الإسـلاميزم بيـن القعـدنـة والحـزبـلة (2 من 2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
نستكمل ما بدأناه في الجزء الأول:
رابعا: قواعد الحرب: كل الأسلحة مباحة
1 ـ عدم الإلتزام بقواعد وقوانين الحرب المتعارف عليها: فليس هناك مانع عند جنود الإسلاميزم في خطف الرهائن أو استخدام الدروع البشرية أو وضع الأسلحة في وسط مناطق آهلة بالسكان أو استهداف المدنيين في جانب العدو أو الاستهانة بوقوع إصابات صديقة (فالإله يعرف أتباعه وسيتولى إدخالهم الجنة حتفا). بل كل هذه الأمور أصبحت جزءا لا يتجزأ من قوانين الحرب الجديدة عند الإسلاميزم.
2ـ العقول الابتكارية للإرهابيين: (من كان يتوقع في أكثر خيالاته جموحا تحويل الطائرات إلى قذائف كما حدث في 11 سبتمبر؟)، وهي تلتف حول احتياطات الأمن بكافة أنواعها؛ بل تجعل إمكانية "التصنيف الانتقائي"، التي أشرنا إليها، قليلة الفائدة: فمثلا في محاولة تفجير عشر طائرات مدنية عبر الأطلنطي التي أحبطت يوم 10 أغسطس قبيل اندلاعها، كان هناك من بين 23 شخصا قبضت عليهم السلطات البريطانية ثلاثة من المتحولين للإسلام الذين لا تدعو أسماؤهم ولا ملامحهم بالطبع إلى الشك...
3- الإعجاز العلمي للإرهاب: إضافة للابتكارية، وبرغم اتساع الهوة العلمية والثقافية والتكنولوجية مع الغرب، إلا أنه مع العولمة وتنوع المصادر أصبح من السهل شراء التكنولوجيا وتطويعها واستخدامها في الحرب ضد من اشتريت منهم. فلتنفيذ عملية تفجير برجي التجارة العالمية في مانهاتان، نيويورك، في 1993 استُخدمت شاحنةٌ معبأة بأطنان من المتفجرات؛ لكن عملية تفجير الطائرات المدنية التي أحبطت في 10 أغسطس كانت تقوم على استخدام كميات صغيرة (Miniature) من متفجرات سائلة شديدة الفعالية، مخبأة في تعليب مواد تستخدم كل يوم، ذلك لأن أجهزة الكشف المستخدمة في المطارات في الوقت الحالي لا يمكنها اكتشاف مثل هذه المتفجرات.
4 ـ الابتزاز والتخويف من حدوث عمليات إرهابية كنتيجة "لسياسات معينة"، في محاولات للتأثير على سياسات الدول، ثم استغلال عدم امتثالها للابتزاز كمبرر لمزيد من الإرهاب. وأحدث مثال كان في بريطانيا: فبعد اكتشاف مخطط 10 أغسطس (والذي كان يجري الإعداد له منذ أكثر من سنة)، رُفعت رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء البريطاني، وقعها ثلاثة من أعضاء البرلمان البريطاني المسلمين وثلاثة شخصيات بارزة، بالإضافة إلى 38 جمعية إسلامية، بما فيها مجلس مسلمي بريطانيا، مدعين أن سبب انخراط الشباب المسلمين البريطانيين في الإرهاب هو سياسة الحكومة البريطانية اتجاه أفغانستان والعراق، وأخيراً لبنان (!!) من ناحية أخرى، إذا كان هؤلاء يلقون باللائمة على سياسات بريطانيا وأمريكا "ضد الدول الإسلامية" فما هو الدافع وراء عملية القطارات التي فشلت بمحض الصدفة في ألمانيا (حقائب كبيرة معبأة بالمتفجرات) ، والعملية الأخرى التي اكتشفت في الدانمارك ـ إلا إذا كان من باب التخويف والتحذير.
5 ـ السعي المحموم لامتلاك أجهزة الدمار الشامل: وكمثال، فإن إصرار إيران على امتلاك القنبلة النووية بكل وسيلة، وتحديها للمجموعة الدولية التي تدرك الخطر القادم لكن تُحجم عن استخدام القوة لإجهاضه، سيجعل استخدام هذه التكنولوجيا على يد دولة أو جماعة مسألة وقت، تمهيدا لتفعيل الرغبة السادية في إخضاع العالم وإذلاله، قبل تحطيمه.
