كتَّاب إيلاف

لنتصارح إذا أردنا أن نتصالح (5)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قضية اجتثاث البعث
لا نعتقد أن هناك حركة سياسية واحدة، في تاريخ العراق المعاصر، حصلت على فرص سياسية كثيرة وبددتها بطريقة مأساوية، مثلما حصل حزب البعث. ولا يوجد حزب سياسي عراقي حالفه الحظ، كما نظن، مثل حزب البعث. فمنذ أن تشكلت أول خلية لهذا الحزب في عام 1948 في محافظة كربلاء بواسطة سعدون حمادي (تقلد خلال حكم صدام مناصب عدة، منها وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة)، وحتى لحظة سقوط نظام البعث في التاسع من نيسان 2003، وهذا الحزب ينتقل من حياة رخية إلى أخرى أكثر رخاء، سواء عندما يكون في السلطة أو في المعارضة، حتى ليصح القول أن البعث ولد في العراق وفي فمه ملعقة من ذهب.

دلال سياسي
ففي الوقت الذي حكم فيه على رواد ومؤسسيي الحزب الشيوعي العراقي عام 1949 بالإعدام في العهد الملكي ونفذت عقوبة الإعدام، فأن السلطات العراقية تعاملت بتسامح لا مثيل له مع الدعاة المبكرين المبشرين بولادة البعث، فحكمتهم المحكمة عام 1952 ب"غرامة مقدارها أربعة دنانير، أو الحبس لشهر واحد". وعندما شكلت القوى السياسية المعارضة، جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 أستبعدت عنها واحدة من أكبر الحركات السياسية آنذاك، هي الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بينما قبلت عضوية البعث، رغم يفاعة سنه وضعف موقعه في الحياة السياسية العراقية وقتذاك.
وبعد نجاح ثورة 14تموز 1958، وتشكيل أول وزارة في ذاك العهد الجديد، استبعد الحزب الشيوعي عن المشاركة فيها رغم أنه كان، آنذاك، واحدا من أكبر الأحزاب السياسية وأكثرها تأثيرا، بينما سمح لحزب البعث أن يشارك في تلك الوزارة بشخص أمين سر الحزب فؤاد الركابي الذي شغل منصب وزير الأعمار. وعندما خرج الحزب من الوزارة وقدم ممثله فؤاد الركابي استقالته بعد مرور ستة أشهر، أي في 6/ 2/1959، واتخذ موقفا معاديا لحكومة قاسم، فأن البعث ظل يمارس نشاطه السري/ العلني ضد حكومة قاسم، ويسعى لإطاحتها، عن طريق لقاءات واجتماعات منتظمة وشبه علنية مع القوى العسكرية الناقمة على قاسم.

هذا لم يحدث إلا للبعثيين
وحتى عندما نفذ الحزب محاولة اغتيال قاسم في 7 تشرين الأول عام 1959، وصدرت بعد ذلك أحكام بالإعدام ضد الذين نفذوا العملية، فأن قاسم سرعان ما سامح البعثيين الذين نفذوا محاولة اغتياله، فألغى عقوبة الإعدام وأطلق سراحهم. وقد شاعت تلك الأيام أهزوجة كان البعثيون يرددونها في المناطق والحارات التي كانوا ينشطون فيها، استهزاء بقاسم وتحديا له واستخفافا بسياسته المتسامحة المرنة، تقول: "أحنا ألكسرنا أيديه، وإحنا احتفلنا بعيده". أي، إننا حاولنا قتله، وها نحن، مع ذلك، نحتفل بنجاته وبسلامته، مع محبيه ومؤيدي حكمه.
إنه "الدلال" السياسي بعينه الذي ظل حزب البعث يحظى به دائما وأبدا. فبعد أن "كسر" البعثيون يد رئيس الحكومة وكادوا أن يغرقوا البلاد بأسرها بطوفان من الدم، فأنهم ظلوا يواصلون "كسر يد" النظام القائم،دون أي أن يتعرضوا لأي أذى من السلطات الحكومية. وراحوا، بحرية شبه تامة، يعقدون اجتماعاتهم اليومية، وينسقون مع كبار الضباط الناقمين على قاسم، ويتعاونون، في وضح النهار، مع القوى السياسية المناوئة لحكومته. وكان منزل أحمد حسن البكر في منطقة علي الصالح، قد تحول في تلك الأيام إلى "ورشة عمل"، يلتقي فيها كل المتآمرين ضد حكومة قاسم.
وقبل أيام من تنفيذ انقلابهم في 8 شباط 1963، ألقت السلطات الرسمية القبض على بعض قادة الحزب، لكنها تركت الجسم الحزبي سالما، رغم معرفة تلك السلطات أن الحزب يخطط للإطاحة بالحكومة. وهكذا، سمح للبعثيين أن يواصلوا نشاطهم التأمري، حتى إذا حل موعد التنفيذ، أنقض البعثيون على قاسم فاسقطوا حكمه، وأغرقوا العراق، فعلا لا قولا هذه المرة، بحمامات من الدم.

"المنحرفون"
وبعد أن "زعل" عليهم عبد السلام عارف وأبعدهم عن الحكم، في انقلابه الذي نفذه ضدهم صباح 18 تشرين عام 1963، فأنه لم يتخذ إجراءات قانونية رادعة ضدهم، ولم يقدمهم أمام القضاء لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها طوال فترة حكمهم. وحتى عندما هب الناس، بطريقة عفوية، للانتقام من البعثيين، بسبب ما اقترفوه من جرائم مروعة، فأن عارف ومعه القادة الجدد/ القدماء، تدخلوا فأنقذوا البعثيين. وذاك ما حدث، بالفعل، في مدينة الوصل، على سبيل المثال، عندما بادرت القوى الإسلامية والقومية إلى القصاص من البعثيين وأفراد الحرس القومي.
وعندما بادر مئات من أهالي الضحايا الذين تم تعذيبهم وقتلهم على أيدي البعثيين خلال فترة حكمهم، لتقديم شكاوى قضائية رسمية ضد البعثيين، فان كل ما فعله عارف،هو انه نشر كتيبا بائسا أسماه "المنحرفون". وكان الهدف الحقيقي من ذاك الكتيب، ليس فضح الجرائم الحقيقية التي نفذها البعثيون خلال الأشهر التي ظلوا فيها في الحكم، بقدر ما كان محاولة من عارف لإنقاذ سمعته وتبرئة نفسه، وتأكيد عدم علمه بتصرفات البعثيين أثناء وقوعها.
وهكذا عاد البعثيون فاستأنفوا نشاطهم السياسي خلال حكم الأخوين عارف، وكأن شيئا لم يكن، مستفيدين من رعاية وتعاطف كبار القادة في المؤسسة العسكرية وكبار رجالات الدولة وكبار المسؤولين الأمنيين.
وبفضل ذاك الدلال السياسي، فلت البعثيون من أي عقاب قانوني. ولم تتخذ أي إجراءات سياسية وقانونية لإنصاف ضحاياهم إثناء فترة حكمهم الأولى، بل أن اولاءك الضحايا لم يتم إنصافهم حتى كتابة هذه السطور.

"السجين" صدام حسين يفر من "سجنه" من مطعم فاخر
ورغم كل ما ارتكبه البعثيون إثناء فترة حكمهم بعد انقلاب عام 1963، فأنهم عاودوا، مرة أخرى، نشاطهم، بحرية يحسدها عليهم الجميع، مثلما تعودوا أن يفعلوا دائما وأبدا. وقد ظل "الأب القائد" أحمد حسن البكر بمثابة "الربيب" للأخوين عارف، يستوزره أكبرهم، ويستأنس برأيه أصغرهم، في مؤتمرات موسعة تعقد في القصر الجمهوري قبل أيام معدودة من انقلاب 17 تموز 1968، رغم أن البكر كان يخطط لعودة البعثيين ثانية للحكم.
وحتى عندما تم إلقاء القبض على صدام حسين، فأنه لم يمسس بأي أذى، قط، وظل يعيش حياة مفرطة بالدلال داخل السجن. فبينما كان السجناء السياسيون، شيوعيون وديمقراطيون ومستقلون، يتضورون جوعا وعطشا في سجن نقرة السلمان الصحراوي في تلك الفترة، فأن صدام حسين كان سجينا في فندق من خمس نجوم وليس داخل سجن حقيقي. والدليل أنه استطاع أن يهرب من السجن، ليس كما هرب سجناء سجن الحلة عندما حفروا بأظافرهم نفقا داخل السجن، وإنما هرب صدام من قاعة مطعم فاخر (الجندول) داخل العاصمة بغداد، اصطحبه إليه الشرطي الذي يحرسه.
تخيلوا، سجين سياسي خطير، مثلما يفترض، يسمح له أن يتناول غداءه في مطاعم خارج السجن!
واستمر البعثيون يرفلون بحرير هذا "الدلال" السياسي طوال فترة حكم عبد الرحمن عارف، تلقي عليهم القبض السلطات الأمنية، بتهمة التأمر على الدولة، فيبادر وزراء عارف لإطلاق سراحهم، وتحذر القوى السياسية المعارضة من ازدياد نشاطاتهم التآمرية، فيستقبلهم عبد الرحمن عارف في القصر الجمهوري، ليستشيرهم في شؤون البلد.

"المعارض" البعثي، أحمد حسن البكر، يوبخ رئيس الجمهورية
ولا بد أن قائد الحزب أحمد حسن البكر كان يدرك جيدا مقدار "الدلع" السياسي الذي كان يحظى به، هو ومن معه في حزب البعث، عندما نهض، وكان وقتها محالا على المعاش، مخاطبا عارف، في اجتماع عقد في القصر الجمهوري قبل أيام من انقلاب 17 تموز 1968، وقال له، مؤنبا وموبخا: "أنت رجل طيب، حسن الظن ونواياك خيرة، لكنك تجهل ما يدور ويقع في البلد وليس بوسعك إصلاح الوضع وإيقاف التدهور لأنك تفتقر إلى الحزم".
وفي واقع الأمر، فأن كل ما كان "يدور ويقع في البلد" في تلك الأيام هو، نشاط منظم وشبه علني، يقوده البعثيون، بالتعاون مع كبار الضباط في الحرس الجمهوري المكلف بحماية عارف، للفوز بالحكم "منفردين". ولهذا، فعندما حل صباح 17 تموز 1968، ما كان البعثيون بحاجة إلا إلى "لوري" واحد، أوصلهم إلى أبواب القصر الجمهوري، وبضع رشقات من الرصاص، ليبدأ بعد ذلك فصل جديد في تاريخ العراق، دام أكثر من ثلث قرن، حكم فيه البعثيون العراق بدون أي منافسة من أي قوة سياسية أخرى. فماذا كانت المحصلة؟

تجربتان، طعمهما كالعلقم
لا نعتقد أن عراقيا واحدا، أو غير عراقي، يملك ذرة واحدة من الأنصاف وقدر قليل من حرية الضمير، ينكر بأن تجربتي حكم البعثيين كانتا مصائب وأهوال تجرع العراقيون، كل العراقيين، مراراتها. ففي تجربة حكمهم الأولى عام 1963، حول البعثيون، الدولة العراقية، ولأول مرة في تاريخها، إلى راعية للقوانين ووكر ذئاب، في آن واحد. فقد تحولت، في تلك الأيام، دوائر الدولة ومبانيها الرسمية إلى مقرات تمارس فيها مليشيات الحرس القومي، وهي مليشيات أهلية حزبية، كل صنوف التعذيب بحق المواطنين الذين كانوا يؤخذون، في أحيان كثيرة، على الشبهة. وفي تلك المقرات، وفي داخل السجون والمعتقلات، تم هتك أعراض كثير من الناس. وداخل تلك المعتقلات استحدث البعثيون صنوف من العذاب، أصبحت فيما بعد "ماركة مسجلة باسمهم". وفي تلك الأيام تحول التلفزيون الذي تملكه الدولة، من أداة للتسلية والمعرفة، إلى وسيلة حزبية للانتقام من السجناء السياسيين والتشهير بهم وإذلالهم.
ورغم أن البعثيين نفذوا انقلابهم ضد حكومة قاسم، لأن هذا الأخير كان، كما كانوا يرددون بلجاجة، "ديكتاتوريا" و"عدوا" للاماني القومية و"رافضا" لتحقيق الوحدة العربية، فأن ما فترة شهد فيها العراق حكما ديكتاتوريا مثل تلك التي عرفها بعد وصول البعثيين إلى السلطة، وما من حقبة أسيء فيها للاماني القومية العروبية مثلما حدث في فترة حكمهم تلك، وما من مرة أبتذلت فيها فكرة الوحدة العربية مثلما ابتذلت على أيدي البعثيين.
أما خلال فترة حكم البعث الثانية، فيكفي أن نقول أن العراق تحول إلى بلد فريد من نوعه في عدد الأرامل والثكالى والأيتام، وفي عدد المعوزين والمتسولين، نتيجة حروب عبثية، بالمعنى الحقيقي للكلمة. ويكفي أن نقول أن الجيش العراقي كان يقوده شخص اسمه صدام حسين، ما يزال يعتبر حتى الآن، وفقا للقانون العراقي "فار" من الخدمة العسكرية، لكنه حول كبار قادة المؤسسة العسكرية إلى "دمى" يتلقون أوامرهم من جنود بسطاء، فقط لأنهم بعثيون. وسوف لن نتحدث عن عمليات التهجير الجماعية والاغتيالات ومصادرة الحريات، والمقابر الجماعية، وعدد القوانين التي تنص على عقوبة الإعدام، فهذه قضايا يطول شرحها.
باختصار، هناك جرائم كبرى أرتكبها حزب البعث في العراق. وليس صحيحا ما يقوله البعثيون ومناصروهم، الآن، بان البعث لم يرتكب وحده الجرائم، إنما شاركت في ارتكابها قوى سياسية أخرى. هذه حجة أوهى من بيت العنكبوت. فالبعث هو الحزب الوحيد الذي تسنى له حكم البلاد مرتين.
وحتى إذا وضع البعثيون اللوم فيما حدث من انتهاكات في تجربتهم الأولى، على عاتق حلفائهم القوميين، فعلى من يضعون وزر ما حدث خلال تجربة حكمهم الثانية، وقد حكموا العراق طوال ثلث قرن، وحدهم، بدون أي منازع؟

وعي البعثيين الأوائل أنتج "أوكار الهزيمة"، فماذا عن وعي المتأخرين؟

الآن، نخشى أن نتهم بالزوغان عن الحقائق والابتعاد عن الموضوعية. إذ، ربما سيقال: وهل أن البعثيين العراقيين مجموعة من الضواري لم يعرفوا خلال تاريخ حزبهم غير افتراس مواطنيهم؟ وهل أن تجربة حكم البعث الثانية لم تكن سوى حروب ومآسي؟ وهل أن "الاجتثاث" هو الوسيلة المثلى للتخلص من حزب سياسي تأسس قبل أكثر من نصف قرن، وكان له حضورا واسعا في الحياة السياسية العراقية؟
أسئلة كهذه لا يمكن تجنب الإجابة عنها، اللهم إلا إذا أردنا لعاطفتنا وحدها، أو لرغباتنا الشخصية وحدها، أو لكراهيتنا وحدها، أن تتغلب. وسيطول الموضوع كثيرا لو تتبعنا نشأة وتاريخ البعث في العراق. لكننا نقول أن البعث نشأ في العراق (وفي غيره)، أبان ما سميت بفترة التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية، لتلبية طموحات قومية حقيقية. وليس صحيحا أن البعث "ملك صرف" للعراقيين السنة. فلم يكن سعدون حمادي وفؤادي الركابي، الذين أسسوا خلايا البعث الأولى وقادوا الحزب لاحقا، غير عراقيين عرب شيعة. وما كان محسن الشيخ راضي وطالب شبيب وحازم جواد وهاني الفكيكي وحميد خلخال وغيرهم، الذين كانوا يسيرون القيادة القطرية للحزب، قبل وبعد انقلاب شباط 1963، غير عراقيين شيعة، بعضهم ينتمي إلى عائلات نجفية دينية معروفة.
وسنكون ظالمين جدا، لو قلنا أن اولاءك القادة البعثيين كانوا ينشطون في صفوف البعث لتحقيق أهداف شخصية، أو مناطقية، أو طائفية مذهبية. لقد كانوا، وزملائهم الآخرين في الحزب، من مختلف الطوائف والمناطق، يعملون لما كانوا يروونه في مصلحة العراق، رغم أن ما عملوه كان، في نهاية الأمر، كارثة للعراق. وعندما تيقنوا من ذلك فأنهم بادروا لأجراء مراجعات نقدية ذاتية. والدليل على صحة قولنا هو، الانشقاقات والانقسامات التي حدثت في الحزب بعد سقوط تجربة حكمهم الأولى، وكذلك الكتب والمذكرات والاعترافات النقدية التي كتبها بعضهم عن "أوكار الهزيمة"، على حد تعبير أحد قادتهم، المرحوم هاني الفكيكي.
لقد انتهى حزب البعث، عمليا، في اللحظة التي نجح فيها عبد السلام عارف في انقلابه ضد الحزب عام 1963، وانفض من حول الحزب كوادره وحتى أبرز قادته السابقين. ولم يبق من قادته غير خط البكر/ صدام، وبضع حزبيين، كان عددهم لا يتعدى العشرات في العراق كله، عشية وصولهم إلى السلطة في 1968. وحتى ما يسمى بالقيادات التاريخية في الحزب، فان صدام تولى تنحيتهم، واحدا واحدا، قتلا أو اغتيالا أو أبعادا، فتحول الحزب في ظل قيادته، إلى حزب العشيرة الواحدة، ومن ثم حزب العائلة الواحدة ( قبل أيام نشرت صحيفة الزمان البغدادية عريضة وقعها أهالي ورفاق القائد البعثي عبد الحالق حسين ومجموعته الذين أعدمهم صدام، طالبوا فيها برفع شكوى قضائية ضد صدام، لكن الإعلام لم يتوقف، للأسف، لمناقشة تلك العريضة ).
ويقينا، لو أن صدام حسين وحكم البعث لم يسقطا عام 2003 بالظروف التي نعرفها، ولو لم يسن قانون "اجتثاث البعث" الذي أعتبر جميع البعثيين خارجين عن القانون، ولو أتيحت للبعثيين ظروف صحية يراجعون فيها تجربتهم السابقة، مثلما حدث بعد انقلاب تشرين 1963، لما ظل حزبي واحد على قيد الحياة الحزبية البعثية، ولحدثت انشقاقات، أكثر ألف مرة من تلك التي حدثت عام 1963، ولظهرت من رحم البعث العديد من الأحزاب والحركات السياسية.
وهذا يقودنا إلى موضوع المصالحة المطروح حاليا. لقد أعلنت حكومة المالكي أنها لا تستثني أحدا من المصالحة. وفي ذلك أشارة إلى البعثيين. وهذه فرصة ثمينة تتاح للبعثيين، فلماذا لا يبادرون إلى عقد مؤتمرات حزبية يراجعون فيها تجربتهم السابقة.
لقد حدثت ويلات ومآسي شنيعة طوال حقبة حكم البعث الثانية. وهذه الويلات لم تحدثها شياطين هبطت على أرض العراق، إنما سببها حزب البعث الحاكم. ويكفي فقط أن نقول أن هناك ألاف الأيتام والثكالى والأرامل والمعوقين، نتيجة حروب عبثية، بكل معنى الكلمة.
ألا يستحق هولاء اعتذارا؟
نحن نعرف أن صدام حسين قد حول، بقوة السيف، ألاف البعثيين العراقيين إلى مجاميع من العبيد، لا يستقيم أمرهم إلا بوجود القائد، بوميء بأصبعه فيقفون، ويؤشر بسبابته فيجلسون.

نتساءل: ألم يحن الوقت، الآن، لأن يستخدم البعثيون أصابعهم، هم، فيؤشرون بها إلى موضع الجراح التي خلفتها تجربة حكم البعث؟
نتساءل، أيضا: أليس من العار أن يضع البعثيون، الذين لم يكفوا لحظة واحدة عن التغني بالاشتراكية والحرية والوحدة العربية، ووحدة العراقيين وسلامة التراب العراقي، أياديهم بأيدي تنظيم القاعدة والسلفيين التكفيريين، الذين أفتوا بذبح العراقيين، وفقا لمذهبهم الديني، والذين لا تقر لهم عين إلا بإقامة مذابح أهلية للعراقيين؟

يتبع: قضية حل المليشيات

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف