هل سيعلن الرئيس البارزاني ولادة الدولة الكردية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اكبر مشكلة في العراق اليوم هو غربة اطياف البلد عن بعضها البعض، بل جهلها ببعضها البعض، وهو مايؤدي الى خلق حالة سوء فهم في العلاقات المتبادلة، لكن الاخطر من ذلك، هو ان هذا الواقع خلق حالة من العجز في فهم اسباب ودوافع ممارسات سياسية معينة، المثال الابرز على صحة كلامنا هذا هو الضجة التي ثارت حول القرار الرئاسي الذي اصدره السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان بعدم رفع العلم العراقي الحالي في محافظات الاقليم. جهل بعض القوى العراقية بالواقع الكردي جعلها تنظر الى هذا القرار بصورة مجردة، وخارج كل السياقات السياسية والتاريخية التي تتحكم في الدوافع التي حتمت اصدار هكذا قرار، هذه القوى فسرت الامر وكأنه محاولة اخرى على طريق د. خالد شوكات: رسالة مفتوحة إلى السيد مسعود البارزاني..استقلال كردستان وهذا كلام غير دقيق، بل هو غير صحيح بالمرة، فالرئيس البارزاني يعرف اكثر من غيره ان استقلال كردستان ليس بالامر الهين، وهو مشروع كبير ومعقد ولايمكن ان يتم من خلال رفع اعلام، وانزال اعلام. واذا كان الامر هو العمل على استقلال كردستان فإن الغالبية الساحقة من ابناء شعب كردستان بالتأكيد ستؤيد مثل هكذا قرارات، لأن الحلم الكردستاني في الاستقلال علاوة على انه حلم مشروع الا انه لن يموت ابدا، ولن يهدأ الى ان يتحقق.
كان الاحرى بالاخوة في التيارات السياسية والاطياف العراقية التي تسرعت في اصدار احكامها الارتجالية متهمة شعب كردستان بالعمل على تمزيق العراق، ان يتجشموا عناء البحث في الدوافع الحقيقية التي تقف خلف القرار الرئاسي للسيد الرئيس مسعود البارزاني، وهذه الدوافع لاتخفى على القريبين من الشأن الكردي، وخصوصا وان توقيت القرار يغني عن كل جهد للتوصل الى الاسباب الحقيقية من وراء اصدار القرار. القرار الرئاسي صدر في الحادي والثلاثين من آب الماضي، وهو يصادف الذكرى العاشرة لدخول قوات صدام الى العاصمة الكردستانية اربيل، ورفع العلم العراقي الحالي وبأيادي الجيش وقوات الجحوش التي ارتكبت جرائم الانفال من قبل. عندها اجتاحت قوات الانفال العاصمة الكردستانية وخرقت كل الرموز السيادية لشعب كردستان، وقرار الرئيس البارزاني ومع احترامي الشديد لشخصه، وولائي المطلق لحكومة اقليم كردستان وتجربته الوطنية، الا انه قرار سريع ومتعجل، ولايعبر عن ارادة شعب كردستان، ليس لأن شعب كردستان متمسك بالعلم الصدامي، ولاحتى لأن هذا الشعب متمسك الى هذا الحد بالوحدة العراقية، بل لأن آليات صدوره جاءت مغرقة في الفردانية وبعيدة كل البعد عن اللجوء الى آليات العمل الديمقراطي،وهي في المحصلة النهائية جاءت لاسباب شخصية محضة.
عندما اقول ان القرار لايعبر عن ارادة الشعب الكردستاني فإنني اتساءل، ترى هل تشاور فخامة الرئيس البارزاني مع الآخرين حول هذا القرار، هل استشار برلمان كردستان ام انه اصدر القرار واراد ان يفرضه بحكم الامر الواقع؟ في الحقيقة ان هذا القرار يخيفني الى ابعد الحدود، ومن خلاله ارى ظلا لرئيس يتجاوز على ارادة شعبه ويفرض عليه قرارات ولأسباب شخصية محضة. كمناضل قضيت عمري كله في النضال لتحرير كردستان، ودفعت ضريبة النضال بالدم والدمار لاسرتي، اقف اليوم مرتعبا من مستقبل الديمقراطية في بلد يسمح رئيسه لنفسه بالانفراد باصدار قرارت خطيرة ودون الرجوع الى اي كان. لااخفيكم سرا اذا قلت انني لم اشعر بالرعب على مستقبل كردستان وشعبه حتى ايام الانفال الحالكة الظالمة.
الجانب الاخطر في هذا القرار هو ان الرئيس البارزاني يعطي لنفسه الحق في ان يكون المرجعية التي تحدد المعايير الوطنية وغير الوطنية، وهذا هو اخطر بذور التوتاليتارية، فهل يعقل ان يكون العلم الحالي رمزا للوطنية تحت بساطيل قوات الانفال وتحت رئاسة صدام حسين، ثم يتحول بعد مرور عشر سنوات فقط وفي ظل حكم وطني منتخب شارك هو ومناضلي حزبه في التاسيس له؟ هل يمكن ان تخضع معايير الوطنية الى هذه الدرجة من الفردانية والانفراد؟ عندما تنقلب المعادلة وتصبح المعايير هي التابعة للزعيم، وليس العكس فإن الكارثة تكون اقرب الينا مما نتصور، ومن هنا وكمناضل كردستاني ارفض ان تخضع هذه المعايير لحكم وتدخلات كائن من كان، ارفض ان يعتبرني رئيسي الذي اعتبر نفسي احد رعاياه، غبيا وساذجا الى الحد الذي يمكن ان تنطلي علي وعلى ابناء شعبنا هذه الاعمال. كيف يمكن لزعيم يحترم ارادة شعبه، علاوة على انفراده بالقرارات الخطيرة، يحاول ان يسوق قرارات فردية وذات دوافع شخصية محضة، ويصورها على انها اعمال بطولية تهدف الى تحقيق الاستقلال لكردستان، وتأسيس الدولة الكردية.
هذا القرار يحمل في طياته الكثير من المخاطر، لكنني استطيع ان اجزم بأنه لايشكل ولو قيد انملة خطرا على العراق ووحدته وسلامته الاقليمية، والهدف كما قلنا ليس فصل كردستان وتأسيس الدولة الكردية بقدة ماهو التغطية على قرار اتخذ قبل عشرة اعوام، وهو في المحصلة النهائية لايستهدف الشارع العراقي بقدر مايستهدف الشارع الكردي، لذا اصبح لزاما على القوى العراقية المعترضة على القرار اعادة النظر فيه بروية، وداخل سياقاته الواقعية، ويكفوا عن اتهام شعب كردستان هكذا جزافا.