فوائد وأضرار معاهدة السلام اللبنانية – الإسرائيلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
انتهت معركة ولكن الحرب لم تنتهِ
كان خطاب الرئيس السنيورة إلى الشعب اللبناني رداً على خطاب الأسد ورداً على الخطاب الأخير لحسن نصر الله بمثابة خطاب يعلن عن ولادة رجل دولة كبير، متمثلاً بشخصية السنيورة السياسي والاقتصادي، الذي أثبت من خلال أكبر محنة سياسية وعسكرية مرَّ بها لبنان منذ الاستقلال حتى الآن، بأنه هو رجل الدولة الثاني بعد رياض الصلح مباشرة. لذا ليس من المستعبد أن يكون مصيره كمصير رياض الصلح، سيما وأن أعداءه في المنطقة كثيرون، وأصبح هو شوكة بارزة في حلوقهم. ومن هنا، واستكمالاً لحديثنا في الأسبوع الماضي عن أن معاهدة السلام اللبنانية- الإسرائيلية التي - في رأينا المتواضع - يكمن فيها حل الاشكالية العامة للبنان سياسياً واقتصادياً وطائفياً، وتخلصاً من سلاح حزب الله، وتحويل هذا الحزب إلى حزب سياسي كبقية الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى . وأن السنيورة هو رجل الدولة اللبناني القادر بحصافته السياسية والاقتصادية، وبقدرته على توحيد الكلمة اللبنانية، وبجرأته السياسية المهذبة أن يحقق مثل هذه المعاهدة ، التي لم يقدر عليها من قبل حافظ الأسد، ومن بعده بشار الأسد. ولم يقدر عليها من قبلهما عبد الناصر نفسه، حيث لم تكن الظروف السياسية مؤاتية كما هي الآن، وحيث لم تكن القدرة على امتلاك قرار خطير كهذا متوفرة لدى مثل هؤلاء الحكام.
فلنعلم جميعاً، بأن الحرب على لبنان لم تنتهِ. لقد انتهت معركة من معاركها، ولكن الحرب لم تنتهِ. فهناك جولات أخرى قادمة على لبنان بالذات، كما أعلنت اسرائيل، وكما قامت في 19/8/2006 بإنزال عسكري فاشل بعد إعلان وقف اطلاق النار. فما لم يسارع لبنان إلى حل المشكلة من جذورها بتوقيع معاهدة سلام ربما ترفضها اسرائيل الآن، لأنها لا تريد سلاماً غير سلام المنتصرين، وهي التي لم تنتصر ولم تنكسر بعد، حيث أنها ما زالت في مرحلة استراحة المحاربين، فسوف يظل لبنان تحت نيران صواريخ حزب الله ودبابات وطيران اسرائيل الحربي، إلى ما شاء الله.
هل الظروف مؤاتية الآن لمعاهدة سلام؟
لقد وُجدَ رجل الدولة السياسي الشجاع فؤاد السنيورة، فهل وُجدت الظروف السياسية المؤاتية لمثل هذه الاتفاقية التي ستنهي جزءاً كبيراً مما بقي من الصراع العربي - الإسرائيلي؟
إن الظروف السياسية الآن مؤاتية لأسباب كثيرة منها:
أن حرب 12 يوليو، كانت أطول الحروب في تاريخ القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى الآن. وهي أكثر الحروب تأثيراً على وضع الصراع العربي - الإسرائيلي. وبالتالي، فإن الشواهد التاريخية تشير إلى أن معاهدات السلام التي عقدها الأعداء بين بعضهم لم تأتِ إلا بعد حروب قاسية وطاحنة ومريرة كحرب 12 تموز 2006.
أن لبنان بعد حرب 12 يوليو، أصبح تتنازعه قوتان اقليميتان: سوريا من جهة كما هو واضح من خطاب الأسد الأخير (15/8/2006 ) الذي أعلن فيه أن أكثر من مليون لبناني من قوى 14 آذار ، هم من أنصاف الرجال وعملاء لإسرائيل. وهناك إيران من جهة أخرى، التي تدفع لإن يصبح لبنان بواسطة حزب الله "جمهورية لبنانية إسلامية" كما قال الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين لحزب الله، في كتابه (حزب الله : المنهاج والتجربة والمستقبل، دار الهادي- بيروت، 2002 ، ص 39) على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد أصدرت ايران بهذا الصدد طوابع بريدية، تحمل اسم "جمهورية لبنان الإسلامية" لا تزال تباع وتشترى في إيران والخارج من قبل هواة الطوابع، كما يؤكد الباحث الإيراني علي نوري زاده (الشرق الأوسط،17/7/2006). خاصة وأن حزب الله سوف يكتسح الانتخابات البرلمانية القادمة بأغلبية كبيرة، ربما تفوق أغلبية قوى 14 آذار، ويصبح هو حزب الأكثرية التي من حقها أن ترأس الحكومة، بعد أن حققت له الانتخابات الماضية لأول مرة 14 مقعداً في البرلمان، بدون حرب 12 يوليو، الذي توّج فيها نصر الله من قبل الشارع اللبناني كأعظم زعيم في تاريخ لبنان، وتوّج فيها حزب الله كأول مقاومة شعبية تتصدى لإسرائيل بهذه القوة. سيما وأنه لا يوجد في الدستور اللبناني ما يمنع من تولي شخصية شيعية رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء. فقد سبق للعماد ميشيل عون المسيحي أن تولى رئاسة الوزراء في 1988، رغم أن العُرف جرى أن يكون هذا المنصب لمسلم سُنّي، وهو ما أكد عليه اتفاق الطائف 1989 ، الذي رفضه حزب الله، وأعلن أنه سيمزقه (جريدة "النهار"، 13/10/1989) .
لا شك بأن خروج القوات السورية من لبنان، ووقوف مصر والأردن الضلعان القائمان لمثلث السلام العربي - الإسرائيلي إلى جانب الدولة اللبنانية في محنتها وحربها الأخيرة، وتشجيع هاتين الدولتين للبنان على المضي قُدماً نحو توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل ، هي من الظروف السياسية المؤاتية للبنان الآن.
ان وقوف المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وأمريكا، وقرار مجلس الأمن 1559 وقرار 1701 ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، واستقدام 15 ألف من قوات الأمم المتحدة للجنوب اللبناني، كلها مواقف وقرارات تمهد الطريق أمام لبنان لبدء المفاوضات مع اسرائيل، وهي كلها تعتبر منتصف الطريق نحو معاهدة السلام، وتعتبر فرصة مؤاتية للبنان لتحقيق السلام الذي يبحث عنه لبنان الآن
ولا شك أن حرب 12 يوليو، قد كبّدت اسرائيل خسائر كبيرة، وأخرجت اسرائيل خاسرة عسكرياً من هذه الحرب، وهذه الخسارة سوف تكون بمثابة قوة للبنان في محادثات السلام وضعفاً لاسرائيل في هذه المحادثات، مما سيكسب لبنان مكاسب لم يكن لبنان ليكسبها فيما لو أجرى مباحثات سلام قبل هذه الحرب.
وأخيراً، فإن انتشار الجيش اللبناني وانتشار قوات الطوارئ الدولية لن يحول دون تدفق مزيد من السلاح على حزب الله، وتطوع المزيد من الشباب الشيعي في صفوف حزب الله، وبالتالي قيام حرب جديدة في المستقبل بين اسرائيل ولبنان. وما قول فؤاد السنيورة بأن حرب 12 يوليو هي آخر الحروب مع اسرائيل غير هراء ونفخ في الهواء، ما لم يتم تحقيق معاهدة سلام بين لبنان واسرائيل. فالإسرائيليون يقولون في المحافل المغلقة في واشنطن، إن الحرب ستشتعل مرة أخرى رداً على فشل الحكومة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله. كما أن على لبنان أن يبادر إلى بدء مباحثات السلام قبل أن تفكر اسرائيل بالحوار مع سوريا، بعد أن أبدت سوريا رغبتها في الحوار، كما نقل وزير الخارجية الاسباني، ميغيل موراتينوس، الذي يريد أن يقوم - على ما يبدو - بدور كيسنجر في السبعينات بين مصر وإسرائيل.
فما هي فوائد وأضرار السلام اللبناني الإسرائيلي؟
لنبدأ أولا بالأضرار:
1- اصابة التيار الديني والقومي المتشدد داخل لبنان وخارجه بخيبة أمل في عدم اشتراك لبنان مرة أخرى في حرب مع اسرائيل لتحرير فلسطين. إذ أن لبنان بموجب معاهدة السلام المتوقعة سوف يكون قد حرر كافة أراضيه بما فيها مزارع شبعا، فيما لو تنازلت عنها سوريا رسمياً وشرعياً أمام الأمم المتحدة.
2- فصل سوريا عن لبنان في المسار والمصير. وإجبار سوريا على الاستعداد لتحرير الجولان بنفسها وليس من خلال لبنان، إذا أرادت ذلك. ونفياً لما يقال هذه الأيام من أن سوريا بواسطة رفعت الأسد وحافظ الأسد (وزير الدفاع آنذاك) في 1967، قد باعت الجولان لإسرائيل بملايين الدولارات، كما قال الطبيب الخاص للسادات، الدكتور محمود جامع لجريدة "الوفد" مؤخراً وفي مذكراته (العربية. نت، 16/8/2006).
3- كبح جماح حزب الله من التوسع والسيطرة على مناطق أخرى غير الجنوب اللبناني، بعد أن أصبح يملك 75 ألف مقاتل مجهزين بأحدث الأسلحة (هذا ما قاله شارل ايوب رئيس تحرير صحيفة الديار اللبنانية المؤيد لسوريا في تلفزيون مؤسسة الارسال اللبنانية 17/8/2006). كما يملك أكثر من 13 ألف صاروخ من مختلف الأنواع المتاحة. اضافة إلى جهاز عسكري تنظيمي دقيق، استطاع أن يدهش معظم المراقبين العسكريين في العالم. ونحن نرى أن سقف خطاب حزب الله بعد حرب 12 يوليو قد ارتفع نحو الاستقلال عن الدولة اللبنانية. فالأموال التي تلقاها الحزب لدفع التعويضات وإعادة بناء المنازل، لم تسلم إلى الدولة اللبنانية لصرفها، وانما يقوم بصرفها حزب الله بنفسه نقداً، بعيداً عن الدولة التي ينظر اليها حزب الله بازدراء شديد، حيث أنها لا تملك من أمرها شيئاً فلا مال لديها، ولا جيش لديها، ولا أمن لديها، ولا شفافية لها، والفساد والمحسوبية والنهب المالي العام ينخر في أركانها. سيما وأن حزب الله منتشٍ الآن بالنصر الذي وصفه شيم أور، الكاتب في صحيفة معاريف (17/8/2006 ) حين قال: " لقد كُتب على شواهد قبور الجنود الذين احتلوا بنت جبيل خمس مرات، وهم جنود أعظم الجيوش في الشرق الاوسط، الذي لم ينجح آلاف من طياريه و50 ألفاً من مقاتليه في إخضاع بضع مئات من مقاتلي حزب الله".
أما فوائد هذه الاتفاقية، فلا حصر، ونوجزها بما يلي:
توقف أطماع سوريا وإيران في لبنان. ففي حالة السلام مع اسرائيل، لا عودة لسوريا إلى لبنان، ولا أمل لحزب الله وإيران في إقامة حلمهم بانشاء "جمهورية اسلامية لبنانية"، كما نادى بذلك الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في كتابه (حزب الله : المنهاج والتجربة والمستقبل، دار الهادي- بيروت، 2002 ، ص 39) على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وحزب الله قد أقام جمهورية لبنانية إسلامية مصغرة في الجنوب اللبناني، كمثال حي. ومن يزر الجنوب اللبناني وضاحية بيروت الجنوبية لا يمكن أن يتصور نفسه في لبنان ذي المجتمع المتحرر الليبرالي المفتوح. فالنساء محجبات، وصور الزعماء الإيرانيين تنتشر في كل مكان، بدءاً من الخميني وانتهاءً بخامئني. وأسماء المؤسسات الخيرية والمستشفيات والمدارس أسماء من التاريخ الشيعي المحض. والمجتمع اللبناني الجنوبي مجتمع متشدد مغلق، وبمقارنته بمجتمع شمال لبنان أو مجتمع بيروت، هناك على الأقل فارق زمني يقدر بمائة سنة على الأقل.
الالتفات إلى بناء الدولة اللبنانية القوية، وتعميق التجربة الديمقراطية والتعددية، وبناء الاقتصاد اللبناني، وسداد ديون لبنان المتراكمة (38 مليار دولار تقديراً) عن طريق زيادة حجم التجارة اللبنانية مع امريكا، كما فعلت الأردن التي زادت حجم تجارتها من خمسة ملايين دولار سنوياً فقط، قبل معاهدة "وادي عربة" للسلام 1994 إلى أكثر من مليار دولار سنوياً الآن.
دفع اسرائيل إلى بدء المباحثات الجدية مع الفلسطينيين لبناء دولتهم. فأي اتفاقية سلام عربية - اسرائيلية، هي في صالح القضية الفلسطينية حتماً وليس العكس. فقد رأينا كيف أن اتفاقية كامب ديفيد 1979 قد قادت إلى توقيع مزيد من الاتفاقيات مع الفلسطينيين في اوسلو 1993 ، ومع الأردن في 1994. وطمأنت اسرائيل قليلاً على وجودها، مما شجعها على أن تخطو نحو السلام مزيداً من الخطوات نحو الأردن ونحو الفلسطينيين، لولا عنت وتصلب المليشيات الفلسطينية الدينية المسلحة، وإفشالها بالتفجيرات الانتحارية المستبِقة لكل خطوة من شأنها أن تؤدي إلى سلام دائم في المنطقة، يخالف مواثيقها وشعاراتها بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
زيادة الاستثمارات الدولية والخليجية بصورة خاصة في لبنان. فلبنان بلد جاذب للاستثمارات من الدرجة الأولى مقارنة بباقي الدول العربية الأخرى. ولبنان والشعب اللبناني شعب محبوب للعرب. ويجد فيه المستثمرون حتى على مستوى أصحاب الشقق فرصة كبيرة للاستثمار. كما أن العامل والتقني والاختصاصي والموظف اللبناني من أمهر الطاقات البشرية مقارنة بالطاقات البشرية العربية الأخرى. وتوقيع معاهدة سلام دائمة مع اسرائيل، سوف يتيح الفرصة لتدفق الاستثمارات العربية وغير العربية، سيما وأن البُنية التحتية اللبنانية مهيأة لمثل هذه الاستثمارات.
إن معاهدة السلام مع اسرائيل سوف تسحب البساط من تحت كل القوى اللبنانية المؤيدة لعودة سوريا إلى لبنان والداعية إلى هذه العودة لحفظ الأمن والسلم المدني في لبنان. كما أن هذه المعاهدة سوف تفرّغ الدولة اللبنانية لمعالجة مشاكل عالقة في الحياة اللبنانية على رأسها الاشكالية الطائفية، والفلتان الأمني، والفتان الحدودي المفتوحة للمهربين وتجار السلاح والمخدرات.
وأخيراً، فإن هذه الاتفاقية، سوف تضمن عدم قيام اعتداء اسرائيلي مرة أخرى على لبنان. وسوف تعتبر حرب 12 يوليو آخر الحروب مع اسرائيل كما أصبحت حرب اكتوبر 1973 آخر الحروب بين مصر واسرائيل بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979.
وهناك فوائد أخرى منظورة وغير منظورة، شأنها شأن عصا النبي موسى عليه السلام.
وهناك نظرية مشهورة للفيلسوف الألماني لعمانوئيل كانط، تقول أن نوعية الدول الديمقراطية تمتنع عن حروب لا داعٍ لها ، وتطمح إلى السلام مع جاراتها. ويُبين كانط أن الطموح الى السلام في الدول الديمقراطية، ينبع من عدم استعداد المواطنين للمخاطرة بحياتهم وممتلكاتهم من أجل موضوعات هامشية (خطف الجنديين الإسرائيليين مثالاً).
فهل يستجيب لبنان، ويستجيب اللبنانيون لصوت العقل السياسي، حيث لا تتهيأ الظروف السياسية المؤاتية في كل عام لعقد مثل هذه المعاهدة، أم أن لبنان كباقي العرب لا يقصدون القطار ليركبوه، إلا بعد مغادرة القطار المحطة التي يقفون عليها؟
السلام عليكم