كتَّاب إيلاف

مسرحية الامتحان وساعة ظهور إمام الزمان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لاشك ان المرحلة التي مرت بها ايران الخمينية في عهد الرئاسة الخاتمية كسرت وبنسبة معينة طوق الرقابة الإعلامية والثقافية والسياسية المفروضة على فعاليات النخب الإيرانية. وعلى الرغم من محدودية الانفتاح الذي حصل آنذاك إلا إنه كشف وبشكل كبير عن مدى حالة الاحتقان التي تعيشها النخب الفكرية والثقافية والسياسية الإيرانية والتي حرص ملالي طهران اشد الحرص على جعلها محبوسة في صدور أصحابها، خصوصا تلك الرؤى والأفكار المتعلقة بالعقائدية الدينية. حيث استطاعت تلك النخب [و الشابة منها تحديدا] في بدايات الدورة الأولى من عهد الرئاسة الخاتمية ان تكشف عن موقفها من هذه العقائد التي تشكل إحداها [وهي مسألة الإمام المهدي الموعود] العمود الفقري للنظرية السياسية التي تحكم البلاد وهي نظرية ولاية الفقية، أي الحكم بنيابة عن المهدي المنتظر. فقد استطاعت تلك النخب ان تحولها الى محور نقاش بين التيارات الإصلاحية والمحافظة بعد ان كان التطرق لهذه المسألة يعد من المحرمات.
ملالي طهران الذين لم يتحملوا وجود عقول وأفكار نيرة تخالف أفكارهم البليدة وتطعن في عقائدهم الخرافية لم يمهلوا هذه النخب ان تثبت أقدامها و تكشف عن أرائها كاملة و لهذا عمدوا الى حملة تصفيات جسدية واعتقالات واسعة في وسط النخب الفكرية. وكان ضحية هذه الحملة التي نفذتها وزارة الاستخبارات مقتل عدد من الكتاب والسياسيين من الذين ساهموا في كسر طوق الحصار الفكري المفروض. و كان من بينهم وزير العمل في الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد انتصار الثورة على الشاه، الدكتور داريوش فروهر وزوجته وعدد آخر من النشطاء في المجالات الإعلامية والسياسية والثقافية.
هذا الحدث الذي خلق جوا من الرعب بين النخب و تسبب في تصيعد تبادل الاتهامات بين أجنحة النظام من المحافظين و الإصلاحيين الذين صار كل منهم يتهم الآخر بالمسؤولية عن هذه الجرائم، دفع مرشد الثورة الملا علي خامنئي لتدخل على الخط في محاولة لإنهاء الجدل بين الأجنحة المتصارعة وبنفس الوقت إرسال برقية عاجلة الى النخب الفكرية بضرورة التزام الصمت والكف عن الخوض في المسائل التي تخالف عقيدة وفكر النظام وإلا فان مصيرهم سيكون مصير المثقفين الذين قتلوا على أيدي أجهزة الاستخبارات وهم الكـتّـاب، مختاري ، بوينده و الوزير السابق و زعيم حزب الشعب، داريوش فروهر وزوجته وغيرهم.
وقد جاء هذا الإنذار في خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها خامنئي في جامعة طهران في الثامن من كانون الثاني عام 1999م حيث وصف فيها الوزير السابق المقتول، داريوش فروهر، بأنه عدوا للنظام ، وأن الكتاب والمثقفين الذين تم قتلهم بأنهم لم يكونوا من مثقفي الدرجة الأولى وان الجماهير لم تكن تعرفهم!
بهذا الخطاب حاول خامنئي ان يحسم الجدل ويوقف أي كاتب تراوده نفسه تجاوز الخطوط الحمر التي رسمها نظامه و أولها تلك التي تشكل صلب عقيدته السياسية التي يستمد منها شرعية وجوده على كرسي الحكم وهي نظرية ولاية الفقيه المطلقة.
هذه التهديد المباشر من قبل أعلى هرم في النظام الإيراني لم يتمكن من وقف مد نشاط الحركة الطلابية التي أصبحت، بعد قتل وسجن وتهجير النخب الفكرية، تشكل تحديا كبيرا ومباشرا للنظام لاسيما في الجانب العقائدي حيث استطاعت هذه الحركة ومن خلال نشراتها الإعلامية والثقافية من فتح أبواب واسعة للنقاش في جميع القضايا الفكرية وعلى رأسها المسألة الأبرز وهي نظرية ولاية الفقية.
وبما ان هذه النظرية تستمد شرعيتها من تأصيل عقائدي شيعي وهو نظرية الإمام المهدي او ما يسمى بالإمام المنتظر، فقد عملت الحركة الطلابية على الطعن في صلب هذه النظرية " لكي تسهل عملية تفنيد و بطلان حاكمية ولاية الفقية.
وهذه المسرحية، الامتحان وساعة الظهور، التي نشرتها احد المجلات الطلابية والتي أثارت وقتها ضجة إعلامية وسياسية و أدخلت ناشريها السجن، كانت جزء من العمل الفكري والسياسي الطلاب الساعي الى إلغاء منصب الولي الفقيه الذي أصبح وجوده عائقا في تقدم البلاد وتحررها من الدكتاتورية المطلقة.
وهذا هو نص المسرحية التي ترجمها للعربية مركز دراسات النهضة الأحوازية للثقافة والإعلام.

"المسرحية"

- في البيت ليلاً. عباس يختتم صلاته، يسجد ويُعفّر جبهته بالأرض كثيراً ويتضرع. - إلهي عَجّل بعودة إمام الزمان وظهوره، أضيء أعيننا بنور جماله الأخاذ. فانا أريد خدمة عهده الخارق. ولا أحيا إلا بحبه. أسترحمك يا إلهي... يطوي عباس سجادة الصلاة وينهض وهو يتمتم بالثناء على الرسول ويجفف دموعه.
- في الشارع ليلاً. يمشي عباس مسرعاً. تربت يداً برفق ٍ على كتفه. و يناديه صوت شاب. يرد عباس بدون ان يلتفت إلى مصدر الصوت :- حتى لو كنت قروياً تائهاً نشلوا منه حافظة نقوده، فليس معي قرشاً واحداً لأعطيك. أذهب وفتش لك عن شغل...
- لا يا عباس. أنا لست تائهاً، بل أتيت أدلك على الطريق.
- أتعرف اسمي؟- أنا لا اعرف اسمك فحسب، بل كل أسرار حياتك. أنا إمام الزمان يا عباس.
- هل أنت جاد في ما تقول ؟. يهز الرجل برأسه " نعم " ويتوقف عباس ويرتمي على قدميه ويتضرع ويبكي :
- مولاي اين كنت ؟ مولاي أنا مستعد للتضحية بحياتي لأجلك... يمد الرجل يده إلي عباس ويرفعه عن الأرض ويقول له : - لا تبك ليس اليوم يوم دموع يا عباس. أتعرف إنني جئت لأراك ؟.
- يتأوه عباس ويقول :- مولاي أنت معلم الأسرار.
- أتريد أن أعهد إليك بمهمة ؟ - أيعقل أن ارفض لك طلبا ً ؟ أنا لا أحيا الامن اجل ان احبك.
- إذن، يوم الجمعة في الثامنة صباحا ً، تحلق شعر رأسك وتأتي إلى ميدان الثورة.(*) وفي اللحظة التي اظهر فيها تبدأ بتجنيد الأنصار للالتفاف حولي.
- الجمعة ؟
- وماذا في الأمر ؟ هل هو موعد متأخر كثيراً؟.
- آه.. نعم ولكن للأسف ينبغي أن أتقدم الى امتحان القبول في الجامعة الجمعة الساعة الثامنة. اجل ظهورك الى الغد.
- مستحيل أراد الله تنجز الجمعة.
