كتَّاب إيلاف

سلطة الأيديولوجيا في السياسية اللبنانية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لبنان بين الفساد الثقافي والفساد السياسي

يشهد لبنان حراكًا سياسيًّا مستمرًّا، يعكس بدون شكّ صور النزاعات الثقافية الكامنة وراءه، صحيح انّ العناوين المطروحة للنزاعات لا تبدو ثقافية للوهلة الأولى، لكن عند تمحيص مضامينها وسياقاتها تظهر بوضوح المعالم الثقافية الكامنة فيها.

فالمشهد الثقافي الحالي يعكس التداخل بين مفهوم الدولة ومفهوم الأيديولوجيا بوصفها مجموعة الأفكار والخطابات والتصورات التي تعتنقها النخب السياسية لشرعنة وجودها في السلطة او لممارسة عمليات الإقناع بأحقيتها في الوصول إليها، اما مسرح تلك العمليات فهو لبنان.

والمُتتبع للمشهد اللبناني، يصل إلى قناعة شبه راسخة، بأن النظام السياسي الحالي كما الانظمة التي تعاقبت خلال الفترات السابقة هي أنظمة عاجزةعن تحقيق قيام دولة حديثة، لأنها لا تمتلك سمات الدولة العصرية القادرة على القيام بحداثة مكتملة غير قابلة للنكوص والارتداد.

والأخطر من ذلك كله اهتزاز فكرة الدولة أو السلطة في الوعي الثقافي عند المواطن اللبناني، وليس الأمر مقتصرًا على الوعي التاريخي وحسب، فالمنظومة السياسية التي يعمل في إطارها الساسة، والأسس الفكرية والثقافية التي يرتكزون عليها، لا تؤدي الى قيام دولة عقلانية او الدولة المدنية بحال من الأحوال وذلك لأمور عدّة منها :

bull;التركيبة الطائفية للنظام، تجعل منه نظام قمعي وتسلطي بامتياز وانُ ادّعى خلاف ذلك، وقد تجسد ذلك في علاقته المباشرة مع المواطنين من جهة، كما تجسدّ بصورته الصارخة في تسخير مؤسسات الدولة لمصالح القوى النافذة المتمثلة بالمحادل الانتخابية فيه.

bull;ان النظام السائد لا يحترم الحريات الأساسية الحقيقية للأفراد والجماعات، فيه علمًا ان هناك تصور سائد انّ لبنان هو بلد الحريات، وفي حقيقة الامر أن لبنان فيه حرّيات شكليّة تخدم "ملوك الطوائف " و"زعماء القطيع "، في حين أن الحرّيات الحقيقية محرّمة فيه، فعندما يُطرح أي مشروع "مدني"، او عند المطالبة بمشاريع تأسيسية لمؤسسات مدنية حقيقية يتفق "ملوك الطوائف" أجمعين على تعطيل هذا المشروع، لأن ذلك سيضر بمصالح زعاماتهم بالتأكيد وسينتقص من حصتهم الطائفية في اقتسام المناصب والمنافع..

bull;في ظل البنية السياسية الحالية هذه تغيب الديموقراطية، فالنظام الطائفي يؤدي الى تغيب دور النخب الفكرية والعلمية في داخله، وبخاصة تلك التي تدعو إلى إحداث تغيير جذري في مختلف مظاهرالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعادة ما يبقى في المشهد "مثقفي السلطان" او من يُشّرع ليل نهار لإعادة انتاج شروط انتاج التركيبة المعهودة، وهذا ما يفسّر وجود الكثير من العقول اللبنانية في المهجر وبلاد الاغتراب، فالمؤسسات الحكومية اللبنانية تعتمد المحسوبيات وتوريث المناصب والكراسي للابناء والاحفاد، بغضّ النظر عن الكفاءات الامر الذي دفع بالكفاءات المبدعة الى الهجرة وترك البلد بما حمل...

bull;بنية النظام الثقافية واسسه الفكرية،أبدلت دولة القانون والمؤسسات بدولة" الفرد" سواء كان هذا الفرد "زعيمًا " او مجموعة او " تكتل واحد مسيطر"...

bull;تحصيل حاصل فإن الفساد سيكون هو دعامة رئيسية من دعامات البناء التنظيمي للمؤسسات هذه، لأن الفساد المادي سواء كان فساد مالي ام إداري ما هو الا انعكاس لفساد فكري وثقافي مؤسس للممارسات الفاسدة كلّها....

وإذا أردنا أن نعالج ظاهرة الفكر السياسي اللبناني،لا بد من الكشف عن الأصول الأيديولوجية الذي تنبني عليه السلطة والدولة في لبنان وجدليات السياسة والثقافة واتجاهات الخصوصية اللبنانية ونقائضها،ومن خلال الشواهد التطبيقية للقضايا المطروحة و أمام المعطيات جميعها نجد انفسنا أمام إشكاليتين رئيسيتين :

bull;اشكالية الهوية عند بعض الشرائح اللبنانية، فالطائفية السياسية الحالية باعتبارها فكرًا دفاعيًّا عما يعرف ب "التوازن الطائفي " تتخذ من الهوية المذهبية الخاصًّة حصنًا تتقي به من سائر أوجه التغيير الثقافي والاصلاح السياسي، وترتكز على عقائد أيديولوجية تعتمد الإستبعاد والإنتقاء والإرادوية، وتنفي الشعب في حين تودّ التحدّث بإسمه !!!!

bull;اشكالية التقدم وبناء الدولة الحديثة، وضرورة طرح مشروع جديد لدولة وطنية ترتكز على فصل الدين عن الدولة، و بالتالي فصل الطائفية عن المؤسسات وتكريس ذلك لبناء الوطن الواحد.

فأزمة الاصلاح ليست أزمة مجتمع، بقدر ما هي أزمة وعي لدى النخب السياسية والثقافية على حد سواء، لأن نجاح الاصلاح يعني زعزعة مكانة "الساسة التقليديين " ومؤسساتهم ، كما أن الازمة الحالية تعكس حيرة وضياع وخوف كل طائفة على ذاتها وهويتها وخصوصيتها ومصالحها، الأمر الذي حول صراعات النخب السياسية السلطوية الى صراعات ايديولوجية، مما يؤدي الى سريان الصراع على المجتمع اللبناني بأسره، الامر الذي ينذر بحرب أهلية كامنة.

والمهمة اليوم تقع اليوم على عاتق النخب الثقافية الحرّة لترسيخ القيم التي تؤدي الى صهر الشعب في بنية ثقافية وطنية، من خلال فلسفة "القوى النظيفة" القائمة على أساس التركيز على الطاقة الإبداعية الخفية لدى أبناء الشعب اللبناني، لان إبداع لبنان الثقافي أولا هو الذي يولد لبنان الدولة والمؤسسات.

مروة كريدية / كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف