أحداث 9/11 وحفلة العرس العربي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد أحداث 9/11 الإرهابية التي حصلت في سيدة الدنيا أمريكا- حفظ الله الكون والبشرية من شر غاسق إذا وقب، ومن كيد إرهابي إذا فسق، ومن عبث طاغية إذا مرق، ومن اختلاس متنفذ إذا سرق- بعد هذه الأحداث، أخذ العالم كله بإعادة النظر في قوانينه وبساطته وحريته، وانسيابه... وكان العالم العربي أكثر نواحي جسد الكرة الأرضية تألماً وتوجعاً! الأمر الذي جعله يعيش الحالة التي قال عنها شيخ الشعر العربي المتنبي:
يُقْضَى عَلَى المَرْءِ فِي أيَّامِ مِحْنَتِهِ
حتَّى يَرى حَسَناً مَا ليسَ بالحَسَنِ!
والمراقب حين يحاول وصفاً واقعياً للحدث وأثره على هذه البقعة من العالم فلن يجد أروع وأدق من تشبيهها بما يلي: حفلة عرس أو زواج خليجي، كانت صاخبة، مدويّة، تعج بالرقص والفرح، وتمتلىء بالسعادة والحبور، بعدها تقدمت صاحبة الحفلة داعية النساء لتناول العشاء..، وبعد أن انتهين من العشاء مباشرة، انطفأ المصباح الكهربائي قبل أن يغسلن أيديهن.. إن حفلة الزواج ليست أكثر من العالم العربي، وما انطفاء المصباح الكهربائي إلا أحداث 11 سبتمبر، لنرى ماذا حدث بعد هذا الانطفاء المفاجىء "المذهل" الذي لم يخطر على قلب بشر من الحاضرين!
من المعروف أن حفلات الزواج الخليجية تكون على قسمين، قسم للرجال وآخر النساء، وما يهمنا- هنا- هو قسم النساء، لأن صورة الفوضى فيه أوضح، والتعابير المنبثقة عنه أشرح، ودلالة اللغة فيه أصرح، وآهات الألم وهول الصدمة أفصح!
حسناً، بعد الانطفاء ساد الهلع، وعم الفزع، وبدأت تظهر على وجوه الحاضرات آهات التأوّه والجزع، حين أدركن أنه لا مفر من مواجهة هذا الوجع!
وكما يعرف أصحاب إدارة الأزمات، عندما تحل أزمة، تختلط الرؤوس بالأقدام، ويسقط أكثر الناس من جراء التدافع، لذا يهلك الكثيرون عند محاولة الفرار مما يتوهمونه موتاً!
لذا لم تكن هناك سيدة عاقلة بوصفها متحدثة رسمية ترشد النساء الحاضرات على مخارج الطوارىء، ومنافذ النجاة، الأمر الذي جعل جمرة الهلاك ما إن تسقط بيد سيدة حتى ترميها على من هي بجوارها من السيدات، وهكذا أخذت الجمرة تدور دون أن تتصدى لها سيدة عاقلة بالإطفاء، وهذا بدوره أطال أمد الغُلب وزاد مساحات العذاب، ولا ينسى العقلاء أن الجمرة السيئة تدخن دائماً، مما جعل الصالة أكثر تلوثاً مما هي عليه بسبب رائحة العرق التي بدأت تتقاطر نظراً لانطفاء مكيفات الهواء البارد.
بعد مرور دقائق مملؤة بصراخ الأطفال، وأصوات الفتيات وولولة العجائز، كانت كل سيدة مشغولة في نفسها وفي ذريتها- وقد سمعت عبارات (نفسي/ نفسي) كثيراً في هذا الحشر الظلامي المخيف.
ولكن هل كانت الحفلة بعد انطفاء الكهرباء ذات لون واحد، بمعنى أليس هناك من يحاول أن يستغل الحدث، ويمرر أهدافه.. ألم يقل شيخ الشعر العربي المتنبي: (مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد).
إن الحفلة المظلمة لم تكن بعيدة عن سنن التاريخ، إذ ظهرت المستفيدات- وبأثر فوري وبغيره- ولك أن تتخيل أن أم صالح، أحدى الحاضرات، كانت قبيحة الوجه، لذا فرحت لأنها مؤمنة بأنه (عندما تطفأ الشموع كل النساء جميلات)!