يرجوه عباس ويلح.. لقد بقيت مختفيا ً1354سنة وخمسة وخمسين يوماً. ماذا يضيرك ان تضيف إليها يوما من اجلنا؟.
- لقد سبق وقلت لك إن هذا مستحيل. الدنيا هكذا مليئة بالظلم و الاعتباط والتعسف.
- مولاي العزيز، اعرف سلفا ً ماذا سيجري إذا ما بدأت ثورتك غداً. لقد عرفنا ثورة في ما مضى. و سيفوتني الامتحان. وستدوم ثورتك سنة او سنتين بعدها ثورة ثقافية. وستغلق الجامعات. وتنقضي سنتان او ثلاث عل الأقل لتفتح أبوابها من جديد إذا لم نقل أربع سنوات. و الطلبة الذين يتراوح عددهم بين مليون ونصف وبين مليونين هذه السنة سيصبح عددهم مابين سبعة وثمانية ملايين. دون ان نحسب أولئك الذين سيجيئون من آسيا و أفريقيا. وسأكون قد نسيت كل ما تعلمته وستضيع الجامعة مني نهائياً.
- ولكنك أنت الذي تضرعت لكي أظهر وتكون واحداً من أنصاري.
- أنا مازلت أتضرع يا مولاي. و إذا ما جعلت مني غداً في عهدك الميمون محافظاً سأكون بلا مؤهلات ، في حين نحن بحاجة ماسة الى الخبراء.
لقد ظهرت التناقضات نفسها عندما قامت ثورتنا. و أرجوك ان تعذرني فانا لا أريد إهانتك. لكن والدي سقط في الفخ نفسه : الثورة ، ثم السجن، ثم ترك الجامعة وعهدوا إليه بعدئذ بوظيفة ولكنه فشل فيها فشلاً ذريعا.
- هذه مشيئة الله. إذا قبلت ستحصل على مزية ان تكون شهيدا لهذه الثورة العظمى.
- ويلاه. أنت أسوا من " الملالي " فهم على الأقل قد أسرفوا في وعودهم وبالغوا بها. وأنت تلفنا بالكفن منذ البداية، ولما كنت أنا مؤمنا بك لذلك لن أرد عليك، ولكن واحداً غيري كان سيصفعك بسبب ما قلته : يا صاحب الزمان أنا عندي زوجة و أولاد.
- أنا لا أعيش الامن اجل الشهادة، وأود لو كان لي مئة عمر لأضحي بها. ولكني لست وحيدا وعلي مسؤوليات نحو الآخرين فإذا مت شهيدا ستتزوج زوجتي رجلا آخر. ولن يتمكنا من التفاهم وسيربيان اولادهما تربية سيئة.
- كفى. لقد فهمت. يجب علي أن أرحل .
- أضف الى ذلك وجها آخر للمسألة : فالرجل الآخر ربما كان قد تزوج من أمرآة أخرى وهذه الزوجة... يبتعد الرجل عن عباس محاولا الرحيل. ولكن عباس ظل ممسكاً بيده ويقول له : - أين ستنجو بنفسك ؟ أتظن بأنني سأدعك تحرمني من الجامعة ؟ يضع عباس يده في جيبه ويخرج منها سكيناً... ويظلم المسرح.
بعد انقضاء هزيع من الليل. المكان حلقة دينية. يجلس المؤمنون على الأرض وعلى رأس كل منهم نسخة من القرآن. وينشدون معاً : بل حجة. بل حجة. (*) يضرب عباس صدره ويصيح بصوت أقوى منهم : بِِل حجة . يا الهي عجل بظهور إمام زماننا.. ويبكي.
يسمع صوت يعلو فوق الأصوات : إذا بحث الناس عني يجدونني بيسر كما يعثرون على.....
أضاعوها...
ويسدل الستار.

(*)- الساحة الرئيسية في طهران
(*)- الجدة هو تسمية المهدي ويسمى الحجة بن الحسن أيضا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف