الإرهاب ومظلوميّة المسلمين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لقد تطرق العديد من الكتاب مؤخراَ الى موضوع العلاقة المفترضة بين الإسلام والإرهاب العالمي الحديث. وهذا الموضوع كما لا يخفى على القاريء الكريم شائك ومتشعب ويحتاج الى بحث وتمحيص عميقين ولا يمكن تغطيته قي مقال أو إثنين. لذا فما أنويه هنا هو أن ألقي بعض الضوء على جانب من الساكولوجية الإسلامية التي تغذي الإرهاب الا وهي موضوعة مظلومية المسلمين عبر التأريخ وخصوصاً في التأريخ الحديث. فكثيراً ما نسمع المحللين السياسيين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا وفي الشرق الإسلامي وهم يبررون مشاعر الغضب العارم عند الشباب المسلم (الذكور بالدرجة الرئيسية) الذي يطفح به الكيل بين حين وآخر بسبب السياسة الغربية الجائرة بحق المسلمين في العالم والتي تؤدي على حد زعمهم الى تورط هؤلاء الشباب في أعمال إرهابية.
لذا يزعم هؤلاء الساسة أو رجال الدين المسلمين أن الشباب المسلم سوف لن يجد ما يبرر الإنزلاق نحو الإرهاب أو العنف لو أن الغرب فقط يكف عن الإعتداء على المسلمين وإهانتهم ويعامل البلدان الإسلامية وشعوبها بإحترام . وحسب هذه الفرضية فإن المسلمين هم ضحايا نظام دولي جائر مصمم خصيصاَ لكي يسلبهم حقوقهم وثرواتهم إضافة بالطبع الى إهانة دينهم. وكذلك فإن هذه النظرية تدعي بإن الغرب يحقق مآربه هذه بواسطة تعيين حكام محليين (هكذا وبهذه البساطة) الذين يقومون بدور الشرطي المحلي في حين يتفرغ الغربيون (الصهاينة، الصليبيون..الخ) الى ممارسة النهب المنظم والقتل بالجملة عن طريق الحروب التي يختلقونها بين حين وآخر لغرض إبادة المسلمين. أما متى وكيف بدأت عملية النهب والإبادة الجماعية المفترضة فلا يوجد إتفاق حول هذا الموضوع ، فالبعض يرجع العملية الى زمن الحروب الصليبية و هناك من يعود الى فجر التأريخ الإسلامي وبالذات الى صراع المسلمين مع يهود الجزيرة العربية ويشخصون بداية المؤامرة العالمية ضد الإسلام في تلك الأحداث. أي أن هناك من يعتبر أن تأريخ الإسلام بالكامل هو تأريخ حافل بالمظلومية وأن واجب المسلم الأول هو محاربة هذا الظلم وإسترداد كرامة المسلم. وهناك إجماع شبه تام عند العرب على أن الإطاحة بالدولة العثمانية وتقسيم الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا فيما يدعى بمعاهدة سايكس- بيكو وتكوين دولة إسرائيل تشكل المثال الحي والصارخ على مظلومية المسلمين في التأريخ المعاصر على أيدي الغرب. فلننظر قليلاَ الى حقيقة هذه المظلومية. هل حقاَ أن المسلمين قد أصابهم الحيف بشكل يفوق ما أصاب الشعوب الأخرى؟ هل حقاً أن العالم الحالي الذي يتفوق فيه غير المسلمين تكنولوجياَ وحضاريأَ هو عالم مجحف بحق المسلمين كما يدعي البعض ليل نهار؟
إن الملاحظ عند قراءة أدبيات الإسلام السياسي أو الإستماع الى مناظرات الإسلامويين في الفضائيات هو إهتمامهم الى حد الهوس بالتأريخ وفي نفس الوقت جهلهم المطبق به. أن كتابة التأريخ في الغرب هي عملية مستمرة وديناميكية لا تتوقف وليس فيها قول فصل وليس هناك كلمة أخيرة في أي موضوع أو حدث مهما كان وإنما صراع مستمر للأفكار والتفسيرات للأحداث التأريخية ناتج عن البحث العلمي والجهد الفكري المتواصل للمؤرخين الغربيين. وعلى العكس تماماَ من هذا نجد التأريخ الإسلامي هو تأريخ سكوني كتب في زمن ما وأصبح حقيقة مقدسة لا يمكن المساس بها. حتى أن الأغلبية الساحقة من المسلمين لا يعرفون مصادر تأريخهم ذاته. فعندما قرأنا التأريخ في المدارس، قرأناه كمجموعة حقائق لا تناقش وليس لها مصادر وكأن الأحداث تكتب نفسها أو تفسر ذاتها.
والحقيقة أن من المستحيل فهم مدى مظلومية قوم أو طائفة دون مقارنتهم بالشعوب الأخرى والمسلمون عموما لا يعيرون إهتماماَ يذكر لفهم أو معرفة تأريخ الآخرين.
والحقيقة التي أود أن أبينها هنا أن الذي يتعلمه الشباب المسلم هو ليس تأريخاَ بالمفهوم العلمي وإنما أيديولوجية سياسية- دينية يتم من خلالها تفسير الأحداث بشكل إنتقائي وبأحكام مسبقة على أنها نتاج الصراع الأبدي بين قوى الشر (الصليبية، الصهيونية...الخ) و الإسلام. ومن الملاحظ أن الفكر القومي العربي والإسلام السياسي كلاهما يستند على هذه الأرضية الإسلامية الفولكلورية وهذا بالتالي يفسر سر الإنتشار الواسع لهذه الآيديولوجيات بين العرب والمسلمين. أن تفسيرالأحداث العالمية على أساس هذه النظرة التبسيطية الساذجة تؤدي الى إعتبار الآخرين على أنهم أعداء دائميين يجب محاربتهم والنتيجة هي أما تصفيتهم أو إسترقاقهم أو العكس. لذا فإن هذه الآيديولوجية التبسيطية تختزل العلاقة مع الآخر الى علاقة السيد والعبد فإن لم تكن سيد العالم فلابد أنك العبد إذن.
ما هي الأسس التأريخية الواقعية لهذه المظلومية المفترضة؟
علينا في البداية أن نتذكر بأن الدولة الإسلامية الأولى نشأت على أنقاض إمبراطوريتين (الفارسية والبيزنطية) ومنذ ذلك الحين ولغاية سنة 1924 عندما ألغى كمال أتاتورك منصب الخلافة في أسطنبول (أي لحقبة تمتد حوالي 1300 سنة) نشأت العشرات من الإمبراطوريات الإسلامية وحكمت شعوباَ وأقواماَ تمتد من الهند الى روسيا والبلقان وإسبانيا. وكما هو الحال مع الإمبراطوريات في العصور القديمة والحديثة فإن الإمبراطوريات الإسلامية إحتلت البلدان التي سيطرت عليها بالقوة العسكرية وتم مصادرة ثروات هذه البلدان وإسترقاق الملايين من نسائهم و رجالهم كغنائم حرب. حتى يقال أن أسواق النخاسة في دمشق عجت بالعبيد من الجنسين بعد إحتلال الأندلس وكذللك الحال بعد الكثير من الفتوحات الأخرى. أي أن الإمبراطوريات الإسلامية تصرفت تماماَ كأية إمبراطورية إستعمارية أخرى في إبقاء الشعوب المحكومة تحت نظام إستبدادي لا يأمن الفرد فيه على ماله أو حياته ودون أن يتمتع بأية حماية تذكر من بطش الدولة. فلغاية بداية القرن التاسع عشر كانت الإمبراطورية المغولية الإسلامية تحكم أكثرية هندوسية في الهند والعثمانيون يحكمون الملايين من المسيحيين في البلقان واليونان ناهيك عن الشعوب الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ثم كان سقوط الحكم الإسلامي في الهند على أيدي البريطانيين وفقدان العثمانيين لمقاطعاتهم الأوربية بفعل الثورات المحلية قي اليونان والبلقان والتي راح فيها مئات الآلاف من القتلى على أيدي الجيش العثماني.
