قوَّات حفظ الحصار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"الباطل لا يظهر بلباس الباطل بل بلباس الحق." أنطون سعادة.
I
إنَّها قوات حفظ الحصار على لبنان مرتدية لباس "قوَّات حفظ السلام"، ولها هدف وحيد وإن غير معلن، يتم تنفيذه على مراحل متتالية، ألا وهو القضاء على المقاومة: قطع المدد عنها وحصرها وتطويقها، ومن ثمَّ نزع سلاحها طوعًا أم بالإكراه. هذا هو الهدف. أما كيف ومتى وبمن، فستأتي لاحقًا وبعد إحكام الطوق.
II
للعبرة فقط: مشهدان من مآسي الحرب اللبنانية يقفزان من الذاكرة إلى قلق الحاضر والمستقبل. مذبحة مخيَّم مسلَّح حارب حتى آخر طلقة قبل أن يباد سكانه الذين أنهكهم الجوع والعطش، هو مخيم تل الزعتر. ومذبحة مخيمين جُرِّدا من السلاح هما صبرا وشاتيلا. المذبحتان حصلتا بأيد لبنانية ومدد إسرائيلي وحصار عربي ودولي.
III
للحصار العربي على العرب أشكال: الصمت أو إشاحة النظر أو التلميح أو التصريح، وتغطية التواطؤ العملي بالتضامن اللفظي، وقوَّات الردع وقوَّات حفظ السلام، وطائرات المعونة والإغاثة عوضًا عن الطائرات الحربيَّة، وعدم خرق الحصار إلاَّ بأذن من إسرائيل، والصلح معها، واتِّهام المقاومة بالمغامرة والإبقاء على العلاقات بإسرائيل حتَّى في ذروة الاعتداء على المدنيِّين اللبنانيين، وتسفيه انتصار المقاومة العسكري، والتركيز على الخسائر المادية فقط، وخطَّة النقاط السبع للحكومة اللبنانية، القرار 1559، القرار 1701، أوسلو وأخواتها، إلخ.
IV
قوى 14 آذار تطالب بمحاسبة المقاومة على الخسائر الهائلة التي وقعت في لبنان نتيجة "مغامرتها" التي توخَّت الإفراج عن الأسرى في سجون العدو، وذهب ضحيتها حوالي الألفي شهيد، ودمِّر من جرَّائها خمس عشرة ألف وحدة سكنيَّة، ولكنَّها انتهت بهزيمة كبيرة للآلة العسكريَّة الإسرائيليَّة. حسنًا! مَن يحاسب قوى 14 آذار على الخسائر الهائلة التي وقعت في حرب الجبل بين قوَّات وليد بك جنبلاط وسمير جعجع - من قوى 14 آذار - التي أودت بحياة آلاف المواطنين، وأدَّت إلى تدمير ما يزيد على الاثنين وعشرين ألف وحدة سكنيَّة!
V
وليد بك جنبلاط يطالب بضم "مهجَّري الجبل" إلى الذين يتلقون التعويضات نتيجة حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان! هل مَن يسأل وليد بك عن عدد المرَّات التي قبض فيها ثمن تهجيره لأولئك من ديارهم في منتصف الثمانينيَّات وعن سبب عدم سماحه لهم بالعودة حتَّى اليوم؟
VI
مشهد رائع كالحلم: عشرات الآلاف من المواطنين العرب، معظمهم من الشباب يغنُّون الحب والحياة والحريَّة في مدرَّجات جرش وقرطاج وبصرى الشام وغيرها. يغنُّون الحب مع كاظم الساهر وجورج وسوف ونجوى كرم، ويغنُّون بيروت مع ماجدة الرومي والثورة مع جوليا بطرس، والمقاومة مع مارسيل خليفة، ويغنُّون الحياة مع فيروز. وجوه الشباب العربي جميلة جميلة. في المدرَّجات يعيشون حلمًا بحياة حرة كريمة يحقُّ لهم فيها الحب والعمل والفرح والانطلاق بلا خوف ولا وجل. حياة لا مكان فيها للمخابرات والعسس والعسكر وتهمة الإرهاب. ينتهي الحلم العربي لحظة الخروج من المدرَّجات ليبدأ الكابوس العربي خارجها.
