كتَّاب إيلاف

في الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مقدمة
تعتبر هجمات11 سبتمبر 2001 الإرهابية على أمريكا نقطة تحول تاريخية كبرى ليس في تاريخ الولايات المتحدة فحسب بل وفي تاريخ البشرية جمعاء. كما ولهذا الحدث تأثير كبير ونتائج حاسمة على مصير ومستقبل الشعوب العربية والإسلامية. فمهما حصلت من مآسي بسبب هذه الكارثة، إلا إن الدرس الذي يستخلص منه هو أن التاريخ قد يبدو لنا على المدى القصير عشوائياً وبلا عقل، ولكن على المدى البعيد يسير التاريخ بعقلانية إلى الأمام وإلى الأعلى، أي أن مسار التاريخ تقدمي ولصالح الحضارة الإنسانية. وهذا ما نسميه بمكر التاريخ، إذ في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح. فهذه الكارثة رغم أهوالها إلا إنها هي التي أخرجت أمريكا من صمتها لمحاربة الإرهاب الإسلامي الذي صار يهدد الحضارة البشرية. ولذلك فهذه الهجمات لا تقل أهمية عن الهجمات اليابانية على بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية التي أخرجت أمريكا من حياديتها، فدخلت الحرب وكانت سبباً لدحر قوات المحور وخلاص البشرية من شرورها.

بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان وإسقاط الحكومة الشيوعية فيه، نتيجة لحروب العصابات التي شنتها عليها المليشيات الإسلامية الأفغانية ومنظمة القاعدة التي كانت تضم في صفوفها من سُمُّوا فيما بعد بعرب الأفغان، وبدعم كبير، عسكري ومالي وإعلامي، من الدول الغربية والخليجية وباكستان، بدأت هذه المليشيات في اقتتال فيما بينها على السلطة، انتهت بانتصار قوات طالبان والقاعدة وبدعم من باكستان أيضاً، وقيام إمارة أفغانستان الإسلامية بإمامة "أمير المؤمنين" الملا عمر. كما وبرز دور منظمة القاعدة بقيادة المهندس السعودي المنشق، أسامة بن لادن الذي قدم الدعم لإمارة طالبان مالياً وعسكرياً وأيديولوجياً. ونتيجة لهذه الانتصارات والخبرة القتالية التي كسبتها إثناء الحروب في أفغانستان وإسقاط الحكومة الشيوعية فيه، أصيبت قيادات هذه المنظمات "الجهادية" بالغرور المفرط والشعور بالتفوق والثقة العالية بالنفس، وتحت تأثير أيديولوجية الشهادة والجهاد ضد الكفار، صارت تعتقد بأنها قادرة على أن تعمل الشيء ذاته في البلدان الأخرى وخاصة العربية منها، بل وأن تتعرض للدولة الكبرى أمريكا ذاتها. فبرزت لدى هذه التنظيمات الإسلامية فكرة السيطرة على الدول العربية وإسقاط حكوماتها شبه العلمانية، وإقامة حكم الخلافة الإسلامية، بل وحتى مواجهة الحضارة الغربية التي سماها مرشد حزب أخوان المسلمين في مصر السيد قطب، ب(الجاهلية) حيث تم تقسيم العالم إلى (دار كفر وحرب مقابل دار إيمان وسلام).

وقامت القاعدة وفروعها في العالم الإسلامي بتجنيد الشباب العاطل عن العمل والفارغ فكرياً وثقافياً، مستفيدة من تدهور الأوضاع المعيشية والانفجار السكاني وتفشي البطالة والأمية في هذه البلدان، رافعة شعار (الحل في الإسلام، والقرآن دستورنا والرسول قائدنا) وما تلقته من الدعم المالي الضخم من أثرياء الدول الخليجية، مستخدمة التكنولوجيا المتطورة في نشر أيديولوجية الإسلام السياسي والتطرف الديني والكراهية وتكفير غير المسلمين والتحريض على قتلهم وحتى المسلمين الذين لا يوافقونهم على أيديولوجيتهم. كما وقامت هذه المنظمات بأعمال إرهابية في عدد من الدول العربية مثل الجزائر وتونس ومصر وغيرها. ففي الجزائر وبعد الانتخابات البرلمانية عام 1992 التي حقق الإسلاميون فيها نجاحات كبيرة في الجولة الأولى منها. ولكنهم وحتى قبل خوض الجولة الثانية واستلامهم السلطة، هددوا بإلغاء الديمقراطية الانتخابات ونعتوها بأنها كفر وإلحاد وأنها من الأفكار المستوردة من الغرب الكافر، مما أثار رعب الدول الأوربية من موجات الهجرات الجماعية إليها، الأمر الذي حدا بالحكومة الجزائرية إلى إلغاء نتائج تلك الانتخابات وكان ما كان من صراع دموي طويل راح ضحيته نحو ربع مليون إنسان. وهكذا صارت جميع الدول العربية مهددة بحمامات الدم التي جرت في الجزائر. ومن كل ذلك نعرف أن الشعوب الإسلامية هي أكبر المتضررين بالإرهاب الإسلامي. كما وأثبتت حكومات هذه البلدان عجزها في مواجهة الإرهاب.

