هل أفلست حكومةحماس؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هل أفلست "حماس" قيادة وحكومة؟ يبدو أن الأمر كذلك بدليل ما يحصل في الضفّة الغربية وقطاع غزة. في الضفّة الغربية ما زال المجتمع المدني الفلسطيني يقاوم محاولات الهيمنة عليه وتغيير قيمه ولذلك لم يعد هناك أي رصيد يذكر للحكومة التي جعلت الشباب الفلسطيني لا يحلم سوى بالهجرة من أرضه. أما في غزة حيث المجتمع المدني غير قادر على المقاومة بشكل واضح، فأنّ الأمور تبدو أكثر تعقيدا ولكن من دون أن يعني ذلك أنّه لا توجد خيبة أمل كبيرة من أداء "حماس" حكومة وقيادةً. من بين الأدلّة على الحال المزرية التي وصلت أليها الأوضاع في الأراضي الفلسطينية في ظلّ حكومة "حماس" تلك المهزلة التي تمثّلت بعملية خطف الصحافيين العاملين مع محطة "فوكس نيوز" الأميركية لمدة ثلاثة عشر يوماً. يفترض بمثل هذا الحادث، بما ينطوي عليه من دلالات خطيرة، ألاّ يمرّ مرور الكرام، خصوصاً أن ما زاد في هزالة المهزلة الطريقة التي أطلق بها الصحافيان، أحدهما أميركي والآخر نيوزلندي. تعمّد الخاطفون أظهارهما يشهران أسلامهما عشية الأفراج عنهما تبريراً لأطلاقهما. وما لبث الصحافيّان أن أعلنا بعد أستعادتهما حرّيتهما أنهما فعلا ذلك تحت التهديد...منذ متى هناك أكراه في الدين؟
ما هو مطروح حالياً على الصعيد الفلسطيني يتجاوز بكثير المسرحية السيئة الأخراج التي نفّذتها أحدى العصابات التابعة ل"القاعدة" وما شابه "القاعدة" العاملة في غزة والتي أساءت ألى الفلسطينيين وقضيّتهم قبل أيّ شيء آخر. وهذه العصابة ربّما لديها أرتباطاتها ب"حماس" وهو أمر يجب تجاوزه في غياب الأدلّة الدامغة على ذلك، أقلّه حتى الآن. لكنّ ما لايمكن تجاوزه تكريس حكومة "حماس" لفوضى السلاح وتشجيعها عليها وتوفير غطاء لعصابات من نوع تلك التي خطفت الصحافيين الأجنبيّين، أضافة ألى عدم أستيعاب الحكومة الفلسطينية أنها فشلت فشلاً ذريعاً وأنّ رحيلها اليوم قبل الغد أفضل خدمة يمكن أن تقدّم للقضيّة الفلسطينية.
لقد أفلست "حماس" ألى درجة لم يعد أمام رئيس الحكومة أسماعيل هنيّة ما يقوله من أجل تبرير أطلاق الصواريخ من القطاع في أتجاه الأراضي الأسرائيلية سوى أن أسرائيل تتابع أعتداءاتها على الضفّة الغربية من دون أن تكون هناك صواريخ تطلق في أتّجاه أراضيها من تلك المنطقة. لم يدرك السيّد هنيّة أن الصواريخ المضحكة- المبكية التي تطلق من غزّة في أتجاه أراض أسرائيلية هدايا من السماء تسقط على حكومة أيهود أولمرت مثلما كانت تسقط على حكومة أرييل شارون. كذلك لم يدرك رئيس الوزراء الفلسطيني أن الموضوع ليس موضوع تذاك وأعطاء تفسيرات أو تبريرات للعبة فاشلة سلفاً أسمها لعبة الصواريخ التي صفّق لها السذج الذين سبق لهم وصفّقوا لصدّام حسين وهلّلوا له عندما أطلق صواريخ في أتجاه أسرائيل. وكانت نتيجة هذا العمل أنّه تبيّن أنّ صدّام مجرّد غبي بأمتياز ساهم ألى حدّ كبير في أيصال العرب ألى حيث هم الآن.
وأفلست "حماس" عندما يتحدّث أحد قيادييها من دمشق عن ضرورة أستنساخ تجربة "حزب الله" في لبنان. ما هذه التجربة التي يمكن أستنساخها والتي أدّت ألى تدمير جزء لا بأس به من لبنان وأعادة البلد عشرين عاماً ألى خلف ؟ لقد أعترف بذلك رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة في مؤتمر خصّص لمساعدة لبنان بعد النكبة التي تعرّض لها عقد قبل أيّام في أستوكهولم. ما هذه التجربة المطلوب أستنساخها، علماً بأن الوضع الفلسطيني غير الوضع اللبناني، والتي تختصر بحلول "حزب الله" مكان الدولة اللبنانية؟ هناك دولة في لبنان وكلّ ما فعله "حزب الله" أنّه أقام دولة داخل الدولة تابعة للمحور السوري- الأيراني الذي يرى في لبنان "ساحة" يمارس فيها نفوذه الأقليمي على حساب البلد ومصالحه ومصالح اللبنانيين. هل المطلوب أن يكون الشعب الفلسطيني، الذي ليست لديه دولة، وقوداً للمعارك التي يخوضها النظام في كلّ من سوريا وأيران، على غرار ما يحصل في لبنان، كي يستحق الفلسطينيون القول أنّهم أبطال يدافعون عن العروبة والأسلام؟
أكثر من ذلك، يفترض في "حماس" أن تتذكّر أن لعبة السلاح هي اللعبة المفضّلة لدى أسرائيل. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما فعلت ما فعلته بلبنان حيث صواريخ "حزب الله" من النوع المتطور مئة مرة بل ألف مرّة مقارنة بالصواريخ التي تطلقها "حماس" ومن لفّ لفّها من غزّة. ماذا كانت النتيجة؟ أعادت صواريخ "حزب الله" الأيرانية المصدر لبنان ما يزيد على عشرين سنة ألى خلف. هل هناك من سأل قبل التفكير في أطلاق الصواريخ وقبل خطف جنديين أسرائيليين من داخل الأراضي ألأسرائيلية عن الكلفة التي ستترتب على مثل هذه الأعمال... أم أن الكلفة ليست مشكلة ما دام الذي يدفع الثمن لبنان وشعب لبنان وما دام في أستطاعة النظام الأيراني القول أنّه بات على خط المواجهة المباشرة مع أسرائيل؟
ليس سرّاً أن أسرائيل عدو وأنّها تسعى ألى تكريس أحتلالها لجزء من الضفّة الغربية بعد تنفيذها للأنسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة. وليس سرّاً أن الأستراتيجية الأسرائيلية تقوم على نظرية أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. ما فعلته "حماس" منذ فوزها في الأنتخابات التشريعيّة الأخيرة يتلخص بالعمل في أتجاه خدمة الأستراتيجية الأسرائيلية لا أكثر ولا أقلّ وذلك عن طريق تأكيد النظرية القائلة أنّ لا شريك فلسطينياً تستطيع أسرائيل التفاوض معه. ولهذا السبب، ليس أمام أسرائيل في نظر العالم، سوى متابعة بناء "الجدار الأمني" الذي يفرض أمراً واقعاً جديداً على الأرض.
رفض العالم التعاطي مع حكومة "حماس" على الرغم من أنّها منبثقة عن مجلس تشريعي أنتخب بطريقة ديموقراطية وعلى الرغم من أن الأدارة الأميركية لعبت دوراً حاسماً في أجراء الأنتخابات التشريعيّة الفلسطينية في الوقت المحدد لها من دون أيّ تأجيل مع معرفتها المسبقة بأنّ "حماس" ستفوز في الأنتخابات وستشكّل الحكومة الفلسطسنية. هل أرادت واشنطن الأنتقام بدورها من الفلسطينيين عبر تمسّكها بأجراء الأنتخابات في موعدها وعلمها المسبق أن "حماس" ستشكّل الحكومة الجديدة؟ الحقيقة أنّه لا يوجد تفسير منطقي لآخر لذلك الأصرار الأميركي على أجراء الأنتخابات الفلسطينية في موعدها كما لو أنّ المطلوب فوز "حماس" لتكريس النظرية القائلة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
في النهاية، سقطت "حماس" ومعها الفلسطينيون جميعاً في أمتحان غزّة. سقطت لأنّها لم تدرك في أيّ وقت معنى الأنسحاب الأسرائيلي من القطاع وأبعاده وكيف يمكن البناء على هذا الأنسحاب كي يثبت الفلسطينيون للمجتمع الدولي أنّهم يستحقون حقيقة دولة فلسطينية مستقلة قادرة على التعايش مع محيطها.
هناك من يجب أن يدفع ثمن هذا الفشل. وحكومة "حماس" مسؤولة عن أستمرار فوضى السلاح وعدم القدرة على السيطرة على الوضع في غزة. وفي حال كان هناك من يمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة الواقع، على الحكومة الحالية أن تستقيل بعدما اثبتت أنها اقل كفاءة من حكومة "فتح" التي كانت تتمتع بكل الصفات السيئة والحسنة في آن باستثناء صفة الكفاءة. هل من يريد تحمّل المسؤولية في "حماس" أم أن مثل هذا الكلام أضاعة للوقت نظراً ألى أن الحركة الذي خُطف جندي أسرائيلي بأسمها لا تدري ما الذي يجب عمله بعدما صارت أسيرة التجاذبات بين الداخل والخارج. اي التجاذبات بين الحكومة التي يترأسها اسماعيل هنيّة والقيادة الموجودة بين دمشق وطهران والتي أمرت بتنفيذ عملية خطف الجندي الأسرائيلي مطلع شهر يوليو- تمّوز الماضي من دون أيّ اخذ في الأعتبار للنتائج التي يمكن أن تترتّب على ذلك في غزة وفي الضفة وبالنسبة ألى الحكومة الفلسطينية نفسها.
كان سقوط تجربة غزة بعد الأنسحاب الفلسطيني سقوطاً مريعاً للحكومة الفلسطينية التي شكّلتها "حماس"، خصوصاً انّ هذه الحكومة لم تبذل جهداً للسيطرة على ظاهرة فوضى السلاح في غياب القدرة على الأنتهاء منها والقضاء عليها. أنّه فشل ذريع ل"حماس" التي تبيّن انها قادرة على ممارسة لعبة المعارضة ما دام المطلوب وضع كل العراقيل التي يمكن تخيّلها في وجه السلطة الوطنية الفلسطينية ممثّلة بالرئاسة كي لا تتمكن من تحقيق أيّ تقدّم في الصراع القائم مع أسرائيل وهو صراع سياسي أوّلاً واخيراً تتحكّم به موازين القوى الأقليمية والعالمية بما فيها أجهزة الأعلام الدولية. هذا الفشل يفترض أن تكون له ترجمة عملية تبدأ بأستقالة الحكومة. لكنّ السؤال الذي لا بدّ من طرحه في المناسبة هو الآتي: هل تقدم "حماس" على مثل هذه الخطوة الشجاعة التي تخدم القضيّة الفلسطينية أم أن المطلوب أستكمال المهمة التي نذرت الحركة نفسها من أجلها؟ أنّها مهمّة الوقوف سدّاً منيعاً في وجه كلّ من يسعى ألى أفشال الأستراتيجية الأسرائيلية القائمة على نظرية أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. هنيئاً لحكومة فلسطينية لا همّ لها سوى خدمة المشروع الأستعماري الأسرائيلي الذي سيمدّ بعمرها ألى أقصى حدّ يستطيع أن يفعل ذلك. هنيئاً لحكومة ليس فيها من يسأل عن كلفة أطلاق الصواريخ من غزّة ... ما دامت هذه الصواريخ في خدمة المحور الأيراني- السوري الذي يسعى ألى أن يثبت كلّ يوم أنّه موجود في فلسطين مثلما هو موجود في لبنان... حتى لو كان ذلك على حساب عبي فلسطين ولبنان!