمقاطعة أولمرت عندما كان يقدم تقرير الحرب للكنيست، وقدم نواب أخرون عريضة تطالب بتكون لجنة تحقيق لمعرفة ما حدث وأين كان الإهمال، وكذلك الأسئلة عن سبب رد الفعل الهائل بالتدمير، رداً على الأسئلة على مشكلة صغيرة وعن إهمال الحكومة بالتأخر في إرسال القوات البرية، والاعتماد على سلاح الطيران لمدة طويلة دون توغل على الأرض.

فاتورة حزب الله
أما "حزب الله" فكان بلا شك مخطئاً تماماً في حساباته لحجم وطبيعة رد الفعل الإسرائيلي، عقب اختطاف الجنديين وقتل ثمانية آخرين، وهي الحقيقة التي اتضحت تماماً خلال شهر كانت الحصيلة الأولية تقدر بحوالي ألف قتيل ومليون نازح بلا مأوي، وبنية تحتية مدمّرة وجسورا محطّمة وأرضا مخرّبة، فضلاً عن أجواء الحرب وما تخلفه في نفوس الناس وخاصة الأطفال من ذكريات مريرة ومآسٍ إنسانية تحطم القلوب
وفي هذا السياق اعترف مساعد أمين عام الحزب لوكالة الأسوشيتدبرس، قائلاً "في الحقيقة لم نتوقع رد الفعل من إسرائيل لتصبح حربا بهذا الحجم، واضاف أنهم ـ في حزب الله ـ كانوا يتوقعون عملية عسكرية محدودة، تعقبها مفاوضات من خلال طرف ثالث لفك أسر الجنديين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح السجناء من حزب الله لدى إسرائيل، وهذا يظهر بوضوح أن حزب الله أخطأ فى حسابات تقدير العواقب، ففي النهاية دمرت آلاف البنايات والمنازل والطرق، وكافة منشآت حزب الله تقريباً، وفوق كل هذا تحطم لبنان الجميل، والآن يواجه حزب الله مسؤولية تقديم الرد على أسئلة مئات الآلاف من المهاجرين، فضلاً عن أهالي القتلى والجرحى من الأبرياء عن سبب ما فعلوه ومدى جدواه، إنها باختصار شديد لحظة الحساب وموعد تسديد الفواتير الثقيلة، ناهيك عن أن مستقبل حزب الله ككيان فريد من نوعه لا مثيل له في العالم، فهو حزب سياسي عقائدي، لكنه يمتلك قدرات عسكرية، ولديه نفوذ هائل في جنوب لبنان، كلها أمور أصبحت موضع شكوك جادة ومبررة، خاصة بعد انتشار الجيش اللبناني والقوة الدولية.
لهذا فإن قادة حزب الله باتوا يواجهون الآن مهمة صعبة في سبيل تقديم إجابات منطقية ومقنعة رداً على أسئلة يثيرها الآلاف من أنصاره اللبنانيين المشردين، الذين خسروا منازلهم وأموالهم وكل ما لديهم.
ربما يكون "حزب الله" قد ربح الحرب النفسية والدعائية، بالنظر إلأى مقولة مؤداها أنه وقف نداً لند مع إسرائيل، ولكن الحقيقة إن كان من أسباب الدمار لأنصاره وللوطن اللبناني الذي تحطمت كل بنيته الأساسية تقريباً، سواء كانت طرقاً أو محطات كهرباء ومياه، أو مطارات وجسور وغيرها.

الفاتورة الأميركية
نصل الآن إلى الفاتورة في الجانب الأميركي، ولعلني لا أبالغ إذا قلت إن ثقة واشنطن اهتزت بدرجة ما في تحديد حجم قدرات حليفتها الإستراتيجية إسرائيل، ففي الماضي سبق أن نفذت إسرائيل عدة عمليات هامة لمساندة أمريكا إستراتيجياً في صراعها ضد الاتحاد السوفيتي زمن الحرب الباردة، ومنها ما حدث مثلاً في العام 1982، حين حطمت إسرائيل 86 طائرة سورية بطائراتها الفانتوم بدون أن تخسر حتى طائرة واحدة وأثبتت أميركا أيامها للسوفييت أنهم متخلفين تكنولوجياً، وأن سلاحهم هزم أمام السلاح الأميركي، وهي المسألة التي شكلت مع غيرها من الظروف والحسابات حينذاك ضربة قاسية لجرباتشوف قادته إلى التسليم والقبول بمطالب واشنطن، وانتهت الحرب الباردة على النحو الذي يعرفه الجميع.
كما سبقت تلك العملية العسكرية واحدة أخرى أثبتت خلالها إسرائيل في العام 1972 قدرتها الضاربة، حينما تحركت ضد سورية لتنقذ الملك حسين والعرش الهاشمي ليصبح من يومها صديقاً حميماً لواشنطن.
كما لا ينبغي هنا أن نغفل أيضاً حقيقة أن إيران باتت الآن هي العدو الأكثر خطورة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأن معظم مشاكلها في العراق تترتب بشكل أساسي على الدور الرسي والعلني الذي تمارسه كل من إيران وحليفتها سورية، ولعلني لا أتجاوز الحقيقة هنا إذا رأيت أن واشنطن كان يراودها الأمل في أن تحقق إسرائيل انتصاراً سريعاً على حزب الله، ليشكل رسالة لإيران بأنها تلعب لعبة خطرة.

مصر بين خطابين
وتبقى أخيراً فاتورة مصر في هذه الحرب المريرة، فقد وجه بالفعل الرئيس حسني مبارك انتقادات علنية لسلوك "حزب الله" منذ إعلانه اختطاف الجنديين الإسرائيليين، وقال في تصريحات لوكالات أنباء دولية إن "حزب الله" كان السبب في إندلاع الحرب، وأوضح مبارك أيضاً سياسة مصر الرسمية الرافضة لهذه الحرب
لكن وفي مقابل تلك التصريحات الموجهة للرأي العام الدولي، فإنه لن يصعب على أي مراقب للأحداث أن يكتشف ببساطة أن النظام المصري الحاكم، وكما اعتدنا منه دائماً في شتى المواقف والمنعطفات الهامة، يتبنى "سياسة الخطابين"، أحدهما خطاب موجه إلى المجتمع الدولي، وخطاب آخر للاستهلاك المحلي، فقد قادت الحكومة ودعمت حملة دعائية ممجوجة بالداخل أدت إلى مزيد من الاحتقان الشعبي في مصر ومعظم الدول العربية دفاعاً عن حزب الله، فقال مثلاً رئيس مجلس الشعب (البرلمان) المصري في حديث تليفزيوني، إن حزب الله يعد جزءاً مما أسماه "النضال المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي"، ليظهر بتصريحاته تلك مدى الإزدواجية التي يتسم بها سلوك الرسميين في النظام المصري الحاكم.
وبمثل هذه الفصام السياسي بين ما هو للداخل وما هو للخارج، يمضي النظام المصري في تعبئة الرأي العام في مصر، عبر آلة الإعلام الضخمة بالاحتقان، الذي تنتقل عدواه بسرعة إلى مختلف بلدان المنطقة، بينما تكون أحاديث المسؤولين في الغرف المغلقة، وتصريحاتهم التي يدلون بها لوسائل الإعلام الغربية مناقضة تماماً لتلك التي يشيعها الإعلام الحكومي، وما يعلنه أمام المواطنين، في ما يمكن وصفه بالنفاق السياسي الذي يتجاهل حقيقة بسيطة مؤداها أن العالم أصبح الآن قرية صغيرة، وبالتالي لم تعد تجدي نفعاً تلك الأساليب القديمة التي تنتمي إلى حقبة الحرب الباردة، لكن مع ذلك يصر النظام على منهجه السخيف.

والسلام أخيراً
يبقى القول إن السلام، تلك الكلمة الجميلة، والمعنى الرائع، الذي تتوارى أمامه خجلاً كل أصوات المدافع، وتتلاشى أمامه آلام الجرحى والثكالى والأرامل، وتسكت في ظل رسوخه صفارات الإنذار، لأن السلام يعني ببساطة نهاية الحروب والقتل، وتراجع مشاعر الغضب والتزمت واليأس، فالسلام الذى حل في أميركا مثلاً بعد الحرب الأهلية الطاحنة، كان مفتاح تقدمها ورقيها، وتحولها إلى قوة عظمى.
وأخيراً أدعو الله أن يكون الفشل الذي منيت به كافة الأطراف خلال هذه الحرب الدامية، كافياً لإقناع الجميع بإلقاء أسلحتهم فوراً، وأن يتتجاوزوا مشاعر الغضب، ويقمعوا الرغبة في الانتقام، ويعيدوا إلى العقل اعتباره، وأن يبحث عن السلام بكل وسيلة متاحة، لأن قيمة أن يحيا الناس في سلام تستحق من الجميع كافة التضحيات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف