من حسن حظ ميشال عون!

من حسن الحظ أن السخف لم يعد يقتل. لوكان السخف لا يزال يقتل لكان النائب اللبناني الأستاذ ميشال عون خرّ صريعاً بسبب كمية السخف التي خرج بها في الأيام القليلة الماضية، خصوصاً بعد المواقف التي أتخّذها في ظلّ العدوان الأسرائيلي الأخير على لبنان والذي ظهر فيه الأستاذ عون في مظهر الذيل ل"حزب الله" الأيراني. لقد تفوّق ميشال عون في مجال السخف على ميشال عون وهذا أنجاز في حدّ ذاته بالنسبة الى شخص أحترف الرعونة والتهوّر منذ فترة طويلة، أي منذ كان عسكرياً يحلم بالسياسة ومنذ حوّله الجهل والجهالة والجهَلة الذين يلعبون بعقله، هذا أذا كان لديه عقل، الى سياسي ما زال يظنّ أنه كان قائداً عسكرياً عظيماً. يحلم بذلك، علماً بأنّ ليس في سجلّه سوى أنّه تخلّى عن جنوده في أرض المعركة طالباً اللجوء الى منزل السفير الفرنسي قرب بعبدا تاركاً لعميل سوري( عميل أسرائيلي سابقاً) أسمه أيلي حبيقة الأهتمام بأفراد عائلته، وجميعهم من النساء، وحمايتهم. هل يمكن الحديث عن رجل حقيقي له علاقة بالرجولة، وقائد عسكري يترك جنوده في أرض المعركة ويفرّ الى أقرب مكان يستطيع اللجوء اليه؟ هل يجوز الحديث عن رجولة عندما يهرب رب العائلة من قصر بعبدا تاركاً خلفه عائلته، أي أمرأة وثلاث بنات في عهدة من كان يعتبرهم أعداءه الى أن تبيّن أنّه يعمل عندهم من حيث يدري أو لا يدري؟

أمتلك ميشال عون الذي يرفض كثيرون أستعادة تاريخه والذي عمل ما لا يستطيع غيره عمله لأدخال السوريين الى قصر بعبدا ومقرّ وزارة الدفاع اللبنانية للمرة الأولى في تاريخ لبنان، ما يكفي من الوقاحة لمتابعة مهمّته. أنّها المهمة التي نذر حياته من أجلها وتتلخص بتغطية جرائم النظام الأمني السوري- اللبناني على رأسها جريمة أغتيال الرئيس رفيق الحريري. هل يريد الأستاذ عون الذي لا يعرف أن يكون أكثر من اداة في يد هذا الجهاز أو ذاك الأنتقام من رفيق الحريري لأنّه سعى الى أعادته الى لبنان من منفاه الباريسي بشكل يليق بالبني آدمين؟ هل يريد الأنتقام من رفيق الحريري لأنّه أستطاع تحويل لبنان من مزبلة الى بلد راق يمتلك حدّاً أدنى من البنى التحتية؟ هل يتجرّأ ميشال عون على القول كيف قاوم رفيق الحريري الهيمنة السورية منذ فترة طويلة ساعياً الى عقلنة العلاقات بين البلدين، بما يصبّ في مصلحتهما، بدل أن يظلّ لبنان مجرد مكان يعث فيه رجال السلطة في سوريا فساداً مع شركائهم اللبنانيين... هؤلاء الشركاء الذين أنضم اليهم الأستاذ عون أخيراً بشكل رسمي لأن المكان الوحيد الذي يليق به هو أن يكون بين يتامى الجهاز الأمني السوري-اللبناني.

