كتَّاب إيلاف

اللاهوت السياسي في الشرق الأوسط

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

صراعات مؤدلجة وحروب مقدسة

يعيش لبنان و العرب اليوم حالة من نشوة الانتصار، إثر النصر الذي حققه حزب الله في ما أطلق عليه حرب تموز 2006، وقد أهدى حزب الله على لسان أمينه العام حسن نصر الله هذا الانتصار، للعالم الإسلامي والعربي والأمة جمعاء، كما أن المشاهد للشارعين العربي والإسلامي يرصد فرحًا عارمًا بالانتصار على ما أطلق عليه أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وأصبح حسن نصر الله هو "رمز" النصر، وصورة "البطل القائد"، التي طالما تعطَّشت الشعوب العربية لمثلها.
وقد تجلت هذه الأمور في صور متنوعة ومتعددة، عكست عقلية الإنسان العربي الباحث دومًا عن "قائد"... فهذا "الانتصار" فجَّر "المتخيل المقدّس" في المجتمعات العربية والإسلامية، كما حلّ عقدة "العداء للسامية" في المجتمعات الأوروبية، فخرج بعضها للمرة الأولى مندِّدًا بالعداون الإسرائيلي وحاملا صور ضحايا المجازر من الأبرياء.
كما شهد الشارع الإسرائيلي مظاهرات داعية لوقف الحرب على لبنان وقد خرجت بعض المؤسسات اليهودية في العالم منددة بأعمال العنف الإسرائيلي حاملة شعار "ليس بإسمنا ".
ويستطيع المرء أن يستشف من مجريات الأحداث الدائرة وبإلقاء نظرة بانورامية على الخطابات والشعارات أمورًا عدّة أهمها :
1.إن الفشل العربي في الحروب العربية - الإسرائيلية السابقة، هو فشل مؤسساتي بامتياز فهو يعكس فشل إدارة الأنظمة العربية، وهذا الأمر ينسحب على كافة الأمور ومنها المدنية والعلمية والفكرية والاقتصادية، فالعجز العربي على الساحة الدولية خصوصًا، والتراجع في المسيرة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... إحدى أهم أسبابه الفشل الإداري الحاد في المؤسسة العربية والخراب الهائل في البنية التنظيمية له.
2.إن الفرد العربي يمتلك من الإمكانيات والقدرات التي لو سُخرت لها الإمكانيات اللازمة لأبدعت وأنتجت، ولا أعني هنا الجانب العسكري الميداني وحسب، ولكن لا يُخفى على أحد أن بنية المؤسسات في العالم العربي هي بيئة طاردة للموهوبين، وأن بعض الأنظمة العربية لا تتحمل وجود مفكرين حقيقيين على سبيل المثال فتعمد إلى إبعادهم ونفيهم وحبسهم...
3.إن السلام الحالي المنعقد بين بعض الدول العربية وإسرائيل، هو سلام "شكلي " لا سلام "شعبي"، فهو سلام بين أنظمة وحتى أفراد، وليس سلامًا حقيقيًّا يعبّر عن إرادة حقيقية للشعوب أو نابع من ثقافة سلام فعليّة ، لذلك فإن هذا "السلام" لا قيمة له عمليًّا لا في السابق ولا حاليًّا ولا في المستقبل إن بقيت مضامينه على الصورة الحالية، لأنه سيزول بزوال الأنظمة الداعمة له والراعية لمصالحه، و إسرائيل نفسها تدرك هذه الحقيقة بعمق ودقّة، فهي لا ولم تعتبر نفسها في حالة "سلام " في يوم من الأيام، وتعبّر على لسان مسؤوليها بشكل دائم عن قلقها بشأن "أمنها واستقرارها.....وهي تجد المبررات الدائمة لعدوانها هنا وهناك، وأحيانا تختلق "عدّوها " من أجل أن تبرر "أفعالها " التوسعية ولتمرير سياسة الاستيطان والفصل العنصري...فإسرائيل لا تريد سلامًا حقيقيًّا، والشعوب العربية لا تريد "سلام الأنظمة "، لأن السلام الحقيقي وثقافته العميقة ستقضي بالتأكيد على المشروع الإسرائيلي وسينزع عنه "المشروعية اللاهوتية" التي ما فتئت إسرائيل تروّج لها.
4.اتساع الهوة بين بعض الأنظمة العربية وشعوبها، للأسباب السالفة الذكر كلّها، والآن نحن نشاهد شبه قطيعة بين الشعوب و" الأنظمة "، كما أن هناك حنين شعبي شامل إلى وحدة أصلية : وحدة أمة، وحدة دين، وحدة سلطة، وهذا يُفسِّر أن الخطاب السياسي الذي يتسم باللاهوتية،هو السائد حاليًّا، وهو الذي يلقى القبول الشعبي الأوفر والأعرض في الشارعين العربي والإسلامي على حدٍّ سواء.