ولك أن تفهم أن أم فادي، وهي سيدة قادمة من خارج الخليج لم تتأثر بهذا الظلام، لأنها معتادة على الحروب والصراعات، وكانت تعاني منها منذ سنين، لذا أصبحت تقوم بدور الموجهة أو المرشدة لتساعد المختنقين داخل القاعة للخروج، ولكن ما أن يسمعن السيدات "لكنتها" حتى يصبن بالخوف، لأن هذه اللكنة لا تبعث على الطمأنينة في نفوسهن!
أما أم مريم فكانت تظهر الحزن على ما حصل، ولكنها في غرارة نفسها فرحة سعيدة، لأنها تعيش في قرية لا كهرباء فيها، لذا كانت تترنم بينها وبين نفسها قائلة: (ما فيش حد أحسن من حد).
أما أم راشد، فقد كانت حذرة، تتحسّب، وتتدبر الأمور، وتأخذ "بالأحوط" لذا هي لا تذهب لأي مناسبة إلا وهي تحمل مع "أدوات الزينة" (كشافاً صغيراً) تستهدي به سبيل الرشاد، فقد أخذت من أبيها الحكمة وحسن التصرف ودقة التدبير، إذْ كان والدها دائماً يردد:
الليالي من الزمان حبالى
حاملات يلدن كل عجيبِ
لذا لم يغب عنها "العجيب" ومن العجيب، الذي كانت قد استعدت له هو هذا الانطفاء المفاجىء، لذا خرجت بعد أن أضاءت مصباحها الصغير، مرددة القول الذي تتغنى به دائماً:
ضوئي.. معي أينما يممت يتبعني
كفى وعاءٌ له، لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان الضوء فيه معي
أو كنت في "السوق" كان "الضوء في السوقِ
أما ما كان من أم فردوس، فهي سيدة مؤدبة كبيرة ومثقفة، ولكن لا جاذبية لها، من هنا لم تجد محاولاتها المستمرة، ونداءاتها المتوالية للحضور بأن يتحلين بالحكمة، ويقمن بسياسة "ضبط النفس" هذه العبارة التي تدحرجت إليها من خطابات جامعة الدول العربية، ولكن مع الأسف فإن كل نداءات أم فردوس ذهبت مع الظلام قبل أن تذهب مع الريح!!!
لم تسأم أم فردوس بل ذهبت لتهمس بأذن أم عبد الوهاب قائلة: (اعتقد أن إشعال شمعة خير من أن نلعن الظلام)! كما يقول الفيلسوف كونفوشيتوس!!!
أم عبد الوهاب فاضلة في الخمسينات، كانت- والحق يقال- أكثر النساء تضرراً وتمزقاً وألماً في تلك الليلة. حاولت أم عبد الوهاب- في البداية- أن ترد على مقولة أم فردوس مؤكدة أن إشعال الشموع لا يمكن إلا عندما تنطفىء الكهرباء، ولكن الكهرباء لم تنطفىء، وكل ما ترينه من الظلام ما هو إلا أوهاماً وتهيؤات لا توجد إلا في خيالك! بعد جدال طويل اقتنعت أم عبد الوهاب بأن المصباح انطفأ، أدركت ذلك عندما ذكرّتها أم فردوس بأننا لا يمكن أن نرى العروس في هذا الجو المظلم في المنصة "الكوشة"، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا انطفأت المصابيح، ألم تعلمي بأنه (في الليلة الظلماء يُفتقد البدر)! بل ذكرّتها بقول المتنبي:
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
استوعبت أم عبد الوهاب الحدث، وبدأت تجّمع أطرافها وأشياءها وبناتها، بعد أن أدركها الحر، الأمر الذي جعل المكياج ينساح على وجهها الصحراوي الوديع.. الكل يعرف أم عبد الوهاب بأنها سيدة ذكية لؤلؤية الوجه، ولكنها في هذه الحفلة- وبعد انطفاء المصباح بدأت معاناتها ومتاعبها، التي تمثلت باكتشاف الأصباغ والمساحيق، ومع أن رائحة العرق لم تظهر لأنها كانت تستخدم مزيلاً قوياً يستطيع أن يتكتم على كل مسام الجلد- إلا أن بوادر الإرهاق والاعياء ظهرت للحضور رغم سواد الليل، وحسرة الوضع، وهول الحدث.