من البادئ؟
يحاول اليسار واليمين المتطرف في الدول الغربية، وبدوافع العداء ضد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وحليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وحتى الحزب الديمقراطي الأمريكي بسبب المنافسة على كسب أصوات الناخبين، يحاول هؤلاء جميعاً إقناع شعوبهم بأن التدخل العسكري في أفغانستان والعراق وإسقاط النظامين الفاشيين فيهما ما كان مبرراً وهو السبب الرئيسي في الإرهاب ودفع الشباب المسلم إلى التطرف وتشجيعهم للانخراط بالمنظمات الإرهابية. بينما الواقع وتسلسل الأحداث الإرهابية تؤكد أن التدخل العسكري في أفغانستان والعراق جاء بعد تعرض مصالح الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى الإرهاب، ابتداءً بتفجيرات مركز التجارة الدولي في نيويورك عام 1993 ومروراً بتفجيرات السفارات الأمريكية في نايروبي ودار السلام عام 1998 في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، وانتهاءً بهجمات 11 سبتمبر 2001 التي أخرجت أمريكا من صمتها. إن صمت إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون إزاء التفجيرات التي حصلت ضد بلاده في عهده هو الذي شجع الإرهابيين على التمادي في ارتكاب المزيد من الأعمال الإرهابية، ليس ضد أمريكا فحسب، بل وضد معظم البلدان الأوربية.
لذلك فالتدخل العسكري الدولي بقيادة أمريكا كان نتيجة وليس سبباً للإرهاب الإسلامي على العالم. والجدير بالذكر أن أسامة بن لادن، زعيم منظمة القاعدة الإرهابية، أعلن متباهياً بمسؤولية منظمته عن هذه الأعمال الإرهابية التي وصفها بالغزوات الإسلامية المباركة ضد الكفار وأنها نصر للإسلام والمسلمين ووعد بالمزيد.

هل أمريكا والعالم اليوم أقل أو أكثر أمناً؟
نستنتج مما تقدم، أن صمت إدارة الرئيس بيل كلنتون على جرائم الإرهابيين في عهده قد شجعهم على ارتكاب المزيد من الإرهاب ضد أمريكا والعالم. ولو اتخذت تلك الإدارة إجراءات حازمة بعد تفجير مركز التجارة الدولي وتفجيرات السفارات في نايروبي ودار السلام، واتخذت اليقظة والحذر لمواجهة الإرهابيين، لما حصلت هجمات 11 سبتمبر 2001. وهذا يعني أنه لولا قرار الرئيس جورج دبليو بوش الحازم في شن الحرب على الإرهاب، لتمادت منظمة القاعدة في ارتكاب المزيد من الهجمات ضد أمريكا. لذلك فبالتأكيد أن أمريكا أكثر أمناً من قبل، بدليل لم يحصل أي عمل إرهابي في أمريكا أو ضد مصالحها في العالم بعد كارثة 11 سبتمبر 2001 ولحد الآن.
وكذلك العالم هو أكثر أمناً اليوم عدا حالات متفرقة متباعدة تحصل في هذا البلد وذاك، وإذا ما استثنينا أفغانستان والعراق، حيث شاءت الأقدار أن يتخذ الإرهاب من هذين البلَدين ساحة للمواجهة مع قوى الحضارة، وخاصة العراق نتيجة لظروفه الخاصة وتعقيدات إقليمية محيطة به وتعددية شعبه، شجعت على تصاعد المواجهة مع الإرهاب فيه. ولكن كل الدلائل تشير إلى إن قوى الإرهاب في انحسار وهزائم. فدولة طالبان في خبر كان، ورئيسه الملا عمر فرَّ على دراجة هوائية، وقادة القاعدة مشردُّون من وجه العدالة، مختفون في كهوف تورا بورا وقتل معظمهم. كما وتم إسقاط نظام البعث الفاشي في العراق وانتهى رئيسه الطاغية صدام حسين صاحب أكثر من ستين قصراً، في حفرة بائسة، يواجه المحاكمة على جرائمه ضد الإنسانية ذليلاً مدحورا. أما بقية العالم وخاصة الدول الأوربية، فهي أكثر أمناً الآن لأن الحرب على الإرهاب حفزت حكومات هذه الدول لأخذ اليقظة والحذر، واتخاذ الإجراءات الحازمة في ملاحقة عناصر الإرهاب وتنظيماته والجهات التي تموله وتعمل على تمجيده وتجنيده وتشجيع الشباب المسلم في الانتماء إليه، بدليل ما حصل في الآونة الأخيرة في بريطانيا وفرنسا وباكستان من نجاح باهر في إحباط محاولات تفجير الطائرات عبر الأطلسي وإلقاء القبض على العشرات من المشتبه بهم. ولولا هذه الإجراءات لصارت هجمات 11 سبتمبر ممارسات متكررة في الدول الغربية، كما حصل في ضرب قطارات مدريد في آذار 2004 وقطارات الأنفاق في لندن في 7/7/2005.

