ثقافة المزايدة...والثأر أيضاً!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ردّ الرئيس المصري حسني مبارك أخيراً على تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد حول "إنتصار" منظمة "حزب الله" و"جبن أنصاف الرجال"، من الذين "رضوا بنصف الحلول، وآثروا السلامة مع العدو" كما عبر حرفياً. وقال مبارك في خبر نقلته صحيفة الحياة اللندنية عدد الأحد 20/8/2006 بالبونط العريض أن "المرحلة الحالية لا تتحمل أي نوع من المزايدات الرخيصة". وحذر مبارك من "أي محاولات للتدخل في الشأن الداخلي اللبناني". واعتبر أن "حزب الله جزء من النسيج اللبناني ويجب الابتعاد عن أي أسباب تؤدي إلى الشقاق أو الخلاف الداخلي، لأنهما خطر يهدد وحدة لبنان".
الأسد اللجوج، وظناً منه بأنه سوف يخطف "إنتصار" جماعة "حزب الله"، والذي أعلنه أمينه العام حسن نصرالله وهو يٌشاهد تدفق قوات الجيش اللبناني لتحل محل ميليشياته في جنوب لبنان، بادرّ بسرعة البرق لإطلاق خطاب عفوي إرتدادي أقل مايقال عنه، بأن صاحبه لايفقه شيئاً في علم السياسة، فضلاً عن إدارة أزمة كبرى بحجم تلك التي خلقها تحريض كل من دمشق وطهران "لحزب الله" على مهاجمة إسرائيل ومواجهتها، ناهيك طبعاً بتراجيديا وقوع بلد عريق مثل سوريا بيد الأسد وإرتهانه للطغمة الفاسدة المفسدة إياها من المحيطة به.
خطاب الأسد، الذي أراد من وراءه أن يصبح زعيم الجماهير العربية الزاعقة، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، دون منازع، خربّ كل ماتقدم من عمل الدبلوماسية السورية، ومجاهدة رئيسها الرفيق المناضل وليد المعلم، وجعلّ من دمشق تخرج من كل هذه المعمعة فاضية اليدين، محاصرة وهشة ومكشوفة بشكل غير مسبوق( إلى الحد الذي دفعّ وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير لإلغاء زيارته لدمشق، إحتجاجاً على محتوى الخطاب التصعيدي). إضافة إلى الهجوم غير المسبوق، والغير لائق، على كل من قيادتي السعودية ومصر فقط لأنهما تعاملتا بحكمة مع النار التي أشعل فتيلها حسن نصر الله، وراحت تحرق لبنان وتأتي على أبنائه. السعودية ومصر اللتان حمتا ظهر النظام السوري في الهزات التي تعرض لها في السابق، وتوسطتا كثيراً لدى واشنطن لكي تعطي هذا النظام فرصة جديدة للحياة: ملوحتا ابداً بفزاعة البديل المجهول والغير مضمون لنظام الأسد الضعيف القابل للترويض، كما سوقتا دائماً...
ولايعرف المرء ماذا كان يريد الأسد من كل من الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المصري حسني مبارك ليفعلاه من أجل مغامرة قام بها "حزب الله" ولم يكن هو نفسه يتوقف حجم الدمار الذي ستحدثه آلة الحرب الإسرائيلية في بيوت وحياة اللبنانيين. وهذه المغامرة تصب أولاً وأخيراً في خدمة المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، وتدخل في سياق سياسة "عض الأصابع" القائمة بين طهران من جهة وواشنطن وتل ابيب من جهة أخرى؟.
وماذا قدم الرئيس السوري نفسه( غير الكلام وبيع الوطنيات طبعاً) للمقاومة، وهل أنه فتح جبهة الجولان بفرقه الحربية، تخفيفياً للضغط على مقاتلي "حزب الله" حتى يذهب هذا المذهب ويتهم كل من السعودية ومصر "بالتخاذل والخوف"، وإبداء "مواقف جبانة" إزاء التعامل مع الأزمة اللبنانية؟.
التصريح الرئاسي السوري سيزيد من عزلة النظام في دمشق، وسوف يجعل الدول العربية المؤثرة تفكر في مراجعة مواقفها إزاء طبيعة وجود مثل هذا النظام، والفائدة من وراء بقائه قائماً في المنطقة، وكذلك إعادة النظر في الموقف من السيناريوهات التغييرية، والتي يقع موضوعة إستبدال النظام في سوريا بآخر، على رأس أولوياتها.
سرقة "صمود" منظمة "حزب الله" في المواجهة الصعبة والمكلفة مع الجيش الإسرائيلي، وتطويع الأمر برمته من أجل تحريض الحزب ضد قوى الأكثرية اللبنانية، ومحاولة التسلل من الشباك اللبناني للعودة إلى ساحة بيروت مجدداً، كان العنوان الأبرز للتشنجات التي اطلقها الأسد في خطابه للأمة بشأن "الإنتصار الإستراتيجي" المزعوم لجماعة "حزب الله" والذي هلل له شلّة الزاعقين والمزايدين في طول وعرض البلاد العربية.
ولعل رديّ وليد جنبلاط وسعد الحريري، أبرز قيادات المعارضة اللبنانية المناهضة لنظام سوريا، كان هو الآخر عنواناً للإصرار اللبناني على إبقاء دمشق وجيشها خارج ميزان الحساب في لعبة التوازنات الدولية الجارية حالياً حول تطبيق القرار 1701 وإبعاد "حزب الله" عن حدود إسرائيل الشمالية، وإحلال الجيش وجنود القوات الدولية محله، تمهيداً لنزع سلاحه فيما بعد.
النظام السوري خسرّ آخر أوراقه، وهي المظلة العربية الرسمية التي حمته من عواصف كثيرة كانت ستودي به. والرهان على إيران في مقاومة إسرائيل وأميركا، وحماية النظام السوري( بعد الكشف عن مضمون التقرير الدولي في قضية إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري) هو خاسر منذ الأن. فإيران، ومجريات الأعوام القليلة الماضية تقول ذلك، غير مجبرة على الخوض في شأن ليس لها فيه مصلحة. وتكره أشد ماتكره القضايا الخاسرة، باهضة التكاليف وسيئة المردود تلك.
القاهرة والرياض غاضبتان على نظام الأسد. وكانتا سابقاً قد سامحتاه في موضوعة إغتيال الحريري، مكتفيتين بالإنسحاب السوري والتعهد بعدم العودة للساحة اللبنانية. لكن الأمر إختلف الأن، فمع تصريحات/تخوينات الأسد الأخيرة والتي طالت مقام كل من الرئيس مبارك والملك عبدالله، صارت هناك قناعة بأن النظام السوري، كالعراقي الصدامي السابق تماماً، آيل للسقوط والإنقراض لامحالة. وأن قضية التغطية عليه، والدفاع عنه لن تجدي نفعاً، ولن تجعله يعود لرشده ويتعقل. فهناك منهجية ثابتة، وثقافة إنتقام يقودها رأس هذا النظام، لتصفية الحسابات مع القوى اللبنانية التي أخرجته ذليلاً صاغراً من بيروت، وذلك بعيد أن رفل الجيش السوري ومخابراته في عزها ثلاثين عاماً ونيف، أتى فيها على الأخضر واليابس، و"قش" الخزينة اللبنانية عن بكرة أبيها...
الأرجح أن النصيحة لن تفيد منذ الأن مع النظام السوري. ويخطأ من يظن أن هذا النظام سوف يكتفي بمافرض عليه من شروط ويستأثر السلامة والبقاء. هناك ثأرات تلوح في أجندة النظام السوري، وليس من المستبعد، وبعد خروج "حزب الله" من المعركة نصف مدمر، ولكن بمعنويات عالية، أن تعود الفوضى للبنان، وتشهد مرحلة مابعد الأعتداء الإسرائيلي، موجة جديدة من التصفيات وحوادث الأغتيالات، تضرب البلد وتدخله في دوامة كبيرة من العنف والفوضى: اكثر هولاً من مرحلة الهجوم الإسرائيلي السابق...
tariqhemo@hotmail.com