في تلك الليلة اكتشفت أم عبد الوهاب بعض المعلومات المؤلمة، حين تأكدت بأن بعض بناتها لم يكن في الحفلة، فقد زوغن وراوغن، بعد بدء الحفلة بعشر دقائق إذ كن على موعد خاص مع بعض شباب الحي، كما لاحظت أن بعض بناتها يمتزن بالمروق، وتمثل ذلك في رقصهن الحاد، وهزهن للوسط بطريقة توحي بالعنف، واستيعاب الرقصات العالمية الوافدة. في تلك الليلة حقاً أدركت أم عبد الوهاب، (أن المصائب لا يأتين فرادي)!
لأن أبو عبد الوهاب، لا يستسيغ حمل الجوال- والجميع يحترم فلسفته- فقد هرع إلى بوابة النساء، وكان يقف عليها حارس أفريقي غليظ، لذا تقدّم أبو عبد الوهاب طالباً منه أن ينادي على عائلته، عبر مكبر الصوت "المكرفون"، ولكن الحارس أبلغه بأن الكهرباء مقطوعة!!! أصر أبو عبد الوهاب مكذباً انقطاع الكهرباء، وهنا أخذ المكبرّ ينادي به (أم عبد الوهاب/ أم عبد الوهاب/ أم عبد الوهاب) الأمر الذي جعله يسمع "صدى صوته"، صبر حتى أدركه الضجر فوّلى الدبر طالباً من ابنه عبد الوهاب متابعة أمر والدته، واحضارها إلى المنزل.
اتصلت أم عبد الوهاب، بإبنها عبر الجوال، فعثرت عليه، وركبت معه في السيارة، وهنا وجدت رائحة الدخان تفوح من ملابسه لتتلقّى مزيداً من الصدمات.. فقد ظنت أن ابنها بعيد- كل البعد- عن شرب المخزي، بل هي تتصوره مثالاً للإستقامة والالتزام، وما علمت أنه يستغل أوقات خروجه إلى المجسد فيشعل سيجارة "تعْدل الدماغ" على حد زعمه!
كما أن عبد الوهاب، تألم لذهاب أمه وأخواته لحفلات الزواج، فهو قد سمع شريطاً بعنوان "منكرات الأفراح" وما يحدث فيها من مجون وتفسخ!!!
أما أم سالم فهي إمراة طمّاعة- أُشربت في قلبها حب الدنيا، لذا لديها مجموعة من البنات، وكلما تقدّم إليهن الخُطّاب طلبت مهراً باهظاً، الأمر الذي جعل بناتها يتكدسن في منزلها، ومرّ قطار العمر وهن لم يتزوجن وكانت تقول وتردد مقولة الشاعر برناردشو: (لأن يفوتك القطار خير من أن تركب القطار الخطأ)، ولكن الحالة لم تكن بهذه السهولة، فهي الأخرى اكتشفت أن بعض بناتها لديهن "علاقات مشبوهة" مع بعض الرجال الأجانب!!!
في البداية كانت أم سالم فرحة بما حدث، فإنطفاء الكهرباء سيجعل الأمور تتغيّر- في نظرها- لعل وعسى أن يتقدم لبناتها أحد الشباب المرضى عنه مالاً وإن بدا خلواً من الدين والخلق، ظنت ذلك حين قامت هي وبناتها بمساعدة بعض العجائز للخروج من القاعة.. خاصة وأن كل عجوز لديها شلة من الأولاد الذين ذبحتهم "العزوبية"، لم ينفع معهم "وجاء الصوم"، لذا يريدون أن يتزوجوا "في العيد" المقبل، و"بدنا نتجوز على العيد"!