6 ـ تداخل حدود المعسكرات المتحاربة: في الحروب القديمة كانت الجيوش تقف وجها لوجه وكان تحديد العدو من الصديق، أو تمييز المحارب من غير المحارب، أمورا سهلة. حتى ما أطلق عليهم "الطابور الخامس" كانت هناك وسائل للتعامل معهم. وفي الحرب الباردة، أقام الاتحاد السوفييتي ستارا حديديا حول نفسه، كان سببا في حمايته (وأيضا في عزلته)، وكانت الأمور واضحة إلى حد كبير. أما في هذه الحرب، التي جاءت في عصر العولمة فإن سهولة التنقل وهجرة (غزو؟) الملايين لأرض "العدو" تلعب أدوارا هائلة. وقد كان من المتوقع أن يؤدي التلامس والتعايش الإنساني إلى تقارب بين البشر بغض النظر عن خلفياتهم، لكن انخراط أعداد من مهاجري الجيل الثاني والثالث، الذين قد لا يعرفون أوطانهم الأصلية، في أعمال إرهاب يدحض مثل هذه التوقعات الساذجة التي لا تأخذ في الاعتبار تأثير "الثقافة".
7 ـ الانفجار المعلوماتي والاتصالاتي الذي كان من المتوقع أن يؤدي إلى تدعيم الحرية وسيادة ثقافة العقل والعقلانية، لكن اتضح أن الخوف من الانفتاح يؤدي بالعكس إلى سرعة الهروب إلى الماضي والاحتماء به. وكذلك فقد ساعدت تقنيات الاتصالات على سهولة تواصل المخربين وحصولهم على المعلومات التي يستفيدون منها في خططهم.
خامسا: هل هناك إشارات حول قرب خمود الحرب؟
وإن كنا نتمنى ذلك لكن الإجابة، للأسف، هي بالنفي؛ على الأقل في المستقبل القريب. بل العكس صحيح: فكل الدلائل تشير بوضوح إلى استعارها واشتعالها:
1 ـ النجاح في معركة ينعش النفوس ويحفز جنود الإسلاميزم على زيادة الجهود للوصول إلى الهدف الأسمى. فالعدو هو "نمر ورقي" لا يمكن أن يقف أمام جند الله المسلحين بالإيمان والرغبة الشبقية في الانتحار (الاستشهاد).
2 ـ حتى الفشل في إحدى معارك الحرب، أو مجرد وجود رد فعل قوي من الجانب الآخر، يثير "المشاعر" ويبعث على الرغبة في "المقاومة" والتصعيد والانتقام، أيا كانت التضحيات ومهما كانت العقبات التي يجب البحث عن أساليب جديدة لتخطيها؛ فالأهداف المطلقة لا تقف في طريقها عقبات أو انتكاسات.
3 ـ القنبلة الديموغرافية التي يكاد ينفرد بها العالم الإسلامي تعطيه مددا لا ينضب من "الذخيرة الحية"، وتجعل الأمل في انطفاء الحرب مرتبطا بالوصول إلى استقرار سكاني، وهو ما نجحت الصين والهند في تحقيقه من قبل، لكن هذا يصطدم بثوابت عقائدية في عالم الإسلام.
4 ـ شعور عارم وراء الحرب، يجعلها حربا ثورية شعبية بالأساس. وطبقا لأمير طاهري ففي تقدير الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، فإن القوة الإسلامية العظمى (Islamic Superpower) الصاعدة لديها مزايا حاسمة ضد الكفار. فالإسلام لديه من الشباب في سن الحرب أربعة أضعاف ما لدى الغرب ذي الشعوب التي تتقدم في العمر. وهناك مئات الملايين من "الغزاة" المتشوقين للاستشهاد بينما يكره شباب الكفار الحرب لأنهم يخافون الموت ويحبون الحياة. والإسلام لديه أيضا أربعة أخماس احتياطيات النفط، وبهذا يتحكم في شريان حياة الكفار. وأكثر من ذلك، فإن الولايات المتحدة، التي هي القوة الكافرة الوحيدة القادرة على الحرب، مكروهة من باقي العالم.
5 ـ تغلغل فكر الإرهاب ليصبح "التيار العام الوسطي" (Main stream). في الماضي كان هناك حرج وخجل، حتى وإن كان متداريا، من فكر الإرهاب؛ لكن الآن أصبح تعضيده وتأصيله نصوصيا شائعا بدرجة متزايدة.
خذ مثلا ما نشرته صفحة الفكر الديني بالأهرام (21 يوليو) تحت عنوان "الشهادة طريق الجنة" حيث تنقل عن الدكتور خيرت يوسف نور الدين بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر: [بلوغ الأهداف الكبرى في الحياة يستلزم جهدا وتضحيات كبرى، ولما كان من أشرف التضحيات وأسماها ما كان ابتغاء رضوان الله تعالى، فتطلب ذلك أن تكون التضحية بكل ما هو غال ونفيس وليس هناك أغلى على الإنسان من نفسه وروحه ليقدمها في سبيل الله ويدحر أعداء دين الله ويرد أصحاب الظلم والعدوان، وذلك هو المراد لمصطلح الشهادة والاستشهاد]. [إن الناس تختلف مقاصدهم في صفقاتهم التي يعقدونها كلٌ بحسب الهدف الذي ينشده (..) ومنهم من يشترى نفسه ابتغاء مرضاة الله، وهذا النوع يبتغي من وراء صفقته الآخرة وسلعة الله الغالية ألا وهي الجنة، وهؤلاء الصنف من الناس هم الشهداء (..)]. [ولقد بذل رسول الله (ص) كل جهد حتى يرسخ هذا المعنى العظيم في نفوس أصحابه الكرام، وكان صلى الله عليه وسلم يفصح عن حب عميق للشهادة حمله على التمني أن يرزق بها مرات عديدة فقال: "والذي نفسي بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتَل، ثم أغزو فأُقتَل، ثم أغزو فأُقتَل". أخرجه البخاري ومسلم]. [فللشهداء حياة أبدية في جنات النعيم في ضيافة ربهم عز وجل، وقد بين ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة في دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من حور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه". أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال "حسن صحيح"].
وتحت عنوان "..وللعمليات الاستشهادية شروط" حول الفرق بين العمليات الانتحارية والاستشهادية يقول الدكتور عبد الله ربيع أستاذ الفقه بجامعة الأزهر: [(..) يقول الحق جل وعلا: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون" (التوبة: 111) فلا فرق عند من باع نفسه لربه، بين رصاصة يستقبلها في صدر مقبل غير مدبر أو حزام ينسف به الأعداء (..) ويشترط لمن يقوم بهذا العمل أن يضمن التنكيل بالعدو وأن يؤدي ذلك إلى خسارة كبيرة في صفوف الأعداء(..)].
ما الفرق يا ترى بين ما يقوله بن لادن أو الظاهري أو الزرقاويون أو حسن نصر الله وبين هذا الكلام الذي لم يصدر عمن يطلق عليهم "فقهاء الموت"، بل عن "أساتذة جامعيين"؛ وهو منشور في صحيفة رسمية واسعة الانتشار، وقطعا لا يختلف عما يبشر به الوعاظ العاديون؟ لقد أصبح فقه الموت جزءا من الفكر العام "الوسطي".
6 ـ انقسام المجموعة الدولية، وخاصة الغرب، والعجز عن الاتفاق على الخطر ومصادره وكيفية مجابهته. كما تحول مبدأ القطبية المتعددة إلى أن تعمل كل دولة قطب لمصلحتها المؤقتة والنتيجة هي محصلة صفرية بالنسبة للجميع، بما في ذلك العالم الإسلامي الذي سيعاني بقدر معاناة باقي العالم كله من جراء استيلاء الإسلاميزم على مقاديره. أضف لذلك الخوف من الاتهام بالإسلاموفوبيا، أو (كما صرح شيراك أمام سفراء فرنسا في 28 أغسطس) "ضرورة عمل كل شيء للحيلولة دون "وقوع طلاق" بين العالم الإسلامي والغرب" ـ وهي فلسفة طيبة بالقطع، بشرط ألا تؤدي للتخاذل أمام الخطر الداهم.
7 ـ الردع لم يعد ينفع. وقد كان هناك بين الاتحاد السوفييتي والغرب خطوط حمراء وردع متبادل لكن كيف يمكن ردع من لا تهمهم الحياة؟ وكان هناك منطق، لكن لا يمكن الاتكال على منطق مع هوسيين يعتقدون أنهم ينفذون إرادة الآلهة. (ألم يعلن أحمدي نجاد في 6 سبتمبر أن "بوش لن يستطيع تحدي إرادة الله" (الذي يعمل، بالطبع، لصالح إيران).
8 ـ الدور السلبي الهائل للبترول. فمن ناحية، أصبحت دول الخليج، بما فيها إيران، تحقق حوالي 350 مليار دولار سنويا كفائض (نؤكد: فائض) دخل مع تضاعف سعر البرميل من 25 إلى 75 دولار. وشئنا أم أبينا، فإن جزءا كبيرا يذهب لتمويل الإسلاميزم. وبالإضافة، يمثل الدخل البترولي الهائل عائقا أمام كل حركات الإصلاح والدمقرطة (كما يكرر توماس فريدمان) إذ ترشو نظم الحكم الاستبدادية الفاسدة شعوبها لتلهيها عن مطالب التقدم. ومن ناحية أخرى فإن ضيق المسافة بين المعروض والمطلوب من البترول يجعل العالم تحت رحمة الدول الإسلامية التي في خطر الوقوع بإيدي جنود الإسلاميزم، كما أن سعي دول كالصين لتأمين مصادر الطاقة عن طريق اتفاقات مع دول كإيران يشل يدها عن اتخاذ مواقف قوية أمام أمور مثل الطموحات النووية لإيران التي تهدد العالم كله.
9 ـ الدور السلبي الهائل للإعلام المساند للإسلاميزم نتيجة استخدامه بكفاءة مثيرة للدهشة لتقنيات متقدمة (أنتجها الغرب..). ويقوم هذا الإعلام بدوره كذراع في الحرب بدون مواربة عن طريق التعبئة التهييجية للجماهير، مع عدم الالتزام بأي قواعد مهنية في سبيل النصر. فاللغة "مشفرة" (راجع ما تفعله "الجزيرة" والصحافة المصرية وغيرها)، والمعايير مزدوجة بل متعددة (لا يهم أحدا أن يموت عشرات أو مئات الألوف من المسلمين على يد مسلمين ـ كما يحدث مثلا في السودان ـ لكن القيامة تقوم عند مقتل مسلم واحد، حتى على سبيل الخطأ أو الردع، على يد الغرب أو إسرائيل). أضف لذلك أن كاميرات تصوير الإعلام العالمي مسموح لها بالتواجد فقط في المناطق التي تخدم الهدف التعبوي، كما أن التزييف الفاضح مستباح: وكمثال، فقد اضطرت وكالة رويتر لسحب 900 صورة التقطها مصورها الخاص أثناء الحرب الأخيرة في لبنان، بعد اكتشاف قيامه بتزييف صورٍ باستخدام برنامج "فوتوشوب".
كل هذا يطلق العنان للغرائز الدينية الهوسية المجنونة جاعلا للحرب شعبية هائلة، ويساعد على تجنيد المزيد من المجاهدين، ويحول الأمر إلى كرة ثلج يستحيل الوقوف أمامها حتى إن توفرت النيات.
10 ـ الفجوة الحضارية بين عالم "الإسلام" والغرب يصعب عبورها؛ وحتى لو توقف الغرب عن التقدم، فعالم الإسلام يحتاج لمئات السنين للحاق. هناك دول مثل الهند والصين تتحرك بسرعة هائلة على طريق التقدم والتحديث: خذ مثلا حديثا من الصين، وكأن ما يحدث بها لا يكفي؛ فقد تخلت مقررات المرحلة الثانوية ابتداء من هذا العام عن كل انواع التلقين الإيديولوجي وأصبحت تركز على أفكار "الابتكار، والنمو الاقتصادي، والتجارة الخارجية، واحترام التعدد الثقافي، والتناغم الاجتماعي". قارن هذا بما يجري تلقينه في مدارس العالم الإسلامي من أفكار الاستعلاء الأجوف وكراهية الآخر.
***
عالم "الإسلام" يبدو غير راغب (فقه مخالفة الكفار) في، أو غير قادر على، التقدم. الحل الوحيد الذي يقدمه الإسلاميزم هو الإصرار العصابي على تحطيم الغرب والعالم؛ وبهذا يتحقق النصر المبين! الكارثة الحقيقية هي أن أتباع الإسلاميزم هم جادون تماما وليس عندهم أي نوع من الهزار!