فأين يا ترى هي مظلومية المسلمين في العصور القديمة؟ الواضح أن المسلمين حكموا أعداداَ هائلة من غير المسلمين في ثلاث قارات عبر عدة قرون. وخلال هذه الفترة كان المسلم هو المواطن من الدرجة الأولى في حين أن غير المسلم (الذمي) كان مواطناَ من الدرجة الثانية (أو حتى العاشرة). فالذمي لم يكن له الحق في ركوب الفرس أو البعير أو في حمل السلاح ولم يسمح لغير المسلمين ببناء دورعبادة الا بإذن خاص وغير ذلك من أساليب الإذلال الأخرى. فمن الواضح أن المسلمين في العصور الإمبراطورية كانوا في أغلب الأحيان في موقع الظالم لا المظلوم. أما فيما يخص الصراع مع الإمبراطوريات الأخرى فإن هذا جزء من تأريخ الإنسانية المفعم بالعنف والصراعات العسكرية وعلى أية حال فإن عدد الحروب التي خاضها المسلمون فيما بينهم تفوق بكثير تلك التي خاضها المسلمون ضد الآخرين. وقد يقال بإن إسقاط الدولة الإسلامية في الهند (1858) على أيدي البريطانيين هو الدليل القاطع على المخطط الصليبي ضد الإسلام لكن ذلك لا يستقيم مع ما حدث في منتصف القرن التاسع عشر(1853-1856) من دفاع مستميت من قبل بريطانيا وفرنسا عن الدولة العثمانية ضد روسيا القيصرية في حرب القرم خسر فيها الجانبان البريطاني والفرنسي عشرات آلاف القتلى ناهيك عن الأموال الطائلة التي تكلفتها تلك الحرب (التي شنها السلطان العثماني دون إستشارة أحد).
ولنأتي إذن إلى الحرب العالمية الأولى وإسقاط الدولة العثمانية. إن الكثير من المسلمين ينظرون الى هذا الحدث وما تبعه من إنشاء لدول عربية في الشرق الأوسط وإنشاء الدولة العبرية على أنه الدليل القاطع على عداء الغرب (الصليبي ــ الصهيوني) للعرب والمسلمين، فما حقيقة هذه المسلَّمة التأريخية؟
أولاَ علينا أن نتذكر بإن الدولة العثمانية كانت في حالة أفول وإنحلال دام أكثر من قرنين من الزمان لم تنفع معها كل جهود الحكومات العثمانية المتعاقبة في إصلاح النظام الإداري المتفسخ وغير الكفوء. ومع ذلك لم ترغب أي من الإمبراطوريات الأخرى أن تزول هذه الأمبراطورية من الوجود لأسباب متعددة. وبالفعل تم إنقاذ السلطنة العثمانية في الثلث الأول من القرن التاسع عشر من جيش إبراهيم باشا (إبن محمد علي، حاكم مصر) الذي كان على وشك الإطاحة بالدولة العثمانية برمتها وذلك عندما أرسلت روسيا القيصرية (المسيحية الأرثوذوكسية) جيوشها و سفنها الحربية لحماية الإستانة سنة 1833.
وعند تصاعد الأزمة بين الدول الأوروبية قبيل الحرب العالمية الأولى، لم تكن الدولة العثمانية طرفاَ في تلك الأزمة وكان بإمكانها الوقوف على الحياد بين القوى المتحاربة وأن تستمر في الوجود لسنين أو عقود بعد ذلك. ولكن السلطان ومستشاريه كانوا متأكدين من إنتصار ألمانيا و لذلك إختار السلطان أن يهمل نصائح البريطانيين وحلفاءهم (الفرنسيين والروس) في البقاء على الحياد ومضى قدما في عقد إتفاقية سرية مع المانيا والتي كانت نتيجتها هزيمة العثمانيين ونهاية إمبراطوريتهم. وعلى أية حال مالذي يجعل إنتصار المانيا القيصرية المسيحية (حليفة العثمانيين) أكثر فائدة للمسلمين من إنتصار البريطانيين يا ترى؟
أما إتفاقية سايكس- بيكو فهي عبارة عن وثيقة تفاهم بين الحليفين (بريطانيا وفرنسا) أثناء حربهم مع الدولة العثمانية (عام 1916 ) تحدد فيها مستقبل المقاطعات العثمانية بعد أن تضع الحرب أوزارها. ولا نحتاج هنا الى نظريات مؤامراتية ملتوية لفهم الهدف من وراء هذه الوثيقة التي تحدد فيها الأطراف المتحاربة مستقبل المناطق التي سيتم إحتلالها بعد السقوط المتوقع للدولة العثمانية وهذا أمر طبيعي في الحروب. وعلى العكس من إدعاءات بعض الجاهلين بالتأريخ فإن هذه الوثيقة لم يتم تطبيق نصها الأصلي حيث أن كمال أتاتورك تمكن من السيطرة على الأناضول وبعض المناطق الأخرى وأن يشكل فيما بعد دولة تركيا الحديثة رغم أنف الحلفاء و إتفاقياتهم. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى والتي أدت الى سقوط أربعة إمبراطوريات (العثمانية، النمسا- المجر، روسيا القيصرية، المانيا القيصرية) خرجت تركيا كدولة مستقلة على عكس ما أراده الحلفاء لكن مع خسارة الأقاليم العربية وبعض المناطق الكردية. وبغض النظر عما إذا إعتبرنا سقوط الدولة العثمانية حدثاَ إيجابياَ أو سلبياَ في تأريخ الشرق الأوسط فإن السبب في إطاحتها هو إختيارها الجانب الخاسر في الحرب بشكل طوعي طمعاَ في إعادة الأمجاد الإمبراطورية الغابرة وتشكلت حدود ما بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية على أساس توازن القوى الفعلي في العالم آنذاك وليس كرهاَ أو حباَ بالمسلمين كما يدعي السذج من مروجي نظريات المؤامرة.