VII
خارج موضوع النصر والهزيمة العسكريَّين، وضع السيِّد حسن نصر الله مجموعة مقاييس جديدة من المفيد إنعام النظر فيها، ودراسة نتائجها. لقد وضع علاقة جديدة بين الرئيس والمرؤوس تجلَّت في خطابه الذي قال فيه للمجاهدين من أبناء المقاومة: "أقبِّل رؤوسكم التي أعلت كلَّ رأس. وأقبَّل أياديكم القابضة على الزناد، يرمي بها الله تعالى قتلة أنبيائه وعباده والمفسدين في الأرض. وأقبِّل أقدامكم المنغرسة في الأرض." بهذه الكلمات لم يعد الرئيس هو مَن تُقَبَّل يده أو أذيال ثوبه، بل أصبح القدوة في التواضع والمحبَّة والرحمة والأخوَّة.
المقياس الثاني، كان حين رفض أن تقف الناس في الصفوف لكي تستلم حقَّها، بل أوفد مسؤولي المقاومة ليذهبوا هم إلى الناس ويعطوهم حقَّهم. والذي يعرف أيَّة مذلَّة يتعرَّض لها المواطن من دفش وتزاحم وسرقة المسؤولين لحقوق الواقفين في الطوابير في طول هذا العالم العربي وعرضه، يدرك أهميَّة هذا الموقف.
المقياس الثالث هو الصدق. الكلمة عند حسن نصر الله تعني مضمونها. فهو إذا قال فعل. وتراه لا يقول قبل أن يجهِّز للفعل عدَّته وعتاده. إنه صادق في وعده ووعيده.
المقياس الرابع: حسن التخطيط والإعداد والتدريب والتنفيذ. إنَّه يدرك مقوِّمات النجاح ويعمل بها.
المقياس الخامس: المساءلة، بدءًا من الذات. إنَّنا لم نفهم قوله إنَّه لو أدرك أنَّ العملية سوف توصل إلى ما أوصلت إليه على أنَّه "خطاب ندم"، بل وقفة مسؤولة مع الذات ومع الوطن فتح فيها باب المساءلة واسعًا.
المقياس السادس إنَّه أعاد إلى كلمات الشرف والكرامة والعشق والقيم والشجاعة والصبر والصمود والجهاد مضامينها، وحرَّرها من الابتذال الذي أوصلها إليها من علكها لأجيال وبصقها دون أن يفقه لها معنى.
VIII
هذه المقاييس أعلاه هي التي يطلبها الشباب العربي من قادته. هذه المقاييس ستصبح جزءًا من المساءلة اليوميَّة التي سيضع المواطن العربي رؤوسائه وملوكه وأمراءه ومشايخه وأحزابه - أحزابه تحديدًا، ولا سيما العقيديَّة منها - أمامها أربعة وعشرين ساعة يوميًّا، وسبعة أيام أسبوعيًّا.
IX
"حاصر حصارك". تحيَّة إلى السيِّدة غادة عيد معدّة برنامج "الفساد" على محطَّة "نيو تي في." للحصار على المقاومة دوائر لبنانيَّة وعربيَّة وإسرائيليَّة وأمريكيَّة وأوروبيَّة، حصار المقاومة بكلِّ هؤلاء، أمَّا نزع سلاحها والقضاء عليها فبأيادٍ لبنانيَّة. الأيادي اللبنانيَّة التي ستحاول القضاء على المقاومة، هي نفسها التي تعاونت مع إسرائيل إبَّان اجتياحها لبنان سنة 1982، وكانت تنتظر بتهذيب دورها لدخول مكتب منسِّق الشؤون الإسرائيلية في "ضبيَّة" أوري لوبراني، لـ "تسأل خاطره". هي ذاتها التي انتقلت لتنتظر بتهذيبٍ دورها لدخول مكتب قائد المخابرات السوريَّة في عنجر لـ "تسأل خاطره" أيضًا. ثمَّ انتقلت إلى مقر السفارة الأميركية في عوكر "تسأل خاطر" سيِّدها، وذهبت إلى واشنطن لتكريم العضو السادس في وفد إسرائيل إلى الأمم المتَّحدة "جون بولتون". إنَّها الفئة التي قبضت ثمن الحرب الأهليَّة، ثمَّ عادت وقبضت ثمن السلم. إنَّها أقليَّة شعبيَّة تظهر بلباس أكثريَّة نيابيَّة. سمة هذه الفئة الفساد والعمالة والجبن والدمويَّة. ودمويَّتها على مقدار جبنها. إنَّها عمالة تظهر بلباس الوطنيَّة لتخدع الناس. وهي التي إذا سنحت لها الفرصة، ستنقضُّ على المقاومة بعد أن يكون الحصار قد أنهكها. غادة عيد تساهم في كسر حصار هذه الشبكة عبر حصار رموزها وكشف فسادهم. أمَّا عمالتهم فمكشوفة من زمان.
خلاصة! "حاصر حصارك"، "الباطل لا يظهر بلباس الباطل بل بلباس الحق."