من حسن الحظ أيضاً أن اللبنانيين، بأكثريتهم الساحقة، بدأوا يكتشفون من هو ميشال عون. أنه القائد العسكري الذي تصرّف مثل أيّ قائد ميليشيا عندما كان في قصر بعبدا. لقد نقل خطوط التماس الى داخل المنطقة الشرقية ذات الأغلبية المسيحية في العامين 1989 و1990 وتكفّل بقتل المئات من الأبرياء من المواطنين ومن جنود الجيش اللبناني الباسل بحجة أنّه يخوض "حرب التحرير". نعم خاض ميشال عون "حرب التحرير"، لكنّ كلّ ما فعله أنّه حرّر لبنان من اللبنانيين. هل من يريد أن يتذكر عدد اللبنانيين الذين هاجروا بسبب ما فعله ميشال عون وبسبب أرتكابات الرجل بعدما تولى تشكيل حكومة في العام 1988 ، أثر فشل البرلمان اللبناني في أنتخاب رئيس يخلف الشيخ أمين الجميّل، الذي أرتضى التصرف تصرّف رجل الدولة، والخروج من قصر بعبدا يوم أنتهاء ولايته الدستورية؟

لا يمكن تفسير تصرفات ميشال عون في الفترة الأخيرة التي زادت فيها نزعته الى أختلاق الروايات ثم تصديقها، الاّ في ضوء فقدانه أيّ أمل في الوصول الى موقع رئاسة الجمهورية. ولا شك أن هذه النزعة ستزداد لدى من يظن أن الرئاسة خُلقت له غير مدرك أن ثقافته السياسية لم تتجاوز مرحلة الصفوف الأبتدائية وان لغة "الحرق" و"التفجير" التي يستخدمها لدى حديثه عن الأعلام الذي لا يعجبه أو عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لا تليق برجال الدولة الحقيقيين، خصوصا أولئك الذين يريدون التعاطي في الشأن العام وبلوغ أعلى المواقع. هل يدرك ميشال عون أن اللبنانيين باتوا على علم تام بأن أوراقه صارت مكشوفة وأن همه الأوّل وألأخير تبرئة النظام السوري وأدواته اللبنانية ومن لفّ لفه من جريمة أغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجبران تويني؟

منذ عودته الى بيروت بموجب صفقة توصّل اليها مع النظام السوري، لم يفعل ميشال عون سوى السعي الى تغطية الجرائم التي أرتكبها النظام الأمني السوري- اللبناني . سعى الى تغطية جريمة أغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما. وسعى الى تغطية جريمة أغتيال الزميلين الحبيبين سمير قصير وجبران تويني. وسعى الى تغطية كل الجرائم ومحاولات الأغتيال والتفجيرات التي تعرّض لها اللبنانيون الآمنون... بما في ذلك جريمة التمديد للرئيس أميل لحّود!

ما لا يدركه ميشال عون وما لن يدركه يوماً أن تخريب لبنان سهل وأنّه لعب دوراً أساسياً في هذا المجال. وحبّذا لو يسأل نفسه لمصلحة من يفعل ذلك؟ كذلك لن يدرك أنّ ليس أسهل من تغطية الجرائم كما يفعل يومياً. لكن ذلك كلّه لن يوصله الى رئاسة الجمهورية، لا لشيء سوى لأنّه خان العهد وطعن اللبنانيين الشرفاء في الظهر. ثمة من أدرك ذلك باكراً وثمة من سيدرك ذلك عاجلاً أم آجلاً. لكن ما بات يدركه جميع اللبنانيين هو أن في ألأمكان أستنساخ نعجة لكنّه لا يمكن أستنساخ رئيس للجمهورية. لا يمكن أستنساخ أميل لحّود عن طريق الأتيان بميشال عون مكانه. حتى عملية أستنساخ النعجة "دوللي" كانت فاشلة. هذا ما يفترض أن يرسخ في ذهن ميشال عون في حال كان لا يزال لديه بقيّة من ضمير قد تحثّه على أن يقدّم خدمة لبلده ولجيشه الوطني وليس ل"فتح- الأنتفاضة" أو "الجبهة الشعبية- القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل وأسيادهما الأيرانيين والسوريين من المنادين ببقاء لبنان "ساحة" للنزاعات الأقليمية. مرّة أخرى، من حسن الحظّ ألف مرّة أن السخف لم يعد يقتل. لو كان السخف لا يزال مرضاً قاتلاً، لكان الأستاذ ميشال عون فارقنا من زمان... ولكن من قال أن اللبنانيين لا يحبّون النكات السمجة بين حين وآخر مثل تلك النكتة التي أسمها "الجنرال"؟