وقبل أن ينتصف القرن العشرين حصلت دول "سايكس- بيكو" (العراق، سوريا، لبنان، الأردن) على إستقلالها من بريطانيا وفرنسا وتشكلت دولة إسرائيل على جزء من أرض فلسطين بينما إحتل الأردن ومصر الأجزاء المتبقية. وهنا أيضاَ نجد الجانب الفلسطيني يكرر الخطأ العثماني في إختيار الجانب الخاسر في الحرب العالمية الثانية هذه المرة وذلك بتحالف الحاج أمين الحسيني المعلن مع هتلر وذهابه الى ألمانيا وتشكيله لواءاَ مسلماَ حارب الى جانب قوات ال SS السيء الصيت. وهذا الى جانب رفض عروض التقسيم التي أعطت العرب القسم الأعظم من أرض فلسطين (سنة 1937 و 1947) لإنشاء دولتهم. ومن الممكن القول أن السياسيين الفلسطينيين والعرب برفضهم الحلول السياسية خلال أعوام الثلاثينات والأربعينات وإتخاذهم قرارات بعيدة عن الحكمة لعبوا دوراَ كبيراَ في تفاقم المعاناة الإنسانية للفلسطينيين وفي فقدان حقوقهم المشروعة.
إن الكارثة الإنسانية التي لحقت بالفاسطينيين من جراء إقامة دولة إسرائيل والتي أدت الى نزوح 600-700 ألف لاجيء الى البلدان العربية المجاورة أصبحت في الذهن العربي بمثابة حجر الزاوية للمظلومية الإسلامية على أيدي الغرب وهي بلا شك تمثل حدثاَ مأساوياَ في تأريخ المنطقة العربية. ولكن من الممكن القول بأن مأساة اللاجئين الفاسطينيين تضاعفت مئات المرات من جراء المعاملة اللاإنسانية من قبل الدول العربية المضيفة لهم. فبعد 60 عاماَ من إنشاء دولة إسرائيل لا زال الفلسطينيون يعيشون في مخيمات دون أن يتمتعوا بحق المواطنة أو التملك أو السفر بحجة أن إعطاءهم هذه الحقوق سوف يخفف من مطالبتهم بحقوقهم في العودة الى فلسطين. والغريب أننا لم نسمع أبداَ عن أية حركة شعبية مدنية عربية تطالب بإعطاء هؤلاء اللاجئين الحد الأدنى من الحقوق وأكتفت المنظمات العربية الرسمية والشعبية بإطلاق الشعارات الرنانة وبقي اللاجئون على حالهم الى يومنا هذا وهو أمر لا سابقة له في تأريخ الحروب. ففي القرن العشرين حصلت مئات حالات التهجير الجماعي من جراء حروب داخلية وخارجية في مختلف أنحاء العالم. فبعَيْد الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية تمت عملية تهجير قسرية لليونانيين في تركيا وبالعكس رحل على أثرها قرابة المليونين شخص من الجانبين و وجدوا أنفسهم فجأة بلا مأوى. أما عدد المهجرين واللاجئين خلال الحرب العالمية الثانية فيعدون بعشرات الملايين بعضهم تمكن من الرجوع الى ديارهم بعد الحرب ولكن ملايين أخرى منعت من الرجوع لسبب أو لآخر. أما عن ضحايا الحروب ففي خلال القرن العشرين ذهب الملايين ضحايا للحروب المختلفة. فعلى سبيل المثال فإن الإحتلال الياباني للصين في الثلاثينات أدى الىالملايين من الضحايا، ففي إحتلال اليابانيين لمدينة نانكنج الصينية لوحدها قتل مايزيد عن 300 ألف مدني وإغتصبت 100 ألف إمرأة صينية، حتى إن هذه الواقعة سميت فيما بعد "إغتصاب نانكنج".
ومن المعروف أن عدد ضحايا الإتحاد السوفيتي من المدنيين خلال الأحتلال الألماني النازي يزيد عن عشرة ملايين قتيل إضافة الى عشرات الملايين من المهجرين. وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى لضحايا أعمال العنف والحروب في العصور الحديثة. لذا فإن المسلمين ليسوا الشعوب الوحيدة التي عانت من الحروب وهناك الكثير من الشعوب والقوميات الأخرى ممن عانوا أكثر بما لا يقاس من أثر الحروب من المسلمين دون أن تتكون لديهم عقدة المظلومية بالشكل الذي تكونت عند المسلمين. لذا نرى أن الصينيين يرحبون بالإستثمارات اليابانية أكبر ترحيب ولم نسمع يوماَ أن صينياَ قد فجر نفسه في اليابان التي تسببت في مقتل الملايين من الصينيين أو بأن اليابانيين غير مرغوب فيهم في الصين. وكذلك الحال مع الألمان في روسيا وبالعكس.
ومنذ تشكيل الدول العربية وألإسلامية الحديثة في القرن العشرين إستمرت المشاكل السياسية الداخلية والخارجية والتي أدت الى حروب طاحنة ذهبت خلالها ملايين الضحايا. والملاحظ أن أكبر عدد من الضحايا ذهبوا في حروب لم تكن إسرائيل أو الغرب طرفاَ فاعلاَ فيها. ففي الحرب الأهلية السودانية التي دامت 20 عاماَ قتل ما لا يقل عن مليوني شخص و هجرت أعداداَ أكبر من ذلك دون أن يلتفت العرب أو المسلمون الى هذه الكارثة الإنسانية. كذلك فإن أعمال العنف في دارفور في غرب السودان حيث عمليات التنظيف العرقي لشعب مسلم غير عربي على أيدي المليشيات العربية الممولة من الحكومة السودانية قد أدت الى نزوح مليوني لاجيء دون أدنى إهتمام من المنظمات المدنية أو الرسمية العربية أو الإسلامية. إضافة الى ذلك فإن الحرب العراقية الإيرانية وحروب صدام الداخلية فاق عدد ضحاياها المليون قتيل وأضعاف ذلك من المشردين كلهم من المسلمين دون أن يؤثر ذلك قيد شعرة على شعبيته عند العرب والمسلمين وغير ذلك الكثير.
لذا فإن نظرة موضوعية الى التأريخ العربي والإسلامي الحديث يبين لنا أن المسلمين غالباَ ما كانوا في موقع الظالم والجلاد لا المظلوم. ومن الجدير بالملاحظة أن العرب والمسلمين قد أنتجوا خلال التأريخ الحديث أيديولوجيتين فاشيتين دمويتين هما الأيديولوجية القومية العربية وأيديولوجية الإسلام السياسي، وكلتيهما آيديولوجيات عدوانية تعتمد العنف داخليا و خارجياَ. ومن الغرابة أن يسهو العرب والمسلمون تماماَ عن هذه الحقيقة وأن يستمروا في إقناع أنفسهم بإن بلاويهم وكوارثهم سببها الأوحد هم الأجانب والغرب حصراَ دون أدنى مراجعة للذات أو بحث في المسببات الذاتية التي تكمن في مجتمعاتنا ذاتها وفي ثقافتنا وفي موروثنا الحضاري.
إن هيمنة الفاشيتين القومية والإسلاموية على الفكر العربي والإسلامي المعاصر قد عمق من نزعة الكراهية والإزدراء للآخر وللأجنبي أياَ كان حتى وصلت هذه الزينوفوبيا الى حالة من الإنحلال الخلقي المرضي والهستيريا السادية أدت في النهاية الى الممارسات البربرية لما يدعي بالمقاومة العراقية التي دشنت أبشع الطرق في خطف الأجانب والتمثيل بهم أمام الكاميرات وسط تهليل وتشجيع وتهريج من جمهور الفضائيات العربية. أي مظلومية هذه ياترى التي تبرر إختطاف المقاولين المدنيين أو الصحفيين أو موظفي المنظمات الإنسانية وذبحهم أمام الكاميرات؟ ونلاحظ في هذا المجال أن نزعة كره الأجانب والريبة من كل ما هو أجنبي قد أدىالى أن تصبح البلدان العربية مغلقة بوجه أي هجرة أو إستيطان أجنبي لأي سبب كان. فعلى العكس من معظم بلدان العالم ذات الإقتصاد المفتوح في الشرق والغرب والتي ترحب بأستيطان الأجانب أصحاب الخبرات والمهارات وتمنحهم جنسية ذلك البلد بعد فترة معينة فإن هذا في حكم المستحيل في أغلب البلدان العربية إن لم يكن جميعها.
المظلومية والحق الإلهي في الهيمنة على الآخرين:
ولكن الإعتقاد بالمظلومية المزعومة لا تكفي لوحدها لتفسير العدوانية الإرهابية العربية-الإسلاموية نحو الآخر والإزدراء لكل ما هو أجنبي، فالآيديولوجية الإسلاموية تبشر كذلك بالحق الإلهي للمسلمين في الهيمنة على العالم بقوة السلاح كما حدث عند نشوء الإسلام ولقرون بعده. لذا يجد المسلم في عصرنا هذا نفسه في عالم مليء بالبلدان المزدهرة والتي توفر لمواطنيها الترف المادي إضافة الى تمتعهم بحريات لا يحلم بها المسلم في بلده وفي نفس الوقت يجد نفسه أمام آيديولوجية تلقنه ليل نهار بأن هذه البلدان المترفة إنما هي كذلك لإنها تنهب بلاده وتهضم حقوقه وحقوق المسلمين الآخرين وإنه لكونه مسلماَ (خير أمة أخرجت للناس) فله الحق في أن يكون سيد العالم وكل ما هو مطلوب منه هو الأيمان والجهاد. إن الإعتقاد الراسخ بالحق الموروث في حكم الآخرين وفي تكوين إمبراطوريات آنية لا تستند الى إقتصاد متفوق أو منجزات علمية تتطلب عشرات السنين من البناء المضني كما حصل في الغرب واليابان وكوريا والصين وغيرها هو ما يفسر محاولات بعض الحكام العرب والمسلمين من أمثال صدام والقذافي الدونكيشوتية في بناء إمبراطوريات من العدم . واليوم نشاهد إيران والحركة البن لادنية تحاول الشيء ذاته وسيكون مصير هذه الحركات هو الفشل الذريع كسابقاتها.
"مظلومية" أم "فشل" في بناء مجتمعات حديثة؟
إن المظلومية الإسلامية في العصر الحديث نابعة في الأساس من فشل الشعوب الأسلامية في بناء دول حديثة ذات أنظمة سياسية وإقتصادية مزدهرة، أي في بناء دول توفر الحد الأدنى من حقوق الإنسان لمواطنيها وتسهر على رفاهيتهم. ففيما عدا الدول العربية النفطية التي يتمتع فيها المواطن بدرجة عالية من الرفاهية (ولكن دون حقوق سياسية تذكر) فإن البلدان العربية غير النفطية تعاني من أعلى نسب البطالة والأمية في العالم حسب تقارير الأمم المتحدة.
إن الفرق بين المظلومية و إدراك الفشل هو في إعتقاد المظلوم أن السبب في محنته يكمن في الآخر وليس في الذات وهذا هو ديدن العرب والمسلمين في عصرنا هذا وهذا هو الأساس السايكولوجي للآيديولوجيات الفاشية العربية والإسلاموية الحديثة. فالعربي والمسلم في العصر الحديث مستعد أن يتهم كائناَ من كان ليفسر سوء أوضاعه إلا نفسه. ولكن دون مراجعة للذات و محاولة فهم الأسباب الذاتية الكامنة في مجتمعاتنا و التي أدت الى عقود من الفشل السياسي والإقتصادي والإجتماعي فإننا سنستمر في إتهام الآخرين لتبرير فشلنا وسنستمر في إتباع سياسات متخبطة عدوانية داخلياَ وخارجياَ سوف تجلب المزيد من الدمار لمجتمعاتنا وللعالم.