المقاومة والمعارضة (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هاهيَ حربُ لبنان، التي قرعتْ عند إنتهائها بابَ شهرها الثاني، تقرعُ أيضاً في رؤوسنا، نحن السوريين المعارضين لنظام الإستبداد، نواقيسَ علاماتِ إستفهام وإشاراتِ تعجّب، عن موقف بعضنا ممن يدعي العلمانية أوالليبرالية أو كليْهما، لا فرق؛ الموقف المتناغم ـ كيلا نقولُ المتطابق ـ مع الموقف الرسميّ لنظام الديكتاتورية البعثية. لن ألجأ هنا لصفة التعميم، فهذه ليست من شيَم الكاتب الموضوعي؛ فما بالكَ بما يُفترض بالمثقف، المعارض، من خلق ٍ سويّ يفرضُ عليه المجاهدة للمّ الصفوف لا لتفريقها. بيْدَ أنه، بالمقابل، يجب ألا يغيب عن بالنا هنا، حقيقة ربما تبدو بديهية؛ وهيَ أنّ تجاهلَ ما يعترضُ معارضتنا الوطنية من إشكالات وإلتباسات ومعضلات، سيفاقم في ضعفها وخورها ويؤدي بالنتيجة إلى إندثار فاعليتها في داخل وخارج البلد. فلطالما حاول أهلُ النظام، عن طريق أبواقهم الإعلامية، التبشير بإستحالة الجمع بين طرفيْ تلك الثنائية ـ أيْ الداخل والخارج. فهذا الطرف الأخير، وفقَ زعمهم نفسه، ليسَ أكثر من ذيل للأجنبيّ، وقادم للتغيير "على ظهر الدبابة الأمريكية !"؛ متعللين بمثال العراق. وفي هذا السياق، يجب التنويه بأنّ النظام فشلَ في محاولته تلك، بدليل هذا التواصل الحاصل بين مختلف إتجاهات المعارضة، داخلاً وخارجاً؛ خصوصاً بالمؤتمرات والإجتماعات المنعقدة في الدول الأوروبية، وكذلك بتأسيس ما صارَ يُعرف بـ"إعلان دمشق"، وما تلاه من إتفاق بين مثقفي لبنان وسورية عبْرَ "إعلان بيروت ـ دمشق"، الذي أقض مضجع السلطة البعثية الحاكمة، لما فيه من تحدّ لعقليتها الوصائية، المتخلفة، النابعة من طبيعتها الطائفية، المزمنة.
خلال الحرب اللبنانية الأخيرة، رأينا بضاعة المزايدة على الوطنية وقد إزدهرت في سوق الشعارات العربية. واليوم أيضاً، مع إنتهاء تلك الحرب، يوجه الأدعياءُ والمدلسون الرأيَ العام ضدَ أصوات الحكمة والتعقل، المحذرة من كون الحرب هذه، ما هيَ سوى لعبة إقليمية من ألعاب نظامَيْ الإستبداد في طهران ودمشق؛ لعبة شريرة، إستغلتها إسرائيل جيداً، وفقا لحساباتها الخاصة، لتزجّ في أتونها كل ما لديها من آلات الدمار والفناء. هاهمو حملة المباديء المزعومة، من بعض ليبراليي وعلمانيي المعارضة السورية، يكاد الواحد منهم متلبّساً بعباءة الزرقاوي وعمامته، يتلو علينا ما تيسّر من فصيح بذاءته ولغوه وهرائه؛ مخوّناً ومكفراً وراجماً كلّ من يخالفه في الموقف مما يدور حالياً على أرض الأرز، المداسة السيادة والمحروقة. إذ لطالما شجّ هؤلاءُ رؤوسَنا، بما سبق من زعيقهم في كل مناسبة، عن خطر الأصولية القادمة على سورية، بزعمهم، مع تنامي النشاط المعارض لتنظيم الإخوان المسلمين؛ إلى حدّ التخرص في نعت "إعلان دمشق"، المعارض للنظام، بـ "إعلان قندهار"!، بحجة حيازته تأييد ذلك التنظيم نفسه. إذ نتعفف من خطيئة التسمية، المُشهّرة، لأيّ من أولئك الأشخاص المعنيين؛ فلا بدّ، بالمقابل، من الإشارة، ولو تلميحاً، إلى من وضع نفسه منهم بخدمة الشيطان البعثيّ مماهياً نفسه براية "حزب الله".. كهذا اليساري، المتشدق بعلمانيته، المعلن مآخذه على تأسيس "جبهة الخلاص الوطني"، المعارضة، ولسبب وحيد؛ هوَ وجود عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري، ضمن أركانها: ولا يلبث مناضلنا اليساري، ذته، أن يفاجئكَ بظهوره على الشاشة الصغيرة مقدماً لإحدى البرامج السياسية، وفي الفضائية التي يمتلكها رفعت الأسد، النائب الأسبق للرئيس الأب وشقيقه وذراعه الحديدية الباطشة !.. وذاك اليساري الآخر، المعلن ماركسيته في كل مناسبة، والمنظر في المواضيع العلمانية؛ كما في أطروحته العجيبة التي يقول فيها: "كلّ شخص مؤمن هو طائفي بالضرورة، أو مشروع طائفي، لأنّ إيمانه يأمره بالتنكر للطوائف الاخرى وتكفيرها".. الخ: نفس مناضلنا، المتمركس، لن يتورع عن الإصطفاف خلف السيّد حسن نصر الله في حربه الجهادية؛ وكأنما سيّده هذا ليسَ طائفياً من النوع التكفيري العدواني، يأمره دينه ـ أو يزعم بإسمه ـ الجهادَ ضد اليهود والصليبيين.. ؟؟ لا غروَ، إذاً، أن يعيش هذا وذاك تناقضاً، ظاهرياً، مع المباديء العلمانية أو الليبرالية؛ همُ المتاجرون بهذه المباديء سوقاً لبضاعة الطائفية، المتجذرة في أعماقهم، وخدمة ً للنظام الديكتاتوري الذي يطيلون من عمره بوعي منهم أو دونما وعي.
إذ فشلَ أهلُ النظام في محاولتهم إبعاد الطرف الخارجيّ من ثنائية المعارضة، كما أسلفنا، فإنهم للأسف قد تمكنوا من دقّ إسفينهم، الطائفيّ، في قلب الثنائية ذاتها وبشتى الأساليب والأدوات. ولكن، قبل البدء في عرض " مآثر " السلطة الحاكمة بدمشق، في ذلك الإتجاه الموسوم، علينا العودة قليلاً إلى ما كانه ردّ فعل تلك السلطة بخصوص الحراك المجتمعيّ، المُعرّف بـ " ربيع دمشق "؛ وهوَ الذي أعقبَ وفاة الطاغية، الأسد الأب، وإستخلاف الإبن الأكبر لعرشه الجمهوري، وفق حبكةٍ غير دستورية، حالُ النظام الأمنيّ برمته. فذلك الحراك، إذاً، المتناهض بقوة وبأس وجسارة، قد شاءَ له أهلُ النظام التمددَ بحريّةٍ، محسوبة الخطى، بهدف إستيعابه ووأده فيما بعد، بسرعة وقسوة، بعدما يتمّ إستخدامه من قبلهم كـ"بالون إختبار!"، لا أكثر ولا أقل. لنقل أولاً، أنّ السلطة لم تفرق يوماً في بطشها بين سنيّ وعلويّ ودرزيّ ونصرانيّ..، ولا بين عربيّ وكرديّ وتركمانيّ وآشوريّ .. الخ. إلا أنها نجحتْ في كثير من المفاصل الزمنية، المأزومة، بتجييش الطائفة العلوية وحشدها في معاركها؛ متوجهة لكل من إتجاهاتها السياسية والإجتماعية بما يتلاءم وإيديولوجيته وعقليته: وكمثال على ذلك، حينما دخلتْ سلطة الأسد الأب، عند مفتتح الثمانينات، بمواجهة مسلحة ضارية مع التنظيمات المسلحة الإسلامية، السنية. وقتذاك، قام حزب العمل الشيوعي، أحد أهم التنظيمات المعارضة، بتأجيل غير مسمىً لشعاره الجريء في "إسقاط السلطة الديكتاتورية، غير الوطنية"؛ بحجة مواجهة ما أسماه "خطر الرجعية الداخلية ومؤامرة كامب ديفيد". هذا التنظيم، كما هو معروف، كان ولا يزال المعبّر عن / والمستوعب لقاعدة هامة من الأخوة العلويين، المثقفين، المنتمين لجذور ريفية فقيرة؛ أيْ من الفئات غير المستفيدة، لهذا السبب أو ذاك، من نِعَم النظام ومكرماته. من هذا التنظيم بالذات، ومن تفرعاته أيضاً، قدِمَ كثيرٌ من المناضلين إلى ساحة العمل المعارض، التي تعددت في مستهل هذه الألفية الجديدة منظماتها وجمعياتها في مجالات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وغيرها. كان القسم الأكبر من هؤلاء المناضلين " خريجي " معتقلات وسجون النظام الديكتاتوري، الرهيبة، وعانوا ما عانوه من تعذيب جسديّ ونفسيّ، لا يوصف. إلا أنه ثمة حقيقة اخرى، لا يمكن تجاهلها أوالصمت بإزائها: وهيَ أنّ بعضَ أولئك المعتقلين، كانوا متلبّسين بشبهة التعاون مع الأجهزة الأمنية؛ سواءً بسواء أكان الأمرُ بالنسبة للواحد فيهم قبل شروعه في التنظيم أم خلال نشاطه أم بعيد إعتقاله. وعلى كل حال، ربما بدا ضررُ مثل هؤلاء الأشخاص الآن غير ذي بال، ما دام العمل المعارض علنياً ومكشوفاً، داخل سورية وخارجها. بيْدَ أنّ النظام، من جهته، عرَف كيف يستفيد من خدماتهم في المجال الإعلاميّ، على الأقل. ولطالما كانت ثمة علامات إستفهام، عديدة، عن مغزى وجود هذا الشخص الفلاني في لندن، وذاك العلاني في باريس ووو..، لا عمل لهم سوى إمداد وسائل الإعلام العربية، من صحافة وفضائيات وإنترنيت، بأخبار كاذبة، ملفقة بعناية، بزعم تلقيها من داخل الوطن، ومن: " أقارب مسؤولين أمنيين وعسكريين في الطائفة ! "؛ كما يردد على الدوام، ً أحدُ أولئك " المعارضين " في نشرته الإلكترونية. ولعلّ نشاطات هؤلاء المخربين، المدسوسين زوراً في خانة المعارضة، أضحت أكثرَ تكثفاً ـ وإنفضاحاً في الآن نفسه ـ إثر جريمة إغتيال الرئيس الحريري وما أعقبها من إجبار المجتمع الدولي للسلطة الأسدية، المتهمة بالتورط فيها، بسحب جيشها ومخابراتها من لبنان.