بوش يتخبط.. لكن ماذا عن الإسلاميين؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
غالبية كبيرة من التعليقات حول الحرب الأمريكية على الإرهاب تشير إلى "تخبط" في سياسة البيت الأبيض، رغم النجاحات التي تحققت في هذا الجانب وما شابها من إخفاقات أيضا. وهذا أمر طبيعي في ظل حرب واسعة ومفتوحة ومعقدة ضد عدو متطرف غير ظاهر وغير محدد ويستند إلى عقيدة تكره الحياة رغم ادعائه عكس ذلك.
لكن إن كانت تهم "التخبط" توجه للرئيس جورج بوش ولإدارته، وقد نقنع بذلك إذا ما تعلق الموضوع بتكتيكات معينة، إلا أن السؤال هو: ماذا عن دور الإسلاميين الذين ما لبثوا يعلنون جهارا نهارا أنهم ضد الإرهاب بكل أشكاله.. هل مارسوا مسؤولياتهم في هذه الحرب، أم تحاشوا الموضوع وتركوه بعيدا ورموا مسؤوليته برمتها على البيت الأبيض وعلى الغرب، ثم ما لبثوا أن انتقدوا "تخبط" بوش وإدارته؟.
جيمس دوبنز، المحلل في مركز "راند كوربوريشن" للأبحاث يعلق حول الحرب على الإرهاب ومرور خمس سنوات على تنفيذ اعتداءات 11 سبتمبر الإجرامية بقوله: "إن الدبلوماسية الأمريكية لم تنجح في عزل الإرهابيين بل عزلت الولايات المتحدة نفسها".
ويقول شون كاي، الأستاذ الجامعي في أوهايو أن "ما تغير في كل أنحاء البلاد (بعد الهجمات) هو إدراك متزايد أن ثمة وسائل أخرى للتعاطي مع مشكلة" الإرهاب.
ويقول جوزيف س. ناي، الأستاذ في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب rsquo;rsquo;القوة الناعمة السبيل إلى النجاح في عالم السياسة الدوليةlsquo;lsquo;: "إن التطرف الجهادي لن يقهر إلا بفوز التيار السائد. ولا بد من استخدام القوة العسكرية، والاستخبارات، والاستعانة بالشرطة الدولية، ضد الإرهابيين المتشددين المنتمين إلى تنظيم القاعدة أو الذين يستمدون منه الإلهام، لكن القوة الناعمة ضرورية لجذب التيار الرئيسي وتجفيف منابع الدعم التي يعتمد عليها المتطرفون".
ويضيف: "إن الدرس الأكثر أهمية الذي نستطيع أن نخرج به بعد انقضاء خمسة أعوام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر يتلخص في الإخفاق في الجمع بين القوة الصارمة والقوة الناعمة على نحو فاعل في الكفاح ضد الإرهاب". ويؤكد: "لا بد أن ذلك يودي بنا إلى الوقوع في الفخ الذي نصبه لنا أولئك الذين يريدون وقوع صدام بين الحضارات"، مضيفا: "إن وجهات النظر متعددة ومتنوعة بين المسلمين، بما فيهم الإسلاميون المتعصبون، لذا يتعين علينا أن ننتبه إلى الاستراتيجيات التي من شأنها أن تساعد أعداءنا على توحيدها في قوى متباينة ومتفاوتة خلف لواء واحد".
ويؤكد ناي بأن "قضيتنا عادلة، ولدينا العديد من الحلفاء المحتملين، لكن إخفاقنا في الجمع بين القوة الصارمة والقوة الناعمة، وتوظيف ما ينتج عن ذلك في استراتيجية ذكية، قد يودي بنا إلى الهلاك".
وطبقاً لتعبير العميد روبرت كاسلين نائب مدير الحرب ضد الإرهاب لدى وزارة الدفاع الأمريكية فإنه يقول: "نحن عاجزون عن قتلهم بسرعة تفوق قدرتهم على التجدد. نحن أيضاً نواجه إخفاقاً في توظيف القوة الناعمة".