أما أم نبيل على ما يصف الواصفون، وتزعم الزاعمات فهي راجحة العقل، تؤمن أن (رب ضارة نافعة)، خاصة وهي تتألم لوعة أو تغص جرعة تلو جرعة، كلما نظرت إلى بناتها (الطيبات العاقلات، متواضعات الجمال) يتلهفن للزواج، لكن لا أحد يقرع الباب، لذا انتهزت الفرصة في تلك الليلة الظلماء، وفاتحت أم عبد الوهاب، بما يعتلج بصدرها من الألم جراء "العنوسة" التي تستحوذ على بناتها، مؤكدة لها أن دموعها تهطل منذ زمن، ولكن لا يعلم بها إلا الواحد القهار.. إنها مثل مصباح شاعر العرب المهم نزار قباني، لذا تردد دائماً قوله، صارخة في وجه أم عبد الوهاب:
إني كمصباح الطريق، صديقتي
أبكى، ولا أحد يرى دمعاتي!
صرخت في وجه أم عبد الوهاب، عّل هذه الشفاه تتلحلح، وتخطب أحدى بناتها لأبنها عبد الوهاب، ولكن أم عبد الوهاب مشغولة في نفسها، وكم استسخفت أم نبيل على هذا التلميح، وذاك التلقيح، ملقية عليها نظرة صفراء، مضمونها لا يبتعد كثيراً عن المثل السوداني القائل: (الناس في شنو، والحسانية في شنو)!!!
أما أم ناصر فهي تعيش حياة هي سلسلة من السواد، بل هي ظلمات بعضها فوق بعض، لأنها تنام حين يصحو القوم، وتصحو حين يصحون، ويشبهها المشبهون بأنها تجسد مقولة الشيخ جبران خليل جبران عندما قال: (بعض الناس مبصر في مدينة مظلمة، وبعضهم مظلم في مدينة مبصرة)، أو هي بوصف أدق تجسيد لبيت شيخ الشعر العربي المتنبي، عندما قال:
وما انتفاع أخ الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلمُ
لذا أدرك أم ناصر اليأس، وأحاط بها القنوط، فعلمت- بعد فوات الآوان- بأن لا أحد يرى "من يغمز بالليل".
أما أم مختار، فقد كانت تحب الجلوس في الظلام، وتعشق ضوء القمر، وكم حذرت من تمادي الضوء، وتكدّس الأضواء، لذا لم تشعر باشتعال الكهرباء حتى تدري باطفائها، كانت على ما يقول القائلون بأنها تحرّف دائماً بيت شاعر الأمراء أحمد شوقي مؤكدة أن الأضواء تعلّم الناس التمرد، وتساهم في تنمية الشتات والضياع، لذا تقول:
ضوؤه شتت الشمل
ومن الضوء ما قتلْ!
أما أم شوكت، فهي امرأة تحترف التصوير في الحفلات خفية، ثم تقوم ببيع هذه الصور على الراغبين بأغلى الأثمان، لذا افتضح أمرها في هذه الليلة من خلال أصوات الكميرات التي معها، وأضواء الفلاشات التي لمعت في ظلمة السواد، حينها تنادى المصلحون بتفتيش قصور الأفراح، وعس الأماكن، وتشديد الرقابة على صالات الأفراح، وأماكن اللهو والتسلية، ولم ينس بعض القوم ووجهاء المجتمع التنبيه إلى الفرق بين من يصوّر للفائدة الرسمية والمصلحة العامة "والمنافع الخيرية"، وبين من يصوّر لأذية عباد الله الصالحين منهم والطالحين! مؤكدين أن هناك بون شاسع بين أضواء الشر وأضواء الخير، وعلى العقلاء من أرباب الأُسر والعوائل مراعاة فارق التوفيق بين الضوءين!!!
وحين يأتي الحديث عن أم جهاد، لابد أن يُقال أنها فرحت بالحدث، كيف لا وزوجها كهربائي عتيق، مهمته إصلاح المصابيح، لذا تبدو الأمور من هذا الجانب نوع من "الشغل" وكسب الرزق، إضافة إلى أن علاقته متوترة مع صاحب الصالة.