ولست هنا في معرض تأييد هذه الظواهر أو معارضتها، ولكني أريد أن أعرض بعضًا من أبعاد الخطاب السياسي السائد حاليًّا،
حيث نجد أن هذا الخطاب السياسي يتسم ب "لاهوتية أبويَّة" حادَّة، وهذا ما نجده عند جميع الأطراف دون استثناء، فمندوب إسرائيل في الأمم المتحدة ضمَّن خطابه الذي ألقاه في اجتماع الأمم المتحدة مطلع هذا الشهر أثناء الحرب الأخيرة على لبنان، مضامين أيديولوجية ولاهوتية عميقة، واستشهد بالتوراة وتناول موضوع الهيكل وبناؤه... وكلّها مفردات مؤدلجة زجّت في خطاب سياسي من أجل تبرير عدوانه على الأبرياء.....
من جهة أخرى فإن حزب الله أيضًا وظّف "الخطاب الديني " لردّ العدوان
إذن نحن أمام تحرّكات أرضية مؤدلجة عند الأطراف كافّة...
و بغضّ النظر عن كل شيء، فإن ما يدور اليوم هو صراعات أيديولوجيّة وثقافية حقيقية، وهذه لا تنتهي "بوقف العمليات القتالية " بحال من الأحوال بل الأعمال الحربية هو الوجه "المادّي الأعنف لها " وهو أحد الأوجه فقط لا غير.
لذلك فإننا إذا أردنا تحليل الخطاب السياسي المرتكز قراءة النص الديني، نجد أن هذه القراءة تُوفر نوع من "الهيمنة " في ظل انفجار "متخيل الأمة " في المجتمع العربي - الإسلامي اليوم، ولكن موضوعيًّا فإن هذه الرؤيا تتحرك من واقع متعدد و متفكك فنحن أما أوطان وشعوب وأوطان تحتوي على العديد من الإثنيات والطوائف والمذاهب ،وهذه القراءة تعطِّل السيرورة التعددية كما تعجز في الوقت نفسه عن تحقيق " الوحدة "، وهو ما حصل مع معظم الأيديولوجيات "الثورية ".
ويمكن القول أن الخطاب السياسي الدائر حول ما يطلق عليه اليوم "الشرق الأوسط الجديد "، هو خطاب مرتكز ومرتبط ارتباطًا عضويًّا بقراءة "النص الديني " المنبني على قراءة أيديولوجيّة بحتة، الأمر الذي يحوّل هذا "الشرق الأوسط "إلى بؤرة نزاع وصراع لا ينتهي لان هذه القراءة يتولد عنها أمور :
bull;تعميم حقائق أي "أيديولوجية سياسية " لا يكون إلا عبر الفوز بالسلطة، فالسلطة هدف مباشر وأساسي
bull;تتحول النصوص الدينية إلى مكان مركزي "لحرب التأويلات " وبالتالي لحرب "الحقائق " وتحصيل حاصل لحرب "السلطات "
bull;تتماهى الحقائق والقوة في هذه الحالة، فتصبح المعارف سلطة والسلطة معرفة وتصبح معها "القراءة الأيديولوجية " وسيلة سيطرة وتفوق.
bull;ينبني عن النقاط السابقة، أن من يدعي "المعرفة "، يمتلك "السلطة" لأنه يمتلك "الحقيقة "، وهي تمثل بالنسبة له "الحقّ" المتمثل "بالنص الديني" "الإلهي "، وبناءً عليه فهو يُفسر أي تعارض مع هذه "السلطة" بأنه تعارض مع "الحق" و بالتالي تعارض مع "الإرادة الإلهية"... فبالتالي هو يمتلك الحق في ممارسة ما يراه ضروريًّا لإحقاق "الحق " فتصبح "الحرب " مسوّغة ويصبح " العنف" مشروعًا وحقًّا وتطلق على ذلك المسميات كإسم "الحرب العادلة " أو "المقدسة " أو غير ذلك من التسميات المؤدلجة.
إذن فإن ما نشهده اليوم على الساحة العالمية، هو أننا نسير باتجاه عالم مغلق تتحرك فيه "أيديولوجيات " و"عقائد " بل و "مذاهب " متصارعة ومتنافرة، وان ما نشهده هو باختصار "لاهوت سياسي" وحروب "مقدّسة ".

كاتبة لبنانية

Marwa_kreidieh@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف