كالهرً يحكى انتفاخاً صولة الأسد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"زي القرعة اللي بتتباهى بشعر بنت اختها"، هذا المثل الشعبي الدارج تداعى إلى الذهن فوراً حين استمعت إلى الرئيس السوري بشار أسد في كلمته أمام مؤتمر الصحفيين، والتي كان يتحدث فيها بنشوة المنتصر، وكان ملايين العرب والعجم سيتفهمون مبررات ذلك الخيلاء لو كان الجيش السوري يحتفل بتحرير الجولان مثلاً، لكن ما حدث أن النظام الحاكم في دمشق يفضلها حرباً بالوكالة، عبر أي "محلل"، حتى لو كان يعتمر عمامة حيكت بأيادٍ فارسية، وتتعارض تماماً مع ثوابت البعث العلماني، لكن قاتل الله الجبن والانتهازية.
فالجبن هو الذي يستسيغ معه العقيد الركن الدكتور أن يفرش سماط النصر الوهمي، على جثث أطفال قانا ومارون الراس، تماماً كما فعل سلفه أبو العباس السفاح، ذات يوم كالح من تاريخ الأعراب، وإن كان السفاح فعلها على جثث خصومه الألداء، من أبناء عمومته الأمويين، لكن بشار فعلها عبر وكيله المحلي في جنوب لبنان على جثث الأطفال والأبرياء، الذين لم يسألهم أحد إن كانوا يقبلون أن تراق دماؤهم على مذبح طموحات ملالي طهران النووية، أو الزعامة التي يسعى إليها ـ دون مؤهلات ـ الأسد الابن.
أما عن الانتهازية فحدث ولا حرج، إذ صمت بشار شهراً ثم نطق كفراً، وراح يمارس لعبة الخطاب المراوغ المزدوج، فيقول في الغرف المغلقة كلاماً ناعماً عن التعاون مع واشنطن والغرب عموما في الحرب على الإرهاب، ويقدم السبت والأحد وكل أيام الأسبوع "لعل البيت الأبيض ينفعه في اليوم الأسود" .
أما في العلن وأمام الجماهير المصطنعة التي يحشدها كهنة البعث وعرابوه، فيأتي خطابه على النقيض تماماً، ليقترب من لغة المتحاورين بأسماء مستعارة في منتديات الإنترنت، ويوزع صكوك الوطنية واتهامات العمالة والرجولة المنتقصة حتى على حلفائه وبالأحرى ولاة أمره إقليمياً.
ومع ذلك فلا يخلو خطاب بشار الأسد من العبرة لمن يعتبر، واللهم لا شماتة، فهاهم السادة في القاهرة والرياض يجنون أولى ثمار دور "الراعي الرسمي" لنظام فاشي لا يستأسد إلا على أبناء شعبه، بينما لم يطلق رصاصة واحدة منذ عقود على "عدوه"، وكلما وقع بين فكي واشنطن وتل أبيب شد الرحال في جولات مكوكية صوب رعاته في الرياض والقاهرة، الذين سمعوا بآذانهم ربيبهم يصفهم بأنهم "أنصاف رجال"، وابتلعوا مراراتهم كمداً، والتزموا الصمت متذرعين بالحكمة والاستعلاء على الملاسنات، وأراهن بما تبقى من عمري أن "حكماء" القاهرة والرياض سيهبون مرات ومرات لإنقاذ الفتى النزق من بين أنياب أوشكت مراراً على قضمه، ولا يجد المرء تفسيراً لهذا الوضع بالغ التعقيد والالتباس سوى الخوف من أن يطال الجميع زلزال الشرق الأوسط الجديد، الذي لا يدع أبواق الاستبداد فرصة دون يوجهوا إليه كل ماتجود به قرائحهم من شتائم وسخائم، باعتبار أن هذا الطوفان سيزلزل لامحالة آخر قلاع الدكتاتورية في هذه المنطقة المستعصية على الإصلاح، والتي تحكمها ذهنية الدهماء، وتتماهى نخبتها الانتهازية مع ذائقة الغوغاء، وتروج فيها الخرافات، وتخوض الحروب بالبلاغة، وتعلن النصر بينما "العدو" ينام في أسرتهم، ويحتل أراضيهم، ويقتل الآلاف من أبنائهم، ومع ذلك يتبجحون بنصر مزعوم، حتى لو سلمنا به جدلاً فإنه لا ناقة لهم فيه ولا بعير.
ثم إذا كان حسن نصرالله شخصياً صرح عقب توقف القتال بأن حجم الدمار الذى لحق بلبنان لا سابق له في أي حرب اسرائيلية على لبنان، وان هناك ما يزيد على ألف قتيل، وآلاف الجرحى، ونحو 15 الف وحدة سكنية دمرت بالكامل، فهل هذا هو النصر؟
وإذا كان جنوب لبنان عاد مجدداً تحت الاحتلال الإسرائيلي، بينما يجري الآن تشكيل قوة دولية لفرض سيطرتها عليه، فهل هذا هو النصر؟
ثم متى سمعنا عبر التاريخ بأن هناك قوة منتصرة تناشد العالم بالتحرك لوقف إطلاق النار، وتلوم مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والدول الثماني لفرض وقف فوري لإطلاق النار؛ في الوقت الذي تعلن فيه تلك القوة انتصارها على العدو، لتكون بذلك أول منتصر في التاريخ يتسول وقف القتال؟
وإذا كان مجرد بقاء كيان حزب الله حياً هو غاية المراد، فلماذا إذن كانت الحرب أساساً، طالما ارتضى من الغنيمة بالإياب؟
إذا كان كل هذا نصراً.. فكيف إذن تكون الهزائم والحماقات التاريخية؟
وأخيراً، ينبؤنا سلوك العقيد الدكتور بنوعية الجيل الجديد من الحكام "الوارثين" في المنطقة، فهو في نهاية المطاف ـ وباستخدام أكثر الألفاظ تهذيباً ـ مجرد حنجرة يطلقها تحالف الفساد والاستبداد، كي تنشغل الجماهير المقموعة المنتهكة بقضايا خارج لب الموضوع، وإلا فأين اهتمام الشارع المصري مثلاً بعد زوبعة حزب الله بانتفاضة القضاة ومطالب الإصلاح وتعديل الدستور؟، واين انتهت جهود حركة "كفاية" التي استبشر بها الكثيرون خيراً؟، كل هذا توارى خلف مظاهرات صاخبة تعد خصيصاً للفضائيات، يتبارى خلالها "الهتيفة" بشعارات تندد بإسرائيل وأميركا، وبالطبع ليس هناك ما يسعد الحكام المستبدين وزمرهم الفاسدين أكثر من انشغال الجماهير المخدرة بفعل بلاغة نصرالله وعنتريات الأسد الابن، بالهتاف ضد أولمرت وبوش، فهذا أهون من أن يكون ضد حاكم هذا البلد أو ذاك، وهكذا ندور في ذات الدائرة المفرغة، ليصبح أي حديث عن الإصلاح والديمقراطية خيانة، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
والله المستعان
Nabil@elaph.com