لم تكتف أم جهاد بهذا، بل أخذت تتحدث والناس في شغل مهمومين قائلة: (إن الليل أعور) ومؤكدة أيضاً أن: (الليل ستار العيوب)، وحين علمت أن في الصالة بعض النساء الغربيات قالت: (All cats are grey in The dark) علّها توّصل رسالتها لأكبر عدد ممكن من الحاضرات.. إذ ما زالت مؤمنة أن الظلمة تمنع التمييز بين الأمور، كما أن السواد يخفي تحته الكثير من العيوب.. من هنا هي ترى أن الظلام وليس النور هو الأداة الوحيدة لستر العيوب، في حين كان الكل يتصور أن انطفاء الكهرباء قد كشف الأمور، وفضح ما في الصدور!!!
أم معمر كانت ساخطة- وهذا ديدنها دائماً، إذ هي تعتقد أن هذه الأفراح ليست أكثر من عذاب اجتماعي (يتعب فيه ألفان، ليطرب فيه اثنان) وكانت دائماً تردد أن (الفرح للمعاريس والتعب للمفاليس)، كما تحذر من السعي لتقريب رأسين بالحلال قائلة: "اسعِ في ضارة، ولا تسعى في جوازة"! وزاد من سخطها أنها تحوم في الظلام باحثة عن حذاء طفلتها "عبير" الذي للتو ابتاعته لها لارتدائه في هذه المناسبة!
أما أم قيس فقد انشغلت بالبحث عن أطفالها الثلاثة، ومتى وجدت واحداً- ضاع الآخر، وإن وجدت الآخر لم تجد فردة جزمته، وإن وجدت فردة الجزمة لم تجد الساعة التي كانت في يده، فقد نشلها بعض اللصوص من النساء، اللاتي غالباً ما ينتهزن فرصة الزحمة والفوضى لتنفيذ عملياتهن الدنيئة!
وآخر القصص التي رواها الرواة عن تلك الليلة، هي قصة أم علي، تلك المرأة الزاهدة، الرافضة للحداثة، وحياة التنعم والرفاهية، التي إنتهزت الحدث، وأخذت تخطب في الحاضرات، مستغلة انقطاع الكهرباء، طالبة من الحضور الاستماع إلى موعظتها "وهي كأي خطيب"، أكدت أن موعظتها (لن تأخذ أكثر من دقيقتين).
بدأت تذكر الحضور بزيف الحضارة المعاصرة، وجاهليتها وانحطاطها، مشددة على أهمية الرجوع لحياة الأجداد، الذين يستخدمون الأسرجة والأتاريك "الفوانيس" والشموع- عند الضرورة- مؤكدة أن المجتمع لم يجن من هذه المدينة والحضارة والكهرباء إلا الحنظل والمرارة والتعاسة!
لقد صرخت بوجه الحضور قائلة لنعد إلى الماضي، فالذي ليس له أول ليس له تالي ومن لا ماضي له فلا حاضر له، لنرجع إلى الوراء- حين كنا كالدجاج- على الفطرة نتخذ الليل لباساً والنهار معاشاً.. حقاً لقد أفسدت الكهرباء فطرتنا التي فطرنا الله- جل وعز- عليها، حين جعلتْ عالي حياتنا سافلها، وأهملنا "المعالم في طريقنا".. واستمرت أم علي تصرخ وتصرخ مرددة: (يا أيتها النساء عودوا إلى الله، عودوا إلى الله، واتركوا نور الكهرباء، فالله جل وعز نور الأرض والسماء!!!)
لقد خرج الجميع من الصالة بعد معاناة وألم، ولم تبْق إلا أم سليمان، التي يصفها الواصفون بأنها بطيئة الاستيعاب، إذ مازالت تحمل مصباح الفيلسوف نيتشه محاولة البحث عن الحقيقة!!! الحقيقة التي تدل على الفاعل الحقيقي، فمازال الناس- وخاصة من ترّبوا على فقه نظرية المؤامرة- يشككون بانقطاع الكهرباء، بل بعضهم مازال يسأل عن الفاعل، أهو صاحب القصر أم أعداؤه؟، في حين أن كل أهل الحي قد استوعبوا الدرس، وهضموا الجرح، ونظروا للمستقبل على اعتبار أن الجريمة وقعت وأي محاولة للبحث عن الفاعل هي إضاعة للوقت وتضييع للجهد، وتفويت للفرص، التي قد يكون صاحب القصر والأسر الحاضرة، والعوائل المتهمة في أمس الحاجة إليها!!