ورغم الجدل الواسع الدائر في الولايات المتحدة وفي أوروبا أو في الغرب برمته بشأن الطريقة الأمثل لتحقيق النصر في المعركة ضد الإرهاب، وفي ظل نقد السياسات والممارسات وبالذات الأمريكية، مما جعل البيت الأبيض يعيد حسابات العديد من خطواته السياسية والعسكرية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي "الوسائل الأخرى" أو "الوسائل الناعمة" التي تحتاجها الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب والتطرف لكي تستطيع تحقيق نتائج أفضل تقلل من المخاطر الناتجة عن "التخبط"؟ وهل تلك "الوسائل" قادرة على تحقيق أهدافها من دون تحرك مواز فاعل من داخل الجسم الإسلامي؟
فعلى رغم تشكيك الكثير من الإسلاميين بنوايا الولايات المتحدة في هذه الحرب، خاصة بعد تحرير العراق من قبضة البعثيين، واستمرار عدم حلحلة قضيتهم الأم أي القضية الفلسطينية، وممارسة ضغوط كبيرة على دولتين حليفتين لهم هما إيران وسورية، إلا أنهم أعلنوا هلعهم من المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير محليا وإقليميا، حيث اعتبروا أنه يسعي في أحد أهدافه الرئيسية إلى عرقلة أدوارهم في مجتمعاتهم المحلية ودعم أدوار العلمانيين والليبراليين، أو بعبارة أخرى إقصائهم من الساحة المحلية وتهميش قضاياهم الإقليمية. لذلك عارضوا المشروع بعنف وهو ما أدى إلى اتخاذهم مواقف غير إيجابية في الحرب على الإرهاب.
فرغم أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي حمل عناوين مثل نشر الديمقراطية في المنطقة أو ما عرف بـ"الإصلاح"، على اعتبار أن العالم العربي الذي ينتشر فيه الفقر والفساد والتشدد الديني هو المنتج الطبيعي للإرهاب، إلا أن الإسلاميين لم يستغلوا تلك العناوين في تحقيق أهدافهم ولم يقرأوا المرحلة قراءة دقيقة، ما جعلهم عنصرا سلبيا في الحرب على الإرهاب، بل وفي كثير من الأحيان عنصر مساند للجماعات الإرهابية.
فخلاصة مشروع الشرق الأوسط الكبير هي إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط على أسس جديدة، من حيث المناهج والأفكار، ومن حيث السياسة والاقتصاد والاجتماع، وصولاً إلى شكل ينتهي خلاله الظلم والاستبداد والتطرف والوصاية الدينية على العقول والتهديد بنسف الأجسام.
ورغم ما يقال عن إخفاقات غربية لاسيما أمريكية في تفعيل المشروع، إلا أن ما يمكن ملاحظته من دور عربي وإسلامي في هذا المجال، لا يرقى بتاتا إلى حد المشاركة في إطفاء نار الإرهاب بل قد يرقى إلى حد إفشال المشروع، لا لسبب إلا لأن المشروع يسحب بساط الهيمنة والوصاية الدينية من تحت أقدام هذا الدور. فمشروع الشرق الأوسط الكبير يطرح الديموقراطية وحقوق الإنسان في صدر مطالبه، لكن الإسلاميين تعمدوا أخذ الديموقراطية واستغلالها أشد استغلال، وفي المقابل رموا قضية حقوق الإنسان في المزبلة، ثم ادعوا، خاصة بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية وبعد علو صوت التيارات الإسلامية في العديد من الانتخابات المحلية، أن المشروع فشل وأن الولايات المتحدة لا تحتمل وصول الإسلاميين إلى صدر السلطة أو إلى صدر المجالس التشريعية!!.
إن حقوق الإنسان هي أس الديموقراطية وأساسها، وبدونها لا يمكن إلا أن يسود الظلام. فبإسم الديموقراطية ومن خلالها يريد الإسلاميون "الديموقراطيون" سلب حقوق المرأة وحريتها في الكويت والعراق وإيران ومصر والسودان وغيرها. وبإسم الديموقراطية يريدون أن يدوسوا على حرية الرأي والتعبير والمساواة في جميع الدول العربية وفي معظم الدول الإسلامية. لذلك لن يكتب لمشروع الشرق الأوسط الكبير النجاح من دون التفاعل بين هذين العنصرين، ولن يكون الإسلاميون إلا حجر عثرة في طريق المشروع ما دام أحد عناصره هو تفعيل مفهوم حقوق الإنسان الفرد (عدوهم الحقيقي واللدود). وبالتالي لن يرضى الإسلاميون أن يكونوا عنصرا فاعلا في الحرب على الإرهاب، كما لا يمكن أن تكون "وسيلة" الغرب إلا هذه.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com