ما مدى نجاح الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب؟
كما بينا أعلاه، حققت الولايات المتحدة وحلفائها نجاحات باهرة في الحرب على الإرهاب. أولاً، نجحت وبسهولة فائقة في إسقاط حكومة طالبان التي جعلت من أفغانستان دولة إرهابية وبؤرة لجذب وتدريب المتطوعين إليها لتنظيمات القاعدة. ونجحت في إقامة نظام ديمقراطي انتخابي في هذا البلد، يقر بحقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، ويعمل على نشر الحداثة والديمقراطية. وحققت الحكومة الأفغانية الديمقراطية نجاحاً كبيراً في الإعمار وتقديم الخدمات للشعب الأفغاني وسحق فلول القاعدة وطالبان.
أما في العراق، فقد نجحت الولايات المتحدة في إسقاط نظام البعث الفاشي بقيادة صدام حسين الذي كان عهده عبارة عن حروب عبثية متواصلة على شعبه ودول المنطقة، فقتل نحو مليونين من الشعب العراقي وشرد خمسة ملايين وكان داعماً لتنظيمات الإرهاب. إضافة إلى سعيه الحثيث لامتلاك سلاح الدمار الشامل من أجل فرض طغيانه على دول المنطقة وتهديد السلام العالمي. فقد تم إسقاط هذا النظام الفاشي وأقيم مكانه نظام ديمقراطي وأجريت في العراق ثلاثة عمليات تصويت، انتخابين برلمانيين واستفتاء على الدستور، بنجاح باهر. نعم هناك صعوبات، ولكن هذه الصعوبات هي جزء من الحرب على الإرهاب وفلول النظام البعثي الساقط وحلفائه من تنظيمات القاعدة، وهي في طريقها إلى الأفول. ومن نافلة القول أن الحرب على الإرهاب تحتاج إلى وقت قد يطول ولكن في نهاية المطاف لا بد وأن تندحر قوى الإرهاب لأنه مبني على أيديولوجية الشر.

ما طبيعة التأثير الذي خلفته هذه الحرب على الأوضاع في العالم العربي والعالم بصورة عامة؟
لقد أدت الحرب على الإرهاب وإسقاط النظامين الفاشيتين، طالبان في أفغانستان والبعث في العراق، وملاحقة فلول القاعدة في العالم، إلى تحريك القوى الديمقراطية إلى المطالبة بإقامة أنظمة ديمقراطية وإقرار حقوق الإنسان في العالم العربي خاصة والعالم الثالث بصورة عامة. فهناك حملات للإصلاح السياسي والاجتماعي والتعليمي في جميع الدول العربية بما فيها السعودية. ففي المغرب صدر قانون الأحوال الشخصية الذي ساوى بين الرجل والمرأة لأول مرة في التاريخ، وقد صوت لصالحه البرلمان المغربي بالإجماع بمن فيهم النواب الإسلاميون. كذلك هناك تقدم ملحوظ في حل الأزمة السودانية. كما وعرض البرنامج النووي الإيراني على الأمم المتحدة. أما معمر القذافي (الذي قال مرة أنه يفضل تدمير العراق وقتل كل العراقيين على السماح لمفتشي الأمم المتحد عن الأسلحة دخول غرفة نوم صدام - The Guardian, 24/2/1998)، فقد سارع وسلَّمَ كل ما يملك من معدات وأجهزة برنامج سلاح الدمار الشامل إلى أمريكا طوعاً ودفع تعويضات ضخمة عن أعماله الإرهابية في قضية لوكربي وغيرها قبل أن يصيبه ما أصاب صدام حسين. كذلك حققت المرأة الكويتية نجاحاً باهراً في الحقوق السياسية إذ تم تعديل الدستور الكويتي وصار يحق للمرأة المشاركة في الترشيح والتصويت في الانتخابات البرلمانية والبلدية، ولأول مرة في التاريخ تتسلم المرأة منصب وزاري في هذا البلد. وذات الشيء تكرر في سلطنة عمان. ولأول مرة أجريت انتخابات بلدية في الملكة العربية السعودية، وهناك حملة تنقيح المناهج الدراسية وتنقيتها من التعاليم التي تدعو إلى الكراهية والفكر التكفيري. كذلك تحققت تعددية الترشيح في الانتخابات الرئاسية في مصر، وحصل نوع من الانفتاح في حرية التعبير في عدد من البلدان العربية. كذلك نجحت أمريكا وحلفائها في تجفيف منابع الإرهاب وذلك بمصادرة أرصدة منظمات القاعدة تحت مختلف أسماء جمعيات خيرية خادعة في البنوك العالمية، وملاحقة فقهاء الموت والمروجين للإرهاب وغلق أو السيطرة على المدارس والمراكز التي تنشر أيديولوجيته. كذلك أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يمنع فيه رجال الدين من إصدار فتاوى التحريض على الإرهاب. وهناك أيضاً برنامج (الشرق الأوسط الكبير) الذي قدمته أمريكا تطالب به الدول الصناعية الكبرى بتقديم مساعدات لدول الشرق الأوسط لتبني الحداثة والديمقراطية والخلاص من الفقر والتخلف. وهكذا فالمنطقة برمتها مقبلة على نقلة حضارية ودخول مرحلة جديدة تبشر بالحداثة والديمقراطية، وقد بدأت بالعراق ليكون القدوة في هذه العملية التاريخية، شاء الرجعيون أم أبوا، فرغم بعض التعرجات والتراجعات في مسيرة التاريخ، إلا إن المحصلة النهائية تكون في صالح التقدم والحضارة الإنسانية.

خلاصة القول، إن الإرهاب الإسلاموي بقيادة تنظيم القاعدة قد سبق الحرب التي تقودها أمريكا عليه، أي أن الحرب نتيجة للإرهاب وليست سبباً له كما يدعي البعض. ولولا تورط أتباع القاعدة في ارتكاب جريمة 11 سبتمبر 2001 ، لما تحركت الدولة العظمى لشن الحرب العالمية الثالثة على الإرهاب. ولولا هذه الحرب بقيادة أمريكا لاستطاعت القاعدة وأتباعها إسقاط العديد من الحكومات في البلدان العربية والإسلامية وإقامة أنظمة ثيوقراطية متخلفة فيها على غرار نظام طالبان في أفغانستان سابقاً. ولولا هذه الحرب لنجح الإرهابيون في سفك المزيد من الدماء في العالم وبالأخص في الدول الغربية. إذ ليس هناك أية دولة عربية أو إسلامية لها الخبرة والإمكانيات الاستخباراتية والقدرة العسكرية والمالية في مواجهة المد الإرهابي الإسلامي وشن الحرب عليه ودحره. كما ويجب التأكيد على أن المحرك الوحيد وراء الإرهاب ودفع الشباب للتطرف الإسلامي هو نشر أيديولوجية الإسلام السياسي التي تشحن المسلمين بالفكر التكفيري والعداء والكراهية ضد غير المسلمين وكل من يقف في طريقهم وتجعل من قتلهم مدخلاً للجنة.

مقالات ذات علاقة بالموضوع:

لماذا معظم الإرهابيين مسلمون؟

الإسلام في حالة مجابهة مع العالم

الإرهاب وسياسة بريطانيا الخارجية!

تنشر بالتزامن مع موقع